العلاقات الايرانية السودانية بعد اغلاق المراكز الثقافية

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبا: في خطوة مفاجئة شكلت صدمة للحكومة الايرانية، قررت السودان اغلاق المراكز الثقافية الايرانية في العاصمة وبقية المحافظات السودانية.

وزير الخارجية السوداني علي كرتي وحول اسباب الغلق، شدد بلهجة حازمة لأول مرة، إن صبر الخرطوم على طهران قد نفد، وإن رغبة البلاد كانت تركز على تعزيز المصالح المشتركة بعيدا عن إيذاء الآخرين، سواء في الخليج أو في المحيطين العربي والأفريقي.

المؤسسة العسكرية السودانية تعارض مثل هذا القرار، اذ ترى في إيران حليفا إستراتيجيا للخرطوم، تربطهما سلسلة من المصالح العسكرية والأمنية خاصة في ما يتعلق بالسلاح وتصنيعه، لذلك تعارض هذه المؤسسة أي خطوة من شأنها أن تغضب الحليف الإيراني الذي يعتبر ممولها الرئيسي في صراعاتها الداخلية ضدّ الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

الخلافات بين وزارة الخارجية والمؤسسة العسكرية حول مثل هذا القرار، تكشف عن تصدع حقيقي في بيت النظام السوداني، خاصة في ما يتعلق برؤية كل جناح للعلاقة القائمة مع طهران وتداعياتها.

حيث يرى البعض أن قرار الحكومة الأخير يعكس نفاد صبرها من محاولات طهران لتغيير النمط المجتمعي السوداني عبر نشرها التشيع في أوساطه، كما أن أوضاع البلد الداخلية لم تعد تحتمل حالة العزلة التي تطوّقه والتي تعدّ طهران أحد المتسببين فيها.

في المقابل يذهب البعض الآخر إلى اعتبار خطوة غلق المراكز الثقافية الإيرانية مجرّد مناورة من النظام لمغازلة البلدان الخليجية وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلا عن مصر، وأنها لا تتعدّى مجرّد ذرّ رماد على العيون.

حول النقطة الاولى، لايحتاج التشيع الى جهود حكومية تقوم بها دولة مثل ايران، فالتشيع ينتشر في الكثير من البلدان، خاصة بعد نمو وانتشار الفضائيات الشيعية، والتشيع كعقيدة لايحتاج الى رجال السياسة لنشره، ومن يقوم بذلك انما يستغل التشيع لمصالحه الخاصة.

الاقرب الى الواقع في ما يتعلق بالاسباب الحقيقية للاغلاق هي النقطة الثانية، حيث مغازلة البلدان الخليجية، بسبب الضغط الذي تستشعره الجكومة السودانية، ومحاصرتها من كل مكان.

الناظر لعلاقة البلدين يجد أنها قائمة على تعاون عسكري ــ أمني وسياسي أكثر من كونها علاقات اقتصادية ــ تجارية متجذرة، فالدولتان عالمياً وإقليمياً مصنفتان ضمن "الدول المارقة".

وبالعودة إلى تلك العلاقة، يمكن القول إن الخرطوم تضررت منها تماماً، إذ قاد ذلك التقارب إلى قطع علاقات السودان بعدد من دول الخليج بما في ذلك السعودية، صاحبة الاستثمارات والتعاون الاقتصادي الأكبر في البلاد مقارنة مع إيران التي في الأصل لا يقوم اقتصادها على الفوائض باعتباره، كما الاقتصاد السوداني محاصر، الأمر الذي يصعّب عليها الاستثمار في الخرطوم اقتصادياً.

وربما قادت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها الخرطوم في ظل أزمة العملات الصعبة، وتدهور الجنيه السوداني مقابل الدولار ووصوله إلى أدنى مستوياته، وتسجيل معدلات التضخم لأعلى نسبة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي ببلوغه 46.5 في المائة، الحكومة السودانية للإعلان عن طرد الملحق الثقافي الإيراني وإغلاق المركز الثقافي الإيراني.

واحتدم الجدل عقب الإجراءات العقابية الصارمة التي اتخذتها الرياض في مواجهة الخرطوم، ووقف كافة التعاملات المصرفية معها، فضلاً عن التضييق على عملية الاستيراد، ومحاولتها فرض سياج اقتصادي ضاغط على الخرطوم، ولا سيما بعدما فشلت كافة محاولاتها في الحد من العلاقات الإيرانية السودانية التي أصبحت مصدر قلق بالنسبة لها،

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، محمد نوري الأمين أن الوضع الاقتصادي القاسي ونضوب رصيد البلاد من العملات الصعبة، فضلاً عن استمرار الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان، وتهديدها النفط الجنوبي الذي تستفيد الخرطوم من عبوره في أراضيها، جميعها عوامل قادتها لاتخاذ موقف متشدد من إيران. ويوضح أن الخطوة السودانية الأخيرة جاءت لتؤكد من خلالها الخرطوم "قدرتها على تبني موقف حاسم في المشهد السياسي السوداني، وأنها غير مرتبطة بإيران وهي رسالة قوية تعمد إرسالها إلى السعودية ودول الخليج ومن خلفهم الولايات المتحدة والغرب اللذين يتخوفان من تلك العلاقة".

كما يلفت إلى أن تلك الخطوة تأتي لمصلحة السودان، وستشكل أرضية لمخاطبة تلك الدول لإعادة العلاقات معها. ويضيف "في المقارنة بين أهمية العلاقات الإيرانية والخليجية للسودان، نجد أن الأخيرة الأهم والمؤثرة اقتصادياً. ويشير إلى أنه "إذا كانت طهران تؤثر في اقتصاد الخرطوم لما وصل اقتصادها لما وصل إليه الآن".

كما تواترت أنباء شبه مؤكدة نقلت عن دوائر سعودية أن المملكة العربية السعودية جاهزة لدفع (5) مليار دولار للسودانيين في حال تطبيقهم السيناريو المصري الذي اقتلع حكم الإخوان في مصر ودعمته السعودية بمايقارب ذات المبلغ أو يساويه.

والأسباب التي تقف وراء هذا الضعف البادي في العلاقات الاقتصادية والتجارية تكمن في عدم معرفة رجال الأعمال في كلا البلدين بمتطلبات السوق في كل منهما، وعدم الإلمام الكافي بما تنتجه كل دولة ويمكن أن يستفيد منه المستهلك فيهما، كذلك يرجع السبب إلى عدم وجود خطوط نقل مباشر بين البلدين حيث لا يوجد حتى الآن خط بحري ولا جوي بينهما، فلابد أن يمر الراكب السوداني الذي يريد أن يذهب لإيران على البحرين أو الإمارات أو سوريا.

وتحتل السعودية المرتبة الأولى في حجم الاستثمارات العربية بالسودان في حين تعد ثاني أكبر شريك تجاري للخرطوم بعد الصين.

يذكر ان حجم الاستثمارات الخليجية في السودان تجاوز 30 مليار دولار، في حين لا يتعدى حجم التبادل التجاري بين ايران والسودان 150 مليون دولار سنويا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/آيلول/2014 - 11/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م