ديمقراطية السلطة وسلطة الديمقراطية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل هناك فرق كبير و واضح بين ديمقراطية السلطة وسلطة الديمقراطية؟، واذا اتفقنا على وجود ذلك الفرق الكبير، فما هو النوع الديمقراطي الذي يناسبنا الآن كعراقيين، هل نحتاج الى ديمقراطية السلطة أم العكس، وهل جربنا هذين النوعين سابقا وحاضرا، هل أخفقنا أم نجحنا، وما هي مواطن الإخفاق والنجاح، ثم ما هي الاسباب التي ادت الى النجاح او الفشل، وقبل هذا وذاك، لماذا نخوض في مثل هذا الأمر الشائك؟! وهل هناك ما هو أكثر أهمية من نوع النظام السياسي الذي يحتاجه العراق والعراقيون الآن؟.

نعم لقد جرب العراقيون ديمقراطية السلطة، مع أنظمة سياسية عديدة، لاسيما العسكرية منها، او تلك التي وصلت الى السلطة عبر الانقلابات، واستخدام القوة الغاشمة في سلب السلطة، والسيطرة على مقدرات الدولة والشعب، وقد كانت للعراقيين تجربة قاسية مع ديمقراطية السلطة، عندما أخذ الحكام يكتبون الدساتير وفقا لمصالحهم الخاصة، وليس وفقا لمصلحة الدولة والشعب، وبهذا أصبح الحاكم سيفا مسلطا على رقاب الناس في كل حين، وضاعت حقوق الشعب، وصارت زمام الأمور كلها بأيدي غير أمينة، من بطانة الحاكم المتسلط، وهؤلاء جوقة من المتملقين وغالبا ما يركبون الموجة بأساليب ماكرة، فيصبح مصير الشعب والدولة ومؤسساتها، رهنا بعقول فاشلة، ونفوس قمة في الأنانية.

هكذا صارت ديمقراطية السلطة كابوسا يعيشه الشعب في كل لحظة، لسبب بسيط غياب المؤسسات الدستورية التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بل غياب الدستور الحقيقي الذي يأتي من ارادة الشعب وتكتبه اقلام وعقول تضح مصلحة الشعب والوطن في المقدمة، لهذا فشلت ديمقراطية السلطة، حتى بعض الانظمة التي كانت تحاول ان تكون الى جانب الشعب، فشلت في ذلك بسبب شكلية الدستور، وعدم الالتزام به فضلا عن ضعفه أصلا.

أما سلطة الديمقراطية فهي النموذج السياسي المطلوب، لأنها تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، وقد جرب العراقيون هذا النوع من السلطة بعد نيسان 2003، ولكن غالبا ما ترافق بدايات التصحيح علل كثيرة، وامراض تتسلل من ثغرات كثيرة، من هنا رافقت ديمقراطية السلطة امراض كثيرة، اضعفت الدستور ولم تستطع بناء دولة المؤسسات، لاسباب كثيرة، داخلية وخارجية، فقد سادت بين القادة السياسيين من اصحاب سلطة الديمقراطية صراعات كبيرة وكثيرة، اضعفت اداء الديمقراطية، واسهمت في انتشار فساد اداري ومالي كبيرين، فضلا عن انتشار قيم اجتماعية مريضة بين مكونات المجتمع العراقي.

وهناك من يرى ان التجربة العراقية مع سلطة الديمقراطية كانت مستهدَفة، من الخارج، إقليميا ودوليا، حتى لا تنجح هذه التجربة وتؤثر على انظمة الحكم الفردية، فأطلقت بعض الانظمة الاقليمية (وفقا لمصالحها) سلسلة من المعوقات ضد التجربة العراقية الجديدة، منها نشر الارهاب والفوضى والاقتتال الطائفي، وتأجيج الصراعات بين الكتل والاحزاب السياسية في العراق، فضلا عن تشجيع الروح العدائية بين الاعراق والطوائف والاقليات المختلفة التي تقطن العراق، ومنها من عمل على تدمير البنى الزراعية والصناعية وسوامان حتى يتحول العراق سوقا لمنتجاتهم!!، وكانت جميع هذه المحاولات كما يؤكد مراقبون، تصب في افشال تجربة سلطة الديمقراطية في العراق، إذ كان مخططا لها كما يرى مراقبون، أن تكون النموذج الديمقراطي الأمثل لدول المنطقة، حتى تستفيد الشعوب القريبة من التجربة العراقية الجديدة، كي تكون قادرة على استخدام قوة الديمقراطية، وتقضي على انظمة الحكم الفردية، وتقيم حكومات تحكمها سلطة الديمقراطية وليس العكس كما يحدث الآن.  

في الخلاصة، أن هذا النوع من الديمقراطية، هو ما يسعى اليه العراقيون الآن، انهم يحاولون بناء مؤسسات دستورية مستقلة، تساعد على ترسيخ سلطة الديمقراطية في البلاد وليس العكس، وعلى الرغم من العقبات الكبرى التي تواجهها هذه التجربة، إلا اننا نلاحظ هناك ارادة لبناء دولة ديمقراطية، ولكن هناك عثرات ومعوقات جوهرية، لابد من تجاوزها، خاصة ما يتعلق بالثغرات الدستورية، وسواها، الامر الذي يستدعي اعادة تصحيح للمسارات السياسية على نحو دائم في تجريب سلطة الديمقراطية والاستفادة منها في بناء الدولة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آب/2014 - 18/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م