الدعاية والحرب النفسية

وتحصين الثوابت الإيمانية والعقدية

موقع الإمام الشيرازي

 

يعد الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي، من الرموز الشاخصة في الفكر العربي والإسلامي، لجهة تعرضه (تحليلاً ونقداً) إلى الإشكالات والدعايات التي تصب في الحرب النفسية، والتي يشنها الآخرون على الإسلام والمسلمين، مضمناً حملات التشويه ضد الشيعة، معتبراً سماحته، أن الإسلام متمكن في أن يتجاوزها، كونه دين المنطق والعقل والعاطفة والعرف والإنسانية، وكان ذلك في صلب شخصية المفكر المجدد، وتوجهاته في الفكر والدعوة والعقيدة.

في هذه الجزئية من مقاربة الموضوع، يعرض (قده) نموذجاً من مظاهر وآراء تلك الحملات المشوهة (بفتح وكسر الواو)، إذ يطرح الكاتب الفرنسي "موريس بوكاي" إلى نتائج تجمل بالمقارنة بين النتاج الفكري والشكل اللغوي للقرآن الكريم، والكتب المقدسة الأخرى، زاعماً أنها "تحمل الكثير من التناقضات نتيجة تعرضها لعبث القيمين عليها، عكس القرآن الكريم الذي حفظ به التنزيل فاتصف بالتوافق التام مع المعطيات العلمية الحديثة"، فيعلل سماحته ذلك، ضمن أسباب تحامل الغرب على العرب وعلى الإسلام، منطلقا من التاريخ والجغرافية والعقيدة والتراث والسلوك والثقافة.

هذه الأطروحة، يمزجها سماحته، بما أثاره الباحث والأستاذ الجامعي الأمريكي "صموئيل هينتغتون"، حول "صراع الحضارات"، إذ يقدم (قده) مرافعة فكرية بليغة، في الإجابة والرد الموضوعي، على تخرصات الإعلام الغربي، والطرح الدعائي المبرمج والموجّه، مستخدماً أدوات بحثية متنوعة، متبعاً فيها، لغة فقه القانون، والفكر، والتراث، والحضارة، والتاريخ، والأخلاق، والمجتمع، إنتهاءاً بالبحث الاقتصادي، في التنمية واستخدام الموارد الاستراتيجية، المادية والبشرية، لتشكيل القاعدة المادية في البناء الحضاري. وفي الجانب العملي، فإن الأدوات التي تستخدم في هذه "الصراعات"، والوسائل المستخدمة في توجيه مساراتها، بما يعرف بـ"الحرب النفسية"، أو بشكل أكثر شمولاً، بـ"الحرب المعلوماتية"، فهنالك قوتان تمثلان هذه الوسائل والأدوات، وهما ما يعرف "بالإشاعة"، وما يعرف "بالدعاية".

في معرض مقاربة سماحته، للمفهوم المعنوي واللفظي للإشاعة، يصفها بالوسيلة لتخويف الشعب، ومصدرها الحكومات أو الأعداء، فالشائعة في منظوره (قده)، هي إما لفظية بصرية، مثل شائعات الخوف من الأخطار القريبة، المحدقة بالشعب، أو مجردة، بتضخيم النتائج المترتبة عن الكوارث، أو إشاعات مخففة للألم النفسي، الذي يصيب الفرد نتيجة القلق، وهي ما يطلق عليها في الحرب النفسية، وتحصين وتهدئة الرأي العام، وتهيئته لإجراء قريب محتمل، تسمية "إشاعة الأمل".

وفي الحقيقة أن خطورة الإشاعة، تكمن في قابليتها الكبيرة على الانتشار، بسرعة ولمساحة واسعة، سواء بسبب حب الظهور لدى الأفراد في تناقلها، إن بصورة العارف بالأمور وخباياها، أو بدعوى الفكاهة والتندر، وهو ما يتطلب لاستقراء منهجي تاريخي، لدراسة موضوعه.

ويقارب (قده) موضوعة الإشاعة، في الجذر التاريخي والعرف العام، سواء في التاريخ القديم أو الإسلامي، أو الوسيط والحديث والمعاصر، فيظهر سماحته التوسع في استخدام الشائعة، في نصرة حاكم أو منافس على الحكم، أو لأسباب تشويه موقف سياسي أو اجتماعي أو أخلاقي، وصولاً إلى استخدام الحرب النفسية سلاحاً في الشائعات. إذ استخدمت الشائعة، كوسيلة لدحض الحقائق بالأكاذيب، أو لتحطيم معنويات الطرف الآخر، وبالنتيجة فإن الإشاعة تكون وسيلة من وسائل إفساد الرأي العام، أو لتوجيه الرأي العام بالاتجاه المخطط له، أو لتشويه الحقائق وقلب مصاديقها.

