دور تركيا في مواجهة داعش ... خطى حذرة أم براغماتية انتهازية؟

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في الاونة الاخيرة أطلقت أمريكا حملتها لتشكيل تحالف دولي يهدف الى قصف ارهابي داعش في العراق وربما سوريا، لكن نظرا لما كشفته التطورات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط على المستويين السياسي والأمني، من صدامات ونزاعات سياسية شرسة بين البلدان المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان هذه المنطقة الساخنة سياسيا وأمنيا، فإن أقصى ما يمكن أن تنتظره على الأرجح من واحد من أقرب حلفائها في المنطقة سيكون القبول على مضض الا وهو الحليف التركي، ويعزو بعض المحللين عزوف أنقرة عن القيام بدور قيادي الذي يبين مدى صعوبة بناء تحالف لخوض حرب إقليمية، هو أن البلاد التركية لها دور بارز في صنع هذه التطورات السياسية والامنية المضطردة، فمنذ بداية الحرب السورية قبل عامين ونصف العام، انتهجت تركيا سياسة الباب المفتوح فوفرت شريان حياة للمناطق التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون وسمحت لمقاتلي بتنظيم نفسه على أراضيها.

لكن مع سيطرة داعش على أراض في الشمال بالقرب من الحدود في المدة الاخيرة يرى عدد أغلب المحللين أن هذه الاستراتيجية خاطئة، فاخذت تلقي بظلالها على التوازن السياسي والامن الاقليمي الهش في المنطقة، وهذا ما سببت لتركيا أزمات متعددة نتيجة لسياسيتها المتخبطة، باتت في مواجهة تهديد أمني جديد على حدودها المعرضة للخطر أصلا مع ظهور تنظيم داعش في أجزاء من شمال سوريا، مما اثار تساؤلات حول تأييدها الشامل للمعارضين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد، ووجدت أنقرة نفسها في مواجهة اتهامات بأن تأييدها المطلق للمعارضة أتاح دخول السلاح والمقاتلين الاجانب إلى شمال سوريا وسهل ظهور جماعات متطرفة.

لكن في الاونة الاخيرة اتخذت تركيا أخيرا خطوات تشدد الضوابط على حدودها لمنع دخول الارهابين إلى العراق وسوريا، ولم تعرب عن نيتها المشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في نفس الوقت يتسأل بعض المحليين بـ هل تتغير السياسة التركية بعد الإفراج عن الرهائن الأتراك؟.

بينما يرى بعض المحللين أن داعش تمثل تهديدا لتركيا أكثر منها للولايات المتحدة لذا ثمة اسباب كثيرة تدفع انقرة للانضمام للتحالف ولكن في الوقت الحالي لا يوجد تداخل كبير على الصعيد الاستراتيجي.

العزوف التركي يعوق الخطط الأمريكية

في سياق متصل قال فادي حكورة وهو محلل متخصص في الشؤون التركية بمركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن "إنها محاولة معقدة للغاية لتحقيق التوازن. تركيا تحاول إرضاء الولايات المتحدة شريكتها دون أن تتعاون معها بشكل كامل. ستتعرض لضغوط شديدة لكنها ستجد أن من الصعب جدا تعطيل الاستراتيجية الأمريكية". بحسب رويترز.

وأضاف قائلا "أنه تحالف لغير الراغبين وغير المبالين. تركيا ومعظم الدول العربية التي من المفترض أن تكون جزءا من هذا التحالف لديها شكوك عميقة في النوايا الأمريكية في المنطقة"،

وقال مسؤولون أتراك إنه لا توجد خطط للسماح باستخدام القاعدة الجوية الأمريكية في انجرليك بجنوب تركيا في الضربات الجوية. ورحبت صحف مؤيدة للحكومة بامتناع أنقرة وعقدت مقارنات بموقف تركيا في عام 2003 عندما رفض البرلمان التركي طلبا أمريكيا لاستخدام الأراضي التركية لغزو العراق.

وقال سنان أولجن رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية في اسطنبول "على تركيا أن تتروى وتفكر مليا وفي الوقت الراهن لا تعطي الاستراتيجية التي كشفت الولايات المتحدة النقاب عنها الثقة في استقرار المنطقة".

غير أن مسؤولي الحكومة لا يخفون أن مخاوفهم بشأن التصرف الامريكي تتجاوز القلق على مصير الرهائن. وقال داود اوغلوا الاسبوع الماضي ان التحرك الامريكي وحده ليس كافيا لتحقيق الاستقرار.

وقال السفير الامريكي السابق لدى تركيا فرانسيس ريتشاردوني في مؤتمر مع وسائل الاعلام في واشنطن عبر الهاتف ان تركيا في سعيها لدعم المعارضة تعاملت في السابق مع جماعات مثل جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا وهو أمر تعتبره واشنطن "غير مقبول"، وإذا أدت الحملة الجوية لتفاقم أزمة اللاجئين سيقع جانب كبير من المشكلة على عاتق تركيا. وتحدث اردوغان عن خطط لاقامة "منطقة عازلة على الحدود" في إشارة إلى تشديد انقرة الرقابة على اللاجئين النازحين في المستقبل.

دور خلف وراء الكواليس

على الصعيد نفسه قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يأمل أن يضع استراتيجية إقليمية للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مناطق واسعة من العراق وسوريا لكن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين توقعوا أن تنأى تركيا بنفسها عن لعب دور علني كبير. بحسب رويترز.

