الثقة بالنفس و الانطلاق نحو التطوّر

 

شبكة النبأ: هنالك شعوب وأمم تعرضت للدمار والخراب بسبب الحروب، وايضاً بسبب السياسات الخاطئة لحكامها، لكنها خاضت ايضاً تجربة البناء ضمن مشاريع عمل متعددة وعلى الصعد كافة، والى جانب هذه التجربة خاضت تجربة بناء الثقة في نفوس ابنائها، وإلا فان البلد المدمر، والخسائر الفادحة في الارواح والممتلكات والثروات، يجعل النفوس منطوية على اليأس والخيبة والهزيمة النفسية، ويالنتيجة لا حيوية ولا حركة نحو البناء والتغيير.

واذا نلاحظ القدرات الذهنية الخارقة والعقول المبدعة في بعض بلاد الغرب، من خلال نتاجاتهم التقنية وانجازاتهم العلمية، فان الفضل يعود الى هذا المشروع الذي اهتم به المعنيون، و أولوه أهمية كبيرة منذ السنين الأولى لهؤلاء المبدعين، حيث كانوا على مقعد الصف الاول الابتدائي. ومذ ذاك، يتعلم الطالب الصغير، كيف يكون كبيراً في نفسه، محترماً وعزيزاً عند الآخرين، وذلك من خلال درس عملية، وتجارب حياة يمارسها في محيط التعليم، مع اصدقائه واترابه، وايضاً مع المعلمين، وحتى في المحيط الاوسع، في المجتمع.. وعندما يتخرج مهندساً او طبيباً او خبيراً في الاقتصاد او الاجتماع وغيرها، فانه يحمل قوة الشخصية مع قوة العلم والمعرفة. ولعل هذا يفسّر ظاهرة احترام الاميركي او الياباني او الكندي، حتى وإن كان عاملاً بسيطاً في مشروع ما في بلادنا، فيكون بالنسبة للكثير نموذج الالتزام والاتقان والمسؤولية. بخلافه تماماً تكون النظرة الى بعض – إن لم نقل معظم- المشرفين او المسوؤلين عن المشاريع العملاقة والضخمة في بلادنا.

في كتاب "نحو يقظة اسلامية" يمكننا تلمّس بعض الاضاءات في طريق بناء الثقة في نفوس ابنائنا، عندما يدعو سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- الى تربية الاولاد منذ الصغر على "السيادة" والإيحاء لهم وإشعارهم بأنهم سادة، وليسوا تابعين ضعفاء، بل ان سماحته يعد هذا المنهج لازمة للجيل الذي يُعول عليه بأن يكون قاعدة للبناء الجديد في البلدان الناهضة.

واذا تحرينا الاسباب الحقيقية وراء الاخفاقات في السياسة والاقتصاد والامن ومجالات اخرى في العراق، نجدها في الحالة النفسية المنتكسة لمعظم المتولين شؤون البلاد، فثمة نقطة ضعف وفراغ في الشخصية، تظهر على شكل فساد مالي واداري، وربما تظهر في فضائح مدوية تهدر الملايين والمليارات، كما تهدر الدماء احياناً.

وما الهزيمة المنكرة التي مُني بها الجيش العراق أمام عناصر "داعش" في الموصل، إلا مثالاً بسيطاً وطرياً على وجود شعور بالضعة والضعف في نفوس القادة والضباط وايضاً الجنود، لذا لم يجدوا مبرراً يسوغ لهم البقاء في مواقعهم ومواجهة مليشيا ارهابية – دموية، يتراوح عدد افرادها بين ألف وألف وستمائة فرد فقط، حسب مصادر مختلفة، بينما كان في الموصل فرقة عسكرية كاملة بالعدّة والعدد والدبابات والمدافع والآليات، وايضاً حوالي 30ألف جندي.

هذا المثل وامثال وشواهد عديدة، تؤشر على حقيقة الدور الكبير للمؤسسات التعليمية والنظام الحاكم في البلاد في نشر ثقافة "السيادة" و "عزّة النفس"، هذا الى جانب دور الأسرة والمحيط العائلي، والتوقف نهائياً عن اسلوب تسقيط الشخصية وقتل روح الابداع والعمل في صفوف الشباب والفتيان، وتذكيرهم بنقاط الضعف والخلل في نفوسهم وشخصياتهم وأدائهم.

ولتجاوز هذه الهوة السحيقة الى الجانب الآخر، حيث القوة والاقتدار، بحاجة الى مادة أساس تدخل في مشروع بناء الثقة بالنفس، لتكون الجسر الواصل بين الانسان وبين طموحاته واهدافه، لذا يؤكد سماحة الامام الراحل – في كتابه- على "الايمان".. هذا البعد المعنوي يجعل الانسان الطموح في حالة تسامي مستمرة تخرجه من دائرة الذات والمصلحة الشخصية. فهو سيدّ نفسه وصاحب قدرات ومواهب متعددة، بيد أن كل ذلك يأتي بثماره الحقيقية عندما يكون الانسان مؤمناً بالله تعالى، وما يستتبع ذلك من ايمان بالجزاء والعدل وكل القيم والسنن الإلهية.  

نعم؛ إن الثقة بالنفس والإيحاء بالقوة الذاتية المحفزة على مزيد من التطور والتقدم، سواء في الدراسة او العمل او غيره، كلها تشكل الوجه المادي للقضية، وهو مهم ومطلوب، لذا نجد علمائنا ومفكرينا يؤكدون دائماً على تكريس القيم الانسانية والمفاهيم الاخلاقية في مسيرة التنمية بمختلف اتجاهاتها، ليتحقق التوازن بين التنمية والبناء الذاتي وما يستتبعه من مكاسب مادية للحياة، وبين التنمية المعنوية والاخلاقية للنفس بما يصنع للانسان منطلقاً قوياً نحو البناء والتطور، ويبعده – قدر الامكان- عن الخطأ والزلل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/آيلول/2014 - 14/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م