انقراض الديناصورات وتغيّر محور دوران الأرض

 

شبكة النبأ: الديناصورات هذه الحيوانات البائدة التي كانت تهيمن على سطح الكرة الأرضية لما يقارب من 160 مليون سنة، والتي اختفت بشكل غريب منذ حوالي 65 مليون سنة لاتزال محط اهتمام العلماء والباحثين في مختلف دول العالم، من اجل الوصول الى حقائق علمية جديدة بخصوص حياة واسباب اختفاء هذه المخلوقات، التي اثيرت حولها الكثير من الفرضيات خلال العقود الماضية.

وبحسب بعض العلماء والباحثين فان الاستكشافات الجديدة والتطور العلمي الهائل الذي اجري على العديد من الحفريات التاريخية، قد اسهم وبشكل فاعل بحل بعض الالغاز المهمة لبعض انواع الدينصورات، التي تضم حوالي 1000 نوع من الأجناس المختلفة من حيث الشكل و الحجم، حيث تم العثور على حفريات وبقايا جديدة ومختلفة من الديناصورات وهو قد يسهم بتغير العديد من النتائج والنظريات السابقة.

ولاشك أن الديناصورات لم تنقرض بين ليلة وضحاها، بل يمكننا أن نتوقع أن انقراضها قد حدث على امتداد آلاف السنين، وهي فترة قصيرة جداً بالنسبة لسيطرتها على الأرض لملايين السنين، لذا يتسأل الخبراء على الدوام كيف اختفت تلك الكائنات الجبارة فجأة، وكيف انقرضت تماماً من على وجه الأرض؟!.

وهناك عدة نظريات حول أسباب انقراض تلك الكائنات الجبارة. وفي خلال حقبة الحياة المتوسطة للأرض تطورت بعض أنواع الديناصورات، واختفت لعدة أسباب. وكان الانقراض الشامل في نهاية العصر الطباشيري، كما انقرضت معها بعض الزواحف الطائرة والعائمة، وبعض الكائنات البحرية، بينما ويعزو بعض العلماء انقراض الديناصورات إلى تغير محور دوران الأرض والمجال المغناطيسي.

وفي ما يخص اخر الابحاث والاستكشافات فقد وصف فريق دولي من العلماء عملية تحور غريبة الاطوار على مدى خمسين مليون سنة جعلت سلالة من الديناصورات آكلة للحوم تنكمش وتكتسب صفات أدت في النهاية إلى أول ظهور للطيور. ودرس الباحثون باستخدام تقنيات طورها علماء في الاحياء الجزيئية 1500 صفة تشريحية في 120 ديناصورنا مختلفا من عائلة ثيروبود ومنها ديناصورات تيرانوسورس ريكس وجيجانوتوسورس العملاقة وسلالة الديناصورات التي تحورت لتصبح طيورا.

وقال مايكل لي عالم الحفريات بجامعة اديليد في استراليا والذي قاد فريق الباحثين "قاست دراستنا معدل التحور للانواع المختلفة لديناصورات ثيروبود." وأضاف "النوع الاسرع تحورا هو أصل الطيور. لذا اثبتت الديناصورات الاكثر تأقلما انها افضل الناجين على المدى الطويل وتعيش حولنا اليوم في رونقها ذي الريش."

وأول طائر معروف كان اركايوبتيركس في حجم الغراب وعاش في ألمانيا قبل 150 مليون عام. وتميز هذا الطائر بصفات منها الاسنان وذيل عظمي طويل وبعض الصفات التي يشترك فيها مع الطيور الحديثة. وأكمل الباحثون شجرة تسلسل هذه السلالة من الديناصورات والطيور التي تنحدر منها. ونقص وزن هذه الديناصورات من حوالي 200 كيلوجرام إلى 0.8 كيلوجرام. ونشرت نتائج الدراسة في دورية ساينس Science.

الى جانب ذلك قال علماء إن حفرية ديناصور غريب عاش في الصين قبل 125 مليون سنة وكان يكسوه الريش تظهر انه كانت له اربعة اجنحة على ما يبدو وربما كان بمقدوره التزلج. والديناصور آكل اللحوم الذي اطلق عليه (تشانجيورابتور يانجي) كان له ريش طويل في الذيل جعله الديناصور الأطول ريشا بطول بلغ ثلاثين سنتيمترا.

