شبكة النبأ: النزوع نحو التغيير،
والتجديد، هاجس يعيشه الإنسان، ويسعى إليه، كي يعيش بصورة أفضل، خاصة
إذا كان ذا رؤية واسعة للحياة، فضلا عن الثقافة التي يمتلكها ودرجة
التعليم التي يحصل عليها، هذه الأمور وثمة غيرها أيضا، تحث الإنسان
الفرد، والجماعة أو المجتمع على الاهتمام بالإبداع والمبدعين من اجل
حياة أفضل، وتؤكد الأدلة على أن هذه النخبة من الناس لهم قصب السبق في
تحسين حياة البشر، لأنهم غالبا ما يبتكرون السبل الأجمل والأفضل، لجعل
الحياة أكثر ملائمة للعيش المريح، والكريم، والمرفَّه في وقت واحد.
وقد أثبتت التجارب أن الأقوام أو المجتمعات التي تبدي اهتماما اكبر
بالمبدعين وإبداعاتهم، هم الأكثر قدرة على التجديد، بالإضافة الى
قدرتهم على التغيير الدائم نحو الأحسن، وذلك من خلال درجة الاهتمام
التي يبذلونها لصالح طرفي العملية الإبداعية، التي لا تنحصر في جانب
محدد من جوانب الحياة، بمعنى أن الإبداع الذي يمتلك قدرة التغيير لا
يتحدد بالصناعة وحدها مثلا، او الزراعة وحدها، او العلوم والآداب وما
شابه، بل الإبداع ينبغي أن يشمل كل ما يتعلق بالحياة، وله القدرة على
تهذيبها وجعلها أفضل من حيث الفكر والتطبيق.
وإذا كان الإبداع على هذه الدرجة من الأهمية، وانه نتاج نخبة محددة
من المجتمع، فإن الاهتمام بمن يصنع الإبداع ينبغي أن يكون حاضرا على
الدوام، وأن لا ينحصر تقديم وتفعيل هذا الاهتمام بالجهد الحكومي فقط،
وإنما ينسحب ذلك على المنظمات الأخرى، خاصة الأهلية المستقلة والمعنية
بالعملية الإبداعية ورعاية المبدعين، بالإضافة الى الاهتمام الذي تقدمه
الشخصيات البارزة من وجوه المجتمع، كالأثرياء منهم وما شابه.
وعندما يكون الاهتمام شاملا بالإبداع وصنّاعه، فإن قطف الثمار لا
يطول كثيرا، كما أن النتيجة الأهم في هذا المجال، تتلخص في العملية
الإبداعية المتواصلة لتطوير المجتمع، وتحسين سبل العيش له، وتوفير كل
ما يصب في دفع الإنسان والمجتمع الى التفكير بصورة أفضل والإنتاج بصورة
أفضل أيضا، وهكذا لابد أن ينعكس الاهتمام بالإبداع على تحسين وتطوير
حياة المجتمع كله، وهذه هي النتيجة التي تنتج عن المشاركة الفعالة
والدائمة التي تهدف الى رعاية الإبداع والمبدعين.
في العراق هناك مشكلة في هذا الجانب، تتمثل بإهمال المبدعين، في
جميع مجالات الحياة، وليس في مجال الكتابة او التأليف فقط، كما قد
يتوهم بعضهم، بمعنى ان الابداع ينبغي أن لا يتم حصره في مجال واحد فقط،
فالطبيب والمهندس والطالب والفنان وغيرهم، يمكن ان يكونوا مبدعين في
الحيّز او المجال الذي ينشطون فيه، وعندما يتم اهمال المبدعين من لدن
المعنيين (الحكومة واثرياء البلد وغيرهم)، فإن النتائج ستكون خطيرة
حقا، لأننا كمجتمع وكدولة، سوف نفقد القدرة على تشذيب الحياة وتطويرها
ودفعها الى امام.
ولكي نؤكد قضية إهمال المبدعين في هذا البلد، نقتبس هذا المنشور،
المأخوذ من موقع للتواصل الاجتماعي، إذ يقول فيه أحد المبدعين الشباب:
(في الجمعه الماضيه كنا في شارع المتنبي انا و بعض اصدقائي و كنت احمل
بيدي كامرتي فأوقفني رجل كبير في السن وقال لي :عمو انتَ مصور؟. أجبته
نعم عمو. فقال: أين تشتغل؟. قلت له: أعمل مصور حر. فقال الرجل العجوز
المهمَل وهو يخاطب المصور الشاب: هل تعرف انني مؤسس جمعية المصورين في
العراق؟ وهل تعرف انني من اوائل الذين أدخلوا الكامرات الى العراق، وهل
تعرف أنني حاصل على اكثر من 300 جائزه في فن التصوير، وهل تعرف انني
اول من أدخل السينما المتنقلة ونشرها في العراق. ثم يعلن الرجل العجوز
عن اسمه للشاب ويقول له أنا: محمد أمين السعداوي الصحفي و المصور و
الرياضي، وهذا هو حالي الآن مريض و مهمل ولا أحد يسأل عني!! ثم طلب من
الشاب أن يوصل صوته للمسؤولين والمعنيين بالثقافة والابداع والمبدعين،
علّهم يتنبّهون له ويهتمون بشأنه!).
هذا مثال واحد فقط، على اهمال المبدعين والابداع، واذا تم اهمال
المبدع سوف ينتفي الابداع أو يضعف، وهنا نتساءل، كيف يمكن للبلد ان
ينهض في وضع كهذا، وكيف للمجتمع ان يتطور، وينتقل من الجهل الى
المعرفة، اذا كان الاهمال يصل الى هذا الحد، والسبب دائما هو عدم تقدير
المسؤولين ووجهاء المجتمع لاهمية هذه النخبة المبدعة والنادرة من جهة،
وعدم معرفة المسؤولين لاهمية الابداع في تطوير المجتمع والدولة،
ونقلهما الى مصاف الدول المتقدمة، من جهة ثانية. |