في ليبيا... الميليشيات المتناحرة عقبة كبرى أمام استقرار البلاد

 

شبكة النبأ: في ليبيا التي سيطرت عليها الميليشيات المسلحة ذات الانتماءات والاتجاهات المختلفة (وان كان يغلب عليها الطابع الإسلامي المتشدد)، والتي كانت قبل عهد قريب السبب الرئيسي لإسقاط نظام القذافي، والمصدر الأول لحفظ الامن الداخل والمنشئات الحيوية، وبعد اختلاف الأمور، أصبحت تلك الميليشيات العقبة الأكبر امام استقرار ليبيا (امنيا وسياسيا)، من خلال بناء دولة المؤسسات التي حرم منها المواطنين لعقود من الزمن (في عهد القذافي)، ليدخلوا في عهد جديد، يحتكم فيه اغلب الأطراف الى قوة السلاح، من دون وجود أي حل سياسي يلوح في الأفق، بعد ان تزايد أصوات السياسيين بضرورة التدخل الخارجي (المجتمع الدولي) لإيقاف المعارك والفوضى والدمار الذي انتشر في جميع ارجاء ليبيا.

وتجددت الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة في العاصمة الليبية طرابلس بين كتائب من مصراتة وأخرى من الزنتان، وسمع دوي إطلاق النار والقصف بصواريخ جراد والمدفعية منذ الصباح الباكر قرب المطار وعدد من المناطق السكنية في طرابلس، وأجبرت المعارك (التي تشارك فيها كتائب مقاتلين سبق لهم خوض الحرب معا ضد القذافي) الأمم المتحدة والحكومات الغربية على إجلاء دبلوماسييها خوفا من انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية شاملة، ويدور معظم القتال حول المطار الدولي في طرابلس والذي يسيطر عليه مقاتلو الزنتان منذ اجتياحهم العاصمة خلال الصراع في 2011،

في سياق متصل قال مكتب بيرناردينو ليون مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد إلى ليبيا إنه يعتزم زيارة طرابلس، سعيا لتحقيق هدنة بين الفصائل المسلحة التي حولت الاشتباكات فيما بينها مناطق من العاصمة الليبية إلى ساحة قتال، ويسعى ليون إلى إنهاء القتال بين كتائب من مصراتة ومقاتلين متحالفين مع بلدة الزنتان في غرب البلاد بعد تفجر الصراع بينهما في صورة اشتباكات هي الاسوأ منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011،ودفعت المعارك بين كتائب المقاتلين السابقين الذين حاربوا القذافي معا الأمم المتحدة والحكومات الغربية إلى إغلاق بعثاتها وإجلاء الدبلوماسيين خوفا من انزلاق ليبيا إلى أتون حرب أهلية.

وقال بيان من مكتب ليون إن زيارته لطرابلس لإجراء محادثات ستشرف عليها الأمم المتحدة باعتبارها الوسيط الدولي الوحيد المقبول لدى جميع الأطراف الليبية، وأضاف البيان "في هذا الإطار اعتزم السفر إلى طرابلس لمواصلة دعم المحادثات بين الأطراف"، واندلعت معظم المعارك حول مطار طرابلس الدولي الذي يسيطر عليه مقاتلون من الزنتان منذ ان شقوا طريقهم الى العاصمة خلال حرب عام 2011،وتبادلت قوات الزنتان ومصراتة القصف بصواريخ جراد والمدفعية

وفي جنوب طرابلس مما أجبر مئات الأسر على الفرار من ديارها واسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، ولا تزال الحكومة الهشة في ليبيا بدون جيش وطني وتصرف رواتب منتظمة غالبا لمقاتلي المعارضة السابقين باعتبارهم قوات أمن شبه رسمية كطريقة لاستمالتهم لتأييد الدولة الجديدة، لكن الفصائل المدججة بالسلاح تتحالف مع فصائل سياسية متنافسة وهم غالبا ما يبدون ولاء لمناطقهم أو مدينتهم أو للقادة العسكريين المحليين أكثر من ولائهم للحكومة المركزية، وقال ليون "في رأيي الشخصي هناك بعض الأمور الملحة وهناك مبدأ يجب الاتفاق عليه، المبدأ هو أنه يجب أن يكون هناك وقف حقيقي لإطلاق النار، اتوقع من خلاله أن يجري (كلا) الطرفين المحادثات بنية حسنة وألا يستغلونها من أجل إعادة تنظيم قواتهم". بحسب رويترز.

وأضاف أن المحادثات يجب أن تتعامل مع الصراعات في مناطق أخرى في ليبيا وسيطرة الحكومة على المطارات بمساعدة الأمم المتحدة وانسحاب الجماعات المسلحة وحلفائها من طرابلس، وقال مصدر إن عدة آلاف قاموا بمظاهرات في طرابلس وبنغازي ومصراتة ومدن أخرى وهاجم مسلحون المتظاهرين في ميدان الشهداء في وسط طرابلس وردت الشرطة بإطلاق النار ولم يتضح وقوع أي إصابات، وفي علامة على الاستقطاب العميق في البلاد خرجت جماعة تؤيد اجتماع البرلمان في بلدة طبرق الشرقية وقراره دعوة الامم المتحدة للتدخل الى الشوارع في مدينة بنغازي، ويصف ساسة من ذوي الميول الاسلامية وحلفاؤهم من مدينة مصراتة اجتماع البرلمان بانه غير دستوري لانعقاده في طبرق بدلا من طرابلس او بنغازي، وزادت معركة منفصلة تدور في مدينة بنغازي في شرق ليبيا من صعوبة الوضع الأمني في ليبيا حيث طرد تحالف من المتشددين الإسلاميين ومقاتلي المعارضة السابقين الجيش من المدينة.

أزمة حادة

الى ذلك شهدت الأزمة الليبية تصعيداً خطيراً، حيث تعرض مطار العاصمة طرابلس لقصف كثيف بالصواريخ، في الوقت الذي يواصل فيه مئات الآلاف من الأجانب الفرار من الدولة العربية التي تشهد اضطرابات واسعة، وذكرت قناة "ليبيا الوطنية" أن عدة أحياء سكنية بمدينة طرابلس تعرضت لتساقط قذائف صاروخية، أسفرت عن حدوث أضرار جسيمة بعدد من المنازل والسيارات، دون أن تورد الفضائية الرسمية أي معلومات حول سقوط ضحايا خلال القصف المتبادل بين الأطراف المتقاتلة.

وفي أعقاب طلب مجلس النواب الليبي تدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين، نتيجة الاقتتال الدائر في مختلف المدن الليبية، قامت العديد من الدول بإجلاء رعاياها، مما تسبب في حركة نزوح كبيرة إلى الدول المجاورة، خاصةً في كل من تونس والجزائر ومصر، إضافة إلى مالطا، كما تسبب فرار آلاف الأجانب من العاملين في القطاع الطبي، خاصةً من الجالية الفلبينية، في أزمة حادة داخل العديد من المستشفيات، تتمثل في نقص شديد بعدد الأطباء وأطقم التمريض، بحسب المتحدث الرسمي باسم جمعية "الهلال الأحمر الليبي"، محمد المصراتي، وقال المصراتي إن عدد أفراد الجالية الفلبينية العاملين في القطاع الطبي بالمنطقة الشرقية يبلغ نحو 2100 شخصاً، يعملون كأطباء وأطقم طبية مساعدة، وأكد أن "مغادرتهم للبلاد ستكون انتكاسة كبيرة للرعاية الصحية في ليبيا".

وأشارت "وال" إلى أن أكثر من ألف عامل من الفلبينيين والهنود تم إجلاؤهم، على متن عدد من السفن توجهت إلى مالطا، التي استقبلت في وقت سابق من الأسبوع، سفينة تقل مئات العاملين بشركة "هيونداي" الكورية الجنوبية، إضافة إلى عشرات من جنسيات أخري، كما قامت الحكومة الفيتنامية بإجلاء ما يزيد على 1200 شخص من رعاياها العاملين في ليبيا، والبالغ عددهم نحو 1550 عاملاً، وذكرت الخارجية الفيتنامية، في بيان نقلته الوكالة الليبية، أن 294 فيتنامياً فروا إلى "دول مجاورة"، من بينها مصر، ينتظرون العودة لبلدهم، وأعلنت باكستان عن قيامها بإجلاء 500 من رعاياها العالقين في المدن الليبية، نتيجة تدهور الأوضاع هناك، على متن رحلة جوية خاصة، أمر بتسييرها رئيس الوزراء نواز شريف، وقالت إن هؤلاء هم دفعة أولى من إجمالي 2500 باكستانياً تقطعت بهم السبل في ليبيا. بحسب سي ان ان.

