الاعتبار من الماضي انتصار للحاضر والمستقبل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تأتي قضية الاعتبار من الماضي، ضمن الاستفادة من التجارب السابقة، وهو أمر تمسك به الانسان، واستطاع ان يطوّر نفسه، وقد ضُربت الامثال وقيلت المقولات فضلا عن الايات القرآنية والاحاديث الشريفة في مجال الاعتبار من الماضي، بمعنى الاستفادة من المزايا والاخطاء التي حدثت في السابق، فالمزايا يتمسك بها الانسان الفرد والمجتمع ويطورها خدمة لحياته، والاخطاء التي حدثت في تجارب الماضي يعمل الانسان على تجنبها وعدم ارتكابها مرة ثانية، فالمؤمن لا يُلدَ من جحر مرتين.

وهناك اقوال كثيرة تؤكد على اهمية الاستفادة والاعتبار من الماضي، كما نقرأ ذلك في الحديث الشريف التالي: (اعتبروا من ماضي الدنيا لمستقبلها). لهذا لا يمكن أن نقاطع التاريخ بصورة كليّة، بل علينا الاستفادة من الحلقات المشرقة فيه لبناء حاضرنا ومستقبلنا بأفضل صورة ممكنة، وعلينا عدم الوقوع في الاخطاء الماضية نفسها.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى كلماته القيّمة قائلا في هذا المجال: (اقرأوا تاريخ صاحب ثورة العشرين في العراق ومفجّرها، الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري رضوان الله عليه، اقرأوا تاريخه في الزهد وفي الدراسة وفي العلم). وأشار سماحته إلى دور ومكانة الشيخ الشيرازي قدّس سرّه، وقال: (لقد ذكروا في تاريخ الشيخ الشيرازي أنه هو الشخص الوحيد الذي بدأ قيادة ثورة العشرين وعبّأ الطاقات الحوزوية والطاقات العشائرية والطاقات الأخرى في سبيل محاربة سيطرة بريطانيا على العراق، يوم كانت بريطانيا أكبر مستعمرة على وجه الأرض).

هكذا يمكن الاستفادة من الشخصيات التي قدمت في الماضي أفعالا ومواقف لا يمكن نسيانها، ولابد أن تشكل مثل هذه الشخصيات نماذج مثلى لنا، من اجل انتهاج الاسلوب ذاته في التعامل مع المصاعب والمخاطر التي تواجهنا، وكل هذه الامور تصب في باب الاعتبار من الماضي، وهو الامر الذي يؤكد على وجوب التنبّه للمواقف والاطلاع على سيرة كبار الشخصيات الاسلامية والانسانية، لأنها تركت بصمتها وتأثيرها الكبير على الجميع، من خلال مواقفها التاريخية التي لا يمكن التغاضي عنها، كونها تشكل لنا جميعا دورسا في كيفي مقارعة الاحتلال، وحتى الحكام الطغاة الذين يسلبون حريتنا وحقوقنا من اجل امتيازاتهم وبقائهم على عروشهم.

سياسة شد الحزام

كانت سياسة شد الحزام ولا زالت، أحدى اهم الاشتراطات لتحقيق النصر على الاعداء، ويُقصَد بهذه السياسة، تحمّل الصعاب، والتمرّس على المواجهة، وتقديم ما يكفي من تضحيات مادية ومعنوية، تصل الى حد تقديم النفس كقربان على مذبح الحرية، فحتى يمكنك تحقيق الانتصار وكسب الحرية، لابد من الصمود والصبر والتحمل في المجالات كافة لجميع افرد الامة او الشعب.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إن العراق اليوم، والعالم الإسلامي كلّه، والعالم غير الإسلامي كلّه، أيضاً، بحاجة إلى ما يسمّيه أهل العراق بـ - شدّ حزام- من المؤمنين، وبحاجة إلى تحمّل، وبحاجة إلى صبر، وبحاجة إلى صمود ومواصلة، كل في مجاله).

لذلك من دون هذه الصفات والمؤهلات التي ينبغي أن تتوافر في شخصية الفرد والشعب عموما، لا يمكن تحقيق الانتصار على الطرف المضاد الذي يحاول سلب حريتنا، ولا شك أن الصبر والتحمل والقدرة على الصمود تحتاج الى الاعتبار من احداث الماضي ومواقفه وشخصياته.

ولعلنا نتفق جميعا على ان الانتصار يحتاج الى مقومات منها ما يصفه سماحة المرجع الشيرازي، بالتفاف الشعب حول المرجعية والمستوى القيادي العالي لها، ويضرب لنا سماحته مثلا بالعراق الذي انتصر على بريطانيا الاستعمارية، اذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (العراق حارب بريطانيا يوم كانت أقوى قوة على وجه الأرض، وكان العراق بالنسبة إليها ذاك اليوم، خاوياً وخالياً، ولكن إيمان الشعب العراقي ذلك اليوم والتفافهم حول المرجعية الدينية، وامتثالهم، وكذلك كانت قيادة المرجعية الدينية قيادة في المستوى، جعلت الشعب العراقي الضعيف ينتصر مقابل تلك الحكومة الكبيرة. واليوم سينتصر الشعب العراقي أيضاً).

إن هذه الرؤية الاستقرائية لاكتشاف المستقبل، نجدها واضحة في تصورات سماحة المرجع الشيرازي ازاء مستقبل العراق، وأن الانتصار قاب قوسين من هذا البلد الذي عانى من الاحتلال ومن الحكومات الفاسدة اشد المعاناة، ولا شكا أن الانتصار سيكون حليفه كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، بايمان ثابت الجنان، نظرا لتوافر مقومات الانتصار في العراق.

الاخلاص والنشاط والاخلاق

من المهم ان يعرف ويؤمن الجميع في العراق، بأن مسؤولية تحقيق الانتصار ليست سهلة او عابرة، إنها مسؤولية مصير بلد وشعب كامل ويمتد الى مصير امة بأكملها، لذلك لابد أن يفهم الفرد العراقي وصولا الى عموم الشعب، بأن المسؤوليات الملقاة على عاتقه كبيرة جدا، وفي غاية الاهمية كونها تتعلق باستقلال وحرية وحياة شعب عريق، يمتد تأثيره الى جميع دول وشعوب المنطقة، بل الى العالم اجمع، من هنا تكون المسؤوليات كبيرة من حيث الاهمية.

ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي، أن هناك ثلاث كلمات بمعناها الكبير، تحدد مسؤولية الفرد والشعب عموما، تتمثل أو بالاخلاص، فهذه المفردة تعني ان يقدم الانسان كل ما يملك من جهود مادية ومعنوية لاداء مسؤولياته بأفضل وجه، وعندما يمتلك الانسان هذه الصفة، وعندما تحكم افعاله واقواله صفة او ملكة الاخلاص، فإنه سوف يكون مؤثرا وقادرا على اداء مسؤولياته ازاء الدولة والمجتمع.

وهناك جانب النشاط الانساني الذي يقدمه الانسان في خدمة بلده، ونعني هنا النشاط الايجابي الذي يسهم في عملية البناء المستمر بشقيها المادي والمعنوي، فهو الكلمة الثانية التي يحددها سماحة المرجع الشيرازي لنجاح الانسان في القيام بمسؤولياته، والكلمة الثالثة هي الاخلاق وقدرتها على دفع الانسان نحو اداء المسؤوليات بصورة مثلى، وهو امر بالغ الوضوح، فلا يمكن أن يتحقق النجاح لفرد او شعب او امة ما، من دون توافر الاخلاق التي تؤكد انسانية الانسان وانتمائه للحق، ويُصعب تحقيق هذا الهدف الكبير من دون التنبّه للاعتبار من الماضي تحقيقا للانتصار المنشود.

من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطبا كل افراد الشعب العراقي: (كل واحد منكم يمكنه أن يؤدّي هذه المسؤولية الكبيرة في المستقبل وذلك عبر الكلمات الثلاث التالية: الأولى: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. الثانية: النشاط في المستوى. الثالثة: الأخلاق الحسنة في المستوى. أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/تشرين الأول/2014 - 6/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م