ضبط ورقابة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: المجتمعات المتقدمة فوق المعمورة لم تحرز تقدمها الا وفق قوانين ناظمة وراشدة لحركة افرادها في علاقاتهم واعمالهم وحركتهم اليومية، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالنظام العام الذي يلتزم به الجميع، طوعا او رضوخا لقوة القوانين الناظمة لحركة الافراد.. نقيض النظام هو الفوضى، وهو ما يشاهد في مجتمعاتنا في كل جزئية وزاوية فيها.

لا يكون نظام فاعل دون ضبط وتوجيه ورقابة، تفعل فعلها وتؤثر في حركة المجتمع وافراده، وتؤدي به ان يكون كتلة منسجمة لا تعارض بينها الا بقدر ما تفرضه الطبيعة البشرية، وما تسمح به تلك الضوابط في حدود الاختلاف والتميز.

الضَّبط والرَّبط تعني الالتزام بالنظام والانضباط، وهي في الوقت تعني بالدقة والتمام، وفي موضوع النسل تعني تحديد الإنجاب وتنظيمه، وضبط النَّفس / ضبط الذَّات تعني سيطرة الشّخص على مشاعره أو رغباته أو أفعاله بإرادته الشَّخصيَّة بهدف التطوُّر والتحسين الشخصيّ، التّصبّر وعدم الانفعال.

والضَّبْط في امور العلم والتحصيل تعني (حد) سماع العلم كما ينبغي أن يكون، وفهم معناه، والاحتفاظ به إلى أن يحتاج إليه في درس أو فتوى، وهو نوعان: ضبط صدر وضبط سطر، وقسّمه بعضُهم إلى ضبط ظاهر: وهو ضبط الحديث بمعناه من حيث اللُّغة، وضبط باطن: وهو فقه متن الحديث من حيث تعلُّق الحكم الشرعيّ به.

وفي الصنعة والحرف تعني الإحكام والاتقان.

الى غيرها من معاني تتفرع عنها وتشير اليها كلمة الضبط.

تتوزع عملية الضبط الاجتماعي على خمس نظريات هي:

1- نظرية تطور وسائل الضبط الاجتماعي:

تقوم هذه النظرية على أساس الطبيعة الخيرة للإنسان، إذ يعتقد روس أن داخل النفس الإنسانية أربع غرائز هي: المشاركة أو التعاطف، القابلية للاجتماع، الإحساس بالعدالة، ورد الفعل الفردي.

2- نظرية الضوابط التلقائية:

تنصب الفكرة الأساسية لنظرية سمنر على أن الصفة الرئيسة للواقع الاجتماعي تعرض نفسها بطريقة واضحة في تنظيم السلوك عن طريق العادات الشعبية .

3- نظرية الضبط الذاتي:

ينظر كولي للمجتمع على أساس أنه كل لا يتجزأ يعتمد في تنظيمه الاجتماعي على الرمز والأنماط والمستويات الجمعية والقيم والمثل، فهو يرى أن الضبط الاجتماعي هو تلك العملية المستمرة التي تكمن في الخلق الذاتي للمجتمع.

4- النظرية البنائية الوظيفية:

يركز لانديز على مكونات البناء الاجتماعي ودورها في الضبط الاجتماعي، كما يركز على مفهوم التوازن الوظيفي بين النظم الاجتماعية وعلاقة هذه النظم بالضبط الاجتماعي.

5- النظرية الثقافية التكاملية:

يركز جيروفيتش على ضرورة دراسة الضبط الاجتماعي على أسس وشروط تتمثل في:

1- أن الضبط الاجتماعي ليس نتيجة لتطور المجتمع وتقدمه، بل أنه كان موجوداً في المراحل المبكرة من تاريخ المجتمعات الإنسانية، إذ يستحيل تصور مجتمع بلا ضوابط.

2- أن الضبط الاجتماعي واقع اجتماعي وليس أداةً للتقدم.

3- عدم وجود صراع بين المجتمع والأفراد.

4- أن كل نمط من أنماط المجتمعات هو عبارة عن عالم صغير يتألف من جماعات، ولذا فإن مؤسسات الضبط الاجتماعي تختلف باختلاف الجماعات والمؤسسات.

للضبط الاجتماعي عدة اساليب ومعايير اجتماعية تتحكم في تصرفات الأفراد وتعمل كقوى تجبر الأفراد على الخضوع للمعايير الاجتماعية.

وقد اختلف العلماء في تحديد مصطلح لهذه الأساليب ، كما اختلفوا في تصنيفها ، فسماها روس وسائل الضبط الاجتماعي وحددها في خمس عشرة وسيلة مرتبة كما يلي:

(الرأي العام - التقاليد - الشخصية - القانون - دين الجماعة - التراث - المعتقدات - المثل العليا - القيم الاجتماعية - الإيحاء الاجتماعي - الشعائر والطقوس  - الأساطير والأوهام – التربية - الفن – الأخلاق) .

اما الرقابة فتعني (حارس المتاع ونحوه - القيام بالمراقبة والإشراف على عمل، وهي مهنة مَنْ يراقب ويطَّلع على المطبوعات قبل نشرها .

