الداعشية... بين جاك جونز ويونس ابا عود

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: البيوت الزجاجية أسهمت في استنبات محاصيل زراعية في غير اوقات نموها وغير تربتها، ونجحت تلك التجربة وعملت على توسيع انتاج واستهلاك تلك المواد وساهمت في حل الكثير من الازمات الغذائية.

ماذا عن استنبات الافكار في غير بيئتها مع؟.

انها المهمة الاصعب والتي تعاني منها الكثير من شعوب العالم ومنها شعوبنا العربية والمسلمة.. وذلك لاختلاف المرجعيات الثقافية التي كثيرا ما تخلق تلك الممانعة للاستنبات أفكار كثيرة تتعلق بالديمقراطية او حقوق الانسان او الحريات العامة والخاصة.

ماذا عن الانسان نفسه؟  

هل يمكن تشكيل شخصية خارج شروطها الاجتماعية والثقافية لو توفرت لها كل عوامل التشكيل، من حرية ورفاه وحقوق فردية في التعلم والتنقل وغير ذلك؟

الاجابة قد تبدو سهلة للوهلة الاولى، الا ان ما يحدث في العديد من بلدان الهجرة واللجوء الغربية للأفراد من اصول عربية او مسلمة يجعل من تلك السهولة اقرب الى الاستحالة وعدم التحقق.

قد يكون مفهوما ان الاسباب التي تدعو الفئات العمرية الشابة للانخراط في الجماعات الجهادية المسلحة ناجم عن الاحباط والياس وانسداد الافاق في وجوه هؤلاء، وقد يكون انتماءهم لتلك الجماعات تفريغا لكل تلك المشاعر الثائرة ضد حكوماتهم ومجتمعاتهم التي يعيشون فيها، والبحث عن امل او فسحة للخلاص.

لكن ما ليس مفهوما هو ان تكون بلدان اللجوء للناقمين على اوضاعهم في بلدانهم والتي توفر لهم كل نقيض لما يثورون ضده، او يهاجرون من اجله، مصدرا من مصادر توفير هؤلاء الاعضاء في الجماعات الجهادية المسلحة، رغم ان البيئة تلك نفسها قادرة على تشكيل وخلق مبدعين ومن نفس تلك الفئات العمرية.

قد تكون الاسباب المتعلقة بالاختلافات اللغوية او الدينية او الثقافية عاملا من عوامل الهجر والاحباط الجديدة، إلا أنها لا يمكن أن تكون الأسباب الرئيسية خلف ذلك، خاصة وان كثيرا من تلك الفئات قد ولدت في تلك البلدان، وتلقت تعليمها هناك، واختلطت بثقافات تلك البلدان، وان لم تندمج فيها كليا.

بين يدي عدد من الامثلة، وسبب اختيارها انها من بيئات جغرافية متعددة، امريكيا واوربيا بما توفره من مناخات للإبداع والتطور، وحتى عربيا او بلدان أخرى لا توفر ذلك كما يعتقد واحيانا يتوهم.

المثال الاول هو (جاك جونز) والبالغ من العمر 10 أعوام، اذ انه الرئيس التنفيذي لمجموعة جي آر جونز الإدارية، وهي شركة تعنى ببيع وشراء الكتب عبر الانترنت. ويساعد جونز أربعة من موظفيه من بينهم مديرة التسويق سكايلار سوالز ذات العشرة أعوام كذلك.

والمثال الثاني هو مجموعة من الأطفال والمراهقين والشباب تتراوح اعمارهم بين 10 – 21 عاما يشكلون يبلغون ثمانية اشخاص

يشكلون نواة عباقرة الطب، وتبرز أسماؤهم في جوائز دولية للعلوم في أمل لمستقبل أفضل لعالم الطب.

قد ينشغل الأطفال بأعمارهم في ألعاب الفيديو أو الخروج مع أصدقائهم، لكن هؤلاء الصغار اختاروا بأن يتخذوا الطب والعلوم هواية لهم.

منهم جوشوا ميير، 18 عاماً، امريكي، حاز هذا الشاب على عدة جوائز لبحثه في الخلايا الجذعية، وتمكن ميير من تحديد الجين المرتبط بتحديد عمر هذه الخلايا، وهذا كله بدأ بمشروع مدرسي عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً.

سامانثا ماركيز، 18 عاماً، من امريكا حيث تمكنت بعمر الـ 11 من صنع تركيب ثلاثي الأبعاد لخلية حية، لتساعد في ترميم الأعضاء البشرية، وتسهيل وصول الأدوية إلى خلايا المرضى.

ميشيل ماركيز، 15 عاماً، من امريكا، حيث تمكنت من الاقتداء بشقيقتها ولكن بمنحى علمي مختلف عنها لتبدأ بدراسة مواد غير ملموسة، مثل تفاعلات الدماغ واستجابته للموسيقى وربط الاستجابات الدماغية بالمشاعر الصادرة عن السلوك البشري، وقد فعلت ذلك كله بعمر 11 عاماً.

