تُعرف الحماية الدولية بأنها سائر الأنشطة التي تهدف إلى ضمان
الاحترام الكامل لحقوق الفرد وفقاً لنص وروح القوانين ذات الصلة، أي
قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وقانون اللاجئين.
ويعتقد خبراء القانون الدولي أن الحماية التي يجب توفيرها للنازحين
داخليا لها ثلاثة أبعاد هي الهدف والمسؤولية القانونية والنشاط
"فالحماية هدف يتطلب الاحترام الكامل والمتساوي لحق سائر الأفراد بدون
تمييز، كما هو منصوص عليه في القانون الوطني والدولي. ولا تقتصر
الحماية على الإبقاء على قيد الحياة والأمن البدني، بل تغطي سائر
الحقوق بما فيها الحقوق المدنية والقانونية، كالحق في حرية التنقل
والحق في المشاركة السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
بما فيها الحق في التعلم وفي الصحة.
والحماية مسؤولية قانونية، تقع بصورة رئيسية على عاتق الدولة
ووكلائها. وتمتد هذه المسؤولية، في حالات الصراع المسلح، لتشمل سائر
أطراف الصراع بموجب القانون الإنساني الدولي، بما فيها جماعات المعارضة
المسلحة. وتلعب الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني وحقوق الإنسان
دوراً مهماً كذلك، لاسيما عندما تعجز الدول والسلطات الأخرى عن الوفاء
بالتزاماتها المتعلقة بالحماية أو لا ترغب في ذلك. والحماية نشاط لأن
الأمر يستوجب اتخاذ إجراءات معينة لضمان التمتع بالحقوق. " المصدر (دليل
إرشادي عن حماية النازحين داخليا، مجموعة العمل التابعة للتجمع العالمي
للحماية 2010)
ولاشك أن مسؤولية منع النزوح وحماية النازحين داخليا هي مسؤولية
الدولة وأجهزتها بالمقام الأول إلا أنه من الممكن في أوضاع الصراع
المسلح، أن يجد النازحون داخليا أنفسهم في أراض تغيب عنها سلطة الدولة
أو يصعب فرض هذه السلطة فيها.. وفى مثل هذه الأوضاع فإن مسئولية منع
النزوح وحماية النازحين داخليا تقع كذلك على الأطراف الفاعلة غير
التابعة للدولة. وفى الأوضاع التي تحتاج فيها الدولة إلى دعم أو التي
لا تكون فيها الحماية الوطنية مضمونة، يقع على عاتق المجتمع الدولي عبء
القيام بدور مهم في الحماية.
والسؤال هنا ما دور المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالخصوص في
توفير الحماية والمساعدة للنازحين داخلياً، عندما تفتقر السلطات
الوطنية إلى القدرة على ضمان استجابة فعالة لأزمة إنسانية معينة أو
تكون غير راغبة في ذلك.. مثل الأوضاع التي يعيشها النازحون العراقيون
إثر سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من شمال العراق.
يحتوي القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان على عدد من الأحكام
ذات الصلة الخاصة بالنازحين داخلياً، بما فيها الحق في الحياة وفي
الحرية والأمن، والحق في الحماية من التعذيب والقسوة، والمعاملة أو
العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، والحق في التحرر من العبودية، وفي
الحصول على اعتراف القانون وحمايته على قدم المساواة وغيرها..
لقد توصل المجتمع الدولي إلى صياغة مجموعة المبادئ التوجيهية بشأن
التشريد الداخلي، وهي ترتكز على معايير القانون الدولي القائمة حالياً،
وقد تعززت حجة هذه المبادئ بفعل القبول الدولي الواسع لها، فقد اعترفت
بها الدول على اعتبار أنها " معيار" و" أداة " لحماية النازحين داخلياً
تسترشد بهما الحكومات والمنظمات الدولية وسائر الجهات الفاعلة الأخرى
ذات الصلة في حالات النزوح الداخلي.
فقد جاء في الباب الثالث من المبادئ 2-10 "الحماية والمساعدة أثناء
النزوح: "أنه ينبغي أن يتمتع سائر الأشخاص، بمن فيهم النازحون داخلياً،
بطائفة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، بما فيها الحق في الحياة والحماية من أعمال العنف والتعذيب
والعنف الجنسي والقائم على نوع الجنس، ومن الألغام الأرضية، وتجنيد
الأطفال في القوات أو الجماعات المسلحة ومشاركتهم في الأعمال العدائية؛
وقدرة الوصول الآمنة إلى الغذاء الضروري ومياه الشرب والمأوى الأساسي
والكساء الملائم والخدمات الصحية والصرف الصحي؛ وحرية التنقل، بما في
ذلك داخل مخيمات النازحين داخلياً وخارجها؛ والتماس اللجوء في بلد آخر؛
والوثائق الشخصية؛ واحترام الحياة الأسرية ووحدة الأسرة؛ والتعليم
والتدريب بشكل متساو للنساء والفتيات؛ والعمل والمشاركة في الأنشطة
الاقتصادية؛ والتصويت والمشاركة في الشؤون الحكومية والعامة"
على المستوى التطبيقي لأوضاع النازحين، لا يمكن تحقيق تلك الحقوق
ولا حتى الحد الادنى منها، في أكثر الأحيان، فغالباً ما يحدث النزوح
الداخلي والأزمات الإنسانية في سياق حالات الطوارئ المعقدة، التي تتسم
بالانهيار الجزئي أو الكلي لسلطة الدولة مما يؤثر في قدرتها على ضمان
حماية المدنيين، وفي بعض الحالات في رغبتها في ذلك.
