المحطة الأخيرة لـ "داعش" في العراق

 

شبكة النبأ: بموازاة الحراك السياسي بغداد والمخاض العسير لاختيار رئيس وزراء للعراق، يواصل تنظيم "داعش" حراكه العسكري مدعوماً بجهود لوجستية، وحملات تعبئة عبر العالم لتكريس وجوده في الساحة، بعد إحكام سيطرته على مدينة الموصل ومناطق اخرى شمال العراق. ثم جاء القرار الدولي الخاص بتشديد العقوبات على هذا التنظيم وتنظيمات ارهابية اخرى، ودعوة الدول الاعضاء للامتناع عن تقديم أي نوع من الدعم والمساعدة.

وفي فترة سابقة واجهة هذا التنظيم الارهابي تطورين هامين في الساحة الشيعية وفي الساحة الكردية في آن.. ففي الساحة الشيعية، تمخضت عملياته العسكرية التوسعية عن نفير عام دعت اليه المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف، عبر فتوى "الجهاد الكفائي"، وما لقيه من تفاعل جماهيري باهر وإحياء للعلاقة القديمة والمتينة بين المرجعية الدينية وجماهير الشعب. وفي الساحة الكردية، فان تبلور عدو واضح المعالم، له ممارسات وحشية واجرامية، مكّن الكُرد من كسب التأييد الدولي لتكريس الواقع العسكري في اقليم كردستان – شبه المستقل- بعد تكريس الواقع السياسي خلال السنوات الماضية.

وإذن؛ يجد "الداعشيون" أنفسهم وقد تحولوا الى عدو مشترك لغير طرف داخلي وخارجي. بينما يحتفظون بخشبة الخلاص في القاعدة الجماهيرية في بعض المناطق التي يحتلونها في العراق. الامر الذي يثير في الأذهان السؤال عن الوجهة التي يسيرون عليها هؤلاء؟ وآفاق مستقبلهم؟ والى ما يتطلعون؟.

حتى لا نجانب الحقيقة؛ فان الشيء الغامض من الصعب التحدث عنه بوضوح، إلا ان يمتلك الكاتب او المتابع معلومات مؤكدة ودقيقة تمثل معطيات وتفاصيل تكشف حقيقة ما خلف الكواليس، وليس فقط الاعتماد على ما ينشر عبر وسائل الاعلام والمواقع الخبرية عبر الانترنت.

فهناك ارقام ومعلومات كثيرة تنثر بالمجان عبر الانترنت، وفي القنوات الفضائية، امام الجمهور العراقي، بل وعموم الرأي العام الاسلامي وحتى الدولي. بيد ان الحقائق الكبير والواضحة على الارض ومعطيات الاحداث في المناطق الداعشية، بامكانها رسم صورة تقريبية لما عليه الموقف الداعشي  على الاض.

ان استمرار وجود هذا التنظيم في الموصل ومناطق اخرى، بل وسيطرته على مناطق ممتدة من الاراضي العراقية ومروراً بالاراضي السورية، وشعوره بنوع من الاستقرار النسبي حتى الآن، يؤكد امتلاكه عوامل البقاء، كما كان يمثل لدى قادة التنظيم في الانطلاقة الاولى، عوامل قوة قاهرة للزحف والسيطرة على مزيد من المناطق العراقية وصولاً على بغداد. اهمها: المال المسروق من المصارف العراقية في الموصل وتكريت، و ايضاً من اعمال الابتزاز والنهب والسرقة، يضاف اليها شحنات الاموال نقداً القادمة من دول الخليج، ثم التسليح فوق الخفيف والمتوسط، ثم اسيتلائهم على الاسلحة الثقيلة من الجيش العراقي المنسحب من الموصل،وهي عبارة عن دبابات ومدافع وراجمات صواريخ فضلاً عن ناقلات الجند وأسلحة وذخيرة بمقادير هائلة. والاهم من كل ذلك الممر الآمن الى العالم الخارجي الذي توفره بالدرجة الاولى، تركيا، الذي يصلها من العالم المتطوعون من شتى انحاء العالم، كما تصلهم الإمدادات اللوجستية وما يحتاجونه.

بالرغم مما يقال عن عوامل القوة والبقاء لدى هذا التنظيم، الا ان الحقيقة الاخرى، هي ان "داعش" في سوريا، غيرها في العراق، وهو ما لا يجهله الداعشيون أنفسهم، لأسباب منها: انهم في سوريا كانوا يطمحون لإسقاط نظام الاسد، بينما في العراق، جاؤوا لمساعدة المكون السنّي على تحقيق مطالبه ضمن العملية السياسية التي يشاركون فيها. هذا فضلاً عن الحقيقة المرة امامهم، وهي عجزهم عن الاحتفاظ بالمواقع التي يتقدمون فيها عسكرياً، لعدم وجود الارضية الجماهيرية المساندة والداعمة لهم.

لكن هذا لا يغير من المخطط المرسوم سلفاً من قبل أطراف إقليمية، وتحديداً تركيا والسعودية وقطر، بمباركة وانحياز بريطاني – دولي، لان الواضح امام المراقبين أن "داعش" حققت في العراق ما عجزت عنه في سوريا، حيث كانت تطمح لأن تكون البطل في "معركة التحرير" والإطاحة بنظام الأسد، ويذهب المراقبون الى ان إطلاق يد "داعش" في العراق، جاء للتعويض عن خذلان الأطراف الإقليمية بعدم تسليح المعارضة السورية، مما أوجد حالة من عدم التوازن في القوى على الساحة السورية لغير صالح المحور المعادي للنظام السوري،ولصالح المحور "الصديق" متمثلاً في إيران.

