العلوم الاجتماعية والتحديات المعاصرة

حاتم حميد محسن

 

العديد من المقابلات التي اجريت مؤخرا تتفق على مسألة هامة وهي ان العلوم الاجتماعية يجب ان تُوجّه نحو معالجة المشاكل الاجتماعية الملحة، وان اجندة بحوث العلوم الاجتماعية يجب ان يقررها الناخبون في المجتمع لأنهم يتأثرون اكثر من غيرهم بتلك المشاكل. اساسا، يجب على العلوم الاجتماعية الانخراط بطرق جادة في تحسين نوعية حياة الناس في هذا العالم. يمكنها تحقيق ذلك، عبر اكتشاف بعض اسباب المشاكل الاجتماعية المتواصلة وتوفير اساس سليم لتصميم السياسات التي يُحتمل ان تعالج تلك المشاكل. وهي يمكنها ان تركز بحوثها بالعمل عن قرب مع الممارسين والناس العاديين الذين يواجهون هذه المشاكل الاجتماعية.

ما هو الواقع؟ الى اي مدى يمكن ان تمتثل العلوم الاجتماعية لهذه الرؤية المثالية؟ يرى David Featherman في احدى مقابلاته، ان العلوم الاجتماعية في الولايات المتحدة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ابتعدت عن اهداف المشاركة الاجتماعية وحل المشاكل، وهي في الواقع لاتزال على موقفها حتى الآن. بدلا من ذلك، تبنّت حقول العلوم الاجتماعية الكبرى نموذج تكوين نظرية اكاديمية لا تتأثر بالاعتبارات الاخرى. العلوم الطبيعية قدّمت نموذج الدور role model، اما الاهداف الرئيسية كانت كمية وشكلية تقوم على ارتباطات مبسطة. "البحوث التطبيقية"جرى التقليل من اهميتها.

ان إعادة تأسيس الارتباط بين العلوم الاجتماعية والمشاكل الاجتماعية يجب ان تحظى بالاولوية لدى كل منا – علماء اجتماع ومواطنين. المشاكل الاجتماعية التي نواجهها هي هامة ومصيرية، انها لا يمكن السيطرة عليها، وهي عادة تميل نحو الاتجاه الخاطئ. انظر هذه القائمة الجزئية من المشاكل الملحة التي تواجه مجتمعنا والعالم.

الولايات المتحدة

- الفقر المزمن في مناطق السود

- الانقسامات العرقية

- التآكل واليأس في اطراف المدن

- تصاعد اللامساواة في الدخل والثروة ونوعية الحياة

- نقص التوفير العام للخدمات الصحية

- ارتفاع كلفة الخدمات الصحية

- الفشل في ايصال التعليم للاطفال واليافعين

في المستوى العالمي

- تعميق الفقر في عدة دول

- تعميق عدم المساواة في الثروة والدخل ونوعية الحياة

- العنف ضد الافراد والجماعات

- العنف الاثني

- التطهير العرقي

- الجريمة

- الدول القمعية

القمع ضد المرأة والبنات

الازمات البيئية العالمية

- التغيرات المناخية

- نفاد الموارد

- التدهور البيئي

الانظمة السياسية

- استمرار الانظمة الاستبدادية

- الديمقراطيات الناقصة

- الفساد

- انظمة غير كافية للاستجابة للكوارث

هذه هي المشاكل ذات النتائج الخطيرة على رفاهية الانسان. اي من هذه المشاكل هي بذاتها تجسيد لقوى سلوكية واجتماعية معقدة. والحلول تتطلب تصميما حاذقا لمؤسسات جديدة وطرق جديدة في تنسيق السلوك الاجتماعي. باختصار – هذه المشاكل هي فكريا وتطبيقيا اكثر خطورة من فك شفرة الجين الانساني او السيطرة على المفاعل النووي او وضع الانسان على المريخ. هناك حاجة لجهود أفضل الباحثين الموهوبين والملتزمين لكي نفهم ونغير هذه الظروف.

لحسن الحظ، هناك بعض الاشارات بان علماء الاجتماع الاساسيين بدأوا الالتفات نحو المشاكل الاجتماعية الملموسة. هناك اعمال هامة ومستمرة في السوسيولوجي والعلوم السياسية في مجالات الفقر واللامساواة والانقسامات العرقية، وهذه الاعمال اتخذت طابع الفورية والملائمة والتي تجسدت في بحوث مدرسة شيكاغو للسوسيولوجي في الخمس وسبعين سنة الماضية. ان مركز البحوث المتقدمة والحلول الاجتماعية في جامعة مشيغان هو مثال لمجموعة من الباحثين ذوي الالتزام المشترك لجلب بحوث العلوم الاجتماعية لتتناسب مع المشاكل الاجتماعية. اجتماع اخير نُشرت وقائعه في The Yard، مجلة العلوم والفنون لكلية هارفرد، ضم مجموعة من علماء اجتماع هارفرد تحت عنوان "العلم الاجتماعي الجديد" والنقاش يتركز كليا على هذه المشاكل الاجتماعية وعلى بعض الطرق التي يمكن استخدامها للعلاج. اشترك في النشرة Edward Glaeser, William Julius , Mary Waters , Glaudia Gay, David Cutler, Robert Putnam. من الرائع جدا ان نرى بحوثا في هذا المستوى من التفاصيل العملية والتركيز التطبيقي تصبح موضع اهتمام.

 هناك هدفان رئيسيان كبيران يجب ان تمتلكهما العلوم الاجتماعية لمواجهة المشاكل الاجتماعية. الاول هو مشكلة فهم هذه المشاكل بالتفصيل – كل من التفاصيل العملية لكيفية توزيع وتطور المشكلة، والقضية السببية باكتشاف بعض العوامل التي تنتج وتعيد انتاج المشكلة. ما هي الميول في التطور الاجتماعي لمناطق اطراف المدن واطراف المدن الفرعية؟ لماذا لا يمكن السيطرة على الفقر في أطراف المدن عبر عدة اجيال؟ لماذا تفشل مدارس أطراف المدن في عدم ايصال تعليم عالي النوعية لجميع الاطفال المسجلين لديها؟

الهدف الثاني الكبير لعلماء الاجتماع هو ان يكونوا قادرين على طرح اساس للسياسات والتدخلات التي يمكن ان تساهم في حل المشاكل التي نعاني منها. السياسات المصممة للعلاج يجب ان تنبثق من فهم جيد للديناميات الاجتماعية والسلوكية للمشاكل. وان علماء الاجتماع يجب ان يسعوا لتقديم تقييم رصين للنتائج المحتملة لمختلف السياسات المقترحة.

لكن لا وجود لشيء بسيط في الحياة الاجتماعية – من الواضح جدا ان هناك عمليات تفاعلية سببية معقدة تعمل في عملية خلق وادامة المشاكل. نطاق التنبؤ في العلوم الاجتماعية هو محدود، وهذا يعني انه نادرا ما يمكن تزويد وصفات تصنيفية كهذه: "إعمل هذا، ولهذا سوف ينتج". بدلا من ذلك، العلوم الاجتماعية تكون اكثر فائدة عندما تساعد في تحديد بعض التعقيدات السلوكية التي ربما تتحول الى "نتائج غير متوقعة" – ومن ثم تساعد في تصميم السياسات المضادة للفشل.

لا شيء بسيط من هذا القبيل. لكن لا شك ان مجتمعنا يحتاج الى المعرفة والطرق التي يمكن ان يقدمها علماء الاجتماع لكي تكون لدينا فرصة جيدة لحل المشاكل التي نواجهها. وهذا يعني ان العلوم الاجتماعية تحتاج لتبنّي مهمة الانخراط العملي وبجدية والتزام عاليين.

.......

Understanding society, social science and social problems.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيلول/2014 - 13/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م