لبنان بين الداخل والخارج.. تحت سطوة الازمات

 

شبكة النبأ: لبنان التي تعاني من عقبات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، تحملت راهنا، اعباءً إضافية قد لا تستطيع الاستمرار طويلا باستيعابها كما يرى مراقبون، سيما وان الاخطار التي تحيطها من اغلب جهتها، تسرع من انفجار الأوضاع اللبنانية في أي لحظة، فمع ارتفاع اعداد النازحين ليصل عند حدود 2 مليون نازح (بحسب توقعات خبراء وتقارير اممية والتي رشحت هذا الارتفاع مع بداية السنة القادمة)، ودخول لبنان كطرف مستهدف من قبل الجماعات المتطرفة، والتي تنتقل بين الحدود السورية- اللبنانية، إضافة الى ازمة الثقة السياسية التي تعيشها الدولة اللبنانية منذ عقود، كلها عوامل سلبية دفعت اغلب المحللين للنظر بعين الحذر تجاه الملف اللبناني ومستقبل الازمة السورية التي ستؤدي انعكاساتها على الواقع اللبناني الى خلق ازمة حقيقية داخل لبنان.

ويبدو ان اهم ما حذر منه الخبراء والمراقبون، هو العامل الطائفي، الذي يمكن ان يتحكم بالمواطنين في لبنان، ويدفعهم نحو الاقتتال والحرب الاهلية، وهو ما يرغب فيه المتطرفون من اجل فتح المزيد من الثغرات الأمنية، بعد ان تخلق الصراعات الداخلية البيئة الامنة لانتعاش الحركات المتشددة، لكن على ما يبدو، فان لبنان حتى اللحظة ما زالت متماسكة، وما قامت به القوات الأمنية مؤخرا، في عرسال، دلل على قدرتها في المساهمة بشكل فعال في القضاء على أي تهديد إرهابي يمكن ان يؤثر على امن لبنان الداخلي، فيما عززت المساعدات العسكرية المقدمة من عدة دول، من بينها الولايات المتحدة الامريكية، من إمكاناتها العسكرية لمواجهة التهديدات المستقبلية المحتملة.

وفجر انتحاري يقود دراجة نارية نفسه قرب حاجز لحزب الله في شرق لبنان مما اسفر عن مقتل عناصر من الحزب اللبناني الشيعي لم يعرف في الحال عددهم، بينما اعلنت الحكومة اللبنانية ان جماعة جهادية اعدمت جنديا لبنانيا كانت تحتجزه رهينة، وقال مصدر امني طالبا عدم ذكر اسمه ان "الانتحاري الذي كان على متن دراجة نارية فجر نفسه قرب حاجز لحزب الله في محيط بلدة الخريبة" في منطقة البقاع في شرق لبنان على الحدود مع سوريا، مضيفا ان "عناصر حزب الله الذين كانوا على الحاجز قتلوا"، من دون ان يتمكن من تحديد عددهم.

من جهتها قالت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية ان التفجير الانتحاري تم بواسطة سيارة مفخخة واوقع ثلاثة قتلى، من دون ان تحدد ما اذا كانوا من عناصر الحزب الشيعي، وقالت الوكالة انه "بحسب المعلومات الأولية، فإن انتحاريا داخل سيارة رباعية الدفع من نوع رانج روفر، فجر نفسه لدى وصوله إلى الحاجز، بالتزامن مع مرور دراجة نارية"، مضيفة ان الهجوم اسفر "عن سقوط ثلاثة شهداء"، وسبق ان استهدفت حواجز لحزب الله وكذلك للجيش اللبناني بهجمات مماثلة منذ 2013، وقد تبنت تلك الهجمات جماعات قالت انها نفذتها ردا على تدخل حزب الله في النزاع السوري، ويطالب الجهاديون السنة بانسحاب الحزب الشيعي من سوريا حيث يقاتل عناصره الى جانب قوات الاسد وهم يتهمون الجيش اللبناني بالارتهان لحزب الله، كما يطالب هؤلاء باطلاق السلطات اللبنانية سراح اسلاميين متطرفين تحتجزهم، وهو ما ترفضه بيروت.

ويأتي هذا الهجوم في نهاية يوم شهد فيه سهل البقاع توترات شديدة اثر اعدام "جبهة النصرة"، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، جنديا لبنانيا من ابناء المنطقة كانت تحتجزه رهينة اثر مواجهات وقعت في محيط بلدة عرسال البقاعية الحدودية مع سوريا، وهو ثالث جندي لبناني يلقى هذا المصير على ايدي الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وقال وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل في ختام اجتماع لكبار المسؤولين الامنيين اللبنانيين انه جرى "عرض للعمليات العسكرية الدائرة في منطقة عرسال وما رافقها من قيام القوى الارهابية التكفيرية بقتل الجندي محمد حمية والتهديد بقتل المزيد من العسكريين الابطال المخطوفين".

وعلى احد حسابات جبهة النصرة على تويتر، اعلنت ان "محمد حمية أول ضحية من ضحايا تعنت الجيش اللبناني الذي أصبح ألعوبة بيد الحزب الايراني" في اشارة الى حزب الله الشيعي اللبناني، وهو التبني الاول من هذا النوع الذي تقوم به جبهة النصرة منذ خطف حوالى 30 جنديا وعنصرا من قوى الامن في 2 اب/اغسطس في عرسال التي شهدت مواجهة دامية بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سوريا وذكرت تقارير امنية انهم مزيج من "الدولة الاسلامية" و"جبهة النصرة" وكتائب مقاتلة أخرى، وانتهت المواجهة بعد ايام بانسحاب المسلحين الى خارج عرسال وسوريا، بعد مقتل 20 عسكريا في الجيش و16 مدنيا وعشرات المسلحين.

وفي نهاية اب/اغسطس ومطلع ايلول/سبتمبر، اعدم تنظيم الدولة الاسلامية الذي يحتجز قسما من الرهائن، جنديين لبنانيين، وبعد خمسة ايام من المعارك التي بدأت في مطلع اب/اغسطس، تراجع الجهاديون نحو الجبال المحيطة بعرسال على الحدود مع سوريا، لكن اعمال عنف متقطعة تواصلت، وقتل جنديان لبنانيان واصيب ثلاثة اخرون بجروح في هجوم بالقنبلة استهدف آليتهم داخل بلدة عرسال ما دفع بالجيش الى القيام باعتقالات واستئناف قصفه على مواقع جهاديين، وتكثفت عمليات القصف بحسب مصدر امني فيما تؤكد الحكومة ضرورة مواجهة "القوى المتطرفة"، وقتل 11 عنصرا من جبهة النصرة والمسلحين الاسلاميين في القصف على منطقة عرسال، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وتستضيف عرسال ذات الغالبية السنية والمتعاطفة اجمالا مع المعارضة السورية، عشرات الاف اللاجئين السوريين، وينقسم اللبنانيون بين داعمين للمعارضة السورية ضد نظام بشار الاسد، وهم اجمالا جمهور قوى 14 آذار المناهضة لدمشق وحزب الله، ومؤيدين للنظام، وابرزهم انصار حزب الله، ويقول حزب الله انه يقاتل في سوريا لمنع وصول موجة التطرف الاسلامي الى لبنان، بينما يتهمه خصومه بتوتير الوضع اللبناني بسبب هذا التدخل. بحسب فرانس برس.

تضاؤل الترحيب بالسوريين

الى ذلك وعندما استولى إسلاميون سوريون متمردون على بلدة عرسال الحدودية اللبنانية لم يكن ذلك خبرا سيئا فحسب للبنانيين إنما أيضا لأكثر من مليون سوري يعيشون في لبنان معظمهم لاجئون فروا من الحرب في بلادهم، والسوريون الذين يعادلون ربع سكان لبنان قبل الحرب الأهلية في بلادهم صاروا موضع غضب اللبنانيين لأنهم يأخذون الوظائف ويتسببون أيضا في خفض الأجور وزيادة كثافة الفصول بالمدارس والمستشفيات كما يلامون على أزمة انقطاع الكهرباء التي تزداد سوءا، بالنسبة لبعض اللبنانيين كانت عرسال القشة التي قصمت ظهر البعير، فما أن غادر سمعان خوام وهو فنان عمره 40 عاما يحمل الجنسيتين السورية واللبنانية شقة صديقه في شرق بيروت في الآونة الأخيرة حتى أحاط به أكثر من ستة شبان في زي مدني لكنهم طلبوا رؤية أوراق هويته.

خوام رفض، وقال وهو ينفث دخان سيجارته في الاستوديو الخاص به "لم أكن حتى انتهيت من عبارتي حتى هاجموني"، لكمه الرجال في وجهه ومزقوا حقيبته، ووجد آخر بطاقة هوية ثابت بها أن خوام مولود في دمشق فطلب منه أن يعرف من أعطاه الجنسية اللبنانية، ثم ضربوه من جديد، وقال خوام الذي يعيش في لبنان منذ عام 1988 "بالنسبة لي ما آلمني ليس الضرب لكن الإهانة"، لوقت طويل واجه السوريون في لبنان تفرقة ضدهم وتعديات عليهم لكن منذ معركة عرسال التي قتل متشددون إسلاميون نحو 20 من الجنود اللبنانيين فيها قبل أن ينسحبوا ومعهم رهائن من الجنود تواترت الأنباء بمزيد ومزيد من الهجمات عليهم، وبينما قصف الجيش اللبناني البلدة وقتل عشرات من اللاجئين السوريين بحسب عاملين في المجال الطبي قال قائد الجيش العماد جان قهوجي في مؤتمر صحفي أذيع تلفزيونيا إن مخيمات اللاجئين يجب ألا يسمح لها أن تصير بؤرة للإرهاب على حد قوله.

في نفس الوقت نشرت وسائل الإعلام المحلية أنباء عن هجمات لعصابات ومداهمات متزايدة من جانب الشرطة للاجئين بعد أن قطع متشددون ينتسبون لتنظيم الدولة الإسلامية رأسي جنديين لبنانيين من الرهائن، وقام أهالي وادي البقاع الذي يعيش فيه أغلب اللاجئين السوريين بخطف لاجئين وإحراق خيام، وفي بيروت وزع سكان منشورات تطالب السوريين بمغادرة المدينة، وفي منطقة مسيحية ظهرت كتابات على الجدران تطالب بالحذر من السوري وتقول إنه عدو، وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس "هناك أضرار كبرى (بعد عرسال)"، وأضاف "أولا النازح السوري هرب إلى لبنان التماسا للأمان، الآن في داخله لا يشعر بالأمان لأنه أصبح يحس أن الذي استقبله في البداية الآن قد ضاق به ذرعا". بحسب رويترز.

بعض الغضب قد يكون حتميا في دولة تستضيف لاجئين سوريين أكثر من غيرها بالقياس إلى عدد السكان، بعيدا عن الضغط المتزايد على الكهرباء والمياه وكلاهما غير منتظم حتى في أحسن الأوقات فإن وفرة العمال السوريين المفلسين تسببت في خفض الأجور وهي حقيقة استغلها أصحاب الأعمال بسرعة لكن أغضبت العمال، والسياسيون أيضا منزعجون من أن اللاجئين وأغلبهم سنة يمكن أن يؤثروا على التوازن الطائفي الحساس الذي يقوم عليه تقسيم المناصب العليا بين المسيحيين والشيعة والسنة ومجموعات أخرى أصغر، وقال أحمد فتفت وهو عضو سني في مجلس النواب اللبناني أيد إقامة معسكرات رسمية للاجئين إن الإهمال الحكومي لوضع اللاجئين والفشل الدولي في حل الصراع السوري جعل المشكلة تكبر إلى حد خطير.

إلى جانب الضغط على البنية التحتية قال فتفت إن هناك خطرا يتمثل في إمكانية انتساب بعض اللاجئين إلى الجماعات المسلحة في سوريا، وقال "كل هذا الموضوع يشكل نوعا من قنبلة موقتة ولكن هي ليس قنبلة عادية، إنها تشبه القنبلة النووية بحجم أضرارها إذا انفجرت"، واتجه كثير من السوريين إلى لبنان انطلاقا من الروابط الثقافية واللغوية والاقتصادية والسياسية بين البلدين عبر التاريخ، وليس هناك كثير من المناطق أفضل من بلدة برج الشمالي التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن الحدود مع إسرائيل تبيانا لهذا الوضع المتشابك.

ويأتي العمال المهاجرون من سوريا إلى هنا منذ وقت طويل قبل الحرب الأهلية، لكن ببساطة تحولت الخيام المؤقتة إلى مخيمات للاجئين بجانب تغيير في الاسم وفي عدد الناس المقيمين أكثر من أي شيء آخر، وعاش اللاجئون هنا في سلام معظم الوقت لكن مؤخرا أصدرت الإدارة المحلية قرارا صار عناوين للصحف بعد أن بدا أن القرار يفضي إلى إخلاء الخيام، ويقول رئيس بلدية برج الشمالي علي ديب إن وسائل الإعلام أعطت القرار أكبر من حجمه وإن القرار كان هدفه الوحيد محاولة ضمان أن يقدم أصحاب الأعمال المحليون السكن للعمال الذين يحتاجون إليهم وتنظيم المعسكرات التي خرجت على السيطرة بعد أن كبرت، ومثل بلدات أخرى فرضت برج الشمالي نوعا من حظر التجول لكن ديب قال إنه كان قائما قبل أحداث عرسال وإن هدفه هو حماية اللاجئين من الهجمات، وقال "هناك ناس بدأت تصطاد بالمياه العكرة"، وأضاف أن ما يحدث يفوق قدرات الدولة اللبنانية مؤكدا "نحن نقول علينا أن ننظم أمورنا بكل ضيعة، لازم".