وكان للديناصور طرفان اماميان يكسوهما الريش قريبان من الاجنحة كما كانت له ساقان عليهما ريش جعلتاه يبدو كما لو كان له جناحان اخران. ولا يعد الديناصور من الطيور لكنه قريب جدا من ان يكون طائرا. وطوله 1.3 متر ووزنه حوالي اربعة كيلوجرامات. بحسب رويترز.

وقال آلان ترنر عالم الحفريات بجامعة ستوني بروك في نيويورك وأحد العلماء إنه لو كان لشخص ان يرى الديناصور تشانجيورابتور فإن رد فعله كان على الارجح "مهلا! هذا طائر غريب الاطوار ..ولهذا سيظن انه ديك رومي متوسط الحجم بذيل طويل جدا." وتعرف العلماء على عدد من هذه الديناصورات وكان تشانجيورابتور اكبرها حجما. ونشأت الطيور من تطور ديناصورات صغيرة ذات ريش. ويعد طائر اركايوبتيركس وكان شكل الغراب وعاش قبل حوالي 150 مليون سنة أول طائر عرف في التاريخ. لكن الكثير من الديناصورات قبل وبعد ذلك التاريخ كان لها ريش وخصائص اخرى للطيور.

اضخم الديناصورات

في السياق ذاته أعلن العلماء أنهم اكتشفوا في منطقة باتاجونيا في جنوب الأرجنتين حفرية كاملة التفاصيل ومحفوظة جيدا لديناصور عملاق طويل العنق كان قد زلزل الارض في هذه المنطقة منذ نحو 77 مليون عام. وقال العلماء إن هذا الديناصور الهائل الحجم -واسمه العلمي دريدناوتس شراني Dreadnoughtus schrani - يزن 59300 كيلوجرام ويبلغ طوله 26 مترا وطول رقبته 11.3 متر وطول ذيله 8.7 متر. ونشرت نتائج هذه الدراسة في دورية (ناتشورال جورنال ساينتيفيك ريبورتس).

وقال عالم الاحياء القديمة كينيث لاكوفارا من جامعة دريكسل في فلادلفيا الذي اكتشف هذا الكائن العملاق وأشرف على جهود استخراجه وتحليله إن العلماء حسبوا وزنه بناء على طول عظام الطرفين العلويين والسفليين. ويفوق ديناصور دريدناوتس في وزنه قطيعا من الفيلة الافريقية أو فردا بالغا من حوت العنبر كما انه يتجاوز في وزنه التيرانوصور ريكس بواقع سبعة امثال وكان ينشر الرعب في منطقة امريكا الشمالية خلال العصر الكريتاسي (الطباشيري).

وقال لاكوفارا إن دريدناوتس "كان لديه اضخم وزن محسوب" لأي كائن معروف سواء كان من الديناصورات أو غيرها. وقال إن نوعا آخر من الديناصورات العملاقة التي كانت تعيش في الأرجنتين -ويعرف باسم ارجنتينوصور- ربما كان أكبر حجما إلا ان ندرة حفرياته وبقاياه لا تتيح للعلماء حساب تقديرات مؤكدة لوزنه.

وكانت مجموعة أخرى من العلماء قد أعلنت في مايو آيار الماضي ان ارجنتينوصور يزن 82107 كيلوجرامات ووصفوه آنئذ بأنه اضخم ديناصور معروف. وفيما كان دريدناوتس نباتيا بدرجة كبيرة إلا انه لم يكن حقير الشأن. ونظرا لضخامة حجمه وطول ذيله الذي يمكنه من ان يسحق به أي مخلوق مفترس ساذج يجرؤ على التعدي عليه فلم يكن هناك ما يخشاه حتى الديناصورات اللاحمة الضخمة.

واسمه يكشف عن ذلك إذ يقول الباحث مات لامانا من متحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي في بيتسبرج "قررنا ان دريدناوتس -الذي يعني الذي لا يخشى شيئا- جدير بهذا الاسم لان كائنا بهذا الحجم لا يمكن ان يخاف أحدا." وقال لامانا وهو من علماء الأحياء القديمة "ناهيك عن القول إننا قلنا إن الوقت قد حان كي نطلق اسما ملائما على ديناصور من أكلة الاعشاب لان مثل هذه الأسماء كانت مقصورة على الكائنات آكلة اللحوم." بحسب رويترز.

وقال لاكوفارا إن الاسم يمثل اشارة الى قطع حربية بحرية قوية تسمى دريدناوتس التي يرجع عهدها الى مطلع القرن الماضي والتي كانت لا تقهر. ويبدو ان ديناصورات دريدناوتس قضت وقتا طويلا في التهام كميات كبيرة من الاعشاب والنباتات لتكوين هذه الاجسام الهائلة. وهو فرد من مجموعة من الديناصورات العملاقة التي كان يعتقد انها الاكبر على الاطلاق.

حيوان غريب

الى جانب ذلك بات السبينوصور، وهو حيوان غريب يصل وزنه الى عشرين طنا ويشكل ما يشبه الخليط بين البط والتمساح، اول ديناصور معروف يحمل ميزات تشريحية تدل الى تكيفه في الاوساط الطبيعية شبه المائية، على ما كشفت متحجرات عثر عليها في المغرب. وهذا الديناصور البالغ طوله 15 مترا والمزود بحوالى عشرين سنا حادا داخل خطم طويل ضيق، المعروف بأنه من الحيوانات اللاحمة التي عاشت قبل حوالى 95 مليون سنة، كان يلتهم الاسماك ايضا.

وتم الكشف عن اول عظام للسبينوصور سنة 1912 في مصر وقام بتوصيفها عالم الاحاثة الالماني ارنست سترومر فون رايخنباخ، الا ان الاخير لم يلحظ قدرة هذا الحيوان على التكيف في الاوساط المائية. وتتفوق السبينوصورات بحجمها على التيرانوصور الشهير "تي - ركس" الذي عاش في اميركا الشمالية لملايين السنوات بعد انقراض السبينوصور، على ما اوضح العلماء الذين نشرت مجلة "ساينس" الاميركية نتائج اكتشافهم.

وبحسب هذا الفريق الدولي من الباحثين، يعتبر السبينوصور اكبر ديناصور مفترس عاش على الارض، اذ تخطى طوله بثلاثة امتار اكبر نوع من ديناصورات "تي - ركس" مكتشف حتى اليوم. وتظهر متحجرة الهيكل العظمي الاكثر اكتمالا للسبينوصورات بوضوح انه كان باستطاعته العيش على البر والماء على السواء، بحسب ما اوضح المشرفان الرئيسيان على هذا الاكتشاف عالما الاحاثة بول سيرينو ونزار ابراهيم.

وتم اكتشاف العظام، بينها أجزاء من الجمجمة والعمود الفقري والحوض والأطراف، خلال سنوات عدة في رسوبيات للمياه العذبة في الصحراء المغربية جنوب شرق البلاد. وأشار هؤلاء الباحثون الى ان هذه العظام تعطي اشارات واضحة تؤكد ان هذا الحيوان كان يعيش جزئيا في اوساط مائية، ما يجعله اول ديناصور قادر على العوم.

ولفت الباحثون الى ان الزواحف البحرية مثل البلصورات والموساسورات ليست ديناصورات، على الرغم من انها تظهر بعض اوجه الشبه معها. ومن بين مؤشرات التكيف المائي التي لاحظوها على عظام السبينوصورات، اشار الباحثون الى وجود انف على اعلى الرأس لمنع المياه من الدخول اليه، وأقدام امامية طويلة نسبيا واقدام مسطحة تسمح بالسباحة، لكن ايضا بالمشي على اسطح موحلة. كما لفت الباحثون الى كثافة كبيرة للعظام في الاطراف سمحت لهذا الديناصور بالبقاء داخل المياه بدل ان يطفو على السطح.

واشار الاختصاصي في التشريح ج.ج.م. تويسن من جامعة "نورث ايست اوهايو ميديكال يونيفرسيتي" في تصريحات اوردتها مجلة ساينس الى ان هذه الكثافة في العظام تذكر بالحيتان الأولى وأفراس النهر اليوم. وقال عالم الاحاثة بول سيرينو ان "السبينوصورات مع خطمها الشبيه بالتمساح وعنقها وجسمها الطويلين تشبه البط مع ذيل تمساح". كما لفت خلال مؤتمر صحافي الى ان هذا الديناصور كان يواجه صعوبات كبيرة على البر في الابقاء على توازنه لفترات طويلة على اقدامه الخلفية نظرا الى تركيبة جسمه.

وبحسب هؤلاء الباحثين فإن العرف الكبير على ظهر هذه الحيوانات الشبيه بشراع سفينة، كان يستخدم للجذب من اجل التكاثر اكثر منه للمساعدة على العوم. وتعرضت المتحجرات المكتشفة سنة 1912 للتلف عندما كانت موجودة في متحف التاريخ الطبيعي في ميونخ مع مجموعات اخرى مرتبطة بالاحاثة، في نيسان/ابريل 1944 خلال قصف لقوات الحلفاء على المدينة. بحسب فرانس برس.

وبالتالي تعين انتظار قرابة القرن من الزمن للحصول على هيكل عظمي جديد للسبينوصور، تم اكتشاف اولى العظام التابعة له من جانب احد الرحل من محبي جمع المتحجرات في المغرب. ولإعادة تكوين صورة هيكل عظمي اكثر اكتمالا للسبينوصور، جمع العلماء معلومات متأتية من متحجرات جديدة ونسخا رقمية للعظام كما وصفها ارنست سترومر، اضافة الى تلك العائدة لأحد اسلاف هذا الديناصور، الـ"سوشوميموس"، التي كانت مختلفة جدا. وهذا الاكتشاف سيكون ايضا موضوعا لمعرض في متحف "ناشونال جيوغرافيك" في واشنطن اضافة الى مقالة في عدد من المجلة الشهيرة.

سبب الانقراض

على صعيد متصل كشفت دراسة حديثة أن الديناصورات انقرضت بسبب تأثير كويكب ضرب الأرض، بينما كانت تلك الكائنات في أضعف حالاتها. وقال ستيف بروسات، من جامعة إدنبره: "ارتفع منسوب مياه البحر، وأدى النشاط البركاني إلى جعل العديد من الكائنات أكثر عرضة للانقراض." وأوضح أن الديناصورات ربما كانت لتنجو لو أن ذلك الكويكب ضرب الأرض قبل هذا التوقيت أو بعده ببضع ملايين سنة، واصفا ما حدث بأنه "حظ غاية في السوء". ونشر هذا التقييم في دورية بيولوجيكال ريفيوز المتخصصة في العلوم الحيوية. وقال بروسات "كانت عاصفة عنيفة من الأحداث التي وقعت في الوقت الذي كانت فيه الديناصورات في أضعف حالاتها."

وضمت الدراسة 11 من كبار خبراء الديناصورات في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا، من أجل تقييم أحدث البحوث حول انقراض الديناصورات منذ 66 مليون عام. ويوجد دليل على أن بعض أنواع الديناصور كانت قد ماتت قبل أن يضرب الكويكب الأرض بوقت قصير.

ويتعلق أحد الأسئلة الرئيسية بما إذا كان هذا التراجع التدريجي في أعدادها سيؤدي إلى انقراض هذه الحيوانات، حتى لو لم يضرب الكويكب الأرض. وخلص الباحثون إلى أنه على الرغم من أن بعض الأنواع آكلة النباتات قد ماتت في أمريكا الشمالية، في الفترة التي سبقت تأثير الكويكب، إلا أنه لا يوجد دليل على تراجعها على المدى الطويل.

ويعتقد بروسات أن الكويكب لو ضرب الأرض في وقت سابق لما حدث بعدة ملايين من السنين وقبل أن تسوء الضغوط البيئية، أو بعد ذلك ببضعة ملايين أخرى عندما تكون الديناصورات قد تعافت، لربما كانت الديناصورات تجوب الأرض حتى يومنا هذا. وتابع :" قبل خمسة ملايين سنة كانت أنظمة الديناصورات البيئية أقوى بكثير، وكانوا أكثر تنوعا، كما كانت قاعدة السلسلة الغذائية أكثر قوة وكان من الصعب إزاحة الكثير من الأنواع." وأضاف: "لو كان لدى الديناصورات بضعة ملايين سنة أخرى لاستعادة تنوعها لامتلكت فرصة أفضل للنجاة، وعاشت الديناصورات حوالي 160 مليون سنة، كان لديها الكثير من الانحدار والهبوط في تنوعها، لكنها استطاعت دائما التعافي."

