مشاهدات من ايران.. الثورة، النظام، الدولة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حين تكون في بلد اخر، تبدأ اسطوانة جلد الذات من خلال المقارنة بين ما تراه امامك وما تركته في بلدك خلفك، وكل مقارنة بين ما تراه وما تحتفظ به الذاكرة، مقارنة ليس بصالح وطنك الذي جئت منه.

ما تراه هو مشاهدات بصرية، تتشكل اللوحة فيها من الانبهار والدهشة، فما تراه غير موجود في بلدك، وما تسمعه قد تفهم منه الكثير او لا تفهم منه شيئا تبعا للغة البلد الذي انت فيه.

السائح في بلد معين، يرى ما تقع عليه العين مباشرة، سطح الاشياء وقشرتها الخارجية، وهو ليس معنيا بعمق الاشياء وجوهرها، لان اللغة او العادات او التقاليد تقف في الكثير من الاحيان حاجزا امام ذلك، او ربما لعدم وجود الرغبة في المعرفة، او ربما ضيق الوقت الذي تتطلبه معرفة ما يفكر به هذا المجتمع او ما يعاني منه من معوقات او مشاكل، لا يتم البوح بها للغرباء.

في حديث عابر مع احد العاملين في الفندق الذي نزلت فيه مجموعتنا، حول كلفة الاتصالات الخارجية بين ايران والعراق، وارتفاعها في هذا البلد مقارنة بالعراق، اشار المتحدث الى صورة لقادة النظام الايراني معلقة خلف الصورة اشارة بليغة بيده، وهي اشارة الذبح، وقد يكون هذا الذبح معنويا، وكأن سكين الغلاء والتضخم مسلطة على رقاب الايرانيين، رغم كل الخدمات والبضائع والحركة الاقتصادية، التي تضيف اليها اموال السائحين مبالغ مالية ضخمة، تنهشها السياسات الداخلية والحصار.. وفي تعبير لاحد السائقين الذي رافقنا في جولاتنا، قال: ما تعطيك اياه الحكومة بيدها اليمنى تاخذه منك بيدها اليسرى، والتي تتحكم بجميع عمليات البيع والشراء والتوفير وسحب النقود تحت سقف معين من المبالغ، يمكن ان تجمد في لحظة واحدة، لاتملك معها في جيبك حتى تومانا واحدا، وهو احدى العملات الايرانية.

من خلال اشارة في حديث عابر، تفهم القليل منه ويغيب جزء اكبر بسبب اللغة، تكتشف ايران اخرى غير التي تشاهدها بعيون السائح العابر.

ماذا بقي من شعارات الثورة؟

بعد هذه العقود على قيام الثورة الايرانية، لا تستغرب اذا رأيت الشعارات التي رافقت انطلاقتها لم يتبق منها شيئا، وحتى شعار (الموت لامريكا) قد تجاوزه النظام عبر المحادثات النووية او عبر ملفات المنطقة، فلا يمكن تجاوز احدهما للاخر، نظرا لتشابك المصالح وتقاطعاتها الكثيرة.

ما هو شكل النظام؟

في القمة منه نظام ديني، تشتغل فيه اكثر من قوة، ورغم اختلافات القوى الا انها متفقة على الطاعة والولاء للولي الفقيه، والمنطلقات الاولى للثورة، وربما تجد بعض الاختلافات في الجيل الجديد في ما يتعلق بالنظر الى النظام او ولاية الفقيه، فترى هذا الجيل اكثر ميلا الى الحفاظ على النهج الثوري ونظام الحكم الديني، اكثر منه اهتماما بطاعة الولي الفقيه.

بالتالي، الاختلافات ليست جذرية بين تلك القوى السياسية، الا بمقدار الشعارات الطارئة والتحديات الجديدة.

ما هو شكل الدولة؟

تعود معرفة الايرانيين بمفهوم الدولة الى قرون طويلة، مما سمح لهم بترسيخ المؤسسات وتنظيم اعمالها عبر التشريعات والقوانين الناظمة لحركة المجتمع، وهي في اغلبها تميل الى التشدد وان كان تشددا لايظهر لعين السائح العابر للوهلة الاولى، لكن صرامة تلك القوانين يمكن مشاهدتها في اكثر من مكان وزاوية.

وهي كلما زادت وطأة الحصار الخارجي على الثروة النفطية والبنوك، تاخذ تلك الوطأة بالتمدد الداخلي الذي لا يعود مقتصرا على الجانب الاقتصادي منه بل يمتد الى الحريات والحقوق.

من ذلك مثلا:

المدعي العام في إيران حدد مهلة مدتها شهر للحكومة بدءا من 21 سبتمبر أيلول لحظر تطبيقات "فايبر"، و"تانغو"، و"واتس اب" داخل حدود البلاد. ناهيك عن الفيس بوك المحجوب اصلا.

وجاء في الرسالة التي وجهها الى الحكومة( أمامكم شهر لاتخاذ الإجراءات الفنية بهدف منع هذه التطبيقات والسيطرة عليها" أي "فايبر"، و"تانغو"، و"واتس اب).

واعتبر المدعي العام أن هذه التطبيقات تحتوي على تجاوزات "أخلاقية وجرمية". معتبرا اياها إساءات أخلاقية للإسلام".

يترافق ذلك مع حملة جديدة لنزع الاطباق اللاقطة المحظورة في ايران، خاصة وان 42% من 75,2 مليون ايراني يمضون ثلاث ساعات يوميا لمشاهدة القنوات الفضائية التي تبث برامج ترفيهية واخبارية من الولايات المتحدة وبريطانيا حيث تعتبرهما ايران خصمان لدودان لها.

الثورة – النظام – الدولة، هذه الثلاثية الايرانية تطرح اكثر من سؤال عن استمرارها بالصيغة الحالية، ومدى قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية، ومدى قدرة المجتمع الايراني على تحمل تلك الضغوط، وقابليته وقدرته ونزوعه نحو التحرر من شكل النظام أو بقائه وفيا لتقاليد وجذور الثورة الاولى، مع مفارقة النظام والحفاظ على الدولة. واسئلة اخرى ربما لاتجيب عنها رحلة واحدة الى ايران والتنقل في مناطقها الكثيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آيلول/2014 - 27/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م