دور تركيا الداعم الى "الدولة الاسلامية"

حكومة اوردغان و"الجهاديون"

جاسم محمد

 

قال وزير الدفاع الفرنسي "جان ايف لو دريان "هناك فوضى لكن هذا يعود الى الصعوبات بسبب غياب تعاون جيد مع الاجهزة التركية". جاء هذا التصريح في اعقاب عودة ثلاثة فرنسيين قادمين من تركيا الى فرنسا يوم 24 سبتمبر 2014 بعبورهم الحدود دون مشاكل رغم وجود شبهات كونهم من الجهاديون حيث كان يفترض ان توقفهم الشرطة الفرنسية بعد استلام ارسال السلطات التركية اشارة بمغادرتهم. وهم مقربون من الفرنسي من اصل عربي " محمد مراح" والذي قتلته الشرطة الفرنسية في 2012 بعد ان قتل سبعة اشخاص. وقال وزير الداخلية الفرنسي "برنار كازنوف "هذا الخلل في التعاون بين الأجهزة التركية والفرنسية يستحق تشاورا معمقا بين السلطات الفرنسية والتركية لكي لا تتكرر مثل هذه الأحداث في المستقبل. مايحدث يعتبر ثغرة امنية مابين تركيا ودول الاتحاد الاوربي، يشار ان دخول الاشخاص الى اي دولة من دول الاتحاد الاوربي يسمح له التنقل داخل هذه الدول دون سيطرة الحدود او تدقيق الجوازات او البطاقات الشخصية، وهي ليست بالحالة الاولى فسبق ان تعرضت السلطات البلجيكية لذلك قبل اشهر.

 هذه التطورات تأتي بالتزامن مع جلسة استثنائية لمجلس الأمن الدولي ترأسها باراك اوباما يوم 24 سبتمبر 2014 وتبني قرارا ملزما لوقف تدفق المقاتلين الإسلاميين المتطرفين الأجانب إلى سوريا والعراق واحتواء الخطر الذي يشكلونه على بلدانهم الأصلية. ويدعو القرار، إلى "منع وقمع" عمليات تجنيد ونقل وتنظيم وتجهيز الإرهابيين المشتبه بهم. ويدعو القرار أيضا الدول الأعضاء إلى منع الإرهابيين المشتبه بهم من عبور الحدود من خلال زيادة الإجراءات الأمنية وتدقيق وثائق السفر. هذا القرار الجديد الى الامم المتحدة يأتي احراجا الى بعض الدول المتورطة باستخدام اراضيها ملاذات وحواضن ومعسكرات تدريب ومن شأنه ان يمثل احراجا كبيرا الى حكومة اوردغان، كونه ملزما قانونيا كونه جاء تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، وهذه المرة القرار شاملا لم يحدد اي منظمة او جماعة.

سياسة اوردغان

مازال اوردغان يراهن على تنظيم الاخوان الدولي، وكلمته في جلسة الامم المتحدة كانت تدخلا في الشأن المصري. اعتمدت حكومة اوردغان سياسة تبني مجموعات مسلحة وتنظيمات "جهادية" تقاتل عنها بالوكالة في سوريا لتغيير نظام الاسد، وفي الوقت نفسه كان الى تركيا دورا واضحا في زعزعة الامن في العراق من خلال هذه المجموعات المسلحة ومنها تنظيم "الدولة الاسلامية" وتعميق الخلافات مابين حكومة بغداد المركزية واقليم كوردستان العراق. الحقائق كشفت هذه العلاقة من خلال وجود مستشفيات اسعاف ميدانية قدمتها تركيا الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، وصفقات النفط واستضافة البغدادي عام 2008، هذه هي بعض تلك الحقائق التي بدئت وسائل الاعلام ووكالات الاستخبار تتناولها بدون تحفظ، في اعقاب تحفظ حكومة اوردغان بالمشاركة في التحالف الدولي لمواجهة "الدولة الاسلامية" وازمة الرهائن الذي كان احدى السيناريوهات المعدة مسبقا.

هذه السياسة وصلت الى حد التجاوزات على السيادة العراقية، من خلال زيارة وزير الخارجية التركي الى مدينة كركوك العراقية دون موافقة الحكومة العراقية. السياسة التركية شملت ايضا توقيع عقود نفط مع اقليم كوردستان العراق على حساب بغداد. انقرة مكنت مقاتلون قادمون من اوربا والمنطقة ومن القوقاز ودول غربية للوصول إلى سوريا والعراق عبر تركيا. وربما كانت هذه السياسة وراء تغيير اولوية" الدولة الاسلامية" من استهداف بغداد الى السيطرة على المثلث التركي السوري العراقي عند مدينة تلعفر العراقية بعد اجتياح الموصل في شهر يونيو 2014. تبقى تركيا تتحمل المسؤولية الاخلاقية والقانونية بدعمه تنظيم ابو بكر البغدادي وجماعات مسلحة اخرى.

"الدولة الاسلامية" وحكومة اوردغان في الموصل

إن خارطة تنظيم "الدولة الاسلامية" وتحديدا في العراق عند مدينة الموصل تثير الكثير من التساؤلات، كون هذه المدينة سبق ان طالبت فيها تركيا، تدعي بانها اراضي تركية تم تقسيمها بعد سقوط الدولة العثمانية. ورغم ان مدينة الموصل "نينوى" تمثل امتداد الى خارطة التنظيم في سوريا، فأن انتقل التنظيم بشكل يلفت النظر من معاقله في مدينة وصحراء الانبار التي سبق ان اعلن فيها امارته مطلع عام 2014، تدعم حقاق إن هذا التنظيم مدعوم من قبل حكومة اوردغان.

 سبق ان كشف الكاتب الصحفي التركي رفعت باللي أن تركيا استضافت ابو بكر البغدادي وقدمت له مساعدات مالية في عام 2008. ونقل الكاتب في مقال نشرته صحيفة "ايدينليك" التركية عن مصادر إيرانية غير رسمية قولها إن شخصية تركية معروفة في أوساط الرأي العام التركي قدمت لزعيم لتنظيم أبو بكر البغدادي مبلغا ماليا يقدر بنحو 150 ألف دولار موضحا أن البغدادي تواجد في تركيا لفترة بشكل قانوني بصفة صحفي في عام 2008 ولكن تركيا كانت على علم بهويته الحقيقية ودعمته ماديا.

ادارة معسكرات "جهادية" على الاراضي التركية 

كشفت اعترافات بعض مقاتلين "الدولة الاسلامية" أن تنظيم "الدولة الاسلامية" أقام في منطقة حدودية بين سورية وتركيا، مخيماً لتدريب الانتحاريين، ويقول أحد الموقوفين الفرنسيين أنه كان في هذا المخيم وشاهد مجموعات يتلقون التدريب والخبرات العسكرية لإرسالهم إلى لبنان ومناطق اخرى. وكشفت المعلومات ايضا عن إنشاء معسكرات تدريب لعناصر القاعدة والسلفية من الاتراك وممن يسمون بالمجاهدين العرب في منطقة وزيرستان الواقعة شمال باكستان ليتم ارسالهم الى سوريا بعد اتمامهم فترة التدريب هناك. وأن المئات من "الجهاديين" يتم الإبقاء عليهم في بيوت آمنة بجنوب تركيا قبل تهريبهم عبر الحدود الى سوريا. وكالات استخبارات اقليمية قريبة من حكومة اوردغان كشفت ايضا عن دور تركيا لان تكون نقطة عبور من اوربا وسوريا وبالعكس الى "الجهاديين".

اضعاف دول حزام تركيا

إن سياسة اوردغان هذه تقوم على زعزعة واضعاف الامن في المنطقة وخاصة دول الحزام التركي وربما تخدم استراتيجيتها لان تكون قوة اقليمية مؤثرة، ليمتد سيطرتها الى جماعات مسلحة داخل افغانستان والصومال ايضا. يذكر ان تركيا كثير ما لعبت الدور الوسيط مابين طالبان واطراف اخرى اشارة الى طلب جماعة طالبان، بسبب حجم العلاقة والثقة التي تربط الطرفين. إن علاقات حكومة اوردغان بتنظيم "البغدادي ـ الدولة الاسلامية" جعله ان لايشعر بالخطر على رهائن القنصلية التركية في الموصل في اعقاب اجتياح التنظيم لها في يونيو 2014. إن الطريقة التي يتحرك بها تنظيم الدولة الاسلامية" منها مقاتلة الاكراد في المنطقة تتماشى مع سياسة اوردغان.

ونقلت مصادر امنية ان الرهائن الاتراك الـ 49 اطلق سراحهم يوم 20 سبتمبر2014 لقاء مبادلتهم مع عناصر من التنظيم كانوا محتجزين لدى مسلحين من المعارضة السورية محسوبين على جماعة الاخوان "لواء التوحيد" وان العملية السرية تمت تحت الاشراف الكامل للاستخبارات التركية. هذه العملية تعكس توظيف تركيا المجموعات "الجهادية" ومنها الاخوان لخدمة مصالحها في المنطقة.

حكومة اوردغان والاخوان المحظورة

كان سقوط الاخوان في مصر ضربة للمشروع التركي القطري الاخواني، لقد كانت تركيا تحاول أن تتوسع في الشرق الاوسط، في اعقاب خسارة طلبها بالانضمام إلى الاتحاد الاوربي. لكن بعد 30 يونيو 2013 والثورة التصحيحية في مصر، تراجع دور تركيا في الشرق الأوسط، وفشلت طموحاتها بإعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد. شعارات الاسلام والقضية الفلسطينية تحولت الى موجة لركوبها من أجل المصالح الحزبية والداخلية. لقد نفضت واشنطن يدها من الاخوان ومن التنظيم المركزي في مصر بعد حكم المخلوع والأن من حكومة أوردغان. اتخذ حزب الحرية والعدالة التركي من" الربيع العربي" واجهة لفرض الاخوان في المنطقة لكنه فشل بايجاد الدعم الخارجي.

 اليوم تركيا تحتاج الى التموضع من جديد وتنظيم نفسها من الداخل، وإعادة النظر بدورها في التنظيم الدولي للإخوان في ضوء التطورات الجديدة في المنطقة. أما علاقاتها مع التنظيمات "الجهادية" وتنظيم "الدولة الاسلامية" فهو الاخر الذي لايقل اهمية عن دورها مع الاخوان إن لم يكن متداخلا معه بعد تحالف الاخوان والجهاديون في سيناء وليبيا والعراق وسوريا. التطورات الاقليمية تأتي سريعة وكبيرة الحجم يصعب احتوائها من قبل انقرة، لذا ردود أفعال أنقرة جاءت بالإتجاه المعاكس. الدور التركي في ادارة ملف الاخوان الدولي، سيكون اوسع بعد قرار الدوحة بإبعاد ومغادرة الجماعة المحظورة. الدور التركي ايضا فاعلا في المشهد "الجهادي" في ليبيا وهي محاولة من التنظيم الدولي للاخوان وحكومة اوردغان ايجاد ضغوط وتهديدات عبر ليبيا على حكومة مصر.

نجح تنظيم القاعدة بتأسيس أول قواعده في تركيا، العضو في حلف الناتو و أن أفرع تنظيم القاعدة في سوريا أسست بالفعل منشآت ومعسكرات تدريب على الاراضي التركية للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. وحددت المصادر المعلوماتية ثلاث مواقع تحتوي على معسكرات التدريب والتجنيد للجهاديين في تركيا، الموقع الاول يوجد في مدينة "كرمان" التي يقع في وسط الأناضول بالقرب من اسطانبول، والثاني في مدينة "أوزمانيا" الاستراتيجية بالقرب من القاعدة العسكرية التركية ـ الأميركية المشتركة في عدنان ومنطقة وسط أسيا إلى ميناء "سيهان" التركية على البحر المتوسط، بينما يقع الثالث في مدينة "سان ليلورفا أورفا" في جنوب غرب تركيا. ولم يستبعد أن يكون التنظيم قد أنشأ شبكة اتصالات لربط المعسكرات الجديدة له في تركيا بأذرعه في العراق، وبتنظيم "أنصار بيت المقدس" في صحراء سيناء بمصر.

اوردغان و"الجهاديون"

ان تركيا باتت متورطة ايضا بإنشاء معسكر تدريب لعناصر القاعدة والسلفية من الاتراك "المجاهدين" العرب في منطقة وزيرستان الواقعة شمال باكستان ليتم ارسالهم الى سوريا بعد اتمامهم فترة التدريب هناك. و قد عملت هذه الدول على جمع مقاتلين من السعودية وتونس وليبيا واوربا و افغانستان وبعض دول آسيا الوسطى ليتلقون التدريب في تركيا وليبيا ويتجهون بعدها الى سوريا. لقد حول أردوغان بلاده إلى دولة راعية للإرهاب وتحتضن الإرهابيين في الشرق الأوسط، وسمح باستضافة تنظيم القاعدة في تركيا. وكشفت مصادر استخبارية أن القاعدة نجحت في إقامة أول معسكرات لتدريب الإرهابيين في تركيا. وأولى القواعد في مدينة "كارامان" في وسط الأناضول، والثانية في منطقة "عثمانية" وهي حساسة جداً حيث لا تبعد كثيرا عن القاعدة العسكرية الأمريكية الضخمة الموجودة في تركيا. أما المعسكر الإرهابي الثالث فموجود بالقرب من مدينة "سانليلورفا- يورفا".

إن علاقة تركيا بالقاعدة والتنظيمات "الجهادية" وحركة طالبان تمتد الى سنوات ربما تعود الى سياسة تركيا الجديدة بالتوسع والحصول على دور اقليمي، هذه العلاقة امتدت الى داخل افغانستان وحركة طالبان، وجعل من تركيا الوسيط المفضل عند طالبان مع الغرب. ان تركيا كانت وماتزال تراهن على تغير نظام الاسد، وبدئت تركز جهدها على دعم الجماعات الاسلاموية وتنظيم "الدولة الاسلامية" لخدمة مصالحها في العراق، ولتكون بديلا الى مشروع الاخوان القطري التركي الذي هدف الى اثارة الفوضى في المنطقة وزعزعة الانظمة.

تبقى تركيا تمثل العقدة الرئيسية في الشأن السوري وتدفق "الجهاديين" الى سوريا عبر الحدود يمثل سياسة انقرة ومصالحها بإيجاد مسارب "جهادية" الى سوريا. تجربة تركيا وتورطها في الشأن السوري لم يكن مسألة حدود بقدر رغبتها بتنفيذ مشروعها التركي.

* باحث في قضايا مكافحة الاستخبار والإرهاب

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/آيلول/2014 - 3/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م