الأكراد ومشروع الدولة مجرد أضغاث أحلام

 

شبكة النبأ: الاكراد اللذين يقدر عددهم حول العالم بأكثر من (25) مليون نسمة، أكثر من نصفهم يسكن في تركيا والباقي موزع في بلدان (إيران، العراق، سوريا)، إضافة الى بلدان العالم الأخرى، وتعتبر القومية الكردية من أكبر القوميات التي تعيش في العالم من دون ان يكون لها كيان سياسي مستقل او دولة معترف بها رسميا (لاعتبارات سياسية وجيوسياسية، حيث تتوزع الغالبية العظمى منهم في أربع دول رئيسية في شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا)، فيما يعتبر إقليم كردستان العراق الكيان السياسي الوحيد الذي يمثل نوعا من الاستقلال الذاتي عن المركز في العالم.

ويواجه الاكراد في العراق، (بعد سنوات طويلة من صراع ضد نظام صدام الذي تعرض الاكراد على يديه الى إبادة راح ضحيتها عشرات الالاف من المدنيين بعد ان استخدم غاز الخردل والسيرين بقصف المعارضين لحكمة ابان حرب الخليج الأولى)، ازمة حقيقية، قد تهدد النظام والهدوء النسبي الذي يعيشه الإقليم منذ عام 1991، بعد ان زاد خطر تهديد تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) والتي استطاعت في العاشر من حزيران الماضي السيطرة على مناطق واسعة في الغرب والشمال، وبات يهدد حدود الإقليم وبالأخص أربيل.

وفي اول مواجهة حقيقية، لم يتمكن مقاتلي الإقليم الصمود طويلا امام تقد مقاتلي التنظيم، سيما وان التسليح والعتاد لمسلحي داعش يعد الأفضل، بحسب تصريحات رسمية صدرت من قيادات امنية وعسكرية في كردستان، فيما طالب رئيس الإقليم (مسعود برزان) الدول الغربية وبالأخص (الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الامريكية) بتقديم الدعم العاجل من اجل صد تهديدات الجماعات المسلحة التي تحاول التقدم شمالاً.

في سوريا، لا يختلف وضع الاكراد وهم يواجهون خطر تنظيم الدولة الإسلامية التي كبدت الاكراد خسائر كبيرة بعد ان سيطرت على مدن عديدة يسكنها الاكراد، ومع المقاومة الكبيرة التي ابداها اكراد سوريا، استطاع مقاتلوها إيقاف تمدد المقاتلين، من دون ايقافهم بصورة تامة، اما الحلم الكردي بتحقيق دولة تجمع شتات الاكراد في العالم في دولة واحدة، ما زال يراود اكراد تركيا، لكن مع التقدم الكبير في احراز نوعا من المصالحة الكردية- التركية، تضائل احياء حلم الإباء والاجداد، كما يرى محللون.

التحذيرات المحلية والإقليمية والعالمية، من خلال الرسائل العلنية والسرية التي وصلت الى إقليم كردستان، والتي أوضحت رفض اغلب الأطراف الفاعلة بإقامة دولة مستقلة، اكدت مخاوف الإقليم بضعف الدعم للمجتمع الدولي في حال قرر الأخير الانفصال بصورة رسمية عن المركز.

المانيا والدولة الكردية

في سياق متصل حذر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير من إقامة دولة كردية مستقلة قائلا إن هذا سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة، وكان الأكراد استغلوا الفوضى الطائفية في العراق لتوسيع أراضيهم شبه المستقلة لتضم كركوك الغنية بالنفط الأمر الذي قد يجعل الدولة المستقلة التي يحلم بها كثيرون في شمال العراق إلى جانب أراض أخرى أمرا قابلا للتحق بشكل أكبر، وقال شتاينماير في مقابلة مع صحيفة فيلت ام زونتاج نشرت مؤخرا "إقامة دولة كردية مستقلة سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة ويسبب توترات جديدة ربما أيضا مع الدول المجاورة للعراق، ولهذا أتمنى أن يجري الحفاظ على وحدة العراق".

وكان تنظيم الدولة الإسلامية السني أعلن الخلافة الإسلامية في أجزاء من العراق وسوريا وسيطر على أراض في شمال العراق وهزم القوات الكردية في إقليم كردستان وطرد عشرات الآلاف من المسيحيين واليزيديين من منازلهم، وقال شتاينماير إنه مقتنع بأن العراق سيتمكن من وقف تقدم المتشددين إذا قام السياسيون في بغداد واربيل عاصمة كردستان العراق بتعبئة كل قواتهم وحصلوا على دعم المجتمع الدولي، والتقى شتاينماير برئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي في بغداد وقال إن تشكيل حكومة جديدة "ربما هو الفرصة الأخيرة لتماسك العراق"، وسمح الاتحاد الأوروبي لحكومات الدول الأعضاء بالاتحاد بشكل فردي بتزويد أكراد العراق بالأسلحة والذخيرة بشرط موافقة الحكومة المركزية في بغداد. بحسب رويترز.

فيما ناشد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ألمانيا تزويده بالسلاح لمساعدة الأكراد في قتال متشددي تنظيم الدولة الإسلامية وقال إن على الدول الأجنبية إيجاد وسيلة لقطع التمويل عن التنظيم، ونأت ألمانيا بنفسها عن التورط المباشر في الصراعات المسلحة لوقت طويل خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأشار استطلاع رأي أجري لصحيفة فيلت ام زونتاج إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الألمان يرفضون تزويد الأكراد بالسلاح، لكن وزيرة الدفاع الألمانية قالت إن الحكومة تبحث إمكانية تقديم معدات عسكرية.

وقال البرزاني إن الأكراد يحتاجون إلى ما هو أكثر من المساعدات الإنسانية التي بدأت ألمانيا تقديمها لأعداد من اللاجئين الذين فروا أمام تقدم مقاتلي التنظيم المتشدد، وأضاف البرزاني لمجلة فوكوس الألمانية "نتوقع أيضا أن تقدم ألمانيا أسلحة وذخائر لجيشنا وبذلك يكون باستطاعتنا شن هجوم مضاد على إرهابيي الدولة الإسلامية"، وأضاف أن الأكراد يحتاجون للتدريب وأن أكثر ما يحتاجون إليه هو الأسلحة المضادة للدبابات، وفي الأسابيع الماضية أعلن التنظيم المتشدد الخلافة الإسلامية في مناطق واسعة من العراق وسوريا وحقق تقدما سريعا في شمال العراق ودفع قوات البشمركة الكردية للتقهقر كما دفع عشرات الآلاف من المسيحيين وأفراد الطائفة اليزيدية للفرار من ديارهم.

وسعت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين إلى خفض توقعات الأكراد بقولها إن القوات في العراق مدربة على أسلحة سوفيتية لا تملكها ألمانيا ولا يمكن أن تقدمها، لكن وزير الخارجية فرانك-فالتر شتاينماير استبعد إمكانية إرسال ما هو أكثر من المساعدات الإنسانية، وقال إن البرزاني أوضح له في العراق أن المقاتلين الأكراد لم يكن لديهم العتاد اللازم للدفاع عن أنفسهم، وفي تصريحات أدلى بها في أربيل عاصمة إقليم كردستان كرر شتاينماير القول بأن ألمانيا يجب أن تذهب إلى "أقصى ما يمكن فعله سياسيا وقانونيا" لمساعدة الأكراد مضيفا أن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لها أن تقرر لنفسها ما يمكن أن تسهم به من مساعدات.