في الخيام المتربة المقامة من قطع البلاستيك والقماش السميك وعلى مسمع من الشرطة اللبنانية قال اللاجئون إنهم لا يتعرضون لتهديد لكنهم يكافحون لإيجاد مكان آخر يذهبون إليه، وقال محمد (45 عاما) الذي رفض الإفصاح عن باقي اسمه وهو لاجئ من مدينة حلب إن أسرته المكونة من عشرة أفراد تحتاج إلى مسكن لكنه غير قادر حتى على استئجار مسكن من غرفة ومطبخ يتراوح إيجاره بين مئة و150 دولارا في الشهر، وأضاف "غرفة ومطبخ لعشرة أفراد، وين بدي أسكن؟"، بعض السياسيين اقترحوا إقامة مخيمات لاجئين رسمية مثل تلك التي أقيمت في تركيا والأردن اللذين فيهما عدد هائل من اللاجئين السوريين، لكن لبنان لديه ما يقلقه، فقبل أكثر من 60 عاما استقبل لبنان عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من حرب إقامة إسرائيل والآن صاروا مئات الآلاف وتحولت مخيماتهم إلى أحياء فقيرة مزدحمة، الأكثر من ذلك أن عسكرة المخيمات الفلسطينية كانت في نظر كثيرين أساس الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990.

ربما يكون من المحتم بالنسبة لدولة يقوم فيها تقاسم السلطة على أسس طائفية أن تأخذ المناقشة منحى طائفيا، وبحسب وسائل إعلام محلية قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيعي الذي أرسل مقاتلين لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد ضد المتمردين الذين يغلب عليهم السنة إن الجماعات المسلحة يمكن أن تستغل اللاجئين السوريين إذا أقاموا في مخيمات دائمة، وقال سياسيون مسيحيون أيضا إنهم ضد الفكرة، وحتى إذا كانت هناك موافقة على مخيمات رسمية يبقى السؤال الصعب: اين يمكن إقامتها في دولة ضيقة مساحتها ثلث مساحة بلجيكا؟، وربما يكون وضع المخيمات قرب الحدود سببا لامتداد الحرب الأهلية إلى لبنان، وقالت نينيت كيلي ممثلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان إنه حتى إذا أقيمت المخيمات الدائمة فإن الأعداد في حد ذاتها تعني أن "المخيم ليس هو الحل"، وأضافت "الاحتياج الحقيقي هو لدعم دولي ضخم (لمخيمات اللاجئين)"، درباس وزير الشؤون الاجتماعية وهو سني قال إنه يعتقد أن المخيمات الرسمية هي رغم كل شيء الحل الحقيقي المتاح وإن هناك خططا بالفعل لتجربة مخيمات، وأضاف "بصراحة ربما كانت ترى الحكومة السابقة أنها مسألة أشهر لبضعة آلاف (من اللاجئين)، الآن نحن أمام مسألة ملايين لبضعة سنوات".

أسلحة الى لبنان

فيما أعلنت الرئاسة الفرنسية أثر لقاء جرى في باريس بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز أن البلدين بصدد "وضع اللمسات الأخيرة" على عقد لتزويد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية لوكالة الأنباء الفرنسية "العقد مكتمل، هناك فقط بعض العناصر التقنية لإنجازه، لن يتم توقيعه ولكنه في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة عليه"، من جهته قال الرئيس الفرنسي خلال حفل عشاء رسمي أقامه على شرف ولي العهد السعودي وشارك فيه نحو 200 مدعو إن لبنان "بلد رائع وفي الوقت نفسه غير حصين ويحتاج بدوره إلى الأمن في الوقت الذي يستضيف فيه آلاف اللاجئين"، وأضاف هولاند "من هنا فقد اتفقنا سويا، السعودية وفرنسا، على مساعدة لبنان بشرط ان يساعد هو نفسه، من اجل حفظ أمنه".

ووصل الأمير سلمان (78 عاما)، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى باريس في زيارة تستمر ثلاثة أيام استهلها بلقاء هولاند الذي أقام على شرفه مأدبة عشاء شارك فيها خصوصا رؤساء شركات، والجيش اللبناني الذي يعاني من نقص في العتاد كما ونوعا يطالب المجتمع الدولي بمساعدته لكي يتمكن من احتواء تداعيات الحرب الدائرة في الجارة سوريا حيث سيطر مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف على مناطق واسعة، وخاض الجيش اللبناني أخيرا مواجهات عنيفة مع عناصر التنظيم في بلدة عرسال (شرق) المحاذية للحدود مع سوريا.

فيما أعلن السفير الاميركي في لبنان ان واشنطن زودت الجيش اللبناني صواريخ من طراز هيلفاير، واعدا بتزويد الجيش ايضا طائرات خفيفة وخصوصا طائرة "سيسنا" المسلحة لمساعدة لبنان في مواجهة تهديد المقاتلين المتطرفين، واكد السفير ديفيد هيل في بيان إثر لقائه رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام انه سيتم شراء الطائرة المذكورة بتمويل سعودي مخصص للجيش اللبناني، وقال هيل "خلال الاسبوعين الاخيرين، وصلت الى هنا سلسلة من شحنات التسلح الاميركية العاجلة، وتم تسليم الجيش اللبناني صواريخ هيلفاير اضافية"، واضاف ان "الحكومة والجيش اللبنانيين طلبا طائرة اضافية من الولايات المتحدة: طائرة سيسنا مسلحة وطائرة دعم اخرى خفيفة". بحسب رويترز.

وتابع هيل "نعتزم الرد على طلب هذه الطائرات الاضافية عبر استخدام اموال وضعتها المملكة العربية السعودية بسخاء في تصرف لبنان"، ويأتي تسلم الجيش اللبناني هذه الشحنات في وقت يسعى العديد من حلفاء لبنان الى تعزيز قواته المسلحة للسماح له بمواجهة تهديد المقاتلين المتطرفين، ولبنان واحد من الدول العربية العشر التي التزمت دعم الولايات المتحدة في محاربة متطرفي "الدولة الاسلامية" الذين يسيطرون على مناطق في العراق وسوريا، وفي اب/اغسطس، خصصت السعودية مليار دولار لشراء اسلحة للجيش اللبناني الذي كان يخوض مواجهات مع مقاتلين متطرفين اتوا من سوريا ولا يزالون يحتجزون عسكريين لبنانيين، واكد هيل ان الاسلحة التي قدمتها واشنطن "ستساعد الجيش في تأمين الحدود اللبنانية والتصدي للمجموعات المتطرفة التي عبرتها".

مخيمات للنازحين السوريين

بدوره قال وزير لبناني ان الحكومة تبحث إمكانية إقامة مخيمات لأكثر من مليون و200 ألف نازح سوري على الحدود بعد أكثر من ثلاث سنوات من الأزمة السورية بعدما بات النازحون يشكلون عنصر توتر في بلد مزقته الخلافات الطائفية، ووصف وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس عدم إقامة مخيمات للاجئين منذ بداية الأزمة السورية بأنه "إهمال" وقال "بصراحة ربما الحكومة السابقة كانت ترى انها مسألة أشهر لبضعة الآف، الآن نحن أمام مسألة ملايين لبضع سنوات"، وقال في ببيروت "هذا أمر قيد البحث، برأيي هذا هو الحل الوحيد، الحل يكون بإقامة مخيمات ومراكز استقبال متوسطة الحجم على الحدود، ليس خيما ولكن بيوتا جاهزة، ويكونون تحت الرقابة الأمنية والاجتماعية والصحية".

وأضاف "هذا ينفس الاحتقان في الداخل اللبناني، من وجهة نظرى لا أرى حلا سواه وسنحاول قريبا أن نقيم في المنطقة الفاصلة بين مركزي الحدود في شرق لبنان وفي شماله تجربة وإذا نجحت هذه التجربة سنوسعها"، وتقول الأمم المتحدة إن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الدول المجاورة بلغ ثلاثة ملايين لاجئ وان العدد الأكبر لجأ إلى لبنان (1.17 مليون) ثم تركيا (830 ألفا) ثم الاردن (613 ألفا)، ولأن عدد سكان لبنان أربعة ملايين نسمة فقط فقد أصبح لديه أعلى معدل لتركز اللاجئين في العالم مقارنة بعدد السكان، ووصفت الحكومة طوفان اللاجئين بأنه خطر داهم على لبنان.

وعلى النقيض من تركيا والاردن ينتشر النازحون السوريون في مخيمات غير رسمية على طول الاراضي اللبنانية ولكنهم يتركزون في المناطق الفقيرة في البقاع في شرق البلاد وشمالها، وتقدم لهم الأمم المتحدة مساعدة أولية في شراء المواد الغذائية والتعليم في المخيمات، وينتشر بعض السوريين الفقراء في شوارع بيروت والمدن الكبرى كباعة للزهور في الشوارع او كمتسولين، وأشار درباس الى وجود خلافات سياسية بشأن إقامة مخيمات فبعض المسؤولين يخشون أن تكون هذه مقدمة للتوطين على غرار اللاجئين الفلسطينيين في البلاد والبعض الآخر ومنهم حلفاء سوريا يخشون أن تتحول هذه المخيمات إلى بؤر عسكرية لمعارضي الرئيس بشار الأسد، وقال درباس "هذا وارد وذاك وارد ولكن ما هو وارد أيضا هو تلافي المحظورين بمزيد من الرقابة والحزم بتطبيق الاجراءات".

وقال "لم نعد نستطيع قبول نازحين جدد، أول العلاج هو الحد من النزوح، لكن أقول بصراحة أننا في هذه المرحلة لسنا بوارد إقفال حدود، أو ترحيل أحد من اللاجئين قسرا"، وأضاف "التسجيل الرسمي لدى المفوضية مليون و200 الف لاجئ ولكن هناك أكثر لأن بعض السوريين ليسوا مسجلين كنازحين مثل الميسورين الذين يعيشون على حسابهم والعمال والعدد الإجمالي يصل إلى مليون ونصف مليون"، وعدد تداعيات الأزمة السورية على لبنان قائلا إنها أدت إلى خسارة لبنان نحو 20 مليار دولار على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وقال ان النازحين السوريين تسببوا "بأزمة أمنية وهذا يعني أن كل بقعة في لبنان يمكن أن تنشأ هناك مشكلة أمنية وتكون هناك أفعال وردود أفعال والجيش اللبناني عدده صغير ومهماته كبيرة".

وأثار ذبح الدولة الاسلامية لجندي لبناني خطف اثر معارك في منطقة عرسال الحدودية مع سوريا موجة توتر في البلاد تمثلت بمهاجمة لاجئين سوريين وخطف على أساس مذهبي بين سنة وشيعة في منطقة البقاع شرق البلاد، وأقدم لبنانيون غاضبون على قطع طرق بالإطارات المشتعلة في مناطق عدة ومهاجمة بعض اللاجئين السوريين على أثر نشر صورة الجندي الشيعي عباس مدلج الذي خطف مع عدد آخر من الجنود وعناصر قوى الأمن مقطوع الرأس على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الدولة الاسلامية أعدمت قبل ذلك بقليل الجندي السني علي السيد، وكان مسلحون اسلاميون متشددون دخلوا بلدة عرسال في شمال البلاد عبر الحدود الجبلية مع سوريا في أخطر توغل للمتشددين في لبنان منذ بداية الحرب الأهلية السورية قبل ثلاث سنوات.

وانسحب المسلحون المنتمون لجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) وتنظيم الدولة الإسلامية الذي احتل اجزاء واسعة من العراق وسوريا بعد خمسة أيام من القتال مصطحبين معهم 19 جنديا كرهائن، وقال مصدر أمني أن أربعة لبنانيين سنة خطفوا على أمل مبادلتهم بجنود مخطوفين، كما اقدم مجهولون على احراق خيام في تجمع للاجئين في منطقة الطيبة قرب بعلبك، وأكد وزير الشؤون الاجتماعية حصول بعض الحوادث ضد السوريين قائلا ان "الشعب اللبناني صار يتوجس من السوريين فكل هذه الامور مع بعضها تخلق حالة غير مستقرة وحالة حذر متبادل وربما خوف متبادل وربما نوايا سيئة متبادلة ترجمت باعمال عنف محدودة ضد السوريين"، واعرب عن استنكاره لاقدام بعض البلديات على الطلب من النازحين مغادرة مناطقها قائلا "هذا شيء غير قانوني وغير إنساني ونستنكره، وهذا غير مجد، على كل حال كل ما اخشاه ان ننساق في ردود الفعل الغريزية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/آيلول/2014 - 3/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م