وتقديرا للمأزق الذي تجد تركيا نفسها فيه تهدف واشنطن إلى حمل أنقرة على التركيز على وقف تدفق المتشددين الأجانب وبينهم كثيرون من الولايات المتحدة وغرب أوروبا يعبرون أراضيها للانضمام للقتال في سوريا، وتسلط معضلة تركيا الضوء على طبيعة التحديات التي يواجهها كيري في تشكيل ائتلاف فعال من الدول التي لها مصالح والتزامات مختلفة في المنطقة.

وقال محللون في الولايات المتحدة بينهم اللفتنانت جنرال المتقاعد ديفيد بارنو وهو قائد أمريكي كبير سابق في أفغانستان إن تركيا ستقدم المساعدة من وراء الكواليس بالسماح لدبابات وطائرات استطلاع وطائرات بدون طيار بالعمل من أراضيها.

لكن استهداف التنظيم في سوريا يتطلب إقناع دول مثل تركيا والسعودية والأردن وغيرها بان الولايات المتحدة باقية لبعض الوقت رغم احجام أوباما عن التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط.

الإفراج عن الرهائن

من جته أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن المواطنين الأتراك ال49 المحتجزين لدى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أطلق سراحهم وعادوا صباح السبت إلى تركيا سالمين، وصرح داود أوغلو في بيان متلفز "لقد عاد مواطنونا سالمين إلى تركيا هذا الصباح"، دون أن يعطي توضيحات حول ظروف إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزوا عند الاستيلاء على القنصلية التركية العامة في الموصل العراق في 11 حزيران/يونيو. بحسب فرانس برس.

ومن بين الرهائن هناك القنصل العام وزوجته والعديد من الدبلوماسيين وأطفالهم بالإضافة إلى عناصر من القوات الخاصة التركية، وقال داود أوغلو "لقد تكثفت اتصالاتنا نحو منتصف الليل ودخلوا إلى البلاد قرابة الساعة 05,00 (02,00 ت غ). وتابعنا هذه التطورات طوال الليل وابلغنا الرئيس رجب طيب أردوغان . والخبر يملأنا بالفرح"، ومنذ حزيران/يونيو والسلطات التركية تكرر انها ابقت على "اتصالات" لإطلاق سراح مواطنيها دون إعطاء توضيحات.

واتهمت الحكومة التركية مرارا بأنها تدعم المعارضة السورية وسلحت مجموعات إسلامية معادية لنظام الرئيس بشار الأسد وبينها تنظيم "الدولة الإسلامية". ونفت أنقرة باستمرار تقديم مثل هذا الدعم، وحملت المعارضة التركية الحكومة، وخصوصا وزير الخارجية والمرشح الأبرز لخلافة اردوغان في منصب رئيس الوزراء، مسؤولية خطف مواطنين أتراك من قبل تنظيم "الدولة الاسلامية".

معلومات عن الجهاديين الأجانب

الى ذلك دعا وزير خارجية تركيا إلى زيادة تبادل المعلومات مع الدول الأخرى لمنع دخول الجهاديين إلى بلاده والسفر إلى العراق وسوريا للانضام إلى مقاتلي الدولة الإسلامية، ويعتقد أن آلاف المقاتلين الأجانب من دول منها تركيا وبريطانيا وأجزاء من أوروبا والولايات المتحدة انضموا إلى المقاتلين الإسلاميين كثيرون منهم يسافرون عبر الحدود التركية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو في مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني في برلين "تركيا لا يمكنها خوض هذه المعركة وحدها. أولا وقبل كل شيء نحتاج إلى تبادل المعلومات ومعلومات المخابرات مع حلفائنا مثل ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة"، واضاف "سيكون من الأفضل إذا تم تحديد هوية هؤلاء الأشخاص قبل أن يغادروا دولهم لمنع دخولهم إلى تركيا أو ترحيلهم عقب دخولهم".

وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير انه وجاوش أوغلو بحثا الأعداد المثيرة للانزعاج من الشبان المتورطين. وقال "لدينا اهتمام بمنع أكبر عدد ممكن منهم من الوصول الى الصراع"، ويعتقد مسؤولو مخابرات ألمان ان خمسة مواطنين ألمان نفذوا هجمات انتحارية لصالح التنظيم في الشهور الأخيرة. بحسب رويترز.

وكان مسؤولو أمن غربيون قالوا فيما مضى إن تركيا كان يمكنها أن تفعل المزيد لمنع مرور المقاتلين الأجانب ولاسيما في الأيام الأولى للانتفاضة على الرئيس السوري بشار الأسد"، وقال جاوش أوغلو "يحزننا أن نسمع (المزاعم) الجائرة في حقنا ... ولكننا عقدنا العزم. ونحن نعرف أن كل الإرهابيين الذين يأتون إلى هذه المنطقة سواء كانوا أجانب أم من هذه المنطقة فإنهم خطر على تركيا"، وأضاف قوله "لقد اعتقلنا آلاف المشتبه بهم وقمنا بترحيلهم... ووضعنا ستة آلاف شخص منهم ثلاثة آلاف في الأشهر السبعة الماضية فحسب على قوائم منع الدخول. ونأمل بأن نستمر في التعاون على هذا النحو"، وقال إن تركيا عززت إجراءات الأمن في محطات الحافلات والقطارات وزادت الرقابة في المعابر الحدودية مع سوريا والعراق مع الحفاظ في الوقت نفسه على سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين القادمين من هذين البلدين.

وتشير تقديرات أجهزة الأمن الألمانية الى ان نحو 3000 مواطن أوروبي غربي انضموا إلى الدولة الإسلامية 400 منهم من ألمانيا كثيرون منهم عن طريق رحلات طيران رخيصة إلى إسطنبول ثم تدبير وسيلة للمرور عبر الحدود الطويلة لتركيا مع سوريا أو العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آيلول/2014 - 27/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م