وقال إن ألمانيا ستقدم ما قيمته 24 مليون يورو من المساعدات الإنسانية مشيرا الى أن المقصود من زيارته أن تكون "إشارة للدعم وأنكم لن تكونوا وحدكم في هذا الموقف الصعب"، وأضاف شتاينماير في تصريحات لمحطة الإذاعة الألمانية أيه.آر.دي إن الحكومة "ستنظر في رغبات الأكراد بعناية عندما أعود إلى برلين ثم تتخذ عندئذ قرارا مسؤولا"، وفي وقت سابق قال شتاينماير في بغداد قبل سفره إلى أربيل "هناك عصابة قتل إرهابية تحاول غزو دولة لإقامة دولتها (الخلافة) ونخشى أن تسقط آخر دعائم الاستقرار في العراق"، وأضاف أن تعيين حيدر العبادي في منصب رئيس الوزراء هو "بريق أمل" باعتبار أنه زاد إمكانية تشكيل حكومة تمثل جميع المناطق العراقية وجميع الطوائف الدينية في البلاد.

وقال البرزاني إن على الدول الأجنبية أن تجد وسيلة لقطع موارد تمويل الدولة الإسلامية، وأضاف "يجب أن يقوم تحالف كبير بتجفيف منابع تمويل الدولة الإسلامية ومنع الأفراد من الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية"، وتابع "أول مصدر لدخل الدولة الإسلامية هو حقول النفط في سوريا، ولاحقا سرقوا أكثر من مليار دولار من بنوك الدولة في الموصل وتكريت، وحصلوا أيضا على دعم مالي من عدة دول ومانحين"، وقدر المبالغ التي يحصل عليها التنظيم بنحو ثلاثة ملايين دولار يوميا تأتي من عمليات جباية بالاكراه وسرقة النفط.

الأكراد يضغطون على واشنطن

الى ذلك وعندما استولت القوى الإسلامية الراديكالية التي تهدد بتقسيم العراق على عدة بلدات من مقاتلي البشمركة الأكراد استغلت آلة العلاقات العامة الكردية هذه النكسة بسرعة لتعزيز قضيتها في واشنطن، وقال كراون زيباري المتحدث باسم الحكومة الكردية في الولايات المتحدة "هذا يبرر كل الأسباب التي توضح سبب ضرورة مساعدة البنتاجون لقوات البشمركة من خلال تزويدها بأسلحة متطورة"، ويضغط الأكراد بقوة من خلال مؤسسات ضغط قوية وحملة إعلامية ذكية في واشنطن من أجل الحصول على مساعدات مالية أمريكية وأسلحة لتلبية احتياجاتهم على المدى القريب ولدعم هدفهم على المدى البعيد باقامة دولة ذات سيادة في الجبال الواقعة بشمال العراق. بحسب رويترز.

وتشير ملفات للحكومة الأمريكية إن الحكومة الاقليمية الكردية تنفق أكثر من مليون دولار سنويا على أكبر جماعات ضغط في واشنطن من بينها شركة باتون بوجس البارزة لاسماع صوتها في الدوائر الحكومية العليا ووسائل الإعلام، وبدعم من مسؤولين سابقين لهم إتصالات قوية مثل السفير الأمريكي السابق في العراق زالماي خليل زاد يقول مسؤولون أكراد إنهم يعتقدون إن واشنطن تميل نحو الدعم المباشر على الرغم من اعتراض بغداد وعدم صدور بيانات علنية من المسؤولين الأمريكيين لتبرير هذا التفاؤل، وفي بداية يوليو تموز ومع زيارة مسؤولين أكراد كبار واشنطن طلب الرئيس الكردي مسعود البرزاني من البرلمان الاقليمي إعداد استفتاء بشأن الاستقلال.

وقال مسؤول كردي في واشنطن شريطة عدم نشر إسمه "الولايات المتحدة ليست مستعدة لإعلان دعمها لاستقلال الأكراد لأنها ستبدو كما لو أنها تدافع عن تقسيم العراق"، ويصر المسؤولون الأمريكيون على أن التزامهم ببقاء العراق موحدا لم يتغير على الرغم من هزيمة القوات الحكومية على يد تنظيم الدولة الاسلامية السني المتشدد في شمال غرب العراق والمأزق السياسي في بغداد، وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية شريطة عدم نشر إسمه إن أي تحركات في إتجاه استقلال كردستان في هذا الوقت "مدمر وغير مثمر إلى حد كبير"، وأضاف " لن تكون هناك عودة للوضع الراهن" قبل أن يستولى تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق من بينها مدينة الموصل ويثير الحديث عن تقسيم الدولة.

وقال زيباري إنه بعد توغل المقاتلين الإسلاميين في الاراضي الكردية كرر الأكراد نداءاتهم للحكومة الأمريكية بالمساعدة العسكرية المباشرة قائلا إنها لابد وأن تحدث الآن، وأضاف إن الأسلحة متاحة من المخزونات الموجودة في تركيا المجاورة ويمكن أن تسلم في غضون يوم أو يومين للقوات الكردية، ولكن المسؤولين الأمريكيين مازالوا حازمين في موقفهم بأن أي إمدادات للأسلحة لأربيل لابد وأن يتم ترتيبها من خلال بغداد، ويوصى خليل زاد الذي كان سفيرا لأمريكا في العراق من عام 2005 حتى 2007 بانتهاج الولايات المتحدة استراتيجية ذات شعبتين تتمثل في الضغط على بغداد لمواصلة الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة موحدة ولكن في نفس الوقت الاستعداد لاخفاق محتمل قد يؤدي لاستقلال الأكراد، وقال في مقابلة نشرت في نيويورك تايمز في الأونة الأخيرة إن أفضل نتيجة ستكون وجود عراق غير مركزي مع وجود نظام اتحادي في المناطق ذات الأغلبية العربية يعمل بالتحالف مع كردستان، وأضاف إن "البديل هو حرب أهلية بين الشيعة والسنة وظهور كردستان مستقلة".

ويحلم السكان المنحدرون من أصل كردي والذين يزيد عددهم عن 20 مليون نسمة عبر تركيا والعراق وإيران وسوريا بدولة مستقلة منذ حرمانهم من بلد خاص بهم عندما أنشأت القوى الغربية الشرق الأوسط الحديث بعد الحرب العالمية الأولى، وقال كين بولاك وهو مسؤول مخابرات أمريكي سابق يعمل الآن في معهد بروكنجز بواشنطن إن تقدم الإسلاميين في الشهرين الأخيرين جعل احتمالات استقلال الأكراد أقوى من ذي قبل، وأضاف "إنه يوفر فرصة للأكراد كي يقولوا لبقية العالم، انظروا كيف يمكن أن تتوقعوا أن نبقى جزءا من العراق؟ إننا لا نريد مطلقا أن نكون جزءا من العراق".

رسالة الى الغرب

فيما قال مسؤول أمني كردي كبير في مقابلة إن الدول الغربية ستقاتل المتشددين المسلحين الذين اجتاحوا مساحات كبيرة في العراق على أعتابها في نهاية المطاف ما لم تتدخل للتصدي لهذا الخطر في المنبع، وأضاف مسرور البرزاني مستشار مجلس الأمن الوطني في اقليم كردستان أنه يشك في قدرة الجيش العراقي على دحر ما حققه المتشددون من مكاسب بدون مساعدة من الخارج وأن العالم غير جاد على ما يبدو في مواجهة التشدد، واختفت قوات الجيش العراقي التي تلقت التدريب والمعدات من الولايات المتحدة بتكلفة نحو 25 مليار دولار إلى حد كبير في الشمال بعد سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل.

ومن الموصل انطلق المتشددون المسلحون للسيطرة على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية دون مقاومة كبيرة الأمر الذي جعل بقاء العراق دولة موحدة معرضا للخطر بينما يتجادل السياسيون في بغداد بشأن تشكيل الحكومة، وقال البرزاني إن اقليم كردستان الذي نجح حتى الآن في تحصين نفسه في مواجهة العنف في باقي العراق وسوريا المجاورة هو "خط المواجهة مع الارهاب" في الشرق الأوسط وإن تقاعس الدول الغربية سيعرضها للخطر، وأضاف "لديهم خيار: إما أن يأتوا (الغرب) ويواجهوهم هنا أو ينتظروا عودتهم إلى بلادهم ليواجهوا الارهاب على أعتابهم".

