تحالف دولي متسارع للقضاء على داعش

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: توضيح مهم وعاجل سارعت الولايات المتحدة تقديمه للعالم بشأن استراتجيتها في الشرق الاوسط، فحملت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية "ماري هارف" التوضيح من اصحاب القرار بشأن الخطوة الجديدة لمحاربة "داعش" في العراق، وقالت : "عندما نتحدث عما نفعله اليوم فإننا لا نريد أن يكون بأي شكل من الأشكال مشابهاً لما حدث عام 2003 خلال اجتياح العراق". والرسالة واضحة، بان الاطاحة بنظام صدام عام 2003، كان قراراً اميركياً بامتياز، وهذا القرار هو الذي حشد (49) دولة للمشاركة في غزو العراق، أما الآن فالمسألة تختلف تماماً، إذ أن اميركا لا تريد ان تكون وحدها في مواجهة "الدولة الاسلامية" إنما العالم بأسره، وهذا تم خلال اجتماع قمة "الناتو" في مدينة "نيوبورت" بمقاطعة ويلز جنوب بريطانيا، الاسبوع الماضي، واضافت "هارف": "لن نستخدم أبدا الاستراتيجية ذاتها.. الأمر لا يتعلق بائتلاف أمريكي، إنما بتحالف دولي".

ويبدو واضحاً أن الطاولة الصغيرة التي التقى فيها رؤساء الدول المعنية بالوضع في الشرق الاوسط بشكل مباشر، وهو اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، ستتحول الى طاولة كبيرة وواسعة في الايام القليلة القادمة، عندما تظهر هنالك اسماء دول اخرى خارج اطار الناتو، مثل استراليا وكندا، ثم دول في المنطقة نفسها، وقريبة من الحدث مثل الاردن التي بقيت بعيدة بعض الشيء عن نار الاحداث المستعرة منذ تمدد "داعش" على الارض العراقية.

الهدف يبدو كبيراً ويستحق الاهتمام به سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وربما يأخذ مداه الثقافي على المدى البعيد (استراتيجياً)، فالقضية امام اميركا والغرب، ليست بحجم "صدام"، الذي جاء به الاميركيون ثم بقرار منهم أطاحوا به وبنظامه دون الحاجة الى قرار دولي، او إذن من الأمم المتحدة لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق الهدف، كما حصل في حرب تحرير الكويت عام 1991. لذا نرى الرئيس الاميركي الذي يبدو للعالم غامضاً وكئيباً منذ هزيمته السياسية والعسكرية في سوريا، يعرب عن ارتياحه وتفاؤله بمستقبل المواجهة والحرب ضد "داعش": "..سنطاردهم كما نفعل تماما مع فلول القاعدة.. سيكون ذلك هدفنا وأنا مرتاح لأن هناك إجماعاً لدى أصدقائنا وحلفائنا بأن هذا الهدف ذات قيمة وهم مستعدون للعمل معنا لتحقيقه". وأسوة بالموقف الاميركي، أعلن كل من رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي، تأييدهما للمشروع الاميركي.

وإن سأل سائل عن الدافع وراء هذا التحشيد الدولي المثير والمفاجئ، ستكون اجابته في الممارسات الدموية لـ "داعش" في العراق، وقالها ديفيد كاميرون في افتتاح اليوم الثاني لقمة حلف الناتو أن قادة الحلف ينددون بـ "الأعمال الهمجية والمقيتة" التي يرتكبها "داعش"، لكن هل الاجابة شافية ووافية..؟ كلا. فعناصر هذا التنظيم يمارس جرائمه الدموية المنظمة على يد متمرسين على الذبح بالجملة، مع تجاوزات وانتهاكات بالجملة ايضاً طوال اكثر من عامين في سوريا ومن ثم في العراق.

ربما "الاعمال الهمجية" التي يقصد بها كاميرون الرهينة البريطاني الذي ينتظر دوره بالذبح بعد الاميركيين الاثنين الذين قضايا ذبحاً على يد "داعش"، ويوضح كاميرون جانباً من الفلسفة البريطانية في المشروع الاميركي بان "تهديداتهم تزيد من عزمنا على الدفاع عن قيمنا والقضاء على التنظيم.."، وكذلك الابتزاز التي أتقنها هذا التنظيم من خلال اختطاف بريطانيين اواميركيين او ايطاليين والحصول  فدية مالية مغرية.

بيد أن المراقبين والمتابعين للتحركات الاميركية والغربية في المنطقة يجدونها تسير على خطين متوازيين: الاول؛ يعني بالشأن الداخلي للبلاد الغربية، والثاني يتعلق بمستقبل الوضع السياسي في المنطقة، وملامح الانظمة الحاكمة التي يفترض ان تأخذ شكلها النهائي بعد الغربلة التي حصلت عبر "الربيع العربي" وسقوط عدد من الحكام العرب المستهلكين.

بالنسبة للخط الاول؛ فان التحركات الغربية تُقرأ بشكل صحيح، ليس من خلال اوضاعنا التي نعيشها على الصعد كافة، فالازمات والمشاكل والتعقيدات لا علاقة لها بمواقف ونمط تفكير المسؤولين الغربيين، فهم ليسوا مسؤولين عنّا قطعاً، إنما هم يفكرون قبل أي شيء بجماهيرهم وشعوبهم، وخشيتهم الكبرى من اهتزاز صورتهم في جدار الديمقراطية هناك. فوجود اشخاص يحملون الهوية الاسلامية، يسكنون في بريطانيا او فرنسا او اميركا او كندا او أي بلد غربي آخر، ثم يتبين أنهم يأخذون دروساً في التطرّف الديني ويشحذون ادمغتهم ثم سكاكينهم لتنفيذ اوامر وتعاليم غريبة ومريعة، يعني بالنسبة للمواطنين هناك، بأن ثمة خطأ فادحاً يحصل، ولابد من الوقوف امامه، وإلا فان المسؤول، في أي منصب كان، يتحمل المسؤولية امام شعبه ويعرض نفسه للعقاب الشديد. لذا يمكن القول: إن مشهد الصحفي الاميركي بملابسه البرتقالية وهو راكعاً ومستعداً للذبح على يد أحد ارهابيي "داعش"، يعد الحلقة الاخيرة من سيناريو أعده الغرب منذ فترة طويلة للتخلص من آلاف المتطرفين والمصابين بلوثة فكرية، وفتح الطريق لهم لمغادرة بريطانيا او اميركا او بلجيكا وسائر الدول التي انحدر منها الارهابيون الى سوريا ثم العراق، وحسب المصادر فان عدد مقاتلي "داعش" من اوربا بلغ (2000) مقاتل. كانت حصة اميركا (100) مقاتل.

والتحشيد الدولي – السياسي الجديد بقيادة الولايات المتحدة وبغطاء أممي محتمل، سيتابع مهمة القضاء على هذا التنظيم او تحجيم قوته وتقليم مخالبه، كما حصل مع تنظيم "القاعدة" في افغانستان وباكستان.

أما الخط الثاني وهو الأهم (بيت القصيد)، فهو يتعلق بالاوضاع التي نعيشها في ظل انظمة حكم هشّة وحكومات، بالكاد تنتهي من مرحلة المخاض العسير وربما المميت، بسبب التوترات السياسية وتقاطع المصالح بين احزاب وفئات ومليشيات وغيرها. فالغرب الذي يستهدف اليوم تنظيم "الدولة الاسلامية"، لن يقصد العناصر التي التقت بالمسؤولين الاميركيين خلال الحرب في سوريا او حصلوا على مساعدات بالتدريب والتسليح من اميركا ودول اخرى. إنما أصل  التجربة. ولعل الخطوة الاولى كانت في جسّ نبض الشارع العام في بلادنا، ولاسيما بلاد الربيع العربي، في نسبة تفاعله وتأييده للتجربة الاسلامية في الحكم، او تبني ما يعرف بـ "الاسلام السياسي"، فكانت النتيجة سلبية، واول ميدان للتجربة كانت، مصر، حيث لم يمض على حكم الاخوان "الاسلامي" بعد حوالي سنة من وصوله قمة  السلطة، ثم أطاح به نفس المتظاهرين الذين أطاحوا بنظام مبارك "الديكتاتوري". ولعل تغير القرار الغربي بالاطاحة بنظام الاسد في سوريا للابقاء على نظام حكم يشابه النظام الجديد في مصر، مع بعض التعديلات والتحسينات في الصورة الظاهرية.

وإذن؛ عندما تتكالب كل السيئات والمثالب على تجربة "الدولة الاسلامية" كمفهوم ونظرية، فانه بالمقابل سيكون النظام غير الاسلامي، وليكن باسماء متعددة؛ ربما "ليبرالي" أو "علماني" او  غير ذلك، يحظى بتأييد ومشروعية من عامة الناس في دول المنطقة. فمن لا يريد الامن والاستقرار والرخاء والمساواة في ظل الرعب وشبح الموت والحرمان الذي قدمته "الدولة الاسلامية"..؟!

الجدية الاميركية والغربية في هذا المشروع يمكن ملاحظتها في الدعوة الاميركية لدول المنطقة دون استثنناء للمشاركة، ومنها الاردن، البعيدة عن شضايا الارهاب حتى الآن، وهو ما أفصح عنه أوباما نفسه، عندما حثّ "الدول العربية ذات الغالبية السنية التي ترفض ممارسات تنظيم داعش على أن تنضم بشكل نشط للتحالف الدولي الذي يتشكل الآن". وحسب المصادر فان وزير الخارجية الاميركي ربما يكون في طريقه هذه الايام الى عمان لطرح الموضوع على القيادة الاردنية، علماً أن الموضوع لن يكن بشارة خير للاردنيين، حيث تشير المصادر الى قلق واضطراب شديدين في الاوساط السياسية من خروج الاردن من حالة الحياد أو "الوقوف على التل أسلم"، لما قد ينطوي عليه الامر من مخاطر جمّة على الوضع الداخلي وإثارة التيار السلفي وبعض الخطوط الداعمة للجماعات الارهابية.

وبنفس الاهتمام تنظر اميركا وحليفاتها، الى العراق وتحديداً الحكومة المرتقبة التي تتوقع تشكّلها بأسرع وقت ممكن، لان الحرب ستكون على اراضيها، لذا فان وجود حكومة تمثل الجميع – كما تدعو الى ذلك واشنطن والغرب- ثم تقدم الطلب الرسمي بالمساعدة الدولية للقضاء على "داعش" على أنه يهدد الامن الاقليمي والدولي، كل ذلك يمثل حجرة زاوية في مشروع محاربة "الدولة الاسلامية" من خلال الدول الاسلامية نفسها في المنطقة. وعندما يأتي اليوم الذي لا تبقى لـ "داعش" باقية في العراق ومن ثم سوريا، لن يجرؤ احد على التحدث عن مصطلح "الدولة الاسلامية" بأي شكل من الاشكال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/آيلول/2014 - 11/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م