وبناء عليه، تكون الكثير من الدول ومجتمعاتها المحلية، عاجزة عن
مواجهة ومعالجة أوضاع النازحين لا بسبب عدم توافر الأموال فقط، بل لان
أطراف النزاع واستمرار المعارك يحول دون التفات إلى حماية النازحين أو
معالجة أوضاعهم، ليس هذا فحسب بل تسهم بعض أطراف النزاع في تهجير ونزوح
المواطنين بهدف السيطرة على الأرض وخلق حالة من الفوضى المجتمعية
والتأثير على الخصم؛ كما تفعل فصائل داعش في العراق في مناطق الموصل
وتكريت كركوك.
فالنازحون العراقيون قد فقدوا منازلهم، ونتيجة لذلك فهم بحاجة إلى
المأوى، واضطروا إلى اللجوء إلى مخيمات أو مستوطنات مكتظة، وفقدوا قدرة
الوصول إلى أراضيهم وممتلكاتهم الأخرى وأصبحوا منقطعين عن سبل رزقهم
ومصادر دخلهم المعتادة. وقد يعانون، بالتالي من الفقر والتهميش
والاستغلال وإساءة المعاملة. ويصبح من الصعب الحصول على ما يكفى من
الأغذية والمياه النظيفة والخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية،
الأمر الذي غالباً ما يؤدى إلى مستويات عالية من الجوع وسوء التغذية
والمرض.
وكثيراً ما تضيع وثائق الهوية أو تتلف أو تصادر أثناء النزوح.
نتيجة لذلك، غالباً ما يواجه النازحون داخليا مصاعب في الحصول على
خدمات عامة كالتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن تقييد حريتهم في التنقل
ويصبحون أكثر عرضة للتحرش أو الاستغلال أو الاعتقال أو الاحتجاز
التعسفي.
وبالتالي، تأتي أهمية دور المجتمع الدولي في التقليل من معاناة
النازحين في المناطق التي نزحوا إليها. ولكن يتطلب التصدي لمعالجة
أوضاع النازحين أو التقليل من معاناتهم، استجابة متعددة الأبعاد –
البعد الإنساني والتنموي والأمني والسياسي وحقوق الإنسان – فضلاً عن
الجهود الجماعية للجهات الفاعلة المختلفة على المستويين الوطني
والدولي. فحجم هذه الأزمات ونطاقها يتجاوزان ولاية أو قدرة وكالة أو
منظمة واحدة ويتطلبان العمل من جانب طائفة من الجهات الفاعلة المعنية
بالعمل الإنساني والتنموي وحقوق الإنسان، ضمن منظومة الأمم المتحدة
وخارج نطاقها. وهكذا، فالأنشطة الداعمة للنازحين داخلياً وغيرهم من
المدنيين المعرضين للخطر تتطلب جهداً مشتركاً تعاونياً.
لذا فان المجتمع الدولي مطالب أن يتحرك على الفور لتقليل من حجم
معاناة النازحين العراقيين وتوفير الحماية لهم، لاسيما أن حياة الكثير
منهم تتعرض للخطر بسبب النقص الفاضح في المياه والطعام وانتشار الأمراض
والأوبئة.. وتحقيقاً لهذه الغاية:
1- ينبغي ضمان فاعلية التنسيق بين الوكالات الدولية العاملة في
العراق، والقيام بعمليات التقييم والتحليل المشتركة للاحتياجات،
والتخطيط والاستعداد الاحترازي للطوارئ.
2- ينبغي على المنظمات الدولية ضمان الامتثال للقوانين والسياسات
والمعايير الدولية، والمراقبة والإبلاغ، والدعوة لكسب التأييد، وحشد
الموارد...
3- ينبغي على المنظمات الدولية التنسيق مع السلطات الوطنية والمحلية
ومؤسسات الدولة والأطر الفاعلة المحلية للتجمع المدني وسواها من الجهات
ذات الصلة بما فيها مجتمعات النازحين وغيرها من المجتمعات المتضررة بما
يؤمن الاحتياجات الأساسية للنازحين.
4- ينبغي أن تشجع المنظمات الدولية وتدعم انخراط المنظمات غير
الحكومية، الوطنية والمحلية، لحقوق الإنسان انخراطاً نشطاً في ملف
النازحين وتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان وتقصي الحقائق.
5- ينبغي على المنظمات الدولية أن تقديم المشورة الفنية والدعم
للسلطات الوطنية والمحلية، مثلاً من خلال برامج تدريبية أو في وضع
قوانين وسياسات وطنية لتعزيز لحماية النازحين..
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد
منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق
والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض
النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه
الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم
القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية،
كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات،
ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف
الاتجاهات...
هـ/7712421188+964
http://adamrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights |