رويترز والتبشير بالحرب الطائفية في العراق

 

شبكة النبأ: "فتحت ميليشيا شيعية النار داخل مسجد للأقلية السنية مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص في الوقت الذي تحاول فيه بغداد تشكيل حكومة لا تقصي أحداً لمحاربة المتشددين الإسلاميين الذين أثار صعودهم قلق القوى الغربية..".

هذا كان القاعدة الهرمية المقلوبة للخبر الذي بثته وكالة "رويترز" البريطانية للإنباء، عن حادث الاعتداء الآثم الذي تعرض له مسجد "مصعب بن عمير" في منطقة حمرين بمحافظة ديالى وذهب ضحيته العشرات من الشهداء والجرحى في صفوف مصلين كانوا يؤدون صلاة الجمعة، والخبر، بهذه الصياغة، جاء بعد ساعات من العملية الإرهابية، بمعنى أن الوكالة لم تعط الوقت الكافي للتحقق من هوية الجناة، مع علمها بوجود قوة ارهابية منظمة ومسلحة جيداً متمثلة بـ "داعش" والتي وصفها الخبر بـ "المتشددين الإسلاميين"، ولها اكثر من مصلحة في هكذا عمليات إرهابية، لنشر الرعب وتكريس الإحباط لدى الناس، ثم تعميق المسافة الموجودة بالأساس بين السنة والشيعة، اجتماعياً وسياسياً. ويبدو ان هذه القاعدة الخبرية اختزلت كل هذه العناصر المطلوبة للتبشير بوجود حرب طائفية بامتياز في العراق.

ويبدو أن التوظيف والتوجيه له أولوية لدى "رويترز" على المصداقية، فكيف تقوم "مليشيا شيعية" بعملية من هذا النوع، في حين ينشغل رئيس الوزراء المكلف (شيعي)، بتشكيل حكومة ترضي جميع الأطراف، في مقدمتها المكون السنّي؟. لذا نلاحظ تعجّل الوكالة للنتائج بأن "الهجوم الدموي يمثل انتكاسة لرئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي المنتمي للأغلبية الشيعية والذي يسعى للحصول على دعم من السنة والأكراد لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يهدد بتقطيع أوصال العراق".

أما مصداقية هكذا أخبار من "رويترز" فإنها ترتكز بالدرجة الاولى على ردود أفعال مفترضة من السنة والشيعة في مواقع الحدث، وهذا ما دأبت عليه الوكالة البريطانية طيلة السنوات الماضية التي تخللت تشكيل النظام السياسي الجديد على انقاض نظام حزب البعث. فقد تم الربط بين اقتحام المسجد وبين انفجار "قنبلتين في منزل زعيم ميليشيا شيعية مما أسفر عن مقتل ثلاثة من رجاله". ثم نقلت عن "الزعيم العشائري السني سلمان الجبوري إن عشيرته على استعداد للرد بالمثل.. وأضاف أن العشائر السنية متأهبة للثأر من عمليات القتل..".

 هذا ما عودتنا به "رويترز" ومعها "بي  بي سي" و معظم وسائل الاعلام البريطانية في تعاملها مع الحدث الأمني والسياسي في العراقي، حيث تُصر على الدوافع الطائفية في صنع الأحداث.. والسؤال الذي يدور في الأذهان طيلة السنوات الماضية، عن السبب والسرّ وراء ذلك؟ ولماذا لا يكون الدافع سياسياً، والالتزام بحدود الخبر ومعطياته؟ علماً ان الصراع على المناصب والامتيازات على قدم وساق بين جميع الساسة العراقيين، متمثلين بالمثلث الكردي – الشيعي – السني.

بعض المحللين والخبراء الإعلاميين يرصدون هدفان - أو أكثر- وراء هذه الإستراتيجية العتيدة للإعلام البريطاني، احدهما يكمل الآخر: فالأول؛ يرمي الى التحشيد الطائفي – السنّي في الغرب، وتحديداً في بريطانيا، والثاني يرمي الى التسقيط السياسي في بغداد وإفراغ العملية السياسية من محتواه الوطني، و رسم صور للأذهان عن رموز طائفية يتسنمون مناصب وزارية ونيابية وعسكرية وأمنية.

