آمرلي تسأل: لماذا الانتظار 70 يوماً؟

 

شبكة النبأ: بعد يوم واحد من فك الحصار عن ناحية آمرلي وتحريرها من أسر عناصر "داعش" والجماعات الارهابية – التكفيرية، أطلق الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء المكلف، دعوة مميزة ولافتة الى بعض الجهات من المكوّن السنّي القريب من "داعش" بأن يتخلّو عن تحالفهم القديم، ويصبح التعاون مع الجيش العراقي "لتخليصهم من براثن الإرهاب.."، وفي بيان صدر عن مكتبه، بين العبادي الهدف من هذه الدعوة المفاجأة انها "لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ العراق و إعماره و ازدهاره".

الحديث عن الإعمار والازدهار للعراق وايضاً للمناطق "السنية" التي يقول البيان: انها وقعت تحت سيطرة "داعش" في الفترة الماضية، في حين أمضت آمرلي، وهي ناحية صغيرة تابعة لقضاء طوزخورماتو حوالي   70 يوماً في قبضة الارهابيين التكفيريين، وهم محاصرون، بلا مواد غذائية وادوية، وليس لديهم سوى السلاح الذي دافعوا به مستميتين عن عقيدتهم وارضهم وكرامتهم، كما هتف بذلك احد المقاتلين من الناحية في حديث متلفز. وقد تخللت عملية الحصار المفروض عليها قدمت آمرلي قافلة طويلة من الشهداء والجرحى، ففي الايام الاولى من الحصار وتحديداً في شهر تموز الماضي، تم إعدام ما لا يقل عن 35 مواطناً رمياً بالرصاص من سكنة 3 قرى تابعة لناحية آمرلي، وجاءت الجريمة خلال محاولة السيطرة على قرى ألبوحسن وبرواجلي وباستاملي، حيث من المعروف ان "داعش" تبحث عن الولاء والطاعة لا غير، وحسب المصادر فان من بين المغدورين إمرأتان وطفلين..! .والانكى من ذلك أن مستشفى طوزخورماتو العام، استلم جثث سبع شهداء فقط، وبقيت جثث سائر الشهداء في ساحة المواجهة.

طبعاً؛ هذا مثال واحد من شواهد لا تُعد عن المعاناة الفضيعة التي تجرعها سكان آمرلي خلال الأيام الماضية، حيث تزامن بشكل مريب، توسع عناصر "داعش" في الارض العراقية، وسيطرتها على المدن والقرى في اكثر من محافظة، مع انشغال الساسة في بغداد بتشكيل الحكومة، وقبلها اللغط الخطير الذي حصل قبل الانصياع لأمر البديل الجديد لمنصب رئيس الوزراء.

ليس فقط أهالي هذه الناحية الفقيرة والمستضعفة، وهم من التركمان الشيعة، إنما معظم الشرفاء والمواطنين الحريصين على أمن وسيادة البلد، تسائلوا بشدة عن سبب هذا التأخير.. وهل إن القضية حقاً، تتعلق بالاجراءات العسكرية؟، وأن الجيش العراقي وقوى الامن، ومعها الحشد الشعبي المكوّن من جماعات مسلحة عديدة تشكلت قبل حوالي شهرين، كلهم عاجزين عن كسر الحصار المفروض من قبل عناصر "داعش"..؟ وهل هؤلاء بتلك القوة والتنظيم والقدرات العسكرية والقتالية ما يفوقون به قدرات القوات المسلحة التي تمثل معظم الشعب العراقي..؟!.

المراقبون عن كثب التحركات السياسية، وجدوا أن قرار تحرير آمرلي، لم يكن عسكرياً، إنما كان سياسياً بامتياز، فهناك استحقاقات سياسية في بغداد وفي اقليم كردستان، وايضاً في اوساط المكوّن السني، فهذه  الناحية المنكوبة، قدر لها أن تكن ادارياً ضمن محافظة صلاح الدين، ومعها قضاء طوزخورماتو، فيما تقع جغرافياً ضمن منطقة يقطنها ابناء المكون السني وهم عشائر متعددة في قرى حول الناحية، بينما من الناحية السياسية في الوقت الحاضر، فانها وقعت تحت رحمة الكُرد، حيث تنتشر قوات "البيشمركة" في طوزخورماتو، كما تسيطر على جميع انحاء محافظة كركوك والمناطق الناطقة بالكردية في محافظة الموصل، وبالاحرى فان، الكُرد قالوا كلمتهم الفصل لبغداد، بان هذه المناطق سلمت من عدوان "داعش" بفضل قوات البيشمركة، بعد انسحاب الجيش العراقي منها.

من هنا، فان قرار فك حصار آمرلي بهجوم كاسح، يعني تجاوز العشائر التي تساند وتشارك "داعش" عملياتها العسكرية، كما يعني تجاوز الوجود الكردي في المنطقة، والأمرين مستحيلان من الناحية السياسية في البرهة الزمنية العصيبة التي تمر بها العملية السياسية في بغداد.

لذا يرى العديد المراقبين ان تسويات سياسية جرت مع المكوّن السني ومع الكُرد، كانت بمنزلة الارضية الصلبة التي تحركت عليها القوات المسلحة لتحرير آمرلي، وعندما نتابع، ويتابع معظم الناس عبر وسائل الاعلام، انباء القصف الجوي والمدفعي، يُفهم أن عناصر "داعش" كانت تتصحن في مواقعها لصد الهجوم، في حين إن المعروف عن هذا التنظيم عدم البقاء في منطقة غير محصنة وغير مسنودة، واستبدالها بمكان اكثر أمناً، لاسيما اذا عرفوا أن المكوّن السنّي ليس بحاجة اليهم في هذا المكان، بعد التوصل الى بعض التسويات السياسية بشأن تشكيل الحكومة المرتقبة.

على الصعيد السياسي ذكرت المصادر أن "تحالف القوى العراقية" ممثلة على الأغلب، للمكون السنّي، أعرب عن تفاؤله بقرب التوصل مع التحالف الوطني (شيعي) الى تفاهم حول تشكيل الحكومة القادمة بما يرضي جميع الاطراف، لاسيما الموافقة على المطالب التي دعا الى تضمينها في برنامج الحكومة القادم.

وبحسب العضو المفاوض عن التحالف السني محمد الكربولي، فإن المطالب التي وافق عليها التحالف الوطني تتضمن اصدار قانون العفو العام والتوازن في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والمشاركة في ادارة الملف الامني. وكذلك تطبيق الفقرة السابعة من الدستور الخاصة بالمساءلة والعدالة على ان يتم الانتهاء من هذا الملف خلال عام واحد ثم يحول بعدها للقضاء، اضافة الى اقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء. وتشمل المطالب أيضا تشكيل حرس وطني للمحافظات يكون ارتباطه عسكريا بوزارة الدفاع واداريا بالمحافظة، واقرار قانون يؤكد استقلالية القضاء.

 هذا ما على جبهة بغداد، أما على جبهة الاقليم، فان الكُرد ينظرون بأكثر من عين على مناطق النفوذ وفرص التوسع في العراق خارج حدود الاقليم التقليدية التي تحدد لهم المحافظات الثلاث، وما تم ترسمه من خطوط تماس عام 1991عندما ترك لهم نظام صدام لأول مرة، الارض ليقيموا عليها ادارتهم المحلية بشكل مستقل. وعندما بات من المؤكد المصالح التي حققها الكُرد من وراء التصعيد العسكري الداعشي في الموصل منذ تموز الماضي، فمن الواضح ان يكون التواجد العسكري في المناطق المحررة من هذا التنظيم الارهابي، امراً حيوياً وذو ابعاد سياسية وعسكرية وامنية في آن.. لاسيما اذا عرفنا ان آمرلي تقع تقريباً في أقصى جنوب المناطق الواقعة تحت النفوذ الكردي، وأي هجوم واسع وهزيمة لداعش، سيجعل عناصر هذا التنظيم مجبرين على الهرب شمالاً باتجاه مناطق ما يعرف بـ "حوض حمرين" وهي مناطق جبلية، لذا فان قوات البيشمركة تلقت حالة الانذار القصوى في هذه المنطقة الواقعة شمال شرق بعقوبة. وحسب المصادر فان طيران الجيش العراقي يواصل طلعاته الجوية لمطاردة فلول "داعش" في هذه المناطق بالتنسيق مع البيشمركة للحؤول دون تسللهم الى المناطق ذات الهيمنة الكردية والتسبب بمشاكل امنية هناك.

في كل الاحوال؛ آمرلي المحاصرة، باتت اليوم مثل سائر النواحي والأقضية والمدن العراقية يعمّها الأمن والاستقرار، واتصلت طرقها الرئيسية بالعاصمة بغداد، ولا مشكلة لها في مجال الخدمات والمواد الغذائية، وعادت كما كانت، وهذا بفضل عودة الميادة السياسية الى مجاريها، وسط وعود بتشكيل الحكومة في الايام القليلة القادمة، وربما اليوم او غداً، بما يرضي جميع الاطراف والمكونات دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آيلول/2014 - 6/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م