والرَّقابة الصَّحفيّة: اطِّلاع السُّلطة على الصُّحف قبل نشرها، ورقابة المطبوعات: عمل من يراقب الكتب والمطبوعات والأفلام والمسجّلات قبل التَّصريح بتداولها وفي علوم النفس تعني الرقابة منع الأفكار والمشاعر عن الوصول إلى الوعي إلا بشكل مقنع، وفي الادارة مراقبتها للتأكُّد من مطابقة تصرُّفاتها للقانون .

و(رقبه) في الاجمال تعني: ( انتظره - لاحظه - حرسه - رصده وتتبع سيره وأحواله - حذره - جعل في رقبته حبلا ).

والرقابة اصطلاحا تعني (الضبط في أوسع معانيه ، وفي المفهوم الإداري يقصد بها التأكد من مدى تحقيق النشاط الإداري للأهداف المقرره ، أي التحقيق من أن ما يتم إنجازه مطابق لما تقرر في الخطة الموضوعية).

وفي تعريف آخر تعني: (الكشف عما إذا كان كل شيء يتم ، ويتم وفقاً للخطط الموضوعية والتعليمات الصادرة والمبادئ السارية وهي تهدف إلى الوقوف على نواحي الضعف والأخطاء ومن ثم العمل على علاجها ومنع تكرارها وهي تكون على كل شيء سواء أعمال أو أشياء أو أفراد أو مواقع ).

ومفهوم الرقابة مصطلح ذو شقين: رقابة ذاتية تنبع من داخل الفرد على نفسه فهو رقيب على سلوكه وأعماله. ورقابة خارجية تتمثل قي قدرة الفرد على متابعة وملاحظة الآخرين من مرؤوسيه بغرض توجيه أدائهم إلى السلوك الأفضل المرجو منهم .

وباختصار فإن المقصود بالرقابة هي عملية التأكد من سير العمل نحو تحقيق الهدف المرسوم.

حرص الاسلام على تنمية الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس باستمرار وأكد القرآن الكريم هذا المعنى في مثل قوله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيباً ).

وقوله تعالى: ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ).

وقوله تعالى: ( ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد).

ويستدل من الآيات الكريمة سالفة الذكر حرص الإسلام على تحقيق الرقابة بصفة عامة ، ورقابة الذات ومحاسبة النفس على وجه الخصوص ، ذلك أن الله تعالى هو الرقيب الأعلى على سلوك العباد ، ثم يأتي دور العبد فهو رقيب على نقسه ثم يأتي دور الآخرين الذين حددتهم الآية الكريمة (( بالمؤمنين )) الذين عليهم مسئولية مراقبة الآخرين وهدايتهم إلى الطريق المستقيم .

للرقابة في النظام الاجتماعي اهمية كبيرة كونها وسيلة اساسية للسيطرة علي سلوك الافراد وضبط حركة الحياة الاجتماعية وتحقيق الاهداف والرقي بالمجتمع، ويعرفها علم الاجتماع بانها (جميع المظاهرالمادية والمعنوية والطرق والاجراءات والوسائل التي يستخدمها المجتمع لجمع البيانات ومتابعة ومشاهدة سلوك افراده خلال مواقفهم التفاعلية الاجتماعية وبصفة مستمرة بهدف تحقيق اهداف اجتماعية منشودة ومساعدتهم وارشادهم لتحقيق اهدافهم الفردية ومنع تعارضها مع الاهداف الاجتماعية و اكتشاف المخالفات فور ظهورها وتوجيهها او نقلها الي نظم الضبط الاجتماعي المختصة بها ولها القدرة علي التنبؤء بحدوث الانحراف السلوكى والتربص له).

ما هي انواع الرقابة الاجتماعية؟

الرقابة الذاتية

عن طريق الفرد نفسه فيكون رقيب علي سلوكة الفردي وحريص علي مطابقته للسلوك الاجتماعي المتوقع.

الرقابة العائلية

وهي الرقابة التي تفرض علي الفرد في محيط الاسرة والتي تولد لديه خوف مستحسن ودافعية لتحقيق الذات في محيط الاسرة تكون ناتجة من الثقة بتطابق اهداف الاسرة مع اهداف الفرد وفي اتجاه تحقيق اهداف الجماعة.

الرقابة المؤسسية الموجهة

وهو ذلك النوع من الرقابة الذي تفرضه المؤسسات المختلفة بما يحقق اهدافها الخاصة التى انشات من اجلها.

الرقابة القيادية

وهي ممارسة الرقابة السلوكية الاجتماعية علي جميع انشطة المجتمع المختلفة وفي جميع المجالات وعلى جميع افراد المجتمع من خلال مؤسساته بهدف مراقبة السلوك الفردي للافراد وفقا للمعايير السلوكية الاجتماعية الملزمة للجميع والمحددة فيما يعرف بالقوانين واللوائح التنظيمية المعلنة.

 الرقابة الجماهيرية الشعبية

وهي تلك الرقابة العشوائية والمتمثلة في الرائ العام للمجتمع واحتياجات التكتلات السكانية والقبلية والعصبية والاقتصادية والحزبية ورغم انها عشوائية غير منظمة الا انها تطابق الاهداف الاجتماعية الحقيقية للمجتمع ولا تتصف بالفردية الانحرافية او المرضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آيلول/2014 - 1/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م