ثنائية القاعدة والدولة الإسلامية

حرب الإرهاب الطويلة

باسم حسين الزيدي/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

 

خرج تنظيم القاعدة من صمته الاجباري الذي فرضته عليه انتصارات غريمه الجهادي (الدولة الإسلامية/ داعش)، ليعلن عن قيام فرع لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية يشمل (بورما وبنجلادش وآسام وجو جارات وأحمد اباد وكشمير)، بعد ان نصب الباكستاني (عاصم عمر) زعيما للتنظيم بفرعه الجديد.

وعلى الرغم من طول خطابه (55 دقيقة) الذي بث عبر الوسائل الإعلامية التابعة للتنظيم (مؤسسة السحاب)، والذي لم يتطرق فيه زعيم التنظيم (الظواهري) لتنظيم الدولة الإسلامية (عكس خطاباته الارشادية والتهديدية السابقة)، الا انه حاول برسائل غير مباشرة، التقليل من اهميه التنظيم (الدولة الإسلامية)، وان القاعدة ما زالت موجودة وفاعلة، وهي من سيقود الجهاد العالمي نحو تحقيق الخلافة الاسلامية.

صمت القاعدة بالتأكيد ليس (صمت الحملان)، وانما هو للعمل بعيدا عن الدعاية الإعلامية التي سعى اليها تنظيم الدولة الإسلامية، والتي اثمرت عن تشكيل تحالف دولي واسع النطاق، قد يستهدف التنظيم في مصادر تمويله وشبكات التجنيد، إضافة الى العمل العسكري والاستخباري الذي يهدف الى القضاء عليه، طبعا بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.

القاعدة ربما فضلت العمل بصمت بعد ان ابتعدت عن الأضواء قليلا، والهدف هو تجنب الحاق المزيد من الأذى الذي أصابها نتيجة لفقدانها اغلب قياداتها الميدانية بضربات موجهة او عمليات استخبارية عالمية، ليتحول التركيز العالمي نحو داعش (التنظيم الجهادي الفتي)، التي تفضل (القاعدة) في هذه المرحلة ان يتم القضاء عليه بأيدي غربية بدلا من الدخول في مواجهة مباشرة مع مسلحي التنظيم، ليصدق عليها ما ذهب اليه أبو بكر البغدادي من اتهامات طالت التنظيم الام (القاعدة) بمداهنة الغرب والاستسلام لهم، إضافة الى اتهام الظواهري بمخالفة تعاليم شيخ التنظيم (أسامة بن لان) الجهادية وشق عصا المجاهدين، وهي تهم كانت لتقضي على القاعدة فيما لو دخلت بمواجهة مباشرة مع تنظيم الدولة.

تحالف دولي

أشار أوباما في تصريح حول عزم الولايات المتحدة الامريكية القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، والذي اعتبر التصريح الأكثر حزما، بالقول "سنضعف الدولة الإسلامية ونهزمها في نهاية المطاف مثلما فعلنا مع القاعدة"، فيما أكد ان "حلفاء رئيسيين في حلف شمال الأطلسي يقفون على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا الخطر الإرهابي من خلال العمل العسكري والاستخبارات وإنفاذ القانون وكذلك الجهود الدبلوماسية"، خصوصا وان الرئيس الأمريكي قد ضمن، على الأقل، مساندة ودعم أكبر قوتين عسكريتين في اوربا (فرنسا وبريطانيا) لأي تحالف دولي قد يستهدف الجماعات المسلحة لتنظيم الدولة في العراق وربما في سوريا أيضا، بشرط ان يقدم الرئيس الأمريكي، رؤية واضحة تستند على أسس ومصداقية واقعية، يمكن تطبيقها على الأرض من دون ان يختل ميزان الشرق الأوسط ذو الحساسية العالية تجاه التدخلات العسكرية الغربية.

بالمقابل فان الهدف من إقامة التحالف المقترح لم يشير، سوى، الى ابعاد خطر تنظيم الدولة الإسلامية، باعتباره الخطر الأكبر في المرحلة الراهنة، وكما أوضح الرئيس الأمريكي بان الامر مشابه لما قامت به الولايات المتحدة مع تنظيم القاعدة من قبل (الاضعاف والهزيمة لاحقا).

لكن هل انتهت القاعدة كتنظيم جهادي عالمي يستطيع القيام بهجمات تهدد المجتمع الدولي؟

والامر الاخر الذي قد يبدو أكثر غرابة، ربما يتعلق بالتحالف نفسه، اذ لم يتم التطرق الى مكافحة تنظيم القاعدة (الذي ما زال نشطا في مناطق عديدة من العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وبعض الدول الافريقية)، الضعيف كما يقول أوباما، والذي قد يعود الى الواجهة في أي لحظة، إذا استطاع التعامل مع الازمات الداخلية التي يعاني منها في الوقت الحاضر، لتبدأ ازمة الإرهاب العالمي الطويلة من جديد، حتى في حال تم اضعاف تنظيم الدولة الإسلامية، لوحدها، فان المجتمع الدولي بذلك، يسدي خدمة كبيرة لتنظيم القاعدة الذي بات يخشى كثيرا من هذا التنظيم المنشق ويتمنى، ربما اكثر من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، القضاء على التنظيم بأسرع وقت.

المطلوب، في ظل هذا التحالف العالمي المقترح، إضافة تنظيم القاعدة الى تنظيم الدولة الإسلامية، الى جانب التنظيمات الأقل شأن، اذ ان انصاف الحلول اثبتت فشلها الكبير، كما ان التعاون الدولي فرصة نادرة من اجل تبادل المعلومات والدعم بين الدول الكبرى، وربما يعطي قوة وفاعلية للأهداف المنتقاة.

ثنائية جهادية

ليس للتنظيمات الجهادية المتطرفة خطوط واضحة المعالم، فهي بمجملها تعتمد على الشبكات شديدة التعقيد والسرية، إضافة الى لجوئها للسبات الخامل والنشاط المدمر حسب ما تقتضيه المصالح العليا للتنظيم، وإذا سلمنا بان تنظيم القاعدة لم ينتهي تمام، كما يتصور البعض، بدليل انه اعلن إقامة فرعه الجديد في شبه القاره الهندية ، مؤكدا انه انجاز لجهد استمر قرابة العامين، كان فيه التنظيم يتعرض لضربات قاسية من الولايات المتحدة الامريكية ومن تنظيم الدولة الإسلامية، بعد ان تخلى الأخير عن التنظيم، بل ويحارب فرعها في سوريا (جبهة النصرة)، يقتضي اذا، التعامل مع تنظيم القاعدة بنفس الخطورة التي يتعامل بها المجتمع الدولي حاليا مع تنظيم الدولة الإسلامية، فان ثنائية الجهاد العالمي بين التنظيمين، قد تتحول الى تبادل الأدوار في حال تم اضعاف طرف واهمال الطرف الاخر.

بالتأكيد ان المهمة ليست سهلة على الاطلاق، لكنها ليست بالمهمة المستحيلة، فإضعاف التنظيمات الجهادية يتم بصورة تدريجية، قد تحقق النجاح الاولي، من خلال منعهم عن القيام بعمليات نوعية مدمرة، كما حدث في هجمات 11/سبتمبر، السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، الهجمات الأخيرة على العراق...الخ.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث-المنتدى السياسي

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/آيلول/2014 - 15/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م