سانديل كوبيكا، 21 عاماً، من جنوب أفريقيا عندما كان غيره ينوي البدء بالدراسة الجامعية، أصبح سانديل أصغر طبيب في جنوب أفريقيا، إذ بدأ دراسة الطب بعمر 16 عاماً وتخرج بعمر الـ 21، وقد حصل على العديد من الجوائز لتقديمه الرعاية الطبية المجانية في المجتمعات الفقيرة والتي تقل فيها الخدمات.

توني هانسبيري، 20 عاماً، من امريكا، كان الطفل الوحيد بعمر 14 عاماً ممن تخصص في علم الأمراض النسائية، ويأمل بأن يتخصص بالجراحة مستقبلاً ليحسن من حياة الناس.

جاك أندراكا، 17 عاماً، من امريكا، كان بعمر الـ 14 عندما بدأ بالبحث للتوصل إلى طريقة سهلة للكشف المبكر عن سرطان البنكرياس، وبنهاية العام الدراسي توصل لهدفه.

أندرو أنايا، 19 عاماً، من المكسيك أبرز إنجازات هذا الشاب كانت بتخصصه بعلم طب النفس بعمر 16 عاماً، والآن يدرس الطب، وقد عمل خلال الخمس سنوات السابقة في البحث بإمكانية تسهيل زراعة الأعضاء لدى مرضى السكري بدراسة قابلية استقبال الجسم البشري لعضو من جسم آخر، خاصة في الحالات التي يهاجم فيها جهاز المناعة لدى الشخص الذي يستقبل العضو الجزء الجديد.

أديب البلوشي، وهو بعمر عشرة اعوام من الإمارات العربية المتحدة خطرت ببال هذا الطفل خلال رحلة إلى الشاطئ مع أبيه الذي فقد ساقه، ان يصنع ساقاً اصطناعية مقاومة للمياه ليتمكن والده من مشاركته متعة السباحة، وبعدها بفترة قام بصنع روبوت هزاز يمكنه أن ينظف البقع الضيقة على أرضية المنازل، ثم سمعت به حكومة دبي لتقدم له الدعم اللازم، قام بعدها باختراع جهاز موصول بحزام الأمان في مقاعد المسافرين بالطائرات، لتقيس معدل نبضات قلب المسافرين وتبلغ المسؤولين في حال انخفاض أو ارتفاع ذلك المعدل.

المثال الثالث، يونس أبا عود البالغ من العمر 13 عاما، الذي "تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صوره وهو يحمل بندقية أوتوماتيكية.

يونس أبا عود مواطن بلجيكي من أصول مغاربية، غادر أقسام الدراسة منذ مدة ليلتحق بأخيه في مناطق القتال بسوريا.

السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الخلل؟

الاجابة يحملها علم النفس والذي يرى ان الشخصية الداعشية هي خلاصة مركّزة للشخصية الإرهابية والتي تستقطب كل صفاتها مع تغيير في الهدف.

وهي شخصية مركّبة تجمع في خصائصها بين خمس شخصيات مصنفة على أنها مضطربة (غير سوية) هي: الزورية، النرجسية، الوسواسية القهرية، الشخصية من النمط الفصامي، والشخصية المعادية للمجتمع.

والمشكلة في الشخصية الزورية (أي المصابة بالبارانويا) أن صاحبها يشعر بالاضطهاد ، ويرى أن حقوقه مهدورة، فيكون مستعداً للقتال من أجلها، ولديه نزعة لحمل ضغينة مستديمة، ورفض للتسامح ،لأن صفة العدائية تكون متحكمة فيه. ويتفق علماء النفس على أن بداية تكوين الشخصية الزورية، هي نشوء معتقدات وهمية لدى الفرد، تقوى بمرور الزمن لتصبح لديه وكأنها حقائق واقعة. يؤكد هذا الاستنتاج ان الإرهابيين كانوا قد تلقوا هذه المعتقدات من شخصيات دينية لها تأثير فيهم وانها لاقت قبولا لديهم لانهم كانوا قد تعرضوا لاضطهاد وتحقير وإهانات أسرية ومجتمعية.

وهو يعتقد أنه على حق وأن الآخرين على باطل، ويتصف بالعجرفة والتعالي في السلوك، والشعور بعظمة أهمية ذاته، وأنه يستحق الصدارة والأفضلية على الآخرين. ولقد تفاعلت هذه الصفات النرجسية مع صفاته الزورية نجم عنها تثبيت معتقداته الوهمية وتعزيز صفتين من الشخصية الفصامية هما:

افتقار تفكيره الى المرونة والتبصّر، وسيطرة أفكار بخصوص الانتحار، وصفة من الشخصية المضادة للمجتمع هي عدم الشعور بالندم أو بالذنب عند إلحاقه الأذى بالآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آب/2014 - 29/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م