هل سيؤثر استقلال اسكتلندا على القارة العجوزة بأكمالها؟

 

شبكة النبأ: مع اقتراب موعد الاستفتاء الخاص باستقلال اسكتلندا، التي اصبحت محط اهتمام وترقب لدى الكثير من الاوساط الاعلامية والسياسية، دخلت حكومة بريطانيا وكما يقول بعض المراقبين في حالة من القلق الشديد، حيث يعيش كبار السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء حالة استنفار وذعر، خصوصا وان جميع استطلاعات الرأي الأخيرة الخاصة بهذا الاستفتاء متقاربة لدرجة استحالة التكهن بالنتيجة القادمة، التي قد تسهم بتفكيك اوصال بريطانيا العظمى بعد أكثر من ثلاثة قرون من وجود الإمبراطورية التي حكمت العالم.

ويرى بعض المراقبين ان قرار الانفصال ستكون له الكثير من الاثار والمخاطر السلبية سواء كانت سياسية او اقتصادية، فبينما حذرت الأسواق المالية وبحسب بعض المصادر من الكوارث الاقتصادية التي يمكن أن تحل باقتصاد «دولة إسكتلندا» الوليدة حذر رجال الاستخبارات من أنه في يوم إعلان الاستقلال ستفقد إسكتلندا الاستفادة من خدمات جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية وهو ما قد يجعلها عرضة لمخاطر كثيرة يمكن ان تهدد امنها واستقرارها.

من جهة اخرى تشير بعض التقارير الى ان هذه القضية قد اثارت ايضا قلق قادة الاتحاد الأوروبي، خصوصا وان بعض الدول الاوربية تخشى ان تتحول قضية استقلال إسكتلندا إلى عدوى جديدة تجتاح أوروبا، وهو ما قد دفعهم الى التلويح بالتهديد بعدم قبول إسكتلندا عضواً في الاتحاد. من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان ما تقدم يمكن اعتباره سيناريو بريطاني مدروس، يهدف الى اضعاف حماسة من يريد الانفصال، خصوصا وان حصول اسكتلندا على السيادة كاملة، ستكون له عواقب وخيمة على المملكة المتحدة التي ستخسر ثلث أراضيها و10% من ثروتها وخمسة ملايين نسمة من مواطنيها، وكذلك قوة الردع النووي التي تمتلكها الآن.

كاميرون يحذر

وفي هذا الشأن فقد حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الناخبين الاسكتلنديين من "قفزة في المجهول" في حال فوز "النعم" في الاستفتاء المرتقب حول استقلال اسكتنلدا. وكتب كاميرون في صحيفة دايلي ميل اليومية "ان المملكة المتحدة بلد عزيز ومتميز. هذا هو الرهان . لذلك لن نترك اي شكوك لدى الاسكتلنديين: اننا نريد بقوة ان تبقوا، لا نريد ان تتمزق عائلة الامم هذه". واضاف "ان تصدعت المملكة المتحدة فانها ستتصدع الى الابد. لذا فالخيار المطروح امامكم واضح: قفزة في المجهول مع النعم او مستقبل افضل لإسكتلندا مع ال لا.

وتابع رئيس الوزراء البريطاني المحافظ انه مع التصويت ب"لا" سيبقى الاسكتلنديون في الاتحاد، لكن مع صلاحيات معززة لبرلمان ادنبره في ما يتعلق بالقروض والضرائب والنفقات. وتأتي هذه المقالة فيما ينتظر وصول قادة الاحزاب البريطانية الرئيسية الى اسكتلندا للقيام بحملة ترويج للتصويت ب"لا". وقد اعلن ديفيد كاميرون والليبرالي الديمقراطي نيك كليغ -حليفه داخل الحكومة- وخصمهما اد ميليباند رئيس الحزب العمالي عن زيارتهم لاسكتلندا في اللحظة الاخيرة.

والحزب المحافظ بزعامة كاميرون لا يحظى بشعبية كبيرة في اسكتلندا مع مقعد واحد من اصل 59 في برلمان ادنبره، لذلك اعتمد كاميرون موقفا حذرا اثناء الحملة الى ان اشار استطلاع للرأي الى حصول الفريق المؤيد للاستقلال على اعلى نسبة من نوايا التصويت.

واشارت بعض وسائل الاعلام الى ان رئيس الحكومة قد يضطر للاستقالة امام ضغط المنتقدين لحزبه ان فشل في منع اسكتلندا من الانفصال عن الاتحاد. ولن تشارك الملكة اليزابيث الثانية في الجدال حول الاستفتاء كما اعلن قصر بكنغهام. وهذا التوضيح يأتي في وقت اوردت فيه بعض وسائل الاعلام ان الملكة قلقة من احتمال تفتت المملكة المتحدة وان كاميرون قد يطلب من العائلة المالكة التدخل. بحسب فرانس برس.

لكن متحدثا باسم قصر بكنغهام لفت الى "ان الحيادية الدستورية للملكية مبدأ راسخ في ديمقراطيتنا، والملكة اظهرت ذلك طوال حكمها. وبموجب هذا المبدأ فان الملك هو فوق السياسة ومن واجب المسؤولين في الحكومة العمل من اجل ان تبقى الحال على ما هي عليه". الى جانب ذلك سارعت الاحزاب السياسية الرئيسية في بريطانيا ايضا الى دعم الاتحاد القائم منذ 307 سنوات بالتعهد بمزيد من الاستقلال لاسكتلندا.

ووجه رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون وهو اسكتلندي نداء مؤثرا الى مؤيدي حزب العمال في وسط اسكتلندا لدعم استمرار الوحدة. وقال رئيس مؤسسة تي.ان.إس توم كوستلي إن أحدث استطلاع للرأي يظهر الآن أن نتيجة الاستفتاء المقرر ستكون متقاربة بدرجة تصعب التنبؤ بها.

وتراجعت نسبة من يقولون إنهم سيرفضون الاستقلال الى 39 في المئة بعدما كانت 45 في المئة قبل شهر. وضيق مؤيدو الاستقلال الفارق بعدما ارتفعت نسبتهم الى 38 في المئة في ارتفاع مثير عن نسبتهم قبل شهر والتي كانت 32 في المئة. وجاء ذلك عقب استطلاع لمؤسسة يوجوف نشر بصحيفة صنداي تايمز وضع مؤيدو الاستفتاء في المقدمة بفارق ضئيل للمرة الأولى هذا العام مما أدى الى انخفاض في قيمة الجنيه الاسترليني والاسهم البريطانية فيما يعكس المخاوف من أن اسكتلندا ستواجه صعوبات اقتصادية اذا استقلت.

سلطات جديدة

من جانب اخر قال وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن إن الحكومة ستضع خططا في الأيام القادمة لمنح اسكتلندا مزيدا من الاستقلالية في مجالات الضرائب والإنفاق والرعاية الاجتماعية إذا رفضت الانفصال في الاستفتاء. وكان أوزبورن يتحدث إلى تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية بعد أن تقدم مؤيدو الاستقلال في استطلاعات الرأي للمرة الأولى منذ انطلاق حملة الاستفتاء.

وقال أوزبورن "سنرى في الأيام القليلة القادمة خطة عمل لمنح اسكتلندا مزيدا من السلطات .. مزيدا من السلطات الضريبية .. مزيدا من السلطات في مجال الإنفاق ... سلطات بشأن الرعاية الاجتماعية ... وسيسري ذلك فور التصويت 'بلا' في الاستفتاء." وأضاف أن الخطة تحظى بموافقة الأحزاب الرئيسية الثلاثة في البرلمان البريطاني.

وتأتي تصريحات أوزبورن بعدما أظهر استطلاع أجرته صحيفة صنداي تايمز تقدم مؤيدي انفصال اسكتلندا إلى 51 بالمئة. وتنسجم تصريحات وزير المالية مع موقف رئيس الوزراء السابق جوردون براون الذي قال إنه سيقود حملة لمنح اسكتلندا مزيد من السلطات إذا صوتت ضد الانفصال. وتتمتع اسكتلندا بالفعل بدرجة كبيرة من الاستقلالية. ولديها برلمان خاص بها منذ عام 1999 ويملك سلطة سن القوانين في مجالات مثل التعليم والصحة والبيئة. بحسب رويترز.

وأظهرت استطلاعات سابقة أن كثيرا من مواطني اسكتلندا يفضلون تفويضا للسلطات بدلا من الاستقلال الكامل. وإذا صوتت اسكتلندا لصالح الانفصال فسيعقب ذلك مفاوضات مع لندن بخصوص مسائل من بينها العملة والدين العام ونفط بحر الشمال ومصير قاعدة الغواصات النووية البريطانية في اسكتلندا وذلك قبل الموعد المقرر لسريان الاستقلال.

