شبكة النبأ: الوصف الأقرب للواقع،
والمستمد منه، للحوزة العلمية، هي المصدّ الأول والأعلى والأقوى ايضا،
للفتن التي تهدف الى تدمير البناء المجتمعي، وتحاول أن تفتت السلم
الاهلي، وتجعل من الأمة في حالة فوضى واضطراب دائم، لذلك تمتلك الحوزة
العلمية اشتراطات الحد من تأثير الفتن، وبالتالي تحد من احتمالات
انهيار المجتمع، تحت وطأة الاحتراب والتناقض في الافكار والمعتقدات وما
شابه، هذه هي قدرة الحوزة العلمية التي لا تمتلكها مؤسسات رسمية او
اهلية أخرى، والاسباب واضحة ومعروفة، تلك التي تقف وراء قدرة الحوزة
العلمية على تحقيق ذلك التوازن المجتمعي الآمن، بغض النظر عن المكونات
والاقليات والاعراقوالثقافات المختلفة التي يتكون من مجموعها المجتمع
أو الأمة.
واذا سأل أحدهم ما هي الاشتراطات والمستلزمات التي تمتلكها الحوزة
العلمية، لكي تتميز بالقدرة على وأد الفتن والحد مما يهدد السلم
الاهلي، ويجعل الامة على حافة بركان؟، من الواضح أن أننا سنستمد
الاجابة من الوقائع، ومن تجاربنا كمجتمع اسلامي، مع الحوزة عبر الأزمان
المختلفة والمراحل المتعاقبة، وأولى هذه التجارب والوقائع، هي تراكم
ثقة الناس عبر التاريخ بالحوزات العلمية، ومن ثم الايمان برؤيتها
لمعالجة اخطر التصادمات وحالات الاحتراب الاهلي أو الخارجي وما شابه،
وعندما يثق معظم الناس بما تراه وتقوله وتوجّه به الحوزة العلمية، عند
ذاك سوف يركن المتضادون الى الرؤية المتوازنة للحوزات المستقلة، والتي
تهدف اولا واخيرا الى نشر الخير بين الجميع، وتحقيق التواؤم والانسجام
بين جميع المكونات والطوائف، بغض النظر عن طبيعة الانتماءات الفرعية،
فالجامع الأساس هو المصلحة العامة، وقد أثبتت التجارب أن الحوزة
العلمية هي الأكثر حرصا على مصالح الناس جميعا.
السؤال الأكثر إلحاحا في هذا المجال، مفاده، إذا فقدت الحوزة
العلمية هذه القدرات والامتيازات التي تمتلكها بجدارة، ما الذي سيحدث،
وما هو حجم الاضرار التي ستلحق بالامة ومكوناتها؟ وقبل ذلك هل يمكن أن
تكون الحوزات العلمية عرضة لفقدان الامتيازات التي امتلكتها بالكد
والجهد والعلمية والتوازن عبر القرون المتعاقبة، وكسبها للجميع من خلال
توازنها في معالجة تناقضات مكونات الامة؟. الجواب نعم يمكن ان تفقد
الحوزة العلمية هذه القدرات والمميزات التي تجعلها صمام أمان للامة،
وهنا يُثار تساؤل آخر مفاده، متى يمكن أن تفقد الحوزة العلمية قدراتها
هذه وكيف؟.
الجواب ببساطة، تفقد الحوزة العلمية قوتها وتأثيرها في الامة
ومكوناتها، عندما تحاول الانظمة السياسية أن تجعلها تابعة لها!، والسبب
الاخر في هذا الاطار عندما تنسى الانظمة السياسية دور الحوزة العلمية
الضامن لعدم انهيار الامة، فهناك انظمة سياسية لا تفكر إلا في مصالحها
الخاصة والسبل التي تطيل عمرها وتحمي عرشها، حتى لو كانت ارواح الناس
هي الثمن، فما يهم بعض هذه الانظمة السياسية، ليس رؤوس الناس ولا
ممتلكاتهم ولا حياتهم المستقرة المتوازنة، بل ما يهما هو البقاء لأطول
فترة ممكنة على سدة الحكم والاستفادة من امتيازات السلطة والنفوذ
والاموال العامة، لذلك تستخدم تلك الانظمة كل ما تمتلك من وسائل
الترغيب والترهيب والقمع وما شابه من وسائل، لتجعل من الحوزة العلمية
كيانا مفرَّغا من الفعل والرؤية المتوازنة التي ترفض الظلم، وهذا ما
يمكن أن نطلق عليه بـ (أزهرة الحوزات)، أي جعلها واجهة دينية تؤازر
النظام السياسي الظالم، لكن الحوزات العلمية الحقيقية، لا يمكن أن تدخل
في هذا المسار الخطير، أي في مسار مؤازرة النظام السياسي الظالم، لسبب
واضح مذكور في الآية الكريمة التي تؤكد على عدم الركون للظلم
والظالمين.
وهناك خطر أكبر واعمق وأكثر خطورة على الامة وعلى النظام السياسي
نفسه، عندما يجبر الحوزة على الخضوع لارادته وسلطته الغاشمة، يتمثل هذا
الخطر بنسف اهم امتيازات وقدرات الحوزة العلمية، متمثلة بقدرتها على
ضبط ايقاع التعايش السلمي بين مكونات الامة، عندما تكون مصدر ثقة
الجميع وليس النظام الحكام فقط، بمعنى عندما يشعر ويتأكد جميع الناس من
استقلالية الحوزة العلمية، استنادا الى رؤيتها وقراراتها وتعاليمها
المتوازنة، فإن الجميع سوف يمتثل لما تراه الحوزة وتريده، هنا سوف
يتوقف خطر الاحتراب والفتن بكل الوانها واشكالها، والمستفيد هنا ليس
الامة وحدها، بل النظام السياسي هو اول المستفيدين لأنه سيكون على رأس
مجتمع منضبط مستقر واعٍ ومثابر وجاد ومنتج في الوقت نفسه.
هذه هي ايجابيات عدم تبعية الحوزات العلمية للانظمة السياسية، وكذلك
عرفنا ما الذي سيحدث من مخاطر فعلية كبيرة للامة، عندما تكون الحوزة
العلمية أسيرة النظام السياسي، تأتمر بما يريده هذا النظام، تحقيقا
لاهدافه وضمانا لمصالحه، حتى لو جاءت على حساب حقوق الناس!، وكلمتنا
الاخيرة في هذا المجال أن النظام السياسي الواعي هو من يقف الى جانب
استقلالية الحوزات العلمية ولا يذهب في الاتجاه الخاطئ، فيحصر الحوزة
في نطاق حسير، إما معي أو ضدي، هنا سيكون هذا النظام ومن يتفق معه في
الرؤية والسلوك عرضة للسقوط عاجلا أم آجلا ؟!. |