الدافع في سايكولوجيا الإرهاب

ياسر الحراق الحسني

 

إن المناخ التربوي العائلي حاكم على سلوك افراده ويحدد مدى ايجابية أو سلبية الدور الذي سيلعبونه في مجتمعاتهم. لا يمكن نفي التأثير الذي يلعبه المجتمع وتلعبه الثقافة والبيئة كذلك؛ لكن الحلقة الأهم تتمحور حول الحاضن الأولي للفرد والراعي لطفولته وتكوينه المبكر.

 إن التحاق الشباب بقوافل الإرهاب الديني مهما كان سببها فإن للأسرة المباشرة لهؤلاء الشباب الدور الأهم المساهم في تحولهم إلى ارهابيين. محفزات التحاق الشباب بقوافل الإرهاب لا تكمن في رغبتهم في الحور العين كما يروج في عدد من المصادر الإعلامية. ومثل هذا القول البسيط لا ينصف القضية ويعطيها بعداً أخروياً من الهامش ضارباً عرض الحائط الأسباب الحقيقية المسؤولة عن الحماس الجماعي للانخراط في الإرهاب.

إذا كانت القضية منحصرة في الحور العين مثلاً، فما هو العامل المسؤول عن التحاق شابات ونساء بقوافل الإرهاب؟ هنا تسقط نظرية الحور وتبرز أهمية التعامل بجدية مع الحماس الجماعي للانخراط في الإرهاب. فلا يمكن فهم ظاهرة الإرهاب الجماعي دون التركيز على عدد من المفاهيم السايكولوجية مثل الإدراك عند هؤلاء وتفاعل الفردي منه مع الجماعي، وكذا مفهوم الإهتمام والعاطفة والشخصية والتفاعل الذاتي والعائلي ووظيفة الدماغ والدافع وغيرها.

 في هذه الورقة نحصر الكلام في مفهوم واحد من بين هذه المفاهيم الا وهو الدافع أو المحفز. فبعدما أوجزنا في كون الدافع لا يمكن أن يكون الحور العين، نعرض فيما يلي أهم الدوافع التي تترجح عندنا بعد الملاحظة والتدقيق. وانحصار الكلام حول "الدافع" لا ينفي تداخل مفاهيم أخرى خاصةً "العاطفة" و"الإدراك" وتزاحمها إلا ان النقاش سيكون من زاوية "الدافع".

المغامرة والتحدي

المغامرة - وأضيف هنا التحدي - تجربة تخلق إثارة نفسية قد تكون أهم شيء في الحياة أوكل شيء في الحياة كما ذهبت إليه هيلين كيلر في قولها "الحياة اما مغامرة جريئة أو لا شيء" 1. وإذا ما نظرنا إلى واقع انتماء مجاميع الإرهاب على الأقل في نموذج المنخرطين والمنخرطات المغاربة والتونسيين * فإننا نجدهم مفتقرين إلى فرص المغامرة والتحدي الطبيعية، وبالتالي وجود حاجة إلى تجربة هذا النوع من الشعور والإثارة النفسية. يتغذى هذا الشعور وينمو في مختلف مراحل الحياة، فالطفل يحس بهذا النوع من الإثارة عند اللعب وعند ممارسة مختلف الأنشطة الرياضية والتربوية لتصبح المغامرات تحديات في مجال التعلم والوظيفة واختيار الشريك ومباشرة مختلف الأعمال.

في واقع التجمعات السكنية الهشة حيث يسود شعور جماعي بالدونية، ويعيش الأفراد في مستوى متأزم يتأثر أو أحياناً ينعدم فيه النشاط التربوي الملائم وتقل أو تنعدم فيه فرص المغامرة الطبيعية والتحدي، نجد المناخ الملائم لتجنيد الأفراد في مسارات منحرفة مثل الإرهاب (وهناك مسارات أخرى مثل المخدرات والجريمة والهجرة السرية ليست موضوعنا هاهنا). الالتحاق بالمجاميع الإرهابية يوفر المغامرة والتحدي المفقودين، خاصةً عند الذين رأوا في العنف قوةً وبطولةً سواء على مستوى التجربة الاجتماعية أو على مستوى فهم التاريخ الديني. وانتماء الشباب المنضم إلى قوافل الإرهاب الدولي إلى نفس الطبقة الهشة في داخل المجتمع الكبير ينقل الحس المغامراتي من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة حيث يدخل عامل الصراع الطبقي كذلك. المتطرفون الذين ظهروا في أشرطة كجماعات مقاتلة في سورية يلاحظ اهتمامهم باستعمال لغة منطقتهم وإظهار انتمائهم إلى طبقة معينة وكأنهم يريدون إعادة اعتبار وتأكيد حضور طبقتهم المهمشة. في حين لما يتحدثون فرادى يلاحظ استعمالهم للفصحى وهي الحالة التي يكون فيها التأكيد على الذات التي حرمت من شعور التحدي واضحاً.

يوفوريا الانتقام

قبل بضع سنوات، قامت مجموعة من الباحثين السويسريين بفحص أدمغة أفراد تم النصب عليهم في لعبة تبادل تجارية، حيث كان من المفترض قيام الشركاء بتبادل الأرباح. فلما حافظ البعض على الأرباح لأنفسهم عوض تقسيمها، أتاح الباحثون للضحايا في هذه اللعبة فرصة الإنتقام عن طريق معاقبة شركائهم الجشع. وبمجرد ما علم الضحايا بفرصة الإنتقام ولمدة دقيقة كاملة سجل الباحثون نشاطاً دماغياً على مستوى النواة المذنبة، وهي جهة في الدماغ مسؤولة على إثارة الإحساس بالمكافأة 2.

وهناك أبحاث تتحدث عن تأثير النيكوتين والكوكايين على المذنبة. والغرض من هذا الإيضاح هو إستحضار حقيقة كون الإنتقام يولد يوفوريا خاصة عند الطرف المنتقم. في حالة شاب وشابات الطبقات الهشة الذين انضموا إلى مجاميع الإرهاب الدولي تتنوع عندهم أسباب الإنتقام. فمنهم من أثرت عليه قنوات فضائية دينية وأخرى تابعة لدول خليجية أمعنت في رسم صورة إضطهاد لبعض المسلمين، وأسرفت في التقرير والتكرير ما يولد ضغطاً نفسياً على المتعاطفين الذين اصبحوا يبحثون عن نشوة الإنتقام. ومنهم أراد الإنتقام من أقاربه كما في حال ضحايا العنف الأسري، ومنهم كذلك من أراد الإنتقام من المجتمع ككل. يوفوريا الإنتقام تبقى عنصراً حاضراً عندما نتحدث عن الدافع في سايكولوجيا الإرهاب.

يوتوبيا دولة الخلافة

يرى عدد هائل من المسلمين خلافاً لحقائق التاريخ الواضحة أن دولة الخلافة – أو الخلافة على منهاج النبوة كما يحب أن يسميها البعض- دولة مثالية يتحقق فيها الخير والسعادة للناس وتمحى فيها الشرور ويقام فيها العدل حتى في البهائم والنباتات. ويروج مثل هذه التصورات الخاطئة معظم علماء المسلمين خالقين بذلك الجو الملائم للتطرف نشرح بإختصار هنا. إن الكلام على دولة خلافة راشدة قادها إنسان غير معصوم يعطي ذريعة لمحاولات أخرى لإعادة قيام هذه الدولة. فلو قلنا أنها لا تقوم إلا بإنسان معصوم، وجب على الذي يدعي أنه خليفة أن يثبت أنه معصوم، ومع استحالة هذا يغلب عند الناس ترجيح القوانين الوضعية. لكن لوقلنا أنها قامت بغير المعصوم وكانت غاية في العدل فإننا سنواجه مشكلاً يتمثل في خروج أشخاص يدعون أنهم خلفاء مثل الملا عمر في أفغانستان وأبوبكر البغدادي في العراق الجريح. ليس هذا فقط، بل إن المؤمنين والمؤمنات بمدرسة الخلافة ويوتوبيا الدولة الراشدة المتحمسين يصبحون قنابل موقوتة يتحكم في زرها خليفة ما في أي لحظة.

اننا لما نتحدث عن دولة الخلافة كدافع لا نعني حصراً رغبة المتطرفين في تحقيق هذا الكيان الفاضل فقط، بل إن الدافع متنوع الجوانب. فمثلاً، هناك من يريد أن يدخل التاريخ ويقال عنه مستقبلاً ما يقال اليوم وقيل البارحة عن موسى بن نصير وطارق بن زياد وعمرو بن العاص وغيرهم. حتى عند الموت قبل قيام الدولة الفاضلة يرى المتطرفون أنهم دخلوا التاريخ من أقدس الأبواب عندهم وهو باب الجهاد والفتح. وهذا ما يفسر سلوك الإنتحار الفردي كما في التفجيرات المتفرقة، وكذا الجماعي كما في الإصطفاف عند الخطوط الأمامية خلال الاقتحامات والتسللات. والأحداث المأساوية في سوريا والعراق غنية بمثل هذه النماذج.

ختاماً نؤكد مجدداً على أن محاولة فهم ومعالجة ظاهرة الإرهاب الديني لا تقارب عن طريق قصاصات الحور العين وحكايات الأقراص المهلوسة والتفسيرات البسيطة. قضية الإرهاب الديني قضية معقدة يحتل الجانب السايكولوجي فيها ما تحتله الأعصاب في فهم الحركة. وبالتالي معالجة هذه القضية تتطلب العمل على إعادة تأهيل نفسي للشباب والشابات خاصةً أبناء وبنات الطبقات الهشة. ولا يكون ذلك إلا إذا كانت هناك مقاربة شاملة تبدأ عند إرشاد الأسر والمرافق التربوية وترشيد وعصرنة منابر الخطاب الديني وفتح حرية المعتقد لتحقيق التوازن والتدافع الفكريين في المجتمع.

...........................................

* لا تستثنى البلاد الغربية في قضية الطبقات الهشة. فقد إلتحق بصفوف الإرهاب الدولي شباب من أسخى الدول الأوروبية مثل بلجيكا والمملكة المتحدة. وهنا نشير إلى أن هشاشة طبقة ما من

1- حول سايكولوجية الشخصية. ط. السيفيير، ص 187. ISBN 978-0-08-044209 - 9.

مجتمع ما قد تختلف مع نوع الهشاشة لطبقة ما من مجتمع آخر، لكن ما يجمعهم هوالإحساس بالدونية الذي لا ينحصر سببه في الماديات.

2. سايكولوجيا الإنتقام المعقدة، إيريك جافي، الأبزورفر، الكتاب 24 ص 8. أكتوبر 2011.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آيلول/2014 - 18/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م