استطلاعات الرأي

على صعيد متصل أجمعت استطلاعات الرأي وأسواق المال والمراهنات على شيء واحد .. اسكتلندا سترفض الاستقلال عن بريطانيا. لكن ماذا لو كانت الاستطلاعات خاطئة كما يعتقد الاسكتلنديون؟. يقول خبراء إن هذا احتمال قائم. وتحيط بالاستفتاء وهو الأول من نوعه في التاريخ البريطاني ظروف فريدة تجعل التكهن بنتيجة الاستفتاء أمرا صعبا على نحو غير معتاد. وتتفق الاستطلاعات بشأن التوجهات لكنها تختلف عندما يتعلق الأمر بحجم الفجوة بين الحملتين.

وقال جون كورتيس وهو أستاذ في جامعة ستراثكلايد وشخصية نافذة في شؤون الاستطلاعات "المستطلعون يشعرون بالتوتر تحديدا بسبب التفاوت بينهم." وتتذكر مؤسسات الاستطلاع الاسكتلندية عام 2011 عندما حطم الحزب القومي الاسكتلندي المؤيد للاستقلال التوقعات ليفوز بأول أغلبية عامة له في البرلمان الاسكتلندي. وأجريت الانتخابات باستخدام نظام انتخابي مختلف عن الاستفتاء لكن ذكرى ما كان وقتها صدمة سياسة كبرى لاتزال حية في الأذهان.

كما يتذكر المستطلعون مناسبتين عندما أخطأوا في تقدير نتيجة الانتخابات الوطنية البريطانية في عامي 1970 و 1991 التي فاز فيها ادوارد هيث وجون ميجور على التوالي. وقال كورتيس "لاتزال هاتان النتيجتان محفورتين في قلوب المستطلعين." لكن يبدو أن المشهد القائم ليس بهذا الغموض. فقد أظهر أحدث "استطلاع للاستطلاعات" أجري يوم 15 أغسطس آب واستند في المتوسط على أخر ستة استطلاعات واستبعد المشاركين الذين لم يحسموا أمرهم إلى أن 43 في المئة يؤيدون الاستقلال بينما يفضل 57 في المئة البقاء تحت لواء المملكة المتحدة بفارق 14 نقطة. بحسب رويترز.

وخلال العام الماضي أظهر استطلاع واحد فقط أجري في أغسطس آب 2013 تقدم الحملة المؤيدة للاستقلال على الحملة المعارضة له بنسبة واحد في المئة. وشكك بعض الخبراء في مدى صحة هذا الاستطلاع. لكن هناك معضلة. فمجموعة استطلاع الاستطلاعات وجدت تقديرات مختلفة تماما للفارق بين الحملتين تتراوح بين 3 و 32 في المئة خلال العام الماضي. كما اختلفوا بشكل كبير بشأن عدد الناخبين الذين حسموا رأيهم إذ قدروا أعدادهم بين 7 و 33 في المئة.

تراجع الجنية الإسترليني

الى جانب ذلك تراجع الجنيه الاسترليني لأدني معدلاته في 10 أشهر، بسبب الشكوك حول مستقبل استقلال اسكوتلندا عن بريطانيا. وبلغ الانخفاض في قيمة الاسترليني 1 في المئة في التعاملات الآسيوية ، ليسجل الجنيه 1.6165 دولارا أمريكيا، كما تراجع 1 في المئة أيضا أمام اليورو مسجلا 1.2527 يورو. وجاء هذا التراجع بعد أن أظهر استطلاع لموقع يوغوف YouGov أن مؤيدي "اسكوتلندا مستقلة" حققوا تقدما صغيرا بشأن الاستفتاء، للمرة الأولى. ووفقا لنتائج الاستطلاع، التي نشرتها صحيفة صنداى تايمز، فإن 51 في المئة صوتوا لصالح استقلال اسكوتلندا، بينما رفضه 49 في المئة.

وتحيط الشكوك بالترتيبات الخاصة بالعملة التي ستتخذها اسكوتلندا المستقلة، في ظل حديث سياسيين في ويستمنستر عن احتمال تكوين اتحاد عملة رسمي. ويمكن لاسكوتلندا استخدام الجنيه الإسترليني بصورة غير رسمية بدون السيطرة على السياسة، ويمكنها عمل هذا مع أي عملة أخرى. وقال بنك باركليز في مذكرة بحثية: "التصويت على الاستقلال يمثل فقط الفصل الأول". بحسب بي بي سي.

وأضاف: "سيكون هناك حالة من عدم اليقين بشأن قضايا تمتد من الجداول الزمنية للاستقلال السياسي والاقتصادي، وأطر العمل المؤسسي الناتجة عن هذا، وكذلك تقسيم الأصول والالتزامات، والتأثير المالي والسياسات، بالإضافة إلى خيارات العملة التي ستكون متاحة لاسكتلندا". وقال روبرت بيستون، وهو محرر اقتصادي: "كلما استمرت الشكوك، فإن المملكة المتحدة على المدى الطويل ستعاني من ارتفاع تكلفة التمويل، وسيتضرر بشدة النمو الاقتصادي على جانبي الحدود".

الاتحاد الاوروبي والاطلسي

على صعيد متصل قال مسؤولون إن اسكتلندا سيكون عليها التقدم بطلب جديد لعضوية كل من الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي إذا وافق الاسكتلنديون على الانفصال عن المملكة المتحدة في استفتاء. ويريد الداعون للاستقلال أن تبقى اسكتلندا جزءا من الاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي. ورفضت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بيا ارنكيلده-هانسن الادلاء بأي تعليق جديد على الاستفتاء الاسكتلندي قائلة "الأمر يرجع للشعب الاسكتلندي وللمواطنين البريطانيين في أن يقرروا مستقبل اسكتلندا." وأضافت أن موقف المفوضية الأوروبية بشأن استقلال اسكتلندا لم يتغير.

ورفضت الادلاء بمزيد من التفاصيل لكن ردا على سؤال ارسلت المفوضية الأوروبية رسالة من رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو الى عضو في المجلس الأعلى بالبرلمان البريطاني في 2012 . وأوضح باروزو موقف المفوضية بشأن ما إن كانت اسكتلندا بعد الاستقلال ستبقى جزءا من الاتحاد الاوروبي الذي يضم 28 دولة. وقال باروزو "إذا انقطع جزء من ارض دولة عضو عن أن يكون جزءا من تلك الدولة لأنه سيصبح دولة مستقلة جديدة فلن تظل اتفاقيات (الاتحاد الاوروبي) منطبقة على تلك الاراضي" مما يعني ان اسكتلندا بعد الاستقلال لن تبقى عضوا في الاتحاد الاوروبي. لكنه اشار الى أن اي دولة اوروبية تفي بمعايير عضوية الاتحاد الاوروبي يمكنها التقدم بطلب للانضمام للاتحاد.

وردا على سؤال عما إن كانت اسكتلندا ستحتاج إذا استقلت الى التقدم بطلب للانضمام لحلف الاطلسي قال مسؤول في الحلف إنه لم تعقد مناقشات بشأن هذا الموضوع ولم تتخذ قرارات. وقال المسؤول طالبا عدم نشر اسمه "لكن يبدو أنه يوجد اتفاق واسع على أنه.. كمسألة قانونية.. سينظر الى اسكتلندا اذا اعلنت استقلالها وبالتالي أقامت دولتها المستقلة على أنها دولة جديدة. لن تكون الدولة الجديدة طرفا في اتفاقية شمال الاطلسي وبالتالي ليست عضوا في حلف الاطلسي." واضاف "اذا اختارت التقدم بطلب لعضوية حلف شمال الاطلسي فسوف يخضع طلبها للاجراءات الطبيعية."

ورفض رئيس وزراء اسكتلندا اليكس سالموند الذي يقود الحملة المؤيدة للاستقلال الاشارات الى أن استقلال اسكتلندا سيجعل طلبها لعضوية الاتحاد الاوروبي يلقى رفضا او سيجعلها تجد صعوبة في الانضمام الى حلف الاطلسي اذا ازالت عناصر برنامج ترايدنت البريطاني للردع النووي من اسكتلندا حسب المقرر بحلول 2021 . ويمكن لمفاوضات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي ان تستغرق سنوات.

وكان باروزو قال في وقت سابق إن الدول التي تنفصل عن دول حالية في الاتحاد الاوروبي ستجد صعوبة في الحصول على عضوية الاتحاد. واضاف أن كل دول الاتحاد الاوروبي ينبغي أن تساند انضمام أي دولة جديدة انفصلت عن دولة عضو. وقال باروزو "سيكون من الصعب جدا الحصول على موافقة كل الدول الاعضاء... اعتقد أنه سيكون امرا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا." بحسب رويترز.

والانفصال موضوع حساس بالنسبة للعديد من الدول الأخرى التي توجد لديها مناطق تسعى لتكوين دول خاصة بها. وتشعر اسبانيا بالقلق من أن يشجع تصويت على استقلال اسكتلندا الانفصاليين في منطقة قطالونيا الاسبانية. وفي ابريل نيسان قال سالموند انه اذا اختار الاسكتلنديون الانفصال عن المملكة المتحدة فانه يتوقع ان يكون ممكنا التفاوض على الانضمام للاتحاد الاوروبي قبل اعلان الاستقلال رسميا في مارس آذار 2016.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014 - 21/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م