تعكس ردّة الفعل الرسمية حيال مقتل الصحفي الأمريكي، شعوراً عالياً
بالمسؤولية من قبل ادارة الرئيس أوباما تجاه مواطنيها، أسهمت في تخفيف
وطأة الألم التي انتابت عموم الشعب الأمريكي من جراء فظاعة المشهد
الدموي الذي لقي به الصحفي الأمريكي جيمس فولي حتفه على يد العصابات
التكفيرية الداعشية. ولم يقتصر الأثر الإيجابي للتفاعل الجاد مع الموقف
عند حدود أمريكا الفيدرالية وحسب، بل يكاد إعلان الادارة الأمريكية عن
عزمها على تبنّي ستراتيجية دولية شاملة على غرار (تحالف الراغبين) لقطع
رأس داعش، قد إمتد ليعطي جرعة من الأمل أيضاً، لضحايا داعش في العراق
والمنطقة، بما يُجسّد لهم هذا التوجه الجديد للإدارة الأمريكية من بصيص
ضياء في نهاية النفق.
لقد عكس الفعل الاجرامي للتنظيمات الإرهابية، أو ما سُمّي من قبل
الدواعش "رسالة الى أمريكا"، مساومة واضحة على القيم الانسانية وحركة
مارقة تستهدف بالنتيجة ليّ عنق الإرادة الدولية وإرجاع عقارب الساعة
الى الوراء، وهو بالفعل ما ينبغي وضع ستراتيجية دولية للمواجهة الشاملة
مع هذا الفعل الارهابي المتنامي، فلا يقود التجاهل أو الرضوخ الى
الإبتزاز المالي والسياسي سوى الدفع بالمجتمع الدولي الى طريق
التنازلات المفتوحة وانهيار القانون الدولي والقيم الانسانية على حدٍ
سواء.!
في الحقيقة، لا يمكن تغطية هذا الموضوع المتشعب بما يستحق في مقال
عابر، لذلك وطلبا للايجاز ما أمكن، أتناول أحد جوانب الموضوع، وعلى وجه
الخصوص، العراق بما يفترض أن يشكلّه من مرتكز أساسي في نجاح أو فشل أية
ستراتيجية من شأنها النهوض بالواقع السائد في المنطقة، فمن الطبيعي أن
يكون للدولة العراقية الاتحادية الفيدرالية دور أساسي يعتمد على مدى
تماسكها وقدرتها على فرض سلطة القانون على أراضيها بما تمتلك من أدوات
تحقق لها ذلك.!.. وهو ما يفترض أن تكون قد عملت عليه أمريكا منذ 2003،
ولكن حسابات الحقل لم تكن متطابقة مع حسابات البيدر، لأسباب يطول شرحها،
وهو ما يستدعي من صنّاع القرار في الادارة الأمريكية، المراجعة الشاملة
وإعادة الحسابات بشكل تستطيع معه رسم مقدّمات صحيحة للوصول الى النتائج
المتوخاة.
وبطبيعة الحال، يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار وجهات النظر المختلفة
حيال ما يجري فما يشهده العراق اليوم من تفنن غير مسبوق في صياغة
الأكاذيب وإبتداع الطرق التضليلية قد يوقع الجميع في مدارات الحلقة
المفرغة. وعلى سبيل المثال، فيما يخص علاقة البعث الصدّامي بتنظيم
داعش، أو ان كان هناك فرق ما بين داعش والمجلس العسكري لثوار العشائر؟.
والجواب هنا، لا يعني بأني أفترض في المقابل عدم الإلمام بالأجوبة،
الا أنها وجهة نظر أبذل ما يسع المقام للإشارة الى ما يدل عليها..
وبمنتهى الصراحة بالنسبة لي لا أجد أي فرق بين هؤلاء جميعاً، واليقين
لديّ ان المجلس العسكري لثوار العشائر هو من ذبح الصحفي الأمريكي جيمس
فولي من الوريد الى الوريد ووضع رأسه فوق صدره.. وان كان المسمى داعش!،
فهما وجهان لعملة واحدة.. والخطاب الأخير للإرهابي المجرم عزة ابراهيم
الدوري (منتصف تموز 2014) خير ما يدل على ذلك، فبعد ان أثنى على جميع
الفصائل المسلحة التي يُنسب للدوري قيادتها والمنضوية اليوم تحت اطار
ما يسمى "المجلس العسكري لثوار العشائر"، ختم المجرم المطلوب دوليا
خطابه الأخير، بما هو نصّه:" وفي طليعة هؤلاء جميعا أبطال وفرسان
القاعدة والدولة الإسلامية، فلهم منّي تحية خاصة ملؤها الاعتزاز
والتقدير"...(انتهى الاقتباس).
فهل هناك من فرق يذكر بين الطرفين؟.. أما اذا استشهد البعض بما
يبرزه الاعلام من خلافات فهي مفتعلة تطلبتها مصلحة الدول التي تحتضن
عزة الدوري ولا أساس لها على أرض الواقع، وخاصة بعد أن فشلت الدول
الداعمة في انتزاع اعتراف دولي بمنظمة داعش كفصيل سياسي معارض، وبعد أن
تم ادراجها على قائمة المنظمات الارهابية وفيما بعد أدرجت تحد البند
السابع من قبل الأمم المتحدة بالإجماع.. وهو ما يتطلب تقديم الدواعش
ومموليهم وحواضنهم وعلماء السوء المتخصصين بالإفتاء للإرهاب، وهي
مسؤولية إنسانية جماعية لا تخص جهة بذاتها او دولة بعينها وانما تخص
ضمائر الأحرار في كل العالم.
ودليل آخر أكثر تجسيدا للعلاقة المصيرية بين الطرفين هو تصريح
اللواء ذنون يونس في 18 حزيران الماضي والذي يقول فيه: " نينوى بجميع
مدنها بيد الثوار بعد تحرير تلعفر ومطارها. وهدفنا الوصول الى بعقوبة
عاصمة ديالى، والجهد الهندسي للثوار سيعيد تشغيل مصفاة بيجي لتزويد
المحطات بالوقود ".. وما زال هذا العنصر الصدّامي ومنذ تلك الفترة في
تصريحات متتالية ومتواصلة من قلب الموصل عبر قناة التغيير والرافدين
وقنوات أخرى.. فهل الموصل بيد داعش أم بيد من وصفهم بالثوار، وعلام
تُلقى مسؤولية قتل وتشريد الأقليات العراقية في الموصل؟.. إذا استعصى
الجواب على ذلك، فاللواء ذنون يونس أعلن ومن قلب الموصل، وفي اليوم
الذي سيطرت به داعش على قاعدة سبايكر، ومن قناة التغيير وبالصوت
والصورة كما في الرابط أدناه يعلن عن تفاصيل الموقف ويؤكد سيطرة الثوار
على القاعدة الجوية، ويؤكد أيضا، وقوع أكثر من 400 عسكري من الضباط
والجنود أسرى بيد المجلس العسكري لثوار العشائر، ويًعد العالم بالحفاظ
على أرواحهم.. وهنا يتبادر الى الذهن السؤال، إذا كان هناك من فرق بين
ما يسمى بـ (الثوار) وداعش، فكيف وصل هؤلاء الأسرى الى يد داعش، لتقيم
حفلات الاعدام الجماعية والمقابر الجماعية؟.. ومن أين لهذا اللواء
الافلام الفيديوية التي خص بها وسائل الاعلام وقناة التغيير تحديدا
والتي تظهر الأسر الجماعي للجنود العراقيين من قبل مجاميع ترفع رايات
داعش.. فمن أسقط فاعدة سبايكر داعش أم الثوار؟.. ألا يُنبئك الحال بأن
داعش والثوار هم ذراعان لإخطبوط واحد يلعبون أدوارا مكملة لبعضها
البعض؟
وفي البيان الأخير للمجلس العسكري قبل يومين استنكر ما جرى في
ديالى، وهو من صُنع أحد أذرع هذه التنظيمات الارهابية الإخطبوطية
نفسها، ونفى المجلس وبشكل استباقي ان تكون الحكومة العراقية الجديدة
قادرة عن حفظ دم العراقيين او رفع الظلم عنهم طارحاً نفسه البديل
الأوحد لهذه المهمة.. ولا ندري كيف ترتضي داعش له أن يكون البديل ان لم
يكن الطرفان على وفاق أكثر من تام، بل ان لم يكونا وجهان لعملة واحدة؟.
ومما لا ينبغي تجاوزه هنا، فإن للإرهاب حواضن سياسية موجودة في الدولة
العراقية وخصوصا في السلطة التشريعية وسيماهم في تصريحاتهم الملغومة
ووجوههم الكالحة من أثر الخيانة والفجور.
.. إذن من ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي، ومن نفذ جريمة الابادة
الجماعية بحق العراقيين في قاعدة سبايكر.. أليس دواعش البعث أو بعث
الدواعش!.. خاصة وان والمعلومات التي رشحت تؤكد أن نجل المجرم سبعاوي
ابراهيم الحسن متورط وبشكل أساسي في تلك المجزرة المروعة!.
أخيرا وليس آخراُ، رغم ما نُجابه به من تجاهل تام مع نكتُب، وهي
حالة عامة يعاني منها الكتّاب العراقيين الذين لا يُجيدون التزلف
والتسلّق وركوب الأمواج، لكننا لن نتوقف عن قول ما نعتقد، او نكُف عن
التحذير مما يُخشى منه، طالما ان القوة المحرّكة للقلم والمستندة الى
بوصلة الضمير الوطني والانساني لا تتحكم في مسارها اتجاه التيارات
والرياح والأمواج الدافعة والشائعات أو حتى العقل الجمعي.. فقد أشرنا
قبل أشهر في مقال سابق بعنوان " الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية
في العراق".. أن طبيعة العمل الارهابي في العراق يمتاز عن غيره في
الأماكن الأخرى بأمور كثيرة تجعل من هذه المجاميع أكثر انتاجاً للعنف
والخراب وأقرب من غيرها الى أهدافها عندما تتاح لها الفرصة. حيث يعلم
الجميع بأن المجاميع الارهابية وعلى مستوى القيادات ذات العقول المشبعة
بفكر البعث الصدّامي التدميري تمتلك خبرات متراكمة نتيجة وجودها في
السلطة عقود من الزمن واكتسابها مهارات قتالية ومخابراتية واعلامية
تمكنها من استقطاب عناصر ارهابية من البلدان الأخرى واختراق المؤسسات
الأمنية العراقية وإفساد العمل الوظيفي عبر الهامش الذي تحققه ما تسمى
بـ (الشراكة الوطنية/ التعطيلية) التي تجعل الأبواب مشرعة بوجه عناصرهم
التخريبية الهادفة الى تعطيل النظام السياسي الجديد في العراق والعودة
بالدكتاتورية مجددا الى أحضان السلطة، فضلا عما تحققه هذه الشراكة من
تمويل ذاتي عبر تكريس ظاهرة الفساد الاداري وتجديد أنماطها..
وبالنتيجة يمكننا القول بأن العمل الارهابي في العراق هو عمل (منظمة
سرية/ البعث الصدّامي) تستند الى نمط من التفكير الشمولي ذو الصبغة
الاستراتيجية التي توظف أي شيء لخدمة هدف الإمساك بالسلطة مجدداً"...
فلا فرق على أرض الواقع ما بين أيتام البعث الصدّامي والدواعش..!. ولا
فكاك بينهما أو انهيار في علاقاتهما لأن (استراتيجية العودة) تقوم على
مرتكز أساسي..(فجّر وإنحر وإسبق وتذمّر!..).. وأمر كهذا يحتاج الى
أدوار (سياسية واعلامية وإجرامية) متكاملة.. وهو ما يقوم به اليوم
الإخطبوط الداعشي في العراق..!
...................................................
الروابط مع الإشارة الى أن اللواء
ذنون يونس ما زال وحتى ليلة البارحة على قناة التغيير يتحدث بذات
النبرة التعبوية من الموصل، فهل هو داعشي أم من (ثوار العشائر).. ؟ :-
الدولة السائبة ومطامح المنظمة
السرية في العراق (مقال ذو صلة بالموضوع/ دنيا الوطن).
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/06/03/331805.html
تصريح اللواء ذنون يونس في 30 يونيو
حزيران الماضي حول سيطرة ما يسمى (الثوار) على قاعدة سبايكر
https://ar-ar.facebook.com/IraqiRevolutionPoliticalCouncil/posts/540469292726328
تصريح اللواء ذنون يونس في 18
حزيران الماضي حول سيطرة ما يسمى (الثوار) حسب إدعائه على الموصل
https://www.facebook.com/revofallujah/posts/845142585515677 |