ايران ومحاربة داعش.. دور مـتأرجح وسط المقايضات

 

شبكة النبأ: عندما اعلنت الولايات المتحدة الامريكية عن نيتها في تشكيل تحالف دولي (وصل الى 50 دولة عربية وغربية بحسب تصريحات كيري الأخيرة)، وعلى الرغم من المطالب المتكررة للعديد من دول العالم بتكوين هكذا تحالف، وانه اجراء تأخر كثيرا عن موعده، نظرت دول اخرى بعين الريبة الى هذا التحرك الامريكي، سيما وان ربط قضية العراق بسوريا في الضربات الجوية والاجراءات الاخرى المنتظر عملها، بحسب ما تقتضيه مراحل التصدي لتنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية، داعش)، هو امر اربك الحسابات لأطراف مهمة في الصراع الاقليمي الدائر في منطقة الشرق الاوسط، اضافة الى الخوف المتصاعد، حتى داخل اروقة البيت الابيض والدول الداعمة لهذا التحالف، من مدى فعالية هذا التحالف والنتائج العكسية التي قد يتسبب بها مستقبلا، بحسب ما يرى محللون.

ايران احدى تلك الدول المحورية، وصاحبة النفوذ الكبير بين العراق وسوريا، وهو امر اعترفت به الولايات المتحدة الامريكية والدول الكبرى التي تدعم مشروع التحالف الدولي، ومع تقلب امريكا بين القبول والرفض بالنسبة لدور محتمل لإيران، التي رفضت بدورها الدخول الى هكذا تحالف بدعوى الريبة وغموض الاهداف الحقيقية التي تكمن وراء تشكيلة، يحاول ساسة البلدين (الولايات المتحدة الامريكية وايران) تقريب وجهات النظر، ربما بمفاوضات معمقة وغير معلنة، كما اشار العديد من كبار المسؤولين لكلا البلدين، سيما وان الولايات المتحدة الامريكية قد تحتاج لجهود ايران في نجاح مشروعها العالمي اكثر من اي وقت مضى، كما يرى خبراء ومتابعين.

الا ان ايران، التي تتخوف من ضياع حليف استراتيجي (نظام بشار الاسد) بالنسبة لها، في حال تحول استهداف جماعات داعش، الى قصف يستهدف اضعاف البنية العسكرية للقوات النظامية التابعة للأسد على حساب قوى المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة الامريكية والسعودية ودول اخرى في المنطقة، الامر الذي قد يزعج ايران ومن بعدها روسيا، خصوصا وان ايران لا تستطيع التنازل عن الاسد من دون مكاسب توازيه او تتفوق عليه، وربما هذا الامر يكون متروك للمفاوضات السرية الدائرة بين مختلف الاطراف لإقناع ايران بضرورة التغيير.    

عرض ايراني

في سياق متصل قالت الولايات المتحدة إنها سترفض اقتراحا طرحه مسؤولون إيرانيون تتعاون طهران بموجبه في محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية مقابل مرونة بشأن برنامجها النووي، وقال مسؤولون إيرانيون كبار إن طهران مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة وحلفائها لوقف مقاتلي الدولة الإسلامية لكنها تريد مزيدا من المرونة بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم في المقابل، وحين طلب من المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست التعليق رد رافضا الاقتراح الإيراني، وقال إن جهود القوى العالمية لاقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي "منفصلة تماما" عن جهود الرئيس باراك أوباما لبناء تحالف ضد الدولة الإسلامية.

واضاف أن "الولايات المتحدة لن تكون في وضع لمبادلة جوانب من برنامج إيران النووي لتأمين التزامات للتصدي للدولة الإسلامية"، وقال ايضا إن الولايات المتحدة لن تنسق الأنشطة العسكرية للتحالف مع الإيرانيين ولن تتبادل المعلومات الاستخباراتية عن الدولة الإسلامية مع إيران، وبسط مقاتلو الدولة الإسلامية سيطرتهم على مساحات واسعة من العراق وسوريا وأعلنوا قيام خلافة إسلامية، وتواجه الدولة الإسلامية اتهامات بارتكاب مذابح بحق المدنيين وقطع الرؤوس وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، وفي حين لا يثير الرد الأمريكي الدهشة فإنه يشير إلى أن البيت الأبيض يشعر بالحاجة إلى ابلاغ إيران علنا أن واشنطن تريد إبقاء القضايا الأخرى بعيدا عن المحادثات النووية. بحسب رويترز.

وتبرز تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن ربط المفاوضات النووية بمحاربة الدولة الإسلامية مدى الصعوبة التي تواجهها القوى الغربية لفصل المفاوضات النووية عن القضايا الأخرى، ولإيران نفوذها في الحرب الأهلية السورية وعلى الحكومة العراقية التي تقاتل تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية، وبدأت آخر جولة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وتهدف المفاوضات إلى التوصل لاتفاق شامل لإنهاء العقوبات المفروضة على إيران مقابل وضع قيود على برنامجها النووي.

وسواء أكان الأمر يروق للولايات المتحدة أم لا ففي حكم المؤكد تقريبا أن ايران الشيعية الحليف الرئيسي لحكومتي العراق وسوريا طرف أساسي في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية السني المتشدد، ورغم الخلافات الحادة التي تفصل بين الولايات المتحدة وايران في معظم قضايا منطقة الشرق الاوسط يجد البلدان نفسهما في جانب واحد في الأزمة المتصاعدة حول التنظيم الذي استولى على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، وما من أحد تقريبا ينظر إلى هذا الوضع من منطلق المقولة الشائعة "عدو عدوي هو صديق لي" فإن هذه المقولة لها وقع خاص في ظل التطورات السياسية في المنطقة حيث قد تجد واشنطن وطهران أرضية مشتركة في مواجهة الخصم المشترك.

ولن يكون من السهل بحال من الأحوال تقريب المسافات بين ايران والولايات المتحدة، ويبدو أن التعاون العسكري المباشر بين الطرفين ضد تنظيم الدولة الاسلامية غير مطروح كما أن الرئيس باراك أوباما استبعد ايران من عضوية التحالف الدولي الذي يشكله، كذلك يسلم مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون بأن المصالح الأمريكية والايرانية نادرا ما تتلاقى ولهذا فإن التحدي سيتمثل في التأكد من جعل الدور الايراني دورا بناء بقدر الإمكان، وقال آرون ديفيد ميلر المستشار السابق في شؤون الشرق الأوسط في الإدارات الجمهورية والديمقراطية "من الجلي أنهم (الايرانيين) سيكونون جزءا من هذه العملية، فلهم وجود على الأرض بأشكال ليست لنا، لكن لدينا من الأسباب ما يجعلنا نتوجس".

ويقول الخبراء إن الخيار المفضل لدى واشنطن هو أن تعمل ايران بشكل منفصل لتحقيق هدف هزيمة الدولة الاسلامية بينما يعمل الطرفان على عدم تصادم أنشطتهما لتفادى إمكانية تعارض المصالح، وكانت الولايات المتحدة قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران خلال أزمة الرهائن التي أعقبت الثورة الاسلامية عام 1979، وقد جعلت إدارة أوباما من هدف تقييد برنامج ايران النووي أولوية قصوى، وقال الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الرئيس السابق للقيادة العسكرية المركزية الامريكية في جلسة استماع بالكونجرس "المسلك غير المسؤول يذكرنا بأن عدو عدوي قد يظل عدوي أيضا، ربما توجد سبل يمكننا من خلالها العمل بالتوازي، لكنني أفضل الحذر وأن تكون توقعاتي في غاية التواضع".

ويقول الخبراء إن أي تعاون ملموس بين البلدين مثل تبادل معلومات الاستخبارات عن تحركات الدولة الاسلامية لابد وأن يتم في الخفاء أو من خلال وسطاء، والسبب في ذلك أن شركاء واشنطن من الدول العربية في الحرب على الدولة الاسلامية ينظرون إلى ايران بارتياب أكبر مما ينظر به المسؤولون الامريكيون إليها ويرون أنها تحاول تعزيز هيمنة الطائفة الشيعية في العراق بل وتوسيع النفوذ الايراني في المنطقة، ويمثل الدعم الايراني للميليشيات الشيعية العراقية مأزقا خاصا لواشنطن، فمازال المسؤولون الامريكيون يذكرون أن هذه الميليشيات ساهمت في التصدي للاسلاميين في العراق بعد أن انهار الجيش العراقي في الشمال في مواجهة هجوم الدولة الاسلامية.

ورغم كل ذلك برزت طهران كمصدر جاهز لتزويد بغداد بالسلاح بسرعة أكبر كثيرا وبشروط أقل من شروط المساعدات العسكرية الامريكية ويبدو أن واشنطن ارتاحت سرا لهذا الترتيب، وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بعد فحص مجموعة من الصور المختلفة إن من المؤكد تقريبا أن ايران هي التي زودت العراق بسرب من طائرات سوخوي سو-25 الهجومية روسية الصنع بسرعة كبيرة في أوائل يوليو تموز الماضي، ومع بدء الضربات الجوية بقيادة أمريكية على أهداف للدولة الاسلامية في سوريا ربما تعول واشنطن على طهران في ضمان بقاء نظم الدفاع الجوي السورية على الحياد.

بحث جهود مكافحة الارهاب

فيما بحث وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف خلال اجتماع في نيويورك في الأخطار التي يشكلها تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف، كما افاد دبلوماسي كبير في الخارجية الاميركية، كذلك تباحث كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في اتصال هاتفي في الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لبناء تحالف دولي ضد التنظيم المتطرف، وقال الدبلوماسي الكبير ان الوزيرين الاميركي والايراني التقيا في احد فنادق نيويورك على مدى نحو ساعة من الوقت وقد تباحثا خلال اجتماعهما في سير المفاوضات حول الملف النووي الايراني "كما بحثا ايضا في الاخطار التي يشكلها تنظيم الدولة الاسلامية".

ولطالما اعتبرت ايران العدو اللدود للولايات المتحدة كما ان العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين منذ 34 عاما، الا ان واشنطن باتت تعتبر ان لطهران "دورا" تقوم به في محاربة جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية حتى وان كان هذا الدور لا يعني انضمام الجمهورية الاسلامية الى التحالف الدولي الذي تبنيه واشنطن لقتال التنظيم المتطرف، وفي ما يتعلق بالمفاوضات حول الملف النووي الايراني التي استؤنفت في نيويورك بين طهران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا)، قال الدبلوماسي الاميركي ان الوزيرين ناقشا "الخطوات التي انجزت والعمل الذي ما زال يتعين القيام به" لحل هذا الملف قبل حلول مهلة 24 تشرين الثاني/نوفمبر المحددة للتوصل الى اتفاق يجعل من المستحيل على ايران امتلاك السلاح النووي، لقاء رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها. بحسب فرانس برس.

كما اتفق الوزيران الاميركي والايراني، بحسب المصدر نفسه، على ان يلتقيا مجددا في نيويورك الاسبوع المقبل "اذا كانت هناك ضرورة لذلك"، وكان كيري اعلن خلال اجتماع لمجلس الامن الدولي ان لايران "دورا" تلعبه في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية المتشدد الذي يسيطر على مناطق واسعة من اراضي العراق وسوريا، وذلك في اطار مساعي واشنطن لحشد التاييد لقتال التنظيم المتطرف، واكد الوزير الاميركي انه يرفض اي تعاون او "تنسيق عسكري" مع ايران الشيعية، العدو الطبيعي للتنظيم السني المتطرف، ولكنه منفتح على "مواصلة الحوار الدبلوماسي" معها، وبدأ اللقاء بين كيري وظريف ثنائيا قبل ان ينضم اليهما عن الجانب الاميركي نائب وزير الخارجية وليام بيرنز ومساعدة الوزير للشؤون السياسية ويندي شيرمان، وعن الجانب الايراني نائبا وزير الخارجية عباس عرقجي ومجيد تخت روانتشي، كما اضاف المسؤول في الخارجية الاميركية، وقال المصدر ان المجتمعين "امضوا بعض الوقت في مراجعة وضع مفاوضات مجموعة 5+1 التي يقودها الاتحاد الاوروبي بشأن البرنامج النووي الايراني".

وعن المكالمة الهاتفية بين كيري ولافروف قال مسؤول آخر في الخارجية الاميركية للصحافيين ان الوزير الاميركي تباحث مع نظيره الروسي في "كيفية توسيع النقاش الذي بدأناه حول الدور الذي قد ترغب روسيا في ان تؤديه في التحالف ضد تنظيم الدولة الاسلامية"، ورفض المصدر الغوص في تفاصيل الدور الذي يمكن لروسيا القيام به في هذا الملف، وقال "لقد كنا واضحين للغاية بشأن قائمة وسائل المساهمة لذلك اعتقد اننا ننتظر لنسمع من الروس ما الذي ينوون فعله"، ومن المقرر ان يلتقي كيري ولافروف في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.

صفحة جديدة

من جهة اخرى ربما سيتحتم على المملكة العربية السعودية وإيران اللتين تتنافسان منذ عقود على النفوذ في المنطقة تنحية بعض خلافاتهما جانبا للتعامل مع عدو مشترك وهو تنظيم الدولة الإسلامية، والتنظيم السني المتشدد تبغضه طهران بسبب تهديده لحكم حلفاء إيران في العراق وسوريا مثلما تبغضه السعودية لسعيه لاقامة حكم ديني اصولي في اطار خلافة إسلامية، ونقلت وكالة انباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قوله بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك إنه يدرك أهمية وحساسية هذه الأزمة والفرصة المتاحة لمواجهتها في اشارة الى التقدم الذي يحرزه مقاتلو الدولة الاسلامية في العراق وسوريا.

وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تفادي اخطاء الماضي باستغلال هذه الفرصة الثمينة حتى يمكن التعامل بنجاح مع هذه الازمة، وكان هذا أول اجتماع رفيع المستوى بين الدولتين منذ انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران العام الماضي، وقالت وكالة انباء الجمهورية الإسلامية إن ظريف أبدى ايضا تفاؤله قائلا "نعتقد أنا ونظيري السعودي أن هذا الاجتماع سيكتب الصفحة الأولى من فصل جديد في العلاقات بين بلدينا"، وأضاف "نأمل ان يسهم هذا الفصل الجديد بشكل فعال في إقرار السلام والامن الاقليمي والعالمي ويؤمن مصالح الامم المسلمة في أنحاء العالم"، وظهرت اولى دلائل الانفراج في الشهر الماضي عندما رحبت الدولتان بتعيين حيدر العبادي رئيسا لوزراء العراق بعد التقدم الخاطف لتنظيم الدولة الإسلامية في انحاء شمال العراق والذي ارغم سلفه نور المالكي على التخلي عن السلطة. بحسب رويترز.

وكان المالكي مقربا لإيران حيث أمضى سنوات في المنفى اثناء حكم صدام حسين السني في العراق لكن معارضيه اتهموه بأنه يحكم من أجل الشيعة فقط مما أثار الاستياء والتمرد بين الأقلية السنية ومهد الطريق لتنظيم الدولة الإسلامية لتهديد وجود العراق، وفور أن أدركت إيران ان المالكي اصبح مثيرا للانقسام سحبت دعمها له لتزيل بذلك غصة في العلاقات مع الرياض، وبعد ذلك بوقت قصير التقى نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع الأمير سعود في جدة وعقدا محادثات وصفها "بالبناءة" بشأن تنظيم الدولة الإسلامية والهجوم الإسرائيلي على غزة، كما تحدثا عن "فتح صفحة جديدة" في العلاقات، وقالت الرياض انها تنوي اعادة فتح سفارتها في بغداد بعد عقدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/آيلول/2014 - 29/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م