ومكن زوال الديناصورات الثدييات بما فيها الأنواع الموجودة حاليا من التنوع والتطور. ويعتقد العلماء أن الديناصورات لو كانت نجت لربما استطاعت تطوير ذكائها والبقاء حتى الآن وأوضح بروسات أن الكويكب إذا لم يضرب الأرض في الوقت الذي حدث فيه ذلك، فإننا ربما كنا نعيش في عالم تهيمن عليه الديناصورات. وقال مازحا :"إلا أننا لن نكون هنا لأن الثدييات لم يكن لديها الفرصة لتتطور، ولم نكن لنجري هذا الحوار."

وتطرح هذه الفكرة الفضولية سؤالا حول كيف كان سيمكن للديناصورات أن تتطور. هل يمكنها أن تتطور بنفس طريقة تطور الثدييات، لتصبح كائنات متقدمة تشبه البشر العصريين؟ وسألت الدكتور بروسات :"هل يمكن لديناصور مكاني وديناصور مكانك أن يجروا هذه المحادثة بدلا منا؟" ورد: "من الممكن ذلك. فمع وجود التطور لا تقول أبدا لا يمكن، فبالطبع هناك احتمالية أن تكون الديناصورات قادرة على تطوير مستوى ذكائها."

ويتفق مع هذا البروفيسور سايمون كونواي-موريس، من جامعة كامبريدج، لكنه لم يذهب تماما أبعد مما ذهب إليه بروسات. وقال موريس لو لم يكن هناك انقراض جماعي، فإن الديناصورات لم تكن لتستطيع البقاء حتى الوقت الحاضر." وأضاف أن مجموعات أخرى من الحيوانات كانت لتطور من مستوى ذكائها وقدرتها على خلق أدوات. لكن خبراء آخرين شاركوا في الدراسة كانوا أقل تفاؤلا من دكتور بروسات. بحسب بي بي سي.

وقالوا إنه على الرغم من معقولية براهينه، إلا أنهم يعتقدون أنه من المستحيل القول إن الديناصورات كانت لتنجو إذا ما كان الكويكب قد ضرب الأرض في وقت آخر. وقال ريتشارد بوتلر، من جامعة برمنغهام: "لا يمكننا إعادة تشغيل شريط الحياة لنرى إذا ما كان قدوم الكويكب في وقت آخر سيؤدي إلى الانقراض الجماعي." ويوضح بول باريت، من متحف التاريخ الطبيعي أن الدراسة الجديدة تكشف أن أعداد أنواع من الديناصورات كانت تتراجع بالفعل قبل اصطدام الكويكب بالأرض.

السينما و الديناصورات

من جهة اخرى ظهرت الأفلام السينمائية عن الديناصورات بعد فترة قصيرة من بداية صناعة السينما، لكن الفارق كان كبيرا للغاية بين حقيقة تلك الكائنات وبين الشكل الذي قدمته لنا أفلام السينما. كونتين كوبر، الصحفي والناقد السينمائي، يحاول البحث في كيفية خداع السينما للمشاهدين. وربما يكون الفيلم الوثائقي "ديناصور 13" الذي أنتج عام 2014، هو أدق عمل فني يتناول الديناصورات على الإطلاق. إذ أنه يعد من أفضل الأعمال التي تروي بشكل مثير كيف كشف خبراء الحفريات بولاية ساوث داكوتا الأمريكية النقاب عن أكبر هيكل عظمي على الإطلاق لديناصور من فصيلة (تي ريكس).

وبعد أن كان مقررا أن يعرض ذلك الهيكل العظمي كأهم قطعة أثرية في أحد متاحف ساوث داكوتا، نشب نزاع مرير بشأن الطرف الذي يحق له الإشراف على ذلك الهيكل، حتى أدى ذلك إلى تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، ومحاكمة أحد الباحثين المتخصصين في علم الحفريات وسجنه لمده طويلة. وفي نهاية المطاف، بيع ذلك الهيكل العظمي في مزاد بنحو ثمانية ملايين دولار أمريكي، ولم يحصل المكتشفون على أي أموال من ذلك المبلغ. ويعرض الهيكل العظمي حاليا في أحد المتاحف الخاصة في ولاية شيكاغو.