أما بالنسبة للمصريين العالقين وسط مناطق الاقتتال في ليبيا، فقد نقلت وسائل إعلام رسمية في القاهرة أن السلطات الجزائرية أمرت بفتح الحدود البرية مع جنوب ليبيا "بصفة استثنائية"، لعبور الرعايا المصريين إلى داخل الجزائر، حتى يتم إجلاؤهم إلى القاهرة، وذكرت قناة "النيل" أن الخطوة الجزائرية جاءت استجابة لطلب من "القيادة المصرية"، بعد تعرض عدد من المصريين لإطلاق نار من قبل مسلحين ليبيين عند معبر "رأس جدير" مع تونس، مشيرةً إلى أن الجزائر أغلقت حدودها مع ليبيا منذ مايو/ ايار الماضي.

ولفتت الفضائية الرسمية إلى أن ما لا يقل عن 1251 مصرياً دخلوا الجزائر عبر بوابة "الدبداب"، خلال اليوم الأول لفتح المعبر الحدودي، ومن المتوقع إجلاؤهم على متن رحلات "مصر للطيران"، من مطاري "عين أميناس" أو "حاسي مسعود" بالجزائر، في الوقت نفسه، قال السفير المصري لدى تونس، أيمن مشرفة، إن السلطات التونسية وافقت على التصريح بتواجد طائرات مصرية في أحد مطاراتها العسكرية، للمساعدة في نقل آلاف المصريين الفارين من العنف في ليبيا، والعالقين على الحدود بين البلدين.

المطالبة بتدخل خارجي

فيما طلب مجلس النواب الليبي الجديد من القوى الخارجية التدخل لحماية المدنيين من الصدامات الدامية بين الميليشيات الليبية المتصارعة، وصدرت الدعوة للقوى الخارجية في اجتماع للمجلس عقد في مدينة طبرق ايدها 111 من نوابه الـ 124، ويجتمع المجلس في طبرق لتعذر عقد جلساته في العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي بسبب العنف السائد فيهما، وليس للأمم المتحدة او اي من القوى الخارجية اي خطط للتدخل في ليبيا الى الآن، وتعاني ليبيا منذ فترة من استشراء اعمال العنف بين الميليشيات المسلحة التي شاركت في الثورة على نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، وما زالت قوات الجيش والشرطة الليبية بعد ثلاث سنوات من الاطاحة بنظام القذافي غير قادرة على مجاراة الميليشيات التي باتت تسيطر على اجزاء كبيرة من البلاد.

وكان مجلس النواب قد اصدر قبل مطالبته بتدخل اجنبي بوقت قصير قرارا حل بموجبه كافة الميليشيات، ولكن الدولة الليبية تفتقر الى القدرة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ، وإن اصدار القرار يعتبر خطوة جريئة من جانب المجلس، ولكنه يظل قرارا رمزيا، وقال النائب ابو بكر بيرا إن قرار دعوة القوى الخارجية للتدخل في ليبيا ينص على "ان على المجتمع الدولي التدخل فورا لحماية المدنيين"، ولم يتضح ما اذا كان المجلس يقصد نشر قوة حفظ سلام او شكلا آخر من التدخل. بحسب بي بي سي.

ويأتي صدور القرار بعد يوم واحد من اغتيال قائد شرطة طرابلس العقيد محمد سويسي بأيدي مسلحين مجهولين، ويعتقد ان موجة العنف التي تشهدها ليبيا اسفرت في شهري يوليو / تموز واغسطس / آب عن مقتل عدة مئات من الأشخاص، وتركز القتال في مطار طرابلس الدولي ومدينة بنغازي الشرقية.

وبرر البرلمان الليبي تصويته على قرار يقضي بدعوة الأمم المتحدة لعب دور في الضغط على الفصائل المسلحة الرافضة لوقف إطلاق النار بأنه يدخل في سياق حماية مواطنيه من الخطر ومنع تقسيم البلاد، في حين، خرجت تظاهرات حاشدة في عدد من المدن الليبية رفضا لدعوات التدخل الأجنبي، في البلاد، التي تشهد فوضى أمنية منذ إسقاط النظام السابق تصاعدت حدتها مؤخرا، وقال مجلس النواب، في بيان توضيحي، وأوردته وكالة الأنباء الرسمية: "المجلس في بيانه أن قراره رقم (7) الصادر في الثالث عشر من اغسطس غايته دعوة مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة للتدخل مبدئيا وممارسة بعض الضغوط على ذوي العلاقة بالنزاع في الداخل أو الخارج بوجوب إعادة وفرض الأمن في كامل ربوع ليبيا ولم تكن الغاية من ذلك القرار الاستقواء بالأجنبي".

وتابع "من الاسباب التي دعت الى اصدار القرار كذلك عدم امتثال جميع الاطراف المتنازعة للقرار رقم (3) لسنة 2014 القاضي بدعوة كافة أطراف النزاع إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار والاقتتال"، وأكد البرلمان حرصه على أمن جميع الليبيين ووحدة تراب البلاد، وشهدت مدن طرابلس ومصراته وبنغازي وسرت، مظاهرات حاشدة رفضا لدعوات التدخل الأجنبي في ليبيا تحت أي مسمى, ومعارضة لعقد جلسات مجلس النواب بمدينة طبرق, وتأييدا لما يعرف بعملية فجر ليبيا، وفي وقت سابق، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تعيين برناندينو ليون مبعوثا خاصا إلى ليبيا في وقت تعم فيه الفوضى الدولة العربية حيث اشتدت ضراوة المعارك الجارية بين فصائل مسلحة متناحرة في طرابلس منذ أكثر من شهر، ما دفع بالآلاف العائلات للنزوح من المدينة، بجانب أعمال عنف أخرى بعدد من مدن البلاد.

لماذا المليشيات؟

من جانب اخر قد يتذكر الليبيون طويلا الثالث عشر من يوليو/ تموز حين انفجرت الاوضاع في طرابلس بشكل غير مسبوق ودخلت مليشيات مصراته والزنتان، اللتان تتقاسمان النفوذ في العاصمة، في صراع دموي بدد الآمال في أن يسهم انتخاب البرلمان الجديد في اعادة الاستقرار إلى البلاد، والصراع بين رفقاء الأمس، الأعنف منذ الاطاحة بالقذافي منذ أكثر من ثلاث سنوات، أدى إلى حالة من الذعر حول مستقبل ليبيا وبدأت تطل على شفاه بعض المحللين والمعلقين عبارة " الدولة الفاشلة"، وانطوى انعقاد البرلمان في مدينة طبرق على بعد 1500 كيلو مترا شرقي طرابلس على رمزية بعيدة، حيث تدفع الدولة الرسمية إلى أطراف البلاد بينما المليشيات التي بيدها السلطة الحقيقية يلعلع رصاصها في قلب العاصمة.

وفي ليبيا كما في غيرها يسود الصراع بين الجماعات المسلحة حينما تتعارض المصالح، وفي ليبيا الجديدة بعد القذافي يوجد الكثير مما يمكن الصراع حوله: النفوذ السياسي، السلطة والهيمنة، المغانم الاقتصادية والمالية، الشرعية الثورية بل وحتى الاصالة والانتماء للهوية الليبية، لكن لماذا لم تتمكن ليبيا من انهاء دور المليشيات بعد أن وضعت الحرب ضد القذافي اوزارها"؟ ولماذا تنتعش المليشيات في ليبيا بهذا الشكل؟، تاريخيا تتكون ليبيا من ثلاث مناطق؛ برقة في الشرق وفزان في الجنوب وطرابلس في الغرب والمكون الرئيسي لغالبية المجتمع الليبي هو القبيلة وهذا الوضع يخلق اصطفافات جهوية وقبلية كرست في بعض الحالات تمسك الجماعات بالسلاح كضمانة للحقوق والمصالح في دولة غنية بالنفط ومستقبل قيد التشكيل.

الشرق الليبي الذي تعرض تاريخيا للتهميش أبان حكم القذافي الطويل والذي تحمل أيضا العبء الأكبر في الثورة عليه لا يريد أن يسلم قياده بسهولة مرة أخرى إلى طرابلس دون ضمانات، ورثت مؤسسات الحكم الانتقالي بعد الثورة دولة ضعيفة ازدادت ضعفا على أيديها في ظل "عدم وجود قرار حاسم من الدولة الليبية" لإنهاء تحكم المليشيات كما يقول الدكتور الحسين عريبي عضو المجلس المحلي لتاجوراء ومسؤول الاعلام للمجلس الوطني أثناء الثورة، إلا أن رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني يرى أن قوة هذه الجماعات هي التي حالت دون تطور مؤسسات الدولة وليس العكس. بحسب بي بي سي.

يقول الثني إن مستوى ونوعية التسلح الذي تتمتع به تلك الجماعات من ""دبابات ومدفعية وراجمات وصواريخ " تفوق قدرات الدولة ومن ثم "استقوت بها على الدولة واصبحت تقوم مقام الدولة في حفظ الامن والسلام"، ويشاركه الرأي خالد الترجمان الناشط الحقوقي والسياسي والذي شغل سابقا منصبي أمين سر المجلس الانتقالي ومستشار رئيس المؤتمر الوطني، حيث أكد أن عدم نمو مؤسسات الدولة وتحولها لـ"مؤسسات حقيقية يرجع لعدم حل المشكلة الحقيقية وهي انتشار السلاح والمليشيات المسلحة".

المليشيات تغذت على ضعف الدولة الليبية وضعف المؤسسات التي تشكلت عقب الثورة وهي المجلس الانتقالي ومن بعده المؤتمر الوطني العام اللذين شهدا انقسامات سياسية حادة القت بظلالها على استقرار الأوضاع، وشكل حادث اختطاف رئيس الوزراء الاسبق علي زيدان في أواخر عام 2013 مثالا على ما الذي يمكن ان تؤدي اليه الاحتقانات السياسية من زعزعة الاستقرار وتعميق اجواء عدم الثقة، فقد اختطف زيدان من قبل مسلحي غرفة عمليات ثوار ليبيا ووحدة مكافحة الجرائم وهما تابعتان لوزارة الداخلية الليبية.

وأدت ضربات حلف شمال الاطلسي إلى انهيار القوة العسكرية للقذافي وإلى انهيار للجهاز الاداري للدولة تقريبا، لكن لم يتبع ذلك برنامج دولي لاعادة بناء ما تفكك كما لم يقدم المجتمع الدولي المساعدة في جمع الاسلحة والذخائر التي خلفها الصراع والتي يقدرها مسؤول ليبي سابق بواحد وعشرين مليون قطعة سلاح، والبيئة كانت خصبة لنمو المليشيات المسلحة في ظل غياب ترتيبات للأمم المتحدة على الارض لتوفير اجواء آمنة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها كما فعلت الأمم المتحدة في صراعات مشابهة في العالم، ووفقا لتقدير جهاز الاستخبارات البريطاني فان ليبيا عقب الاطاحة بالقذافي كان فيها مليون طن من الاسلحة أي اكثر مما لدى الجيش البريطاني.

وفي ظل الفراغ الأمني قامت المليشيات المسلحة بعمليات حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحراسة السجون والمنشآت الحيوية بالبلاد مما اضفى على وجودها شرعية، وأدى قانون العزل السياسي الذي اصدره المؤتمر الوطني في 2013 إلى مزيد من الاحتقان السياسي وإلى مزيد من الافقار في الكفاءات الإدارية، الاخفاق السياسي ومناخ عدم الثقة في أجهزة الدولة خاصة الأجهزة الأمنية والتي كانت في نظر الثوار آداة القمع في ظل النظام السابق أدى إلى تجذر ثقافة المليشيات والاحتكام للسلاح، ومع المزايا المادية الكبيرة التي يتحصل عليها المنتسبون لهذه الجماعات المسلحة من الدولة أصبح من الصعب عليها التخلي عن السلاح في غياب بدائل مقنعة.

ويؤكد الثني على أن "الخطوة الأولى لتجميع السلاح، ان تكون هناك ثقة متبادلة بين الأخوة الليبيين"، ولفظ المليشيات في الحقيقة لا يلامس الحقيقة تماما في الواقع الليبي فكثير من هذه الجماعات المسلحة أو الكتائب العسكرية تتبع رسميا وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية ويحصل اعضاؤها على رواتب من خزينة الدولة الا انها لا تتقيد بأوامرها طوال الوقت وشكلت عبئا أمنيا في بعض الأوقات، وبينما تقدم هذه المليشيات خدمات تتعلق بحفظ الامن والنظام في مناطقها يقوم البعض الاخر بالتربح من تجارة المخدرات وتهريب البشر وبيع النفط، وعمليات الخطف بهدف الابتزاز وكثير منها يقوم بعمليات اعتقال وسجن بشكل غير قانوني، كما أوضح مسؤول ليبي سابق، رفض الكشف عن هويته، واضاف أن "بعض المليشيات يرتبط بأجندة سياسية لدول صديقة" علاوة على "وجود مليشيات اسلامية متشددة لا تعترف بالدولة ولها فهمها الخاص للدولة".

وفي مناخ ملتبس اصبحت الشرعية والثورية محل تنافس كما اصبحت عدم الشرعية والانقلاب على الثورة محل اتهام يكال للخصوم بين جماعات متناحرة، تقارب السياسة والعسكرة معا، ويحاول كل منها التأكيد على شرعيته وانتسابه للدولة او جيشها الوطني أو الانتساب إلى أهداف ثورة 17 فبراير، وأحد اسباب الالتباس الخلاف في الرؤى حول مستقبل الدولة بين الاسلاميين والعلمانيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2014 - 20/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م