إعلام الأزمة وأزمة الإعلام

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: الأزمة الإنسانية الناجمة من احتلال عناصر "داعش" مناطق واسعة في محافظة الموصل، بما فيها أقضية ونواحي تابعة للشيعة، الى جانب مناطق اخرى مشابهة، لها سمتها العاطفية، فهي تعني بالمشاعر الانسانية والقيم الاخلاقية الموجهة لخدمة النازحين وتوفير المستلزمات الضرورية لهم، وإن كانت هنالك تغطية اعلامية تعكسها القنوات الفضائية، فهي بقدر ارتباطها بالحدث السياسي او الحراك العسكري هنا وهناك، والتحرك لتحرير هذه الناحية او تلك المنطقة من قبل القوات الحكومية أو تكبد الارهابيين كذا.. خسائر او مقتل كذا.. قائد او امير ارهابي!.

وفي جانب آخر من إعلام الأزمة الراهنة في العراق، نجد الجهد التعبوي من خلال برامج ومشاريع مختلفة يدخل فيها الجانب الفني باعداد الاناشيد و"الهوسات" والجانب الانساني بتحشيد مجاميع من المجتمع من طلبة وكسبة وعشائر ومهنيين وآخرين وصبّ كل المواقف الحماسية في بوتقة المواجهة مع العدو المشترك (داعش)، فالجميع يعلن استعداده لخوض المعركة الحاسمة لتحرير المدن المحتلة من هذا التنظيم الارهابي.

هذا كله، وغيره، من دواعي القوة والاقتدار والظهور بالشكل المتماسك في وقت يرى الجميع، لاسيما المعنيين بأمر الاعلام المرأي، كيف أن هذا التنظيم الارهابي يواصل اعماله الاجرامية بدم بارد، كما يواصل تمدده في الارض العراقية باعصاب باردة، فارضاً احكامه وقوانينه الشاذة والغريبة بكل ثقة واعتداد، تتناقلها وسائل الاعلام دون حرج.

بما ان الاعلام، بمختلف وسائله واشكاله يمثل أحد الأسلحة الفتاكة في المواجهات السياسية والعسكرية، ويعوّل عليه دائماً في تحشيد القوى وتعبئة المشاعر، فمن المتوقع ان تظهر بعض ملامحه على ارض الواقع، ومنها على صعيد الازمة الانسانية متمثلة في النازحين من المناطق الساخنة الى وسط وجنوب العراق.

فبعد التغطية غير المنصفة لعديد القنوات الفضائية (الاسلامية) لمآسي ومعاناة النازحين من تلعفر ومناطق عديدة في كركوك وديالى، وايضاً للمجازر التي رافقت هذا النزوح على خلفية التقدم السريع لعناصر "داعش" واحتلالها مناطق عديدة منذ تموز الماضي، في مقابل التعبئة الاعلامية الكبيرة التي شهدناها من وسائل اعلامية اخرى للإيزيديين والمسيحيين الذي شملهم النزوح وارهاب "داعش". نشهد اليوم نتيجة واضحة لتراجع الدور الاعلامي في مقابل استفحال الحرب النفسية التي يمارسها الطرف المقابل، فقد نقل لي البعض مؤخراً، أن إشاعات يتناقلها البعض باستحالة عودة اهالي تلعفر الى بيوتهم لانها باتت ملغمة، كما الطرقات والشوارع، حتى الصحون في المطابخ لن تكون صالحة للاستخدام بسبب تلوثها بمواد سامة!.

هذه الاحاديث يتم تناقلها بشكل عفوي بين النازحين من اهالي تعلفر بشكل خاص، وهي من صناعة مطابخ الاشاعات التابعة للارهابيين بغية قتل روح الامل في النفوس ونسيان أي وجود لهم في مدنهم التي ولدوا فيها، ثم البقاء حيث هم، وهي المدن في الوسط والجنوب. وبما ان مهمة الاعلام ، ايصال المعلومة والفكرة فانه مطالب قبل كل شيء بالمصداقية والتوثيق لتحقيق الهدف المنشود، وهو التأثير على الرأي العام،وايضاً على مراكز القرار، فان كانت هنالك قضية حقّة وكلمة صادقة، لكن دون مصداقية وتوثيق وعناصر التأثير المطلوبة، فانها تصبح غير ذات فائدة، وربما ينطبق عليها المثل المعروف لدينا: "الكذب المصفط خير من الصدق المخربط"!.

بينما نلاحظ الاشاعة النابعة اساساً من الباطل وهدف التضليل وحرف الحقائق وحجبها، فانها تتوسل بكل شيء للوصول الى أذهان الناس والمعنيين تحديداً مثل اهالي مدينة تلعفر، ثم تحقق النجاح الباهر في بث الرعب واليأس في النفوس، وتزيد النازحين اهتزازاً جديداً فوق ما هم عليه من الحالة النفسية المتوترة والوضع الاجتماعي غير الطبيعي، حيث يشعرون انهم مغلوبون على أمرهم بعد ان فقدوا كل شيء في ارضهم ومسقط رأسهم ويتطلعون حالياً نحو المجهول.

ان قوة وتماسك الوضع الاجتماعي والنفسي للنازحين وضحايا الارهاب الطائفي، من قوة الاعلام وكلمته الصادقة والمؤثرة. لنأخذ مثلاً من الاعلام الذي تعتمده "داعش" ومن خلاله تكسب اليوم الآلاف من شتى أنحاء العالم وتضخهم الى العراق، فمن خلال مواقع النت هنالك كلمة واحدة لا غير توجه الى من يمكن تغريره وخداعه، "دولة الخلافة الاسلامية"، فالمسلم سواءً كان في استراليا او اوربا او امريكا او أي مكان بالعالم، يصله خطاب بأنه مدعوٌ لأن يحل في بلده الكبير، يكون فيه مكرماً معززاً، غير ما عليه الحال في بلده الذي تسوده القوانين الغربية وغير الاسلامية... وهكذا نلاحظ الفرحة تعمّ السعودي والشيشاني والاسترالي والفرنسي والافغاني والليبي وغيرهم كثير، وهم يلتقون في ارض العراق، واهمين أنها حقاً "دولة الخلافة الاسلامية" التي يمكنهم ان يلمسوا فيها النظام الاسلامي وتطبق فيها الاحكام كاملة.

فما هي الكلمة الصادقة التي تمثل الحق والحقيقة لاعلامنا وقنواتنا الفضائية؟.

لدينا منظومة عظيمة من المفاهيم والقيم، عظمتها من منبعها ومصدرها، ألا وهو اهل البيت، عليهم السلام، وهي المفاهيم والقيم الاخلاقية والانسانية التي نلاحظها في الغرب ، ومن خلالها يكسبون ودّ العالم، مما يعني ضرورة إعادة النظر في الفكرة السائدة لدى البعض إزاء هذا التراث العظيم، وانها تمثل مواعظ وامور مثالية بعيدة عن الواقع، من قبيل الاخوة الايمانية والعلاقة الانسانية، والتعاون والتكافل وغيرها كثير. بينما السلطة والمال والقوة العسكرية هي سيدة الموقف. لكن عندما يحدث الاهتزاز العنيف في هذه الجوانب التي يعوّل عليها البعض، كما حصل في "نكسة الموصل" حينها يفقد الجميع كل شيء، ونكون على بعد كيلومترات من "داعش"، ثم ننتظر وينتظر معنا ضحايا "الهزيمة" سهام الاشاعات والحرب النفسية القاتلة التي تطاردهم كما تطاردنا نحن ايضاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/آب/2014 - 21/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م