سجل قطر مع الجمعيات غير الخيرية وتمويل الإرهاب

ماثيو ليفيت

 

في الوقت الذي تمهد فيه الولايات المتحدة الطريق أمام تشكيل ائتلاف دولي مستعد لمواجهة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»، التي تسمي نفسها الآن «الدولة الإسلامية»)، شدد مسؤولون أمريكيون كبار على أهمية استخدام وسائل التأثير والإقناع إلى جانب الضربات العسكرية. إن أي جهد لمواجهة «داعش» والقضاء عليها يجب أن يشمل بشكل خاص تركيزاً متجدداً على رصد مصادر تمويلها، لكن ذلك يتطلب جهداً دولياً حقيقياً يعتمد نجاحه على أقل الشركاء فعالية.

وهنا يأتي دور قطر، دولة خليجية صغيرة لكن غنية تميل إلى التودد للحركات الإسلامية بدءاً من «حماس» في فلسطين إلى الميليشيات الإسلامية في ليبيا وصولاً إلى حركة طالبان في أفغانستان. وفي شهر آذار الماضي، ذكر نائب وزير الخزانة الأمريكية ديفيد كوهين بأن قطر، على وجه الخصوص، تعطي "صلاحية سامحة" لتمويل الإرهاب. ولاحظ كوهين أن الرقابة القطرية متساهلة لدرجة أن "عدداً من من الممولين الذين يتخذون من قطر مقراً لهم يعملون كممثلين محليين لشبكات أكبر لتمويل الإرهاب مقرها الكويت." وأضاف كوهين، الذي لم يشأ أن يكشف عن معلومات استخباراتية حساسة، إلى تقارير صحافية تشير إلى أن قطر لا تدعم «حماس» فحسب، بل أيضاً تنظيمات متشددة تعمل في سوريا. وختم قائلاً، "إن أقل ما يمكن قوله هو أن ذلك يهدد بتفاقم وضع منفجر بطريقة خطرة بشكل خاص وغير مرغوب بها."

اليوم، وبعد ضغوطات متزايدة ومتواصلة نتيجة اتهامات بأن قطر مستمرة بتمويل المتشددين في سوريا والعراق، اتخذ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على عاتقه طمأنة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل بأن نظامه لا علاقة له بكل ذلك. لكن حتى الشيخ تميم اعترف بأن "تلك التنظيمات ممولة بشكل جزئي من الخارج،" لذا فقد أصدرت قطر قانوناً جديداً لتشكيل هيئة ناظمة للجمعيات الخيرية المحلية التي تشترك بالعمل السياسي أو ترسل الأموال إلى الخارج أو تحصل على مساهمات من الخارج.

هذه بالطبع خطوة أولى مرحب بها بالاتجاه الصحيح، بيد أنها لن تأتي بالنتائج المرجوة إذا لم يتم تطبيق القانون وإنفاذه. لسوء الحظ، فإن قطر، كما هو الحال في دول خليجية أخرى، لها تاريخ بسن قوانين مماثلة وإحداث جلبة حوله من دون متابعة أو تطبيق.

في عام 2004، أقرت قطر قانوناً لمكافحة تمويل الإرهاب وأسست وحدة استخبارات مالية وأنشأت الهيئة القطرية للأعمال الخيرية. وأقرت قانوناً آخر عام 2006 وسّع الرقابة على الجمعيات الخيرية وأعطى سلطات إضافية لوزارة الخدمة المدنية والإسكان. لا شك أن تلك خطوات إيجابية، لكن حين قدِم فريق تقييم مشترك من "صندوق النقد الدولي" للتدقيق بعمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعد عامين على ذلك القانون، برزت مشاكل كبيرة. وجاء في تقرير الصندوق إن تمويل الإرهاب يعدّ جريمة في قطر "لكن تعريفه يبقى محدوداً." وتبين أن المرسوم الإداري الذي أنشأ وحدة الاستخبارات المالية غير مطابق لقانون مكافحة غسل الأموال في قطر، حيث وجد التقرير أن النظام الذي ينص على الإعلان عن أي أموال تنقل عبر الحدود "غير مطبق وغير فعال." وعلى الرغم من امتلاكها الصلاحية لضبط الأموال المرتبطة بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب وتجميدها وحجزها، إلا أن أي عملية من هذا النوع لم تتم باعتبار أن أي قضية غسل أموال لم ترفع أمام المحاكم. وأشار التقرير إلى أنه، وعلى العكس، فقد "أتاحت السلطات [القطرية] ملاذاً آمناً لشخصية ورد اسمها على [قائمة الإرهاب العالمية] القرار 1267 وأن أي إجراءات لم تتخذ بحق أموالها أو أصولها."

وفي حادثة سريالية عام 2009، اختبر الكاتب بشكل مباشر ميل قطر لتمرير القوانين وسنّها من دون تطبيقها أو إنفاذها. وفي لقاء مع مسؤولين قطريين بالدوحة، سأل الكاتب كيف تقوم وحدة الاستخبارات المالية بتقييم تطابق الحوالات المحلية (عمليات تحويل الأموال غير الرسمية المنتشرة في المنطقة) والقانون الجديد آنذاك الذي ينص على وجوب تسجيل الحوالات المالية لدى الحكومة أو إغلاقها. أكد المسؤول بحزم أنه وبما أنه لم يتم تسجيل أي حوالة كما ينص القانون الجديد، فذلك يعني أن ما من حوالات تجري في قطر. وكان المسؤول قد أجرى المحادثة ذاتها مع مقيّمي صندوق النقد الدولي قبل بضعة أسابيع، غير أن خبراء الصندوق الذين ساورتهم شكوك كثيرة بعدم حصول حوالات، عادوا إلى فنادقهم وسألوا عمال أجانب كيف يرسلون الأموال إلى عائلاتهم في بلادهم. وكان الجواب متوقعاً: عبر "الحوالات." عاد الخبراء إلى المسؤول مع قائمة بأسماء مؤسسات الحوالات التي تعمل علناً في قطر وطلبوا من الحكومة تقديم قسم محدث من تقريرها حول المسألة لصندوق النقد وشددوا على ضرورة تطبيق القوانين الجديدة وإنفاذها.

في العام التالي، أقرت قطر قانوناً جديداً في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يوجب بشكل خاص على الادعاء تجميد أموال المنظمات التي تضعها الأمم المتحدة على قائمة الإرهاب. وأعطيت لجنة مكافحة الإرهاب الوطنية صلاحية تحديد الإرهابيين بشكل مستقل عن الأمم المتحدة، غير أن اللجنة لم تسجل أي منظمة بدءاً العام 2013. وفي حين تلزم القوانين المرعية المؤسسات المالية تسجيل تقارير تحويل مشبوهة، إلا أن وحدة الاستخبارات المالية لم تحِل إلى الادعاء سوى قضية واحدة للتحقيق منذ تشرين الثاني 2013.

أمّا إذا نظرنا إلى إعلان قطر الأخير الذي أعادت التأكيد فيه التزامها فرض الرقابة على قطاع الأعمال الخيرية، نرى أن مسودة القانون كانت جاهزة منذ العام الماضي لكن القانون لم يقر إلا بعد ضغوطات دولية كبيرة. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد لاحظت العام الماضي أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تراقب المنظمات الخيرية غير الحكومية وتعطيها التراخيص "رسمياً" وتلزم الشركاء الخارجيين بالخضوع للتدقيق والترخيص. غير أن ذلك لم يحدث ويعود السبب جزئياً إلى أن الجمعيات الخيرية التي تعمل ضمن المركز المالي في قطر معفاة من التسجيل أو الرقابة.

وفي التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجاهات الإرهابية وصفت الوزارة عملية إشراف قطر على التبرعات المحلية للمنظمات الخارجية بأنها "غير متناسقة"، وهو تعبير منتقى بدقة، ووجدت أن تطبيق السلطات القطرية لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بأنه "ناقص" وتشوبه "ثغرات كبيرة." وبحسب أحد المسؤولين الأمريكيين، فإن موقف قطر حتى اليوم يكتفي "بتمرير قانون وتكون المشكلة قد حلت". من هنا، ليس من الغريب أن تضع وزارة الخزانة الأمريكية الأكاديمي ورجل الأعمال القطري عبد الرحمن النعيمي في كانون الأول على قائمة الإرهاب، وأشارت إلى أنه "أمر بتحويل نحو 600 ألف دولار لـ تنظيم «القاعدة» عبر ممثل لها في سوريا هو أبو خالد السوري، وكان ينوي تحويل 50 ألف دولار إضافية." وذكرت الخزانة أن النعيمي لم يبخل على تنظيمات أخرى بالمال وأرسل أموالاً لـ تنظيم «القاعدة في العراق» (التي تعرف الآن بـ «داعش»)، وإلى تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» وحركة «الشباب» في الصومال.

وحتى الآن، ما زال تطبيق القوانين وإنفاذها لا يشكل مكوناً هاماً في مقاربة قطر لتلك المسائل، وتشدد السلطات القطرية للمستثمرين والنقاد على السواء بأنها تشرّع القوانين، وهي قوانين تبدو على الورق متماسكة وصارمة غير أنها لا تطبق أو تنفذ.

ويشكل تمرير القانون الأخير في قطر أمراً عادياً حيث إن السلطات القطرية أقرت قوانين مشابهة في الماضي دون أن تتخذ الإجراءات التي أجازتها القوانين لدوائرها وأجهزتها. وجاء تأكيد أمير قطر للمستشارة الألمانية بعد يوم من إعلان القانون الجديد أن "قطر لم ولن تدعم المنظمات الإرهابية أبداً". إن سنّ القوانين التي ترعى الأعمال الخيرية خطوة لا بد منها، لكن في نهاية المطاف تبقى الحاجة لتنفيذها. أمّا الاختبار الأكبر فلا يكمن في أن تفتتح قطر هيئة رقابة على الأعمال الخيرية، بل في أن تتخذ تلك الهيئة إجراءات بحق عمليات تمويل الإرهاب الحاصلة في البلاد.

* ماثيو ليفيت هو زميل فرومر- ويكسلر ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آيلول/2014 - 2/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م