شروط الايمان المكتمل ومزاياه

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: كان الانسان ولا يزال يشعر بالقلق وهو يتابع ما يجري في كوكبنا الارضي، من صراعات وتمزق ولهاث خلف القوة والبطش والاقتتال، بسبب تضارب المصالح للدول والافراد معا، فالصراعات اذا لم يتم احتوائها بطرق الاعتدال والحوار، سوف تخرج عن نطاق السيطرة، وفي الغالب تؤدي هذه النزاعات الى الكثير من حالات العنف، التي تحدث على شكل حروب اهلية او حروب نظامية معلنة بين الدول، لذلك لا يمكن الحد مما تتعرض له المعمورة من موجات الفتن والاقتتال، والركون الى الهدوء والحكمة للتفرغ للابداع، سوى الايمان الحقيقي الذي يشمل الروح والقلب والعقل، فيصبح الانسان اكثر توازنا وحكمة في التعامل مع الامور.

والايمان المكتمل هو ما يدعو له الاسلام بصورة متواصلة، وهو ايضا الهدف الذي يسعى الى نشره وتحقيقه الاخيار، كالحوزات العلمية والمراجع الكرام ورجال الدين الافاضل، من خلال تأثيرهم على عامة الناس من خلال تكريس الايمان الحق في اعماقهم، كونه الطريقة المثلى التي تجعل الانسان يتفرغ للخير ويترك ما عداه.

والايمان الحق له شروط ومواصفات ومتطلبات ايضا، لذلك هذا النوع من فيما لو تمكن الانسان من تحقيقه والوصول اليه في اعماقه، سوف يكون ايمانا متفردا، لا يشبه غيره من اشكال الايمان الاخرى، لهذا اشترط الاسلام لتحصيل المسلم على هذا النوع من الايمان بالتمسك بالعروة الوثقى، وهو نص قرآني يدعو المسلمين الى هذا الايمان الذي سيجعلهم اكثر أمنا وأكثر سكينة وهدوءا واستقرارا.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية المباركة، حول الايمان المكتمل: (نحن المسلمون نشهد بشهادتين: الأولى: لا إله إلا الله، والأخرى: محمد رسول الله. والمكمّل لهاتين الشهادتين هم عترة النبي صلي الله عليه وآله الطاهرة. فإذا قال أحد بأنه يقبل القرآن ولكن لا يقبل نبيّ الإسلام فلا شكّ، لا يُقبل منه هذا الإيمان، لأن مثل هذا الإيمان هو بمثابة جسد بلا روح. والحواس والأعضاء لجسد لهذا ميتة ولا إدراك لها ولا فهم، ولا يرجى منها أيّة فائدة).

الترابط بين حلقتيّ الايمان

اذن فالإيمان الذي سيجعل المسلم اكثر أمنا وأكثر سكينة وهدوءا واستقرارا، هو الايمان المكتمل والمعزز بالشروط التي يتطلبها ايمان الروح والجسد معا، والذي يجمع بين القرآن الكريم وبين نبيّ الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ما يسجِّل على المسلم حتمية الايمان بالعترة المطهّرة وهم آل البيت عليهم السلام.

وفي هذا الصدد، لابد ان يكون هناك ترابط بين اهم حلقتين للايمان الحق، واذا تم التمسك بواحدة دون الاخرى، فإن ايمان الانسان لا يكتمل، واذا بقي الايمان ناقصا، فإن الانسان هو الخاسر الاول فضلا عن الامة والمجتمعات الاسلامية عموما، فمن دون الايمان الحقيقي سيبقى الانسان تائها في بحر المصالح، والنزاعات من اجل اهداف مادية دنيوية زائلة.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على اهمية اكتمال الايمان من خلال الربط بين حلقتيّ الايمان اللتان تتمثلان بالقرآن الكريم والرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، وعترته كتحصيل حاصل، استنادا الى المنطق والى الروايات المثبتة في هذا المجال، وهذه احدى الروايات التي نقلتها العشرات من الكتب بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، كما ذكر سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه: (لقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.)

ويضيف سماحته بشأن الايمان المكتمل والمترابط بين أهم حلقتين للايمان الحق، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (يجب الإيمان والاعتقاد بالقرآن وبالنبيّ صلي الله عليه وآله وبعترته الطاهرة معاً أيضاً. والعترة الطاهرة هم: الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وباقي الأئمة الأطهار إلى مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف وصلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

وحينذاك يمكن للمسلم أن يعيش حالة الايمان المكتمل التي تفتح امامه آفاق الايمان الروحي، المتصل بالمادة والمنسجم معها، فيصبح الانسان ذا قدرة على التصرف والتفكير بحكمة وهدوء وتروّي، عندما تزول عنه حالات الضغط المادية، فيلجأ الى الرؤية المتوازنة التي تمنع عنه الجشع والطمع وتفضيل الذات، ولعل هذه القدرة على كبح جماح النفس والسيطرة عليها، تعد من أهم مزايا الايمان المكتمل، الذي لن يتحقق إلا وفق الشروط التي ذكرها سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية هذه.

استمسك بالعروة الوثقى

ومن شروط الايمان المكتمل، أن يتمسك ويستمسك المسلم بالعروة الوثقى، وهذا بالضبط ما ورد في النص القرآني بشكل واضح وصريح، كما بينه سماحة المرجع الشيرازي في هذه الكلمة، عندما قال سماحته في هذا المجال: (إنّ كلمة – تمسّك- تختلف عن كلمة - تشبّث-، فالذي يكون في حال الغرق تراه يمسك بكل شيء لكي لا يغرق، فتراه يمسك النباتات الموجودة بأطراف النهر أو الشط، ولكن بسبب ثقل وزنه، تنقطع النباتات، فيغرق. وفي اللغة العربية يسمّى هذا الشيء بالتشبّث. وهذا النوع من المسك لا فائدة من ورائه. ولكن إذا مسك شجرة وخلّص نفسه من الغرق ففي هذه الحالة يسمّي مسكه بتمسّك، والقرآن الكريم يذكر هذا النوع من التمسّك بأساس راسخ ومحكم وقوي حيث قال تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).

ولا شك أن الانسان يبحث عن الضمان الافضل له، في الحياة الاولى وفي الدار الاخرى، وهو امر لا يمكن تحقيقه من دون التمسك بالعروة الوثقى، حيث يقود المسلم ايمانه بالقرآن وبنبيّ الاسلام صلى الله عليه وآله، وبعترته الطاهرة، الى الايمان المكتمل بكل مزاياه التي تحقق للانسان السكينة والهدوء والحكمة في التفكير والسلوك معا، وتجعله مطمئنا ثابت الجنان.

من الواضح أن الاسلام المنجي من المهالك، لا يمكن أن يتحقق من دون تحقيق شروط الايمان المكتمل، لذلك لابد للمسلم أن يؤمن ويتمسك بالقرآن والعترة، ومن دون هذا الامر، يبقى حاله كحال من يتمسك بالنباتات الهشة عند الغرق، لان الانقاذ لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التمسك بالوسائل القوية الصحيحة والمسندة والتي لها جذورها القوية الصحيحة، وهي تتحقق هنا من خلال التمسك بحلقتيّ الايمان المكتمل والمتمثل بالقرآن والعترة.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن، الذي ينص على: (انّ المقصود من كلام النبي صلي الله عليه وآله - ما إن تمسّكتم بهما- يعني القرآن والعترة، وهذا يعني إنّ الإسلام هو التمسّك بالقرآن والعترة، وهذا الإسلام هو الإسلام المنجي وفيه سعادة الدنيا والآخرة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/آيلول/2014 - 15/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م