هونج كونج .. اصلاحات ديمقراطية لتقرير المصير

 

شبكة النبأ: قضية تعديل قانون الانتخابات في هونج كونج المستعمرة البريطانية سابقا "والتي تتمتع اليوم الحكم الذاتي والتي تسعى الى تعزيز استقلاليتها بشكل اكبر، لاتزال محط جدل كبير بين العديد من الطراف وخصوصا الحكومة الصينية والاطراف الموالية لها والتي تسعى وبحسب بعض المراقبين الى عرقلة العديد من القرارات والاتفاقيات السابقة ومنها اختيار حاكمهم باقتراع حر مباشر، بهدف فرض سيطرتها على هذه المنطقة الاقتصادية المهمة خصوصا وان الصين تتبع قانون خاص في اختيار بعض مرشحيها.

ويرى بعض المراقبين ان هذه القضية التي اثارت الرأي العام ربما ستكون سببا في حدوث ازمة كبير خصوصا وان الكثير من الجهات في هونج كونج قد سعت الى تشكيل مجموعات خاصة لمقاومة مثل تلك القرارات وهددت بمواصلة التظاهرات والاعتصامات والقيام بحملة للعصيان المدني، وهو ما اثار غضب الصين التي ستسعى وبحسب بعض المحللين الى نشر وتعزيز تواجدها العسكري، خصوصا وانها تتوقع تدخلات خارجية من قبل بعض الدول الاخرى المنافسة في سبيل تأجيج الاوضاع في هونج كونج.

وتعتبر مدينة هونغ كونغ واحدة من المراكز الاقتصادية المهمة في العالم، ويبلغ عدد سكَّانها نحو سبعة ملايين نسمة 93% منهم من الصينيّين والباقي من عرقيات. وظلَّت هونغ كونغ حتى عام 1997 مستعمرةً بريطانيَّة، بعدها أعيدت ملكيَّتها إلى الصّين. وتمتلك هونغ كونغ استقلالية عالية ونظاماً سياسياً خاصا يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي. وللمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز "درجةً من الاستقلالية" في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكرية.

الإصلاح الديمقراطي

وفيما يخص اخر التطورات فقد طلب حاكم هونج كونج من بكين رسميا السماح بتطبيق إصلاحات انتخابية مما يمهد الطريق لانتخاب قيادة جديدة للاقليم عام 2017. غير أن حاكم الإقليم ليونغ تشون ينغ لم يقدم أي اقتراح متماسك وسط تخوف النشاطين الديمقراطيين من استبعادهم من العملية الانتخابية فور ان توافق قيادة الحزب الشيوعي في بكين على خطة الانتخابات. ويأتي تقرير ليونغ أمام اللجنة الدائمة لمؤتمر الشعب العام -البرلمان الصيني- إثر مشاورات استمرت خمسة أشهر عن الديمقراطية في المستعمرة البريطانية السابقة. بحسب رويترز.

وعادت هونج كونج -التي تعتبر مركزا ماليا في آسيا- إلى السيادة الصينية عام 1997 لتتمتع بحكم ذاتي واسع تحت شعار "دولة واحدة ونظامان". وقال التقرير "تطبيق مبدأ الاقتراع العام في انتخاب الحاكم التنفيذي سيكون علامة فارقة هامة في التطوير الديمقراطي للنظام السياسي في هونج كونج وسيكون له تأثير حقيقي وملحوظ ومعنى تاريخي." وعكس التقرير أيضا قلقا أساسيا للقيادة في بكين حين قال إن سكان هونج كونج يؤمنون أن رئيسهم المقبل يجب "أن يكون شخصا يحب البلاد ويحب هونج كونج.

استفتاء

من جانب اخر قال منظمو استفتاء غير رسمي على اصلاحات ديمقراطية في هونج كونج إن 91 في المئة ممن أدلوا بأصواتهم يريدون أن يتمكنوا من ترشيح من يريدون أن يصبح زعيما لهونج كونج وهو إجراء ترفضه بكين. وأوضحت النتائج النهائية للاستفتاء الذي أجري على مدار عشرة أيام أن 792808 أشخاص أدلوا بأصواتهم أي أكثر من عشرة بالمئة من عدد سكان هونج كونج البالغ سبعة ملايين. ودعا 90.8 بالمئة ممن أدلوا بأصواتهم إلى فتح باب الترشيح في حين امتنع 8.9 في المئة عن التصويت.

ووصلت مساعي مواطني هونج كونج لارساء الديمقراطية بشكل كامل نقطة الغليان حيث أدلى نحو 800 ألف بأصواتهم في الاستفتاء لصالح تحقيق الديمقراطية الكاملة. ورغم أن بكين سمحت لهونج كونج باجراء الاستفتاء إلا أن مسؤولين صينيين كبارا استبعدوا السماح للمواطنين باختيار مرشحيهم. وبدلا من ذلك تصر بكين على أن اختيار المرشحين للمنصب منوط بلجنة ترشيح تضم موالين لها. وأوضحت نتيجة الاستفتاء أيضا أن 87.8 بالمئة يدعون المجلس التشريعي في هونج كونج الى رفض أي اصلاحات انتخابية لا تتماشى مع المعايير الدولية.

وقال بني تاي أستاذ القانون المساعد بجامعة هونج كونج وأحد منظمي الاستفتاء غير الرسمي "أعتقد أن الرسالة وصلت بالفعل إلى بكين بأن شعب هونج كونج يريد التعبير عن رأيه فيما يتعلق باجراء اقتراع عام." وأضاف "أتمنى أن تأخذ منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة والحكومة الصينية نتيجة الاستفتاء المدني مأخذ الجد." بحسب رويترز.

وفي أحد مراكز الاقتراع بالجامعة الصينية في هونج كونج تجمعت مجموعة صغيرة من مؤيدي بكين ورفعوا لافتات تندد بالاستفتاء في حين قفز أربعة أشخاص في مياه ميناء فيكتوريا للاحتجاج وجرى انقاذهم سريعا. وقامت مجموعة أخرى مؤيدة لبكين بمسيرة عبر منطقة تجارية مزدحمة وهي تحمل بالونات برتقالية اللون وحثت الناس على عدم الادلاء بأصواتهم. وقدمت لي كا كا المتحدثة باسم المجموعة التماسا للشرطة موقع من 30 ألف شخص ضد الحركة المنظمة للاستفتاء وحثت الشرطة على "التصرف بقوة ضد الحركة".

بكين تبقي سيطرتها

من جهة اخرى قالت منظمة مدافعة عن الديموقراطية في هونغ كونغ انها ستنفذ وعيدها بشل حي الاعمال في المدينة وذلك بعد قرار بكين ابقاء سيطرتها على الانتخابات المحلية. واكدت الحركة المدنية "اوكوباي سنترال" (احتلوا حي المركز) وضع التهديد الذي تلوح به منذ اشهر موضع التنفيذ مع تعبئة انصارها لشل الحركة في حي سنترال وهو حي الاعمال في هونغ كونغ الذي اصبحت ناطحات سحابه شعارها.

وقالت حركة "اوكوباي سنترال ويز لاف اند يس" (احتلوا حي المركز بحب وسلام) في بيان "اليوم استنفدت كل فرص الحوار واحتلال المركز اصبح لا رجعة فيه". وقال البرلماني روني تونغ وهو يبكي امام كاميرات التلفزيون "انه احلك يوم للحركة الديموقراطية في هونغ كونغ والاكثر ايلاما".

وردا على ذلك تظاهر تحالف السلام والديموقراطية، الموالي للحكومة، في اب/اغسطس واطلق عريضة جمعت، كما يقول، 1,4 مليون توقيع. وفي برقية عنيفة اللهجة ذكرت وكالة انباء الصين الجديدة ب"سلطة" بكين على هونغ كونغ وقالت "على المجموعات المعارضة للحكومة المركزية (لبكين) التخلي عن وهم حصول هونغ كونغ على الحكم الذاتي الكامل".

الى جانب ذلك اعتقلت الشرطة اكثر من 500 شخص رفضوا مغادرة حي الاعمال في وسط هونغ كونغ، وذلك غداة تظاهرة مطالبة بالديموقراطية شارك فيها مئات الآلاف من سكان هذه المنطقة. وصرح متحدث باسم قوات الامن ان الشرطة "اوقفت 511 شخصا كانوا يشاركون في تجمع غير مسموح به". وكان اكثر من نصف مليون متظاهر شاركوا في مسيرة للمطالبة بالديموقراطية في هونغ كونغ، كما اعلن المنظمون مشيرين الى نسبة مشاركة قياسية يعتقد انها الاكبر منذ اعادة السيادة على المنطقة البالغ عدد سكانها 7,2 ملايين نسمة، الى الصين.

وقال جونسون يونغ احد المنظمين امام الحشود الذين تجمعوا في الحي التجاري بوسط المدينة "هذه السنة نزل الناس وتحدوا الامطار والرياح وانضم اليهم الكثير من المواطنين". واضاف "بحسب تقديراتنا فان 510 الاف شخص شاركوا في التظاهرة". الا ان التقديرات الرسمية تتحدث عن مشاركة 98 الفا و600 شخص. ويتمتع سكان هونغ كونغ بحرية غير معهودة في مناطق اخرى في البلاد. لكن بكين تسيطر في الواقع بشكل واسع على الحياة السياسية المحلية بينما يندد السكان باستمرار بمخالفة اتفاق التخلي عن المنطقة.

وهم يطالبون هذه السنة بانتخاب قادتهم الذي يتم حاليا من قبل مجلس موال لبكين في الجزء الاكبر منه. ولا تعارض الصين ان ينتخب سكان المنطقة بحرية قادتهم شرطة ان يتم اختيار المرشحين بعناية. وشارك مئات الالاف من سكان هونغ كونغ على مدى عشرة ايام في استفتاء غير رسمي انتهى حول تبني الاقتراع العام المباشر وهذا الاستفتاء حول طريقة الاقتراع لانتخاب رئيس الهيئة التنفيذية اعتبارا من 2017 اثار حماسة كبيرة في هونغ كونغ لكن الصين وصفته بغير الشرعي وغير الوطني.

الا ان بكين وعدت باقرار الاقتراع العام المباشر لانتخاب رئيس الهيئة التنفيذية اعتبارا من 2017 والبرلمان في 2020. لكن عددا من المؤيدين للديموقراطية في هونغ كونغ يشككون في هذه الوعود لان موعد تطبيقها يتم ارجاؤه باستمرار ويطالبون بامكانية اختيار ممثليهم. ووفق النظام الحالي، يتم انتخاب "رئيس حكومة" هونغ كونغ من قبل لجنة تضم 1193 من الناخبين الكبار معظمهم من الموالين لبكين.

وكتبت صحيفة تشاينا ديلي ان تظاهرة "تثبت ان المواطنين (في هونغ كونغ) ما زالوا يتمتعون بحقوق وحريات منذ عودتها" الى الصين. وكتبت الصحيفة الصينية الرسمية ان المحتجين "يحاولون جعل الاصلاحات السياسية رهينة لعملية انتخاب مسؤول" من المنطقة و"يقومون بنشاطات غير قانونية". اما صحيفة هونغ كونغ كومرشال ديلي الموالية لبكين فكتبت انه "يجب بذل جهود لحماية الاستقرار والازدهار الحاليين".

من جهتهم، عبر الناشطون في هونغ كونغ عن استيائهم من الاعتقالات. وقال انسون شان الناشط المطالب بالديموقراطية الذي كان نائب رئيس السلطة التنفيذية في الماضي "لم تحدث اي اعمال عنف او صدامات مع الشرطة فلماذا يعتقلون 500 شخص؟". واضاف ان "الشرطة باتت تعمل ليكون لدى المواطنين انطباع بانها ضدهم". وفي واشنطن اكدت الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة تدعم مطالب منح الناخبين في هونغ كونغ الحق في أن يكون لهم راي اكبر في اختيار زعيمهم المقبل.

وصرحت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماري هارف "نحن ندعم تقاليد هونغ كونغ الراسخة وحماية القانون الاساسي التي تشمل الحريات المعترف بها عالميا مثل حرية التجمع السلمي وحرية التعبير". وصرحت للصحافيين "نحن نؤمن بان المجتمع المفتوح الذي يتمتع باعلى درجة ممكنة من الحكم الذاتي ويحكمه القانون هو امر اساسي لاستقرار وازدهار هونغ كونغ".

كما اثار انتشار دبابات صينية في قلب المدينة غضبا كبيرا. فقدت شوهدت اربع ناقلات جند مصفحة على الاقل تسير في الشوارع الكبري لحي كولون. وندد برلمانيون مدافعون عن الديموقراطية ب"محاولة ترهيب". واعتبر الكس شو وهو احد زعماء الحركة الطلابية ان قرار بكين "غير مقبول على الاطلاق" وقال "لا اقتراع عام، ولا ديموقراطية، انها الديكتاتورية. ليس لدينا خيار غير المقاومة". بحسب فرانس برس.

وفي ماكاو، التي تتمتع ايضا بحكم ذاتي تحت السيادة الصينية، جرى انتخاب رئيس السلطة التنفيذية. واعيد انتخاب الرئيس الحالي وهو المرشح الوحيد بأغلبية 95% من اعضاء لجنة انتخابية يهيمن عليها، مثل لجنة هونغ كونغ، الموالون لبكين. وخارج الجمعية تجمع نحو عشرة اشخاص للتنديد ب"اقتراع داخل لجنة صغيرة" واخذوا ينحنون بتفاخر للتذكير بان "شعب ماكاو ليس له راي في الامر" كما قال المتظاهر سولو سو للصحافيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آيلول/2014 - 7/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م