وتكمن قوة ذلك الفيلم الوثائقي في طبيعة القصة التي يقدمها، والطريقة التي يظهر بها الشخصيات الرئيسية في العمل، ومن بينها ذلك النوع من الديناصورات. ولم يتضمن الفيلم الصور التي أصبحت مألوفة للغاية في الأفلام والبرامج التي تروي قصة الديناصورات؛ فلا توجد صور افتراضية معدة بواسطة أجهزة الكمبيوتر لذلك الديناصور، ولا مؤثرات حركية. وعلى مدى قرن من الزمان، استخدم صناع الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية كل ما هو متاح لديهم من أدوات وتقنيات متطورة، لإظهار الديناصورات وهي تسير على الأرض في أعمالهم الفنية.

وتطورت المؤثرات الفنية والحركية في أفلام الديناصورات كثيرا منذ إنتاج فيلم "العالم المفقود" في 1922 وقد حول هؤلاء تلك الوحوش المنقرضة إلى أيقونات حية في الثقافة المعاصرة، وشكلوا طريقة تفكيرنا بشأن كل الملامح المتعلقة بمظهر وسلوك هذه الكائنات. لكن المشكلة تكمن في أن كثيرا مما علموه لنا لم يكن صحيحا.

فبداية من فيلم "غيرتاي" الكرتوني الذي يجسد ديناصور (الأباتوسورس) في سلسلة أنتجت في العقد الثاني من القرن الماضي، إلى أفلام اليوم التي تعمل بتقنية البعد الثالث، وتستخدم تصميمات معدة ببرامج الكمبيوتر، يفترض الجمهور أن تلك الكائنات التي تسير بتثاقل هي ما كانت عليه أشكال الديناصورات بالفعل. وفي بعض الأحيان تذهب تصورات الجمهور إلى ما هو أبعد من ذلك.

ففي عام 1922، وخلال رحلة لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة، تلقى الكاتب البريطاني السير آرثر كونان دويل دعوة من صديقه الساحر هاري هوديني لحضور لقاء يضم رفاقه من كبار السحرة. قرر كونان دويل أن يقدم لهم فقرته الخاصة؛ فعرض عليهم فيلما قصيرا لديناصورات ما قبل التاريح لم يكن مصحوبا بأي تعليق. وفي عددها الصادر في 3 يونيو/ حزيران من ذلك العام، روت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على صدر صفحتها الأولى كيف نجح كونان دويل في أن "يخدع مجموعة من السحرة المشاهير على مستوى العالم بصور لوحوش ما قبل التاريخ".

إذ أن العديد منهم ظنوا أن ما عُرض عليهم هو لقطات لديناصورات حقيقية أفلتت من الانقراض. لكن الحقيقة، والتي لم يُكشف عنها النقاب سوى في اليوم التالي لذلك اللقاء، هي أن تلك اللقطات كانت جزءا من فيلم يُعد في ذلك الوقت، والمأخوذ عن قصة (العالم المفقود) لكونان دويل. وقد صمم فنان المؤثرات الخاصة ويليس أوبرايان تلك اللقطات التي أثارت الجدل، وقد حظي بالشهرة في ما بعد بفضل عمله في فيلم (كينغ كونغ).

ويعتقد أن نوع الديناصورات التي ظهرت في الفيلم الشهير "غوراسيك بارك"، كان أكبر حجما مما كان في الواقع ولا نزال نعتقد أننا ندرك حقيقة الملامح الخاصة بالديناصورات، وطبيعة أصواتها وحركتها، وذلك فقط لأننا شاهدنا ساعات لا حصر لها لتلك الكائنات في الأفلام والبرامج الوثائقية.

وحتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من القفزات الواسعة التي حققها علم الحفريات، واستخدام تقنيات التصوير الحديثة، ليس لدينا سوى فكرة مبهمة للغاية بشأن جلود ولون تلك الكائنات المنقرضة. وهناك اعتقاد متزايد بأن عدد الديناصورات التي كان يكسوها الريش أكثر بكثير مما كنا نعتقد، وذلك مقارنة بتلك التي يكسوها الجلد فقط، بما في ذلك الديناصورات من فصيلة (تي ريكس)،

وفصيلة (فيلوسرابتور)، التي ظهرت في الفيلم الشهير "جوراسيك بارك"، وهي بالمناسبة أصغر حجما مما ظهرت عليه في ذاك الفيلم، إذ أن حجمها يماثل تقريبا حجم دجاجة سمينة. ومن الإنصاف أن نقول إن أفكارنا لا تزال في حالة تغير مستمر في ما يخص العديد من التفاصيل الرئيسية المتعلقة بالديناصورات، مثل طريقة حركتها، أو تناولها للطعام.

وحظيت سلسلة الأفلام الوثائقية "برفقة الديناصورات"، التي أنتجتها بي بي سي، بشهرة واسعة وتتمتع كل الأفلام التي تظهر وحوشا من هذا القبيل بنوع من الحرية، فعلى سبيل المثال، يُظهر أحدث تصميم للوحش السينمائي الشهير "غودزيلا" جسده بصورة أكبر حجما بكثير مما يمكن أن تتحمل قدماه.

من ناحية أخرى، يبدو أننا نخلط كثيرا بين "ما نعرفه" و"ما نخمنه" في ما يتعلق بالبرامج الوثائقية التي يمكن أن يظن البعض على سبيل الخطأ أنها تجسد الواقع. والمثال الأبرز هنا هو سلسلة أفلام "برفقة الديناصورات" الوثائقية، والتي يُضرب بها المثل عادة على أنها الأكثر نجاحا من نوعها. لكن بغض النظر عن الإبهار الذي تتسم به من الناحية التقنية، ومحتواها الممتع والمسلي، هل يمكن أن تصنف حقا على أنها عمل وثائقي؟

في أغلب الأحيان، يشعر المشاهدون بأن كل ما يرونه ويسمعونه في هذه السلسلة موثق ودقيق، خاصة مع استعانتها بعشرات العلماء، بالإضافة إلى السرد الصوتي المتميز. لكن ذلك الشعور بالمصداقية ليس صحيحا. فلا مفر أمام مثل هذه البرامج من أن تقدم محاكاة لأشكال هذه الكائنات وخصائصها اعتمادا على التخمين والاستنتاج. ووفقا لما أظهرته الدراسات الأخيرة، فإن العديد من التفاصيل التي أظهرتها تلك السلسلة الوثائقية، ومن بينها الطريقة التي كانت تسير بها الديناصورات، يُعتقد الآن أنها خاطئة.

وربما يُخفي صناع مثل هذه الأعمال أن ما يقدمونه يستند إلى كثير من الاستنتاجات والتصورات. فهم يجمعون بين الحديث عن الحمض النووي للديناصورات، وإظهار الشكل المألوف لهذا الكائن كما بدا في الفيلم الكلاسيكي "مليون سنة قبل الميلاد"، الذي انتجته شركة هامر. وفي هذا الفيلم المُصنف ضمن أفلام الدرجة الثانية، تابع المشاهدون معارك تدور بين الديناصورات والبشر الأوائل، تحت عنوان "هذا ما كان الأمر عليه"، وذلك بالرغم من أن الطرفين لم يتعايشا مطلقا في نفس الوقت على وجه الأرض، إذ فصل بين انقراض الديناصورات وظهور البشر نحو 60 مليون عام كاملة. بحسب بي بي سي.

وبالتالي، إذا ما أدركنا أن العديد من الأفلام والبرامج "الوثائقية" المعاصرة التي تتناول الديناصورات لا تظهر ما كان عليه الواقع في أفضل الأحوال، وإنما مجرد اعتقاد لما كان سائدا في الحقبة التي عاشت فيها هذه الكائنات، فذلك سيعني أنه بإمكاننا أن نستمتع بمثل هذه الأعمال على أنها تقدم مزيجا ما بين الحقائق والخيال العلمي المبتكر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آيلول/2014 - 26/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م