استراتيجيات التفاوض لأي وحدة سياسية تكون نابعة من الإستراتيجية
الوطنية للدولة، وأهم ركائز الإستراتيجية الإسرائيلية هو أمن الدولة
العبرية، والتجارب التاريخية تدلل مدى اهتمام إسرائيل بأمنها، وقد تعكس
حرب تموز/2006م في لبنان مدى نجاح الإستراتيجية الإسرائيلية في تحويل
هزيمتها العسكرية على يد حزب الله اللبناني إلى إنجاز أمني يصب في
مصلحتها من خلال حماية حدودها الشمالية عبر القرار الأممي 1701 الذي
سمح بنشر مزيد من القوات الدولية على الحدود مع إسرائيل، وألزم حزب
الله بوقف كل أنشطته العسكرية ضد الكيان.
أما العملية التفاوضية التي تجري بالقاهرة فهدف إسرائيل المركزي هو
حماية أمنها، وتفريغ مضمون النصر المؤزر للمقاومة الفلسطينية من مضمونه
عبر استخدامها لاستراتيجيات منهج الصراع، ويقوم هذا المنهج على ثلاث
استراتيجيات هي:
1- إستراتيجية الإنهاك
2- إستراتيجية التشتيت والتفتيت
3- إستراتيجية إحكام السيطرة وإخضاع الخصم
أولاً: إستراتيجية الإنهاك
تقوم هذه النظرية على بعض المرتكزات منها:
أ. استنزاف وقت الطرف الآخر: وهذا بات واضحاً في مفاوضات القاهرة
عبر مماطلة وتسويف إسرائيل ومحاولتها كسب مزيد من الوقت، والحصول على
تهدئة إنسانية بشكل متكرر، من أجل تفريغ النصر من مضمونه، وكذلك تفريغ
المفاوضات من مضمونها، وصولاً إلى إحباط الجبهة الداخلية الفلسطينية.
ب. استنزاف الجهد: تحاول إسرائيل استنزاف جهد الوفد الفلسطيني
الموحد عبر طرح قضايا وعقبات أمام إنضاج اتفاق يلبي حقوق ومطالب الشعب
الفلسطيني، ومماطلته وإهداره للوقت وهذا كله جزء من استراتيجيات
تفاوضية يجيد الاحتلال اللعب بها.
ثانياً: إستراتيجية التشتيت والتفتيت
من المؤكد أن إسرائيل أجرت بحثاً وتحليلاً نفسياً وأمنياً واقتصادياً
للوفد الفلسطيني الموحد، بالإضافة إلى حصر المعلومات الاستخباراتية
التي تحدد وبدقة عالية نقاط القوة والضعف لدى الجانب الفلسطيني، وتنطلق
وفقاً للمعطيات المتاحة للعمل على تفتيت الوفد المفاوض وتشتيت طاقاته،
وزرع بذور الانقسام بين أفراده، وحتى اللحظة فشل الاحتلال في ذلك ولكن
ما نخشى من طول مدة التفاوض ان ينجح مستقبلاً.
ثالثاً: إستراتيجية إحكام السيطرة وإخضاع
الخصم
تدور بالقاهرة معركة سياسية شرسة لا تقل أهمية عن المعركة الميدانية
في غزة، ولكن إسرائيل تحشد كل إمكاناتها للسيطرة على جلسات التفاوض
الغير مباشر من خلال طرح العديد من الأوراق والمبادرات والتعديلات
والشروط، ترافقها التهديدات العسكرية والحرب النفسية، والعمل على إبقاء
الطرف الآخر تابع وليس فاعل ينتظر الموقف الإسرائيلي وبذلك تظهر
إسرائيل أنها المنتصر والمتحكم في مجريات الأمور.
النتائج المتوقعة من عملية التفاوض:
الهدف الرئيسي لإسرائيل هو ضمان أمن حدودها، وأن تكون غزة منطقة
منزوعة السلاح، وفي حال تحقق ذلك فقد توافق إسرائيل على كل المطالب
الفلسطينية من ميناء ومطار ورفع كامل للحصار، وما حققته إسرائيل بشكل
نسبي في جنوب لبنان بعد حرب تموز، قد لا يتحقق بقطاع غزة نظراً لقوة
الحاضنة الشعبية للمقاومة، ووحدة الموقف الفلسطيني عليها، وهذا ما
يدفعنا إلى ان تقوم إسرائيل بتأجيل هذا المطلب مقابل تأجيل بعض المطالب
الفلسطينية الكبرى مثل المطار والميناء حتى يتم ترويض الرأي العام
الفلسطيني وإعادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، ومن ثم الربط بين تنفيذ
المطالب وسحب السلاح، وهذا التحدي الأبرز الذي يجب أن يوضع بعين
الاعتبار لدى كل الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية.
أما على الصعيد التكتيكي فقد توافق إسرائيل على بعض المطالب وقد
تنجح العملية التفاوضية وقد يعلن خلال الأيام القليلة القادمة عن اتفاق
شامل لوقف إطلاق النار، مقابل رفع الحصار ووقف العدوان.
الخلاصة: المقاومة أبدعت، وأعادت للوعي الجمعي الفلسطيني ثقافة
المقاومة وهشاشة وضعف دولة الاحتلال، وأعتقد أن كل ما يحاك ضد المقاومة
سيقلب السحر على الساحر، وما تحققه المفاوضات في هذا التوقيت يعتبر
نصراً سياسياً لو أحسنا التدبير، وانطلقنا في رسم معالم الوحدة الوطنية
عبر تصفير المشاكل الداخلية وتبني إستراتيجية وطنية موحدة تقوم على
العودة والتحرير.
[email protected]
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |