صناديق الديمقراطية السوداء

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: القوانين الدولية المتعلقة بالطيران تلزم جميع الرحلات التجارية بحمل جهازي تسجيل معلومات خاصين بأداء الطائرة وظروف الرحلة أثناء الطيران، يحمل هذا الصندوق تسمية (الصندوق الاسود، وهو ليس بهذا اللون الذي شاعت تسميته به، بل يكون عادة برتقاليا أو أصفرا وذلك لتمييزه بسهولة بين حطام الطائرة.

لا احد حتى الان يعرف سبب تلك التسمية، لكن ذهب البعض أنه سمي باللون الأسود بسبب الكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات. ويسمى أيضاً "بمسجل معلومات الطائرة". هناك رأي آخر يعود بالتسمية إلى أن مسجلات المعلومات الأولى نفسها كانت عاتمة اللون وسوداء من الداخل لمنع التسربات الضوئية من تدمير شريط التسجيل كما في غرف التصوير الفوتوغرافي. وظيفة الصندوق الأسود الأول (حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية: الوقت، السرعة، الاتجاه).

وأما الصندوق الأسود الثاني:

فوظيفته تسجيل الأصوات (مشاحنات، استنجاد، حوارات).

ما علاقة الصندوق الاسود للطائرات بالديمقراطية العراقية؟

انه مغلق باحكام، لا تتسرب اليه المياه او الضوء، يبقى محافظا على معلوماته، وعادة ما تكون غير مهمة الا للضحايا ولاصحاب الطائرات، مثله مثل الديمقراطية العراقية، التي لا تعرف الاليات التي تشتغل بها والشروط الواجب توفرها لأنمائها، ولا توجد شفافية لدى المتعاطين معها، وهي ايضا لا تبوح باسرارها لغير القائمين عليها، والاهم من ذلك ربما عدم الاتفاق على توحيد قراءة المعلومات التي تختزنها.

الصندوق الاسود للديمقراطية العراقية، مكتوبة معلوماته بلغتين عربية وكردية، وهناك مقترح باضافة التركمانية الى لغات كتابته، اللغة الكردية موحدة لدى قراءها من الاكراد، رغم اختلاف اللهجات بين الشمالية (الكرمانجية) وتشمل البادينانية والحكارية، الوسطى (السورانية) وتشمل المكرية و السليمانية، الجنوبية (الكورانية) وتشمل الهورامية والزنكنة والكاكائية والباجلانية.

اللغة العربية يقرأها السنة والشيعة، لكنها ايضا تختلف من مكان الى اخر تبعا لاختلاف اللهجات ومدى قربها او بعدها عن الفصحى.

الدستور العراقي كتب بهاتين اللغتين، الكردية والعربية، وهو اشبه ما يكون بالصندوق الاسود في قراءة رموزه ومواده، فكل يقرأ بالاتجاه الذي يريده، كمثل افرزه السجال الحاد بين المتفاوضين من الكتل السياسية حول تشكيل الحكومة الجديدة.. النظام السياسي في العراق هو نظام برلماني، يشرع ويراقب ويحاسب.

منصب رئيس مجلس الوزراء، منصب تنفيذي بصلاحيات واسعة طبقا لمواد الدستور وفقراته، مسؤول عن الامن والعلاقات الخارجية، وهو منصب تنفيذي.. احدى الاليات الديمقراطية، وهي في الصلب من بنيتها التكوينية، هي الانتخابات وماتفرزه صناديق الاقتراع، اغلبية واقلية، فائزون وخاسرون.

تلك الالية تم تجاوزها، ولم نعرف كيف تم ذلك، فمعلومات الصندوق الاسود غير متاحة للجميع، واستعيض عن هذه الالية بمتا اتفق اللاعبون على تسميته (التوافق السياسي).

اي انتخابات قادمة، لايهم من يفوز بها، وكم يتحصل على اصوات تسمح له بالقفز على المقاعد البرلمانية، لان التوافق قد الغى مثل هذه الالية، واستعاض عنها بالقراءات المختلفة لمواد هذا الدستور - الصندوق.

الاكراد والسنة وبعد العاشر من حزيران، وجدوا انفسهم امام وقائع جديدة على الارض، فالأكراد تمددوا الى كركوك والمناطق المتنازع عليها، والسنة استفادوا من احتلال داعش لمساحات واسعة من المحافظات الشمالية والغربية، والتفاوض مع الشيعة خضع لهذه المتغيرات.

المطالب الكردية في ورقة التفاوض، لا ترتقي في الكثير من موادها الى توافقها مع الدستور، وكذلك ورقة التفاوض السنية، فيها الكثير من المواد التي تتعارض مع نصوص الدستور الذي يستظلون به ويتحدثون عنه، وهو الدستور الذي اعترضوا على انتهاكه من قبل نوري المالكي وطالبوا دائما بالعودة اليه.

في ورقتي التفاوض، يتصدر التوافق السياسي على ما عداه، وليس للقارئين لمعلومات هذا الصندوق  مسؤولية توضيح او شرح او تفسير تلك القراءات والمعلومات للقواعد الجماهيرية للكتل والاحزاب الشيعية.

المهتمون لما يجري على الساحة العراقية، من نواب وسياسيين يرون ان بعض الكتل السياسية تحاول "ترميز" منصب رئيس الحكومة، عبر تجريده من صلاحيات كثيرة، كان النظام البرلماني قد منحها له، لافتين الى ان "ضغوطا" كثيرة تمارسها الكتل السياسية والمرجعية الدينية والتدخلات الخارجية، "تهدف الى اضعاف رئيس الوزراء"، ما يؤدي الى حدوث "خرق دستوري".

وبرز في الآونة الأخيرة، بحسب مختص في الشأن السياسي بالعراق، "ضاغط"، يهدف لإضعاف رئيس الوزراء، من خلال تقليص صلاحياته، وجعله أداة بيد الكتل السياسيّة من المكونات الأخرى، معتبراً ذلك "تجنياً" على منصب رئاسة الوزراء.

يقول واثق الهاشمي، المتخصص في الشأن السياسي العراقي، ان "ضغوط المرجعية والتدخل الايراني والأميركي، حدت من صلاحيات رئيس الحكومة"، معتبرا ذلك "خطأ كبيرا"، لأن هناك اطرافا من مكونات الكرد والشيعة والسنة تحاول جعل منصب رئيس الوزراء "منصبا رمزياً".

وأضاف الهاشمي، ان هذا "لا يجوز في النظام البرلماني، الذي يخول رئيس الوزراء تقديم المنهاج الحكومي، ومسؤولية السياسة الخارجية، وقيادة القوات المسلحة"، منبها الى ان هذه الصلاحيات "سحبت من رئيس الحكومة القادم".

ويرى واثق الهاشمي، ان المشكلة السياسية في العراق "لا تُحل بتغيير الحكومة"، لأنها تكمن بسلوكيات الكتل المتنفذة، التي تحاول فرض مطالب، كانت قد واجهت بها حكومات علاوي والجعفري والمالكي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آيلول/2014 - 6/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م