ديالى محراب الفتنة

هادي جلو مرعي

 

من المحافظات العراقية العديدة التي لا أرغب بدخولها هي ديالى مع إني أحب ناسها وطبيعتها وعاداتها وتقاليدها، وأتجنبها. المرة الأخيرة التي دخلت مركز بعقوبة كانت في العام 2003 ، أحتفظ بذكريات مرة عنها، وكنت كلما أردت إنجاز معاملة قالوا لي شروطهم التعجيزية، في مرة ذهبت الى هناك برفقة أحد أقربائي الذين ينتمون لحزب البعث، وكان يعرف مسؤولا حزبيا كبيرا من مندلي يعمل في مديرية التربية، حدثه عني وعن رغبتي في التوظيف، ورحب بالفكرة، وبمجرد ان غادر قريبي إنقلب وجهه الى لون ثان وكأنه وحش الغابة الأسطوري، خرجت هاربا، قلت لقريبي، صاحبك قلب وجهه علي، قال ، لا ( تهتم ثورة ونفديها بالدم) ، عدت إليه ومعي القريب وإنفرجت أساريره وضحك ورحب وهلل، وغادر قريبي ثانية، وسرعان ماإنقلب الى تنين صيني، أكلمه لايرد، العفو أستاذ، أنا قريب رفيق فلان، يامعود، ولايرد. عرفت فيما بعد إنه عقيم، تخيلوا عقيم ورفيق، ورغم إنه تزوج لمرتين فإنه لم ينجب. كنا في الجيش لانخاف سوى من ضباط ديالى، فهم أشد وطأة. الدين في ديالى مثل (حبة حلوة) يطحن بسهولة ويبلع. لكنه لايطبق وليس لنا فيه من حاجة. مرة سألت رجلا ماتت نخلاته، قال، أحدهم وضع النفط الأبيض في قلب كل نخلة، وهي حيلة معروفة في ديالى.

النزاع الطائفي في ديالى ليس طائفيا في الأصل هو عشائري بإمتياز، فكل قبيلة فيها سنة وشيعة ومخابيل، وهناك عشائر في ديالى لايموت فيها الناس ميتة طبيعية لإعتبارات مرتبطة بثقافة الصعيد المصري. كان صدام حسين بكل جبروته عاجزا عن لجم طريقة الحياة في ريف وبساتين ديالى وكان الرفاق الحزبيون يجاملون الناس أكثر من صدامهم معهم..  صحيح كان هناك متنفذون وموالون لنظام صدام حسين، لكن البيئة السياسية والطائفية والعشائرية تغبرت تماما بعد العام2003 فمع التمدد العنيف للقاعدة غادر آلاف الشيعة قراهم وبساتينهم وبقيت بعض العشائر القوية النافذة كقبيلة تميم التي تمكنت من السيطرة على الحكم في المحافظة وبقيت تنافس عشائر جبور السنية، بينما تصادمت عشائر شمر الشيعية بعشائر بني زيد والداينية السنية وحدثت بينهم مقاتل عظيمة، في شهربان لوحدها حدثت مجازر مروعة، وفي أبي صيدا كان هناك وجود شيعي قوي، يقابله وجود للسنة في منطقة المخيسة وكانت المشاكل على أشدها بنفس طائفي وجذور عشائرية، بينما تصادمت العشائر في الخالص وبلدروز وكنعان والهويدر ومركز المحافظة بعقوبة، ومع التحولات السياسية بدأ الشيعة يستعيدون نفوذهم رويدا بالتعاون بين مجموعات عشائرية وقوات الجيش والمجموعات المسلحة المتنفذة.

لهذا كان الصراع في 2006 مرعبا وهاهو يعود بقوة في الفترة الأخيرة والخشية كل الخشية من تمدده وتغول المتطرفين والعشائريين حيث يباح حمل السلاح وهناك مجاميع تشتد وتقوى ولم يعد إتهام عصائب الحق وجيش المهدي ذات قيمة فقد أتاحت التطورات الأمنية للعشائر الشيعية أن تتسلح. في مسجد مصعب بن عمير كان الحادث الذي أعلنت داعش مسؤوليتها عنه، فيه مافيه من الثأرية المناطقية والعشائرية.

ديالى محراب الفتنة فلاتصلوا فيه.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/آب/2014 - 30/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م