بالنسبة للهدف الأول: فان الإعلام البريطاني، ربما لا يجد غضاضة او تناقض بين حرصه على الحيادية المفترضة والموضوعية، وبين منطق الأمر الواقع الذي يتعامل معه بالنسبة لوجود الملايين من المسلمين في بريطانيا بشكل خاص والغرب بشكل عام. فالمسلمون السنّة في الغرب عُرف عنهم طيلة العقود الماضية فشلهم الذريع في التأقلم والعيش بأمان وسلام مع المجتمع الغربي، لأسباب عديدة لسنا بصدد الخوض فيها، فبقوا في قوقعة خاصة بهم، لا هم يتفاعلون مع الاجواء الاجتماعية والسياسية ويقدمون شيئاً للمجتمع الغربي بما يعكس صورة هويتهم الإسلامية – على الأقل- ولا هم مؤهلين فكرياً وعقائدياً لأن يفتحوا الابواب امام المجتمع الغربي للتعرف على حقيقة الاسلام ثم الانتماء. وهذا تحديداً ما نلاحظه في الوجود الشيعي في معظم بلاد الغرب، حيث يعرف عنهم في دوائر الشرطة والمحاكم والبلدية وغيرها من الدوائر الحكومية والمنظمات الاجتماعية انهم ذووا رسالة واضحة المعالم، رغم كونهم جالية اتخذت من الغرب موطناً لهم. وبات معروفاً للقاصي والداني أن الشعوب الغربية ترى في الشيعة، القيم الأخلاقية والإنسانية والتعايش والتفاهم وحتى المقبولية في شعائرهم وطقوسهم الدينية.

وعندما يكون المسلم السنّي في حالة فراغ فكري قاتل، فلا هو قادر على تقديم شيء عن إسلامه وعقيدته، لما فيها من التناقضات والفضائح، ولا هو قادر على الاندماج والتفاعل مع المحيط الغربي، الأمر الذي جعله يتخذ من الجماعات المتشددة والإرهابية ملجأ، بل وفرصة ثمينة ليعبر فيها عن ذاته ومكنوناته، حتى وإن كانت مليئة بالعقد النفسية وردود الافعال المكبوتة.

وهذا ما أشار إليه ماجد نواز، المدير التنفيذي لمركز "كويليام" المتخصص بدراسات الإرهاب والتنظيمات المتشددة، في مقابلة م CN، حيث حمّل جزءاً من مسؤولية نجاح "داعش" في اجتذاب الشباب من بريطانيا إلى السياسات المطبقة قائلاً: "الشبان ينمون في غيتويات آحادية الثقافة، فقد تحولت المجتمعات إلى حالات من الغيتويات المنعزلة، وهذا سبب في تسهيل عزل الناس عن القيم الاجتماعية العامة وتشكيل وعي متشدد، فباتوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحايا، وأقنعوا أنفسهم أن المسلمين حول العالم ضحايا ايضاً، ولديهم واجب مقدس لمساعدتهم وتخليصهم من القمع الذي يتعرضون له، وتحولوا بالتالي إلى الوحوش التي كانوا يعتقدون أنهم يحاولون مقاتلتهم".

ويضيف نواز: بالقول: "لدى بريطانيا 500 مقاتل في سوريا والعراق، هناك شخص من بين كل 800 مسلم سني في سن القتال ببريطانيا قد انضم لداعش، وهذه نسبة عالية لغاية. هم لا ينبعون من الفراغ، فلا بد من وجود أمور داخل مجتمعاتنا تحرض على ذلك. هناك أيضا ثلاثة آلاف أوروبي يقاتلون في سوريا والعراق يمكنهم العودة إلى أي بلد في أوروبا ودخول بلدنا دون تأشيرة".

طبعاً؛ هذا لا يعني أن بريطانيا او أي بلد غربي آخر، مسؤولٌ عن الانحراف العقائدي للسنّة، وعليهم إعداد برامج خاصة لتكريس الثقافة الإسلامية والفكر الصحيح..!، بيد أن حزمة من الإجراءات القانونية المشجعة، وغير القاسية، وتهيئة الأجواء والأرضية المناسبة لعديد الجماعات المتشددة التي ترعرعت في بريطانيا وغيرها، يكفي لأن تكون الحاضنة لمئات وربما آلاف الشباب المعبأ بالتطرف والإرهاب نحو الموت من اجل اهداف وهمية.

أما الهدف الثاني للإستراتيجية البريطانية في الإعلام، فهي استبدال الأداء السياسي في العراق بأداء طائفي والإيحاء بأن لا وجود لعملية سياسية في البلاد، ولا أطار وطني يدور في فلكه الساسة العراقيون، إنما هنالك أجندة طائفية وسياسية – إقليمية يعمل في ظلها هؤلاء الساسة. ولذا نجد مؤشرات واضحة لهذه النظرة في التقرير الآنف الذكر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آب/2014 - 29/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م