الانتفاضة الشعبانية اطلقت حناجر المظلومين:

في حوار مع الكاتب والصحفي عبد الهادي البابي

حاوره: علي العبادي

* نحن بحاجة إلى انتفاضات وليس انتفاضة واحدة

* انهارت أسوار الخوف وحصون الرعب في الانتفاضة الشعبانية

  

شبكة النبأ: كاتب وصحفي كثيراً ما شغله الهم السياسي والوجع الانساني، فأتخذ من أجساد الصحف فضاء ليبوح بما تجود به هموم وطنه، يداعب أحلامه يوميا مع كل لهيب نار يعلن عن موت مجاني في باحات الشوارع الثكلى بنوح الامهات، كلما يدق ناقوس خطر تلقاه أزيز قلمه ثائر منتفضا، حصل على عدة شهادة منها في :( التاريخ والإعلام والاجتماع والخطابة)، وله عدة مؤلفات منها: (قاهر الجن، الخطابة النموذجية، العقد النفسية، نهاية العالم، الانتفاضة الشعبانية) تعرض للاعتقال اكثر من مرة بسبب مواقفه الرافضة الحرب التي شنها الطاغية صدام على دول الجوار، شارك البابي في الانتفاضة الشعبانية قام بتدوين وتوثيق أحداثها وتداعياتها بكتاب (قصة الانتفاضة الشعبانية في كربلاء المقدسة1991)، كونه أكثر من كتب وأسهب في الانتفاضة وكان لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) هذا الحوار مع البابي عن أهم تداعياتها وما اثير حولها.

- كيف قرأت الانتفاضة الشعبانية؟

* إن ما حدث في شهر شعبان سنة 1991 ليس بالأمر السهل، فلقد انهارت أسوار الخوف وحصون الرعب التي كانت تحيط بالشعب المظلوم من كل مكان، وتفجرت حناجر المظلومين ولأول مرة منذ عقود طويلة من الصمت المطبق وهي تهتف بسقوط صدام ونظامه البعثي المستبد، ومهما قالوا عن الاستعجال بالانتفاضة وعدم التخطيط والتنظيم لها فأنها ستظل علامة كبرى وصفحة مشرقة في حياة الشعب العراقي، ففي لحظات قصيرة من عمر الزمن انهارت القلاع المرعبة لنظام البعث الحاكم وتحرر الناس من الخوف الذي كان مسيطراً على كل شيء.

- مالذي غيب التنسيق والتنظيم وتبادل المعلومات بين المجاميع الجهادية في كربلاء؟

* إن أكثر المجاهدين الذين انتفضوا بوجه السلطة الحاكمة لم يبرحوا أماكنهم إلا نادراً وانشغلوا بتمشيط مناطقهم ومحلاتهم من بقايا رموز النظام البعثي ومن بعض معاقل الاستخبارات والأمن الصدامي والشرطة المحلية، ثم أعدوا العدة للدفاع عن مناطقهم بعد هجوم الحرس الجمهوري عليها.

كما أنه لم يكن هنالك أي تنسيق أو ارتباط أو تبادل معلومات بين المجاميع الجهادية العاملة في مدينة كربلاء المقدسة، مما أفقد الانتفاضة وحدة العمل المشترك باتخاذ القرارات الخطيرة خلال أيام الانتفاضة الشعبانية، وحتى أن الذين قاتلوا ودافعوا دفاع المستميت عن المرقدين الطاهرين في اللحظات الأخيرة من الانتفاضة كان أكثرهم يقاتل دون أن يرتبط بمسؤول معين أو يتلقى الأوامر من جهة قيادية معروفة، بل كان الجميع يقاتلون بروح الجماعة الواحدة، والهدف الواحد، والغاية الواحدة، وهو الخلاص من نير الظلم وتحطيم أسوار الرعب في المدينة المقدسة وفي كل العراق .

- بعض قوات النظام الذين تم القاء القبض عليهم من قبل الثوار قالوا: اننا أوهمنا بان الجيش الامريكي في كربلاء ونحن جئنا لمقاتلته لا مقاتلة الثوار؟

*  نعم سمعنا الكثير من الجنود الذين وقعوا في الأسر بأنهم جاؤا لمقاتلة المحتل، ولكن ليس الأمريكي - بل الإيراني الصفوي- حيث أن القادة العراقيين اشاعوا بأن هناك قوات إيرانية دخلت  كربلاء وهذه التقارير كتبها وأرسلها بعض البعثيين من داخل المحافظة لتأليب الجيش على ضرب المدينة، وحتى الفتوى التي زوروها للسيد الخوئي رحمه الله تقول: يجب مقاتلة هؤلاء الذين هم لصوص ومن المخابرات الإيرانية ويقصدون بهم الثوار.

- الى أي شيء توعز الانحسار الاعلامي للانتفاضة آنذاك؟

* لم يكن هناك توثيق إعلامي من صحافة أو نشرات يومية أو بيانات مسجلة أو تصوير تلفزيوني أو فضائيات عاملة في مدينة كربلاء، ولم يبق شيء من التوثيق والصور إلاً مجموعة نادرة من اللقطات الشخصية العابرة وبعض الصور التي التقطتها وسائل الإعلام الحكومية التي رافقت القوات الأمنية أثناء وبعد المعركة، ولم تدخل وسائل الإعلام المحايدة إلى كربلاء.

- ما مدى تداعيات الانتفاضة في العالم؟

* قبل أن تحدث الانتفاضة الشعبانية في آذار سنة 1991 كانت أجهزة الإعلام الأمريكية والغربية تحفز الشعب العراقي على الثورة ضد نظام البعث الحاكم في العراق، فحدث ما كانت أمريكا تصبوا إليه، وبدلاً من أن تساند الثوار المنتفضين راحت تساعد وتؤهل صدام مرة أخرى والذي قام بمعالجة الموقف بوحشية كبيرة، حيث لم يشهد العالم في القرن العشرين شبيهاً لما قام به البعثيون في العراق، فقد كان قتل الناس جملة من دون أدنى تحقيق، لقد تآمر الجميع على وأد الانتفاضة الشعبانية.

- هل تعتبر الانتفاضة من أهم الأحداث التي أفرزها القرن العشرين؟

* لا.. هي واحدة من تلك الأحداث المهمة التي حصلت في القرن العشرين .. ولكن بالنسبة للعراق تعتبر الانتفاضة ثاني أكبر ثورة شعبية حدثت في العراق بعد ثورة العشرين العظيمة عام    1920 ضد الاحتلال البريطاني للعراق.

- هل أنصفت عوائل شهداء الانتفاضة؟

* بعضهم أخذ حقوقهم وزيادة، والكثير لم يأخذوا فلساً واحداً ولم يعوضوا على ما فقدوه من أبناء ومال وعقار حتى الآن.

- هل نحن بحاجة الى انتفاضة اخرى وعلى من؟

* نعم: نحن بحاجة إلى انتفاضات وليس انتفاضة واحدة ..انتفاضة على الجهل.. انتفاضة على الأفكار الجاهلية.. انتفاضة على الموروثات التي دمرتنا وقتلتنا.. انتفاضة على واقعنا المزري.. انتفاضة على الفكر المنحرف الذي قادنا إلى الخراب.

- هل تكررت الانتفاضة بشكل أخر؟

* لم تتكرر .. لأن ظروف وأجواء الانتفاضة في حينها تختلف عن غيرها كلما تقدم الزمن وتبدلت الأدوات واستجدت المواقف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/تشرين الأول/2014 - 12/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م