ويشترك الأكراد الذين شكلوا قوات مسلحة خاصة بهم تعرف باسم البشمركة في حدود اقليم كردستان كلها باستثناء 15 كيلومترا مع المتشددين الذين أعلنوا قيام دولة خلافة اسلامية في العراق وسوريا، وحتى الان ينشغل المتشددون المسلحون بقتال ما تبقى من الجيش العراقي في الجنوب لكنهم قد يتحولوا في النهاية إلى الشمال حيث وسع الأكراد أراضيهم بنسبة وصلت إلى 40 في المئة، واشتبكت قوات البشمركة بالفعل مع المتشددين المسلحين بما استولوا عليه من أسلحة الجيش العراقي والكثير منها من الولايات المتحدة، وحثت واشنطن الأكراد على مواجهة الدولة الاسلامية.

وقال البرزاني "تمتلك الدولة الاسلامية الان الكثير من المعدات العسكرية الحديثة ولقتالهم أعتقد أنه يجب أن يكون لدى البشمركة معدات أفضل بكثير منهم، وأردف قائلا "أجرينا محادثات مع الولايات المتحدة ومع بعض الدول الأوروبية لكن دون خطوات عملية لتقديم المساعدة لحكومة اقليم كردستان خاصة في الجانب العسكري"، وقال البرزاني إن عدد مقاتلي الدولة الإسلامية الذين سيطروا على الموصل في العاشر من يونيو حزيران كان أقل من ألفي شخص لكن مجندين جددا ومقاتلين من سوريا واستسلام جماعات مسلحة أخرى أدى إلى زيادة العدد لما يصل إلى 12 ألف مقاتل.

وكان مسؤول أمني في بغداد قد قدر عدد مقاتلي التنظيم بأكثر من 20 ألفا بعد سقوط الموصل، لكن لا توجد وسيلة للتحقق من الأرقام بطريقة مستقلة، وتضامنت عشائر وجماعات مسلحة مع الدولة الإسلامية في قتال رئيس الوزراء نوري المالكي لكن توجد توترات في صفوفها مما سبب قتالا داخليا، وفي مقارنة بين قوة هذه الجماعات بالنسبة للدولة الإسلامية قال البرزاني إنها "أضعف بكثير"، وأضاف أن حكومة اقليم كردستان مستعدة للعمل مع العشائر "المعتدلة" والقوات التي تحمي مناطقها من الدولة الإسلامية، ورسم اقليم كردستان لنفسه صورة مستقرة نسبيا في جوار مضطرب رغم تفجير مقر أجهزة الأمن في مدينة اربيل عاصمة الاقليم في سبتمبر أيلول في مؤشر على أن المنطقة مازالت مستهدفة، وقال البرزاني إن أجهزة الأمن الكردية تمكنت من احباط "عدد قليل" من الهجمات منذ ذلك الحين وإن تدفق مئات الالاف من العراقيين النازحين من أجزاء أخرى بالبلاد إلى كردستان يمثل تحديا إضافيا، وأضاف "الأمر يجعل عمل قواتنا الأمنية أصعب بكثير لمحاولة متابعة ومراقبة الوضع، نفعل ما بوسعنا لضمان عدم وجود الخلايا النائمة".

أكراد تركيا

من جهة اخرى أصبح تحول الحلم الذي داعب خيال أكراد الشرق الأوسط لسنوات طويلة في إقامة دولتهم المستقلة إلى حقيقة قاب قوسين أو أدنى في العراق لكن أكراد تركيا الذين أنهكتهم الحرب مع حكومات أنقرة على مدى 30 عاما يرون مستقبلا أكثر إشراقا في بلادهم حيث يمكن أن تحقق المفاوضات لهم ما كافحوا من أجله من حقوق، وفي المعهد الكردي باسطنبول الذي يدرس فيه 400 طالب اللغة الكردية شدت الأحداث الجارية في اقليم كردستان العراقي الجميع إذ يبدو أن الإقليم بسبيله إلى الاستقلال مع تراجع القوات الحكومية وتقدم مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية بالاستيلاء على مناطق من شمال العراق.

وحتى الآن على الأقل لا تثير الأحداث أي مشاعر انفصالية في تركيا حيث يفضل كثير من الأكراد أن يضعوا ثقتهم في قدر أكبر من الحكم الذاتي داخل حدود الدولة التركية المستقرة واقتصادها المزدهر على شطحات دولة جديدة ناشئة يحيط بها جيران يعادونها، وربما لم يكن هذا هو الحال على الدوام فقد جاء وقت بدا فيه أن الأكراد والدولة التركية تجاوزوا إمكانية المصالحة بعد سقوط أكثر من 40 ألف قتيل أغلبهم من الأكراد في حركة كفاح مسلح قادها حزب العمال الكردستاني المحظور منذ عام 1984.

وعندما بدأ الباحث اللغوي زانا فارقيني عمله في المعهد الكردي قبل نحو 20 عاما واجه اتهامات بالإرهاب لمجرد أنه غنى أغنية بلغته الأصلية في مؤتمر سياسي، واعتادت الشرطة بانتظام على مداهمة المعهد الذي يصدر مجلة وينظم ورش عمل خلال الفترة التي كان التمرد الانفصالي مستعرا فيها على أشده في جنوب شرق تركيا، والآن شملت مساعي رئيس الوزراء طيب أردوغان للتفاوض على وضع نهاية للصراع الدائر منذ 30 عاما رفع القيود الصارمة المفروضة على حرية التعبير السياسي والثقافي للأكراد وهو أمر لم يكن متصورا في بلد تعلو فيه النعرة القومية على ما سواها، وقال فارقيني (47 عاما) "أخيرا أصبحنا نرى أن من الممكن حل مشاكلنا دون إراقة دماء ومن خلال الوسائل الديمقراطية، فمن خلال العملية السلمية يعلن الأكراد رغبتهم في العيش مع الأتراك، ولسان حالهم يقول لا نريد الانفصال".

ويعتبر الاكراد أكبر مجموعة عرقية بلا دولة ويعيش أكثر من نصفهم في تركيا وسيكون لمصيرهم في العراق آثاره على مختلف أنحاء المنطقة، وتعتزم حكومة اقليم كردستان التي تشتبك في نزاع مع الحكومة المركزية في بغداد على ايرادات النفط تنظيم استفتاء على الاستقلال، وفي غمار أزمة تنظيم الدولة الاسلامية استولى أكراد العراق الذين يحكمون أنفسهم منذ أوائل التسعينات على مساحات من الأرض فأضافوا ما يصل إلى 40 في المئة إلى رقعة أراضيهم، ومن الناحية الرسمية مازالت تركيا ملتزمة بوحدة أراضي العراق، لكن أنقره رحبت بتمكين حكومة اقليم كردستان في السنوات الأخيرة لأسباب منها مخاوفها الاقتصادية وسعيها للحصول على النفط والغاز من الأكراد وتصدر شركات البناء التركية طفرة عمرانية في الاقليم.

والمصالح المشتركة كبيرة، فإقليم كردستان العراقي يعمل بمثابة حاجز لصد الفوضى الحاصلة في بقية العراق في حين أن تركيا هي مصدر التصدير الوحيد لما تنتجه كردستان من النفط والغاز إلى الأسواق الأوروبية، وفي الوقت نفسه ساءت العلاقات مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، واتهم اردوغان الذي ينتمي للمذهب السني شأنه شأن معظم الاتراك نوري المالكي رئيس وزراء العراق باتباع سياسات طائفية أدت إلى الأزمة الحالية في العراق، وقال ياسين أقطاي رئيس مكتب الشؤون الخارجية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا "لأن الحكومة المركزية لا تمنح الأكراد في العراق احتياجاتهم اكتسبت الطموحات الكردية في الاستقلال شرعية ومبررات أكبر".

وهذا درس تعلمته الحكومة من الأحداث الداخلية حيث تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطالب الاستقلال التام ليقبل بالحكم المحلي وحقوق ثقافية أكبر من بينها تعليم اللغة الكردية، وخفت حدة العنف إلى حد كبير بعد أن بدأت المحادثات مع زعيم حزب العمال المسجون عبد الله أوجلان في أواخر عام 2012، ويعيش الأكراد في منطقة جبلية في أغلبها تمتد من تركيا إلى سوريا والعراق وايران، وقد حرم الأكراد من فرصة إقامة دولة مستقلة عند تفتت الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى غير أن الاضطرابات في العراق جعلت حلم الدولة المستقلة في متناول أيديهم. بحسب رويترز.

وزاد الإحساس بأهمية العملية السلمية الكردية في تركيا بفضل هذه التحولات، وفي أواخر يونيو حزيران بدأ البرلمان العمل لاصدار تشريع لتسوية الصراع ليمنح هذه العملية شكلها الرسمي للمرة الأولى، ويقول ادريس كارداس منسق منصة التحديات العالمية بجامعة بيلجي في اسطنبول إن ما تحقق من تقدم ساعد في إخماد المخاوف من تفتت تركيا عرقيا، وقال "قبل حزب العمال الكردستاني وأنصاره أن البقاء في تركيا أكثر واقعية ما داموا يتمتعون بحكم ذاتي أكبر وحقوق ثقافية أكثر ولهم رأي في حكم أنفسهم.

وفي علامة على التزام الأكراد بالخطوط الرئيسية للسياسة أصبح أحد مرشحين ينافسان اردوغان في السباق الرئاسي في أغسطس كرديا هو صلاح الدين دمرداش رئيس حزب الشعب الديمقراطي في البرلمان والذي يمثل تحالفا مؤيدا للاكراد من الأحزاب اليسارية يسعى الآن كي يصبح كيانا أوسع يشمل تركيا كلها، ويعارض حزب الشعب الديمقراطي نفسه قيام دولة مستقلة لكردستان في العراق حتى لا تمثل خطرا على السلام الوليد في تركيا، وقال إدريس بالوكين النائب البرلماني عن حزب الشعب الديمقراطي والوسيط في المحادثات إن الأكراد لهم نفوذ أكبر في البلاد التي يعيشون فيها مما قد يكون لهم في أي دولة جديدة تقام وحولها جيران يعارضون فكرة وجودها.

كذلك فإن الحركة السكانية حدت من إلحاح فكرة الاستقلال، فبعد عقود من التهجير من جنوب شرق تركيا المنكوب بالفقر حيث يتركز الأكراد أصبحت اسطنبول التي يعيش فيها نحو مليوني كردي بين سكانها البالغ عددهم 14 مليون نسمة أكبر مدينة كردية في العالم، وقال فارقيني في المعهد الكردي "رغم كل شيء تركيا هي الوطن، نحن نريد الوحدة لكن لا يمكن فرضها قسرا. لابد أن تتم برضائنا"، وإذا كان الفشل مآل المفاوضات فإن تأثير الأحداث في العراق حيث يختبئ مقاتلو حزب العمال الكردستاني في الجبال سيتزايد، وقال قروي يدعى أوموت عمره 17 عاما يجلس مع والده وعمه قرب بلدة سيلوبي على مقربة من الحدود العراقية "أصدقاؤنا في الجبال ضمانة لعملية السلام. وإذا لم تفلح فسندافع بالطبع عن أنفسنا من جديد."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آب/2014 - 28/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م