فاذا كانت "داعش" تقضي ايامها في معارك ضروس مع القوات السورية مدعومة بجماعات مسلحة متحالفة في مقدمتها "حزب الله" اللبناني، وبالكاد تتمكن من الفرار بعناصرها والاحتفاظ ببعض المناطق، فضلاً عن شن حملات عسكرية جديدة، فانها في العراق وجدت الارض معبدة لها للسيطرة على مناطق إستراتيجية غاية في الأهمية، وفرت لها الاموال والسلاح والنفط والمناطق الحدودية والقاعدة الجماهيرية.

وقد ذهب بعض المراقبين والمتابعين في العراق، الى احتمال حصول مواجهة بين "داعش" وبين العشائر العراقية، على خلفية سلسلة تجاوزات وانتهاكات ارتكبها في الموصل، كان ابرزها المساس باعراض الناس وفرض احكام جائرة غير عقلانية مثل الجلد والرجم لاسباب تافهة، او حظر حركة النساء في الشارع او اغلاق بعض المحال التجارية تحت شعار تطبيق "الاحكام الاسلامية"، ثم جاء تدمير مراقد الانبياء العظام، ضمن مساجد ضخمة يجلّها ابناء الموصل، مثل مسجد النبي يونس، ومسجد النبي شيت. إلا ان هذه التصرفات والاعمال، رغم بشاعتها وحدتها، لن ترقى الى مستوى النزاع المسلح او "ليّ الأذرع" بين الجانبين، لوجود تحالف واتفاق اساس بين الجانبين على ممارسة الضغط على بغداد. وإلا لو كان هنالك احتمال واحد بالمئة فقط لوجود من الثقة المتبادلة بين الشيعة والسنة في العراق، لما وطأت العراق اقدام "داعش" ولا غيرهم من الجماعات المسلحة. فالواقع الطائفي في العراق، ابتداءً من المحاصصة في المناصب الحكومية، وحتى التمايز في الجغرافيا السكانية، هو الذي صنع جسور العبور لداعش الى العراق. 

ويشير المتابعون الى الظهور البريطاني في هذا المشهد السياسي من خلال تقديم مشروع القرار الأممي بتشديد العقوبات الى "داعش"، بانه لم يأت من فراغ، فقد مضت الايام عسيرة على هذا التنظيم، وهو يواجه ضغوطات جمّة من كل الاتجاهات، وتوجت الضغوطات بمساعدة الامريكيين للحكومة العراقية في ضرب مواقعهم وتكبدهم خسائر كبيرة.

وبقراءة سريعة لفقرات القرار يتضح انه تمت صياغته بعناية خاصة من لدن الساسة البريطانيين، حيث تمت ادانة "الأعمال الإرهابية لتنظيم داعش وأيديولوجيته العنيفة وانتهاكاته الخطيرة والممنهجة والواسعة لحقوق الانسان". كما اشار القرار الى الجرائم التي "تستهدف المدنيين بسبب خلفياتهم العرقية والدينية قد تعد جرائم ضد الإنسانية"، ربما في اشارة واضحة الى المسيحيين والايزيديين والكُرد وغيرهم من الاقليات في شمال العراق، بمعنى أن "داعش" مطالبة من المجتمع الدولي بتعديل نهجها، وعدم الايغال في دماء الابرياء وممارسة الاعمال المنافية للاخلاق والعقل، بينما سيكون الباب امامها مفتوحاً لمحاربة القوات العراقية وحتى الحشد الشعبي التي يتكون على شكل ألوية وفرق في وسط وجنوب  العراق تحت راية المرجعية الدينية، فهنالك الآلاف من المتطوعين اليوم يبدون استعدادهم لخوض معركة واسعة ومفتوحة مع "داعش" في القطاعات كافة، مما يضع هذا التنظيم امام خيار صعب وتاريخي في معركة "كسر العظم".

وما يؤكد هذا الرأي، تزامن القرار الأممي مع التطور السياسي بغداد وحسم منصب رئاسة الحكومة لصالح حيدر العبادي وتنحّي المالكي نهائياً عن السلطة. فمن اهم وابرز الملفات امام رئيس الحكومة الجديد، جدار عدم الثقة العالي بين المكون السنّي والدولة العراقية بشكل عام. فكلما حقق العبادي نجاحاً في خرق هذا الجدار وصولاً الى مطالبات السنّة او احتوائها وتفهمها، كلما اقترب "داعش" من المحطة الاخيرة، وتناقصت فترة وجوده في العراق، أما في حال الفشل، وهذا ما يتشائم به البعض، لاسيما البريطانيون، فان "داعش" تبقى كأمر واقع ظهيراً للمكون السنّي، كما كانت "القاعدة"، حيث امتنعت الشخصيات السنيّة طوال فترة وجود هذا التنظيم في العراق، سواء السياسية منها والدينية، من القدح او انتقاد هذا التنظيم، رغم جرائمه المريعة وبشاعته، مع الفارق أن "القاعدة" إنما اندحر من العراق بأوامر امريكية واضحة، اعقبه تشكيل الصحوات ونقل البندقية من يد "القاعدة"  الى أيدي ابناء العشائر في الانبار ومناطق اخرى، فهل تعود القوات الامريكية ثانية الى العراق لتصدر هكذا أوامر وتعد ثم تنفذ...؟!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آب/2014 - 19/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م