التظاهر.. صوت الشارع وهواجس السلطة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: بالرغم مما تدعيه العديد من البلاد الاسلامية من تطبيق الديمقراطية من خلال مشاهد الانتخابات والأدلاء بالاصوات في صناديق الاقتراع، وبعض المظاهر الدالة على المشاركة الجماهيرية والتعددية السياسية وحرية الصحافة، لكن تبقى مسألة واحدة في حسابات الساسة عندنا غير مفهومة وغير محسومة، وهي التظاهر في الشارع.. وبما ان كل شيء يبدأ من "الشارع العام" حيث الامن والاجتماعي والغذائي وتوفير الخدمات وتحقيق الطموحات، ثم يعود اليه باستتباب الامن والاستقرار، فان وجود تجمعات جماهيرية على ابواب هذه المؤسسة الحكومية او تلك، يشكل بالنسبة اليهم تهديداً لهذه المعادلة التي طالما يحرص الساسة على تمريرها لانجاح أدائهم السياسي وكسب مشروعيتهم ومصداقيتهم. ولذا نلاحظ ان التظاهرات الجماهيرية في بلادنا تعبر بالدرجة الاولى وعلى الاغلب عن "حالة وطنية" عامة، مثل الدفاع عن سيادة البلد امام التهديدات الخارجية، او اعلان تضامن البلد مع قضية شعب او بلد في مكان ما او غير ذلك.

أما في بعض البلاد الغربية فان التظاهرات الجماهيرية – وبغض النظر عمّن ينظمها- فانها تعد امراً بديهياً وحقاً مكفولاً للمواطن، كما هو الحال في الاعتصامات والاضرابات العمالية، فتأتي جماعة تمثل جهة معينة الى مركز الشرطة او الداشرة المختصة والتابعة لوزارة الداخلية وتقدم طلباً بتسيير تظاهرة في الشارع، فينظر أولاً في قضية التظاهرة والشعارات المرفوعة، ثم مكان التظاهرة، ويتم توفير الحماية لهذه التظاهرة حسب الضوابط والقوانين المتبعة، ولن يكون هنالك رفض او امتناع عن الطلب بالمرة. فتكون هذه الحركة الجماهيرية وسيلة ضغط سياسية او نقابية على الحكومة بالتغيير والاصلاح، وليس التسقيط والهدم.

هذه الاجواء التي تسود بعض البلاد الغربية التي تطبق نسبة عالية من الديمقراطية، وحتى التي تطبق نسبة أقل، تسودها علاقات طبيعية بين الدولة والمجتمع، وبين المسؤول الحكومي وبين المواطن، فثمة حالة توازن في معادلة الحقوق والواجبات. بينما في بلادنا، لاسيما العراق، فانه في زمن اختلال هذه المعادلة، نلاحظ التخوف من تنظيم تظاهرات جماهيرية، بغض النظر عن توجهاتها او من يقف خلفها.

خلال الثمان سنوات الماضية، عندما كانت تنظم تظاهرات جماهيرية للمطالبة بتحسين خدمة الكهرباء والماء او توفير فرص العمل وغيرها من المطالب البسيطة، كان الجواب يأتي من قمة السلطة، أن الغاية الحقيقية لهذه التظاهرات أمر آخر ليس الخدمات، إنما الاغراض السياسية..!. هذا في وقت لا تبرح الازمات تشد خناقها على رقبة المجتمع والمواطن. لذا فان لسان حال المواطن العادي: أن "حسنوا الأداء الحكومي يا سادة.. وقللوا من الهفوات والسقطات و.... ولا حاجة بعد ئذ للتظاهر تحت اشعة الشمس الحارقة وبذل الجهد العضلي والنفسي وصرف الوقت..".

وحتى لا نجانب الحقيقة نقول: أن الاوضاع المأساوية التي يمر بها العراق حالياً والدماء التي تسفك والنهب المنظم للاموال وهدر الثروة الوطنية، بحاجة الى اكثر من تظاهر في الشارع، وهذه الحقيقة بالامكان ملاحظتها على ألسن الكثير في الشارع، بان السكوت وعدم الاعتراض هو الذي يطمئن اللصوص والفاسدين للاستمرار في مهمتهم، بيد أن المثير في الامر مؤخراً هو الاعتراض بالضد من قبل بعض الساسة، واعتبار تظاهرات جماهيرية من المتوقع تنظيمها اليوم،  الثلاين من هذا الشهر في اكثر من مدينة عراقية، على أنها "مدفوعة الثمن"، أو انها "لتشويه صورة الحكومة" او لتسقيطها.. وهم يدعمون موقفهم بأن الوقت غير مناسب لتنظيم هكذا تظاهرات احتجاجية على سياسات الحكومة الجديدة التي يترأسها الدكتور حيدر العبادي، وانه بعد لم يكمل الشهر الاول من عمر حكومته. وأن البلد يواجه تحديات ارهابية خطيرة وغير ذلك..

انه لأمر بديهي من كل حريص على أمن بلده واستقرار الاوضاع السياسية والاجتماعية، أن يتجنب أي عمل يناقض هذه المبادئ الثابتة، بيد أن الى جانب هذا الفهم والوعي المطلوب من الجماهير، فان مطلباً آخراً بالمقابل يجب ان تتلقاه الحكومة والمسؤولين في الدولة، وهي العمل على التقليل من اسباب ودوافع التظاهر.

هناك من يقول: ان "الاوضاع الامنية والسياسية التي تشهدها البلاد لا تتحمل مثل هذه التظاهرات في الوقت الحاضر..". وربما يحمل كلامه جانباً من الصواب، وهو عدم إثارة الاضطرابات وإشغال الحكومة بالشارع العام بدلاً من مواجهة الارهاب. بيد ان المواطن العادي ربما يسأل عن كيفية تحمل هذا البلد لمصاب جلل، ربما لم يسبق له مثيل، وهو مقتل المئات من منتسبي الجيش العراقي صبراً على يد الجماعات الارهابية في ظروف غامضة ومريبة، وخلال فترة زمنية محدودة؟.

ان هذه التظاهرات التي يتخوف منها البعض، تمت الدعوة اليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على النت، تماماً كما حصل العام الماضي عندما تمت الدعوة، وبنفس الطريقة، للتظاهرات الجماهيرية المطالبة بإلغاء الرواتب والامتيازات المليونية للمسؤولين، ولم يعترض عليها أحد او يبدي ملاحظة معينة عليها، علماً انها جاءت في وقت متأخر جداً، وبعد مرور اكثر من عقد من الزمن على سقوط عشرات المليارات من الدنانير في جيوب خاصة بعيداً عن حاجات الشعب،من ماء وكهرباء وطرق وتعليم وغيرها. أما اليوم فان الحديث عن مصير أرواح مئات الشباب من ابناء هذا الشعب الذين ذهبوا ضحية سيناريو معد سلفاً من اطراف اقليمية ودولية لإذكاء نار الحرب الطائفية في العراق، وفيما يطالب ذوي المفقودين والشهداء في الاحداث الاخيرة المعروفة، يسمع الناس قرار رئيس الحكومة بوقف القصف الجوي على بعض المناطق التي يُقال انها مأهولة بالاسكان وليس بالارهابيين.

وبغض النظر عن حقيقة الموقف في الميدان، فمن الصعب جداً الوقوف على مصداقية المعلومات الواردة من ارض المعركة، واذا كانت هذه المنطقة او تلك المدينة خالية من الارهابيين او لا، او ان هذه القرية او تلك الناحية حاضنة للارهاب ومتسببة بالذبح والقتل الجماعي او لا، فان هذا متروك للتحقيقات التي تتحمل مسؤوليتها الحكومة بالدرجة الاولى. بيد ان الكلمة الاخيرة تبقى للشعب العراقي في أن يلمس – على الاقل- تحركاً مؤثراً للحفاظ على ارواح ابنائه المقاتلين في صفوف القوات المسلحة، هذا فضلاً عن سائر المشاكل والازمات الموجودة هي بالاساس، ولعل اهم خطوة في هذا الطريق، طيّ صفحة الجدل الدائر على المناصب الامنية للتحول الى الخطوة الاخرى وهي توفير اقصى درجات الامن والاستقرار للشعب العراقي حتى يشعر بوجود قوة تحميه وتدافع عنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/تشرين الأول/2014 - 5/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م