قيم التقدم: التفكير المدني

شبكة النبأ: التفكير المدني، هو التطور التفكيري في كيفية خلق الظروف المناسبة للانتاج الافضل في ميادين التنظير والتطبيق كافة، فهناك دول كبيرة استطاعت أن ترسخ مفهوم التفكير المدني وطوّرت من خلاله مفاهيم كثيرة مهمة ومفيدة، يقف على رأسها العمل التطوعي الذي يمكن أن يتبناه عموم افراد المجتمع نتيجة لاعتمادهم التفكير المدني، حتى اصبح هذا النوع من العمل طبيعة حياتية يومية مستساغة من لدن الجميع، وتم بناء مدن كبيرة ومشاريع كثيرة وفق اسلوب العمل التطوعي، بعد أن فهم الجميع بالمفهوم المدني للتفكير وآمنوا به، واتخذوا منه طريقا للحياة بصورة اشمل.

ما يحدث في بلد كالعراق، هو عدم اهتمام، بل تغافل واضح لهذا النوع من التفكير، واهماله كقيمة مهمة من قيم التقدم، مع شيوع حالة اللامبالاة ازاء هذا النوع من التفكير لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء، لذلك تقع المسؤولية بخصوص تعميق هذه القيمة ونشرها في النسيج المجتمع على الدور الثقافي للجماعات، في التي تتحمل حالة التراجع في هذه القيمة، خاصة ان شريحة الطلبة الجامعيين كبيرة جدا، ومؤثرة في الوسط المجتمعي، وعندما تقوم الجامعة بدورها في تكريس هذا القيمة بين الطلبة كما ينