أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، يوم 12 سبتمبر 2014، أن بلاده
تتضامن مع العراق سياسيا وأمنيا لمواجهة العدو المشترك تنظيم "الدولة
الاسلامية" وبين أن مؤتمر باريس 15 سبتمبر 2014 يهدف الى تنسيق الدعم
من اجل وحدة العراق ومحاربة هذا التنظيم. لكن هنالك الكثير من
السيناريوهات التي طرحت قبل هذا الاجماع الدولي والاقليمي، تتعارض مع
تصريحات أولاند منها، تقسيم العراق طائفيا الى ثلاث دول وعزل القوات
العراقية بالكامل من المشاركة بأي جهد عسكري في المناطق ذات المكون
السني. التحدي الذي يواجه هذا المؤتمر هو احتمال عدم مشاركة حيدر
العبادي رئيس الحكومة العراقية الجديد والموقف، هو التحدي الاخر. يأتي
المؤتمر مع بث التنظيم فديو عملية ذبح ناشط بريطاني "ديفيد هينز" وهذا
يعني بان فرنسا ممكن ان تواجه تهديدا مشابها لبريطانيا.
اكد وزير الخارجية الفرنسي، أن بلاده ستشارك في الضربات الجوية التي
تستهدف مواقع "الدولة الاسلامية" في العراق عند الضرورة. فرنسا شهدت
هذا العام حركة نشطة بعقد مؤتمرات اوربية على اراضيها لمواجهة
التنظيمات الارهابية في سوريا وكذلك في افريقيا ابرزها نيجيريا وشمال
المغرب الاسلامي منها الجزائر وتونس وليبيا. جاءت الخطوة الفرنسية هذه،
في اعقاب اجتياح تنظيم "الدولة الاسلامية" الى سد مدينة الموصل شمال
العراق شهر اوغست 2014 وتهديد اقليم كوردستان الحليف الى الغرب وبضمنها
باريس. يشار ان اقليم كوردستان العراق يرتبط بعلاقات وثيقة مع باريس
وهنالك نشاطات لمنظمات المجتمع المدني متعددة مابين الطرفين.
تداعيات التحالفات الدولية والاقليمية في
مواجهة " الدولة الاسلامية"
• جعل اقليم كوردستان العراق، منطقة عسكرية تضم مزيدا من القواعد
العسكرية بديلا الى القواعد الاميريكية في تركيا والمنطقة.
• تدفق وكالات استخبارية على اقليم كوردستان العراق، اكثر من اجل
جمع المعلومات.
• التد خل سيتم بغطاء سياسي عربي اقليمي وسيكون مشرعن دوليآ.
• عسكرة المنطقة بالكامل، فالمنطقة الشمالية والشمالية الغربية
تحولت الى مجاميع مسلحة مع تحالفاتها مع "الدولة الاسلامية" ومحافظات
العراق الاخرى باتت تشهد عمليات تطوع في قوات الحشد الشعبي الى جانب
القوات النظامية العراقية والميليشيات، لتعلن عسكرة العراق بالكامل.
• عسكرة العراق، المنطقة الشمالية والشمالية الغربية ذات الغالبية
السنية ضد ايران.
• ظهور حلول سياسية في سوريا بعد ان فشل جنيف 2.
• استنفار فروع التنظيم والجماعات "الجهادية" المتحالفة مع "الدولة
الاسلامية" في المنطقة اشدها لبنان ومصر وشمال افريقيا، واعطاء مبرر
لها لمواجهة التدخل الغربي في المنطقة.
• استقطاب الارهاب في المنطقة بدلا من العدو "البعيد" مثلما حدث بعد
غزو العراق 2003.
• تصاعد الخلافات والانشقاقات السياسية داخل دول المنطقة المشتركة
في هذا التحالف حول نوعية وتفاصيل الحملة ضد "الدولة الاسلامية".
إن قرار هولاند بعقد مؤتمر لمواجهة "الدولة الاسلامية" ممكن تفسيره
بانه يعكس السياسة الفرنسية داخل الناتو، والتي احيانا تنفرد بقراراتها
بعيد عن المظلة الاميركية رغم عدم اختلافها وهي عكس سياسة بريطانيا
التابعة الى واشنطن. يأتي مؤتمر باريس في اعقاب مؤتمر جدة 11 سبتمبر
لمواجهة "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا وفي اعقاب توضيحات اوباما
حول إستراتيجيته لمواجهة "الدولة الاسلامية". وتعتبر فرنسا واحدة من
اكثر الدول الاوربية التي شهدت تدفق "الجهاديين" الى سوريا وبعدها
العراق، غالبيتهم من اعمار مبكرة الى جانب بريطانيا والمانيا وهولندا
وبلجيكا. اعداد المقاتلين الاجانب من اوربا تراوحت مابين 200 ـ 400
مقاتل من كل بلد وبمجموع ربما لايصل 1500مقاتل، رغم وجود تفاوت في هذه
الاحصائيات. المشكلة في سياسات اوربا وكذلك واشنطن، إنها إستراتيجيات
منقوصة وغير كاملة بالنسية للمنطقة، اي انها تعالج مشكلات الغرب مع "التنظيمات
الجهادية" دون معالجة حقيقة للارهاب في منطقة الشرق الاوسط. يشار ان
دول المنطقة هي التي يجب عليها اتخاذ سياسات لمعالجة الارهاب، لذا
هنالك اجماع بأن الحل السياسي هو الاهم قبل الخيار العسكري.
النوايا الحقيقية لمحاربة الارهاب
يبقى السؤال، وهو لماذا هذه الدول تجاهلت تدفق المقاتلين الاجانب ان
لم تكن بعض دول اوربا متورطة بدفع هذه الجماعات للقتال في سوريا
والعراق، ربما من اجل الحصول على مقاتلين هناك للقتال عنها بالوكالة
ولماذا ترك الغرب تنظيم "الدولة الاسلامية" ان يتوسع ويصل الى هذا
الحجم؟ إن الامكانيات التي يتمتع بها تنظيم "الدولة الاسلامية" ومرونة
حركته وتنقلاته مابين العراق وسوريا ومدن اخرى كانت مكشوفة وهي تستخدم
المعابر الحدودية الرسمية التي سيطر على البعض منها مابين العراق
وسوريا ومابين سوريا وتركيا واخيرا سيطرته على المثلث السوري العراقي
التركي. هذه الاسئلة من شأنها تثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية من
هذا التوجه الدولي والاقليمي في المنطقة تحت محاربة الارهاب.
تسربت معلومات عن طريق وسائل الاعلام، عن وجود سيناريو معد مسبقا
لتقسيم العراق، اي ايجاد اقليم سني، يضم اغلب المناطق التي سيطر عليها
"الدولة الاسلامية" منذ يونيو 2014، بعد عزل التنظيم عن العشائر السنية
والمجموعات المسلحة الاخرى. خارطة الاقليم الجديد يشمل الموصل وصلاح
الدين والانبار ومدن اخرى يسيطر عليها الاقليم، يهدف الى ايجاد حزام
أمنى ضد ايران.
صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع، يوم 15 اوغست 2014، على قرار قطع
التمويل عن كل من تنظيمي داعش "الدولة الاسلامية" وجبهة النصرة. جاء
قرار مجلس الأمن رفضا لممارسات تنظيم داعش واعتمد القرار تحت الفصل
السابع. إن اصدار الامم المتحدة قرارها حول العراق جاء ايضا تحت البند
السابع، وهو يعيد للاذهان اصدار المجلس قراره حول ليبيا ذي الرقم 1973
تحت البند السابع عام 2011 للاطاحة بالقذاقي والذي نتج عنه الفوضى
الليبيى، وهذا مايثير المخاوف من اعادة السيناريو الليبي في العراق.
واشنطن وباريس تريدان ادارة الصراع واستمراريته في العراق وسوريا، دون
وجود حلول حقيقة لهذا الصراع.
ارتباطات "الدولة الاسلامية" بتركيا
إن عودة الولايات المتحدة والتحالفات الغربية الى المنطقة من شأنها
ان تمثل تهديدا الى الامن القومي، رغم محاربة الارهاب وهذا يعني ان
النتائج المتوقعة من هذه التحالفات تعتمد على النوايا الحقيقية وعلى
السياسات على الارض بضرب الاهداف المحددة دون استنزاف قوة دول المنطقة
العسكرية والاقتصادية. هذه الشكوك تأتي بسبب ما نتج عن سياسة واشنطن في
"الحرب على الارهاب" عام 2001 ومانتج عنه تدخل الناتو وفرنسا في تغير
نظام القذافي عام 2011 ـ 2012.
إن ما تقوم به "الدولة الاسلامية" هو اعادة رسم خريطة المنطقة
مذهبيا، واعادة ظهور التنظيمات "الجهادية" المتشددة بعد ان تم كبحها في
مصر وارتداد "ثورات الربيع العربي" وما يرجح هذه الفكرة هو ان كل من
الاخوان وتنظيم الدولة الإسلامية مرتبطان بتركيا. الموقف التركي الاخير
بعدم المشاركة العسكرية بضرب التنظيم تثير الكثير من الشبهات حول علاقة
حكومة اوردغان بهذا التنظيم.
سياسات اوربية
يتبع الغرب سياسات خاطئة ومواقف مزدوجة في مكافحة لارهاب، في الوقت
الذي تقول به الاتفاقيات ومحاضر اجتماع دول الاتحاد الاوربي على ايجاد
علاقة جيدة مع الدول الجارة، اي الضفة الاخرى من البحر الابيض المتوسط
وان سياسات مكافحة الارهاب وتأمين الامن القومي لدول اوربا يكون
بمشاركة الاتحاد الاوربي للدول التي تتعرض الى الارهاب في المنطقة. هذه
الدول كانت تتخذ قراراتها في مكافحة الارهاب بشكل منفرد رغم اجتماعاتها
واتفاقياتها داخل الاتحاد الاوربي، لكن عام 2014 يعتبر تحول في سياسات
الاتحاد الاوربي بعد اجتماعاته المتعددة ابرزها في شهر يونيو 2014 في
بروكسل، الذي استضاف به بشكل استثنائي تركيا لحضور الاجتماع ولتكون
القرارات الاوربية جماعية وموحدة.
لكن استبعد وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير في يوم
10 سبتمبر 2014، مشاركة بلاده في الغارات التي تعتزم الولايات المتحدة
شنها على تنظيم "داعش" في العراق وسورية. وقال شتاينماير، عقب لقائه
بنظيره البريطاني فيليب هاموند في برلين "لم يطلب منا ذلك ولن نفعل ذلك"
وأعرب هاموند عن تأييد بلاده بريطانيا الشديد للنهج الأمريكي في تشكيل
التحالف الدولي.
تحولت سوريا الى ارض "جهاد" للحركات "الجهادية" وهجرة عكسية من دول
الغرب التي انتشرت فيها رجال الفتاوى السلفية وادارة شبكات عمل ورفع
راياتها في عواصم اوربية. هذه السياسات الاوربية والتي تبين بأنها الى
حد هذا التاريخ لم تقوم بحظر "تنظيم " الدولة الاسلامية" رغم انه ولد
من رحم تنظيم القاعدة الام المحظور ضمن قرارات الامم المتحدة ـ مجلس
الامن. يشار ان القاعدة التنظيم الام تم حظره وفق نظام الجزاءات للجنة
مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 1267 (1999) المؤرخ 15 أكتوبر 1999
وتعزيزه بقرارات لاحقة، وقد اتخذت هذه القرارات بموجب الفصل السابع من
ميثاق الأمم المتحدة وهي تقتضي من جميع الدول اتخاذ التدابير التالية
فيما يتعلق بأي فرد أو كيان مرتبط بتنظيم القاعدة حسبما تحدد اللجنة.
التقارير كشفت بان بعض الدول الغربية مازالت غير عازمة على حظر
التنظيم. أما ألمانيا فقد اعلنت يوم 12 سبتمبر 2014 أنها تعتبر "الدولة
الإسلامية" تنظيما "إرهابيا" واعتبرت أية أنشطة دعم وتأييد وترويج له
مخالفة للقانون. الحظر يشمل المشاركة في هذا التنظيم والتجنيد له وأي
دعم له بما في ذلك المظاهرات المؤيدة. الخطوة الالمانية جاءت في اعقاب
تعاظم وجود السلفية "الجهادية" في شوارع المدن الالمانية والتي بدئت
تظهر على شكل مجاميع تعطي اوامرها الى اصحاب بيع الخمور والمطاعم
والحانات بالتوقف عن ذلك تحت باب الدعوة السلفية. الخطوة الالمانية
ممكن ان تعقبها دول اوربية باتخاذ مثل هذه القرارات بسبب ما تمثله
السياسة الالمانية من مظلة امنية الى اوربا رغم ان باريس لا تقع تحتها
لكنها تتمتع بعلاقات وتوافقات واتفاقيات ثنائية متبادلة مع حكومة
المستشارة الالمانية "انجيلا ميركل".
مؤتمر باريس، هذه المرة يأتي بمشاركة العراق، وهو ضمن التوجه الجديد
لهذا الاجماع الدولي، الذي بات يراهن على التحالفات المحلية والاقليمية
ضمن منهج جديد يتضمن توزيع الادوار. إن مواجهة الارهاب يبقى قائما على
السياسات المحلية الداخلية اكثر من التحالفات الدولية، المشكلة التي
تواجه العراق هو ان ادارة المواجهة مع " الدولة الاسلامية" تبقى خارج
سيطرته، رغم انها تدور على ارض عراقية.
* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |