في التغيير الذاتي .. التعصّب يحارب التطور

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: طالما كتب الباحثون المؤرخون عن سر نجاح الاسلام في بدايات عهده في بسط جناحيه على العالم في فترة وجيزة وفق المقاييس الحضارية، فنشر العلم والاخلاق الى أقصى منطقة بلغها صوت الأذان، و وصلها المسملون. فكان التميّز على ما كان سائداً في العالم، هو نمط التفكير الجديد الذي يتّسم باللين والانفتاح على آفاق العلم والمعرفة. فكان الميزة الحضارية للمسملين في صدر الاسلام، بحثهم عن كل جديد ومثير من شأنه تطوير حياة الانسان نحو الافضل، تنفيذاً لأمر النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: "اطلبوا العلم ولو بالصين". هذا الواقع الجديد، جاء على انقاض واقع الجاهلية الذي يتّسم بضيق الأفق التحجّر وحب الذات وبالمجمل؛ التعصّب.

واليوم، يدعو الكثير الى التطور والتقدم في المجالات كافة، نظراً للحاجة القصوى، حيث نشهد تسابق الشعوب والأمم في هذه المسيرة، بيد أن القليل ممن يفكر بالآلية الصحيحة، فهل من المعقول أن يبتكر احدنا جهازاً جديداً لضبط مستوى السكري في او الضغط في الدم، ثم يدّعي انه الافضل والأحسن..؟!.

نعم؛ هكذا تطور الغرب، حيث البحث المستمر عن الجديد هنا وهناك.. عند هذا وعند ذاك، ولا يهم من يكون ذاك، فحتى وإن كان من ألدّ الاعداء، او كان على غير فاق فكري او ثقافي، او كان من هذه القومية او من ذاك الشعب وغير ذلك من التصنيفات الاثنية التي لا تؤخذ في مسيرة التطور والتقدم العلمي والتقني في عالم اليوم.

سُئل الإمام علي بن الحسين، عليه السلام، عن العصبية فقال: "العصبية التي يأثم عليها صاحبها: أنْ يرى الرجل شرار قومه خير من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أنْ يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أنْ يُعين الرجل قومه على الظلم". وما يحذر من الإمام السجاد، عليه السلام، هو تلك العصبية الجاهلية التي حاربها الاسلام، واستبدلها النبي الأكرم، بمفاهيم جديدة تنتشل الانسان من حبّ الذات والتفاخر بالامور التافهة، والعزّة بالإثم، الى حيث الأفق الرحب في التفكير في مختلف شؤون الحياة.

وفي كتابه "نحو التغيير" لسماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- يذكرنا سماحته بان الحروب والنزاعات على أسس قومية او قبلية وتجاهل منطق العقل والقيم الصحيحة، هو الذي يخلق الحروب الكارثية وما تجر على الانسانية من معاناة ومآسي وتخلف وحرمان.. ويؤكد ان "الجهل والتعصّب" هو "المحرك الرئيسي" لتلك الحروب والنزاعات السياسية او العسكرية، "فكانت مانعة عن التغيير نحو الأحسن".

والحق يُقال؛ أن المسلمين، الذين نراهم اليوم في جماعات وتكتلات وشعوب، حُظوا بين الأمم بمنظومة اخلاقية وثقافية متكاملة تمكن الانسان من تحقيق السعادة في الحياة، بيد أن الذي يحصل اليوم، هو تغليب منطق العصبية والتزمّت على منطق العقل والانفتاح والبحث عن الافضل، حتى وصل الحال بأن تظهر جماعة تجاوزت التعصّب للذات، الى نمط التفكير وهو الأخطر لانه يشق طريقاً ونهجاً للحياة، وبدأت تفرض هذا النمط من التفكير على  الآخرين بقوة السيف والسكين..! وتقول: "..هذا هو الإسلام الصحيح، فمن قبل فبها، ومن أبى فالقتل ذبحاً..". 

والمشكلة أن الكثير – وليس البعض- يتصور أن التمحور حول الذات والاعتداد بالرأي، من عوامل القوة والمنعة امام الآخرين، وهذا تحديداً هو الذي انتج فكراً ارهابياً بامتياز من وسط اهل الدين والصلاة والزكاة والمظاهر الاسلامية، فالمهم لدى هذه الجماعة او تلك او على مستوى الشخوص، ليس ان يتقدم ويتطور المجموع، في اطار شعب او أمة بكاملها، كما كان نمط التفكير لدى المسملون الأوائل، إنما ان يكون هو الزعيم او القائد المطاع، كما يكون المطيع هو الأصح والأفضل من غيره، فالآخرين على ضلال وبعيدين عن الطريق الصحيح..!

عندما يكون التخلّي عن عوامل القوة الحقيقية التي تهدي الى مراقي التقدم والتطور، والتشبّث بعوامل وهمية من بقايا الفكر الجاهلي، ولعل أمير المؤمنين، عليه السلام، يصف الحالة بأروع صورة في إحدى خطبه العصماء: "..ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهلية، فإن الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الأمة، فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة، التي ينتقلون في ظلها ويأوون إلى كنفها، بنعمةٍ لا يعرف أحدٌ من المخلوقين لـها قيمةً؛ لأنها أرجح من كل ثمنٍ، وأجل من كل خطرٍ.. واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعراباً ، وبعد الموالاة أحزاباً، ما تتعلقون من الإسلام إلاّ باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه، تقولون: النار ولا العار، كأنكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه، انتهاكاً لحريمه، ونقضاً لميثاقه، الذي وضعه الله لكم حرماً في أرضه، وأمناً بين خلقه..".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/آيلول/2014 - 10/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م