ويجري سماحته، مقارنة بحثية بين الشائعة الدينية، أو التي تدخل في العرف الإسلامي، في إطار الفعل الدعائي أو الإعلامي، وبين الشائعة في المفهوم العام، مؤكداً أن الإسلام لا يعرف الشائعة، ولا يجنّد أنصاره لاستخدامها، ولا يجيز اعتمادها في الحكم والعمل العام، فالإسلام دين الحقيقة والواقعية، وحجّة سماحته في ذلك، أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، كان يصارح الناس بالحقيقة، في حين تكتنف الإشاعة عند الآخرين الكذب دائماً، فيخلص سماحته إلى "مسألة"، تحكم بأن اللازم في الدعاية الهجومية، أو الدعاية الدفاعية، أن توضع تحت نظر علماء الاجتماع وعلماء النفس، حتى تكون مؤثرة، وإن الكثير من ذوي الاختصاص والدراية، يكون لهم تأثير بالغ، في إدارة الإشاعة إعلاميا .

ويتناول (قده) جزئية "الشائعة"، بوصفها الجانب التعرضي من مكونات الرباعية المعلوماتية "الرأي العام، الإعلام، الإشاعة، الدعاية"، والتي يعبر عنها في علوم الإتصال، بعناصر صراع المعلومات والمدخل للإعلام المقابل، وهي الإجراءات المعلوماتية المضادة، والإجراءات المعلوماتية المضادة للمضادة، والتي تشمل كافة الأنشطة ذات العلاقة بالإعلام المضاد أو المقابل، والدعاية والإشاعة، مثل التأثير المضاد في الرأي العام الآخر، والحرب النفسية، والتشويش والمخادعة الإعلامية والشلل المعلوماتي.

وفي مقاربة سماحته لمفردة "الدعاية"، ومقارنتها بمفهوم "الإشاعة"، يستل النص القرآني (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ)، ضمن المعنى المنصرف فيه تفسيراً، الذي يطلق عليه بالإنصرافي، كما أن المعنى ينصرف الى مفردة أخرى، وهي التبليغ وظيفة، التي يتولاها "الداعية"، وهنا يحضر الجانب الإيجابي للمفردة، الذي يقوم عادة على الصدق والحقائق، خلاف الشائع لمفردة "الدعاية"، وعليه فإن الفرق في المعنى، ينصرف أيضاً في حقل العلاقات العامة، بين مفردتي "الإعلان" و"الدعاية"، لجهة أن الدعاية تحمل الصدق وغيره.

ومن هذا المنطلق في البحث المقارن، يصنف سماحته "الدعاية" نسبة لغاياتها، حيث يقسّمها المعنيون إلى قسمين، وهما الدعاية الإيجابية، التي تروّج لشيء معين، بغرض تثبيته أو التبشير به، وثم الدعاية السلبية، وهي التي تروّج لرفض شيء معين، والتي تسمى بالدعاية المضادة. كما ويصنف سماحته "الدعاية"، من حيث مخاطبة المستقبل المتلقي، إلى دعايةٍ مخاطبة للعقل وللعاطفة وللنفس، وشروطها هي سلامة الهدف ونزاهة الوسيلة المستخدمة، فيما تُرفض الدعاية التي تستخدم الوسائل الباطلة، أو الأهداف غير الحقة.

ويبين سماحته، أن من الدعاية ما يكون الحق هدفاً لها، والباطل وسيلة إليها، ومنها ما يكون العكس، في استخدام الحق وسيلة إلى الهدف الباطل، والأسوأ فيها جميعاً، هو أن يكون الهدف والوسيلة باطلين، ومثال النموذج الأول، بعض "الأحزاب الإسلامية"، التي تهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنها تستخدم وسائل باطلة في الوصول إلى أهدافها، مثل الكذب على الناس وخداعهم، وإنعدام المصداقية في معاملتهم. وقد يكون المثال الشاخص للتفريق بين الشكلين من الحركات، مستلهما من التاريخ الإسلامي، هو الوصف البليغ للإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، حين أوصى أتباعه بألا يقاتلوا الخوارج في العراق، وهم يقفون في صف أعدائه والمتأهبين لقتاله، مقارنة بأهل الشام، بقوله بحق الخوارج "فليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه"، وقد أكد ذلك الشريف الرضي، بأن الإمام يعني معاوية وأهل الشام، فهم خير مثال لمن سعى إلى هدف باطل، بوسيلة باطلة.

ويخلص سماحته، إلى أن الدعاية "السلمية"، هي التي تستخدم "العامل الديني"، لأن لها التأثير الكبير في النفوس، كما استخدمها الإسلام للتبليغ لأركانه (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، وبذا فإن القرآن الكريم، قد استخدم مفردة الدعوة والداعية، في موضوعة الدعاية الإسلامية. ومن خلال استقراء مقدمات التاريخ المعاصر، في الصراع السياسي بين أركان الحركات السياسية، في العراق والمنطقة، والإستنارة بنتائجها، يجري الإعداد للخطاب الدعائي، انطلاقاً من الشروط البلاغية، في استخدام الألفاظ بحدها الأدنى، والتركيز على المفردات المؤثرة، لتشمل أوسع شرائح المجتمع، مع انتهاز الفرص الدعائية، بمعنى أن تكون توقيت الخطابات في وقتها المطلوب.

ويجمل سماحته المرتكزات المطلوبة للدعاية الناجحة، بالحالة النفسية للمخاطب، وتسويق الأفكار المقبولة، ومخاطبة الناس بقدر عقولهم ولغتهم، والاستمرارية والتجديد والبساطة، وعدم خلط الأمور، في مقاربة الموضوع.

ويركز سماحته على المركزية في التخطيط للدعاية، إذ يجري الإعداد والتخطيط للدعاية عادة، في غرفة عمليات إعلامية، مع ملاحظة أبعاد الدعاية وخصوصياتها، وملاءمتها في الزمان والمكان والأسلوب، لأنها قد تكون نافعة ومؤثرة في الرأي العام، في بلد ما دون آخر، أو في زمان دون آخر، مع توفير المقتربات لتكريس النفوذ والاستقطاب، من خلال الحرفة والنشاط الإعلامي السياسي، المتبع في أساليب الكسب الشعبي، واستمالة الرأي العام، واتباع أسلوب جس النبض الشعبي، المعبر عنه "بالاختبار"، للتركيز على مسلك أو وسيلة، وترك غيرهما، بالتغيير المستمر، وطريقة معرفة الاستهلاك المحلي، والاستهلاك الخارجي كما يعبر عنه، فالمتعارف عند العربي مثلاً، هو ليس بالضرورة عند غيره. وكذا تشخيص نقاط القوة والضعف، لدى المقابل الخصم، فمهاجمة النفس يشبهه سماحته "كالقلعة"، أو الحصون الدفاعية لدى خطوط العدو، بمعنى وجوب معرفة الثغرات ومواقع الضعف فيها، لغرض التخلل من خلالها أو الهجوم عليها، وكذلك اختبار مواقف وأوقات وحالات الضعف، ليجري الهجوم الإعلامي الدعائي، لأنه سوف لن يتمكن من ردّه، إضافة إلى تعميم الدعاية وشمول أهدافها، جميع المواقع المتاحة لزيادة قوة التأثير في المقابل.

ويؤكد الإمام المجدد، أنه يلزم تحليل الدعاية المضادة، ونشرها وفق أسلوب "إعادة وعكس التشويش"، ومحاربة الإشاعات، والتمسك بالورع والنزاهة والتقوى، والظهور والإيحاء بالقوة، واستخدام أساليب إشاعة الطرائف عن الخصم، واتخاذ الأسلوب الجماعي في العمل، واستخدام وسيلة الضغط الشعبي الإحتجاجي المعلن، والكتابات المؤثرة وأسلوب الإقناع.

ويؤكد سماحته على عدم نسيان فائدة أسلوب "الصمت"، إزاء بعض الاتهامات التي لا يستحب الإجابة عنها، والتي تتصف بالوقاحة مثلاً، بما يقصد منها، ما يتعرض للعقائد والثوابت الإيمانية، فيكون الصمت إزاءها أكثر بلاغة وتأثيراً وخلقاً، ويجري ذلك باستخدام الوسائل المتاحة، كالإعلام والصحافة، المقروءة والمسموعة والمرئية، وتوسيع الخطاب في الأماكن العامة، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، مثل الشبكات الدولية لنقل المعلومات، في التعبير عن الإعلام والدعاية بكل أقسامها، ومن خلال محاربة الإشاعات، واستخدام الطرافة الساخرة السياسية، والأسلوب الجماعي في العمل، فضلاً عن المظاهرات والكتابات المشهورة باللغة المناسبة.

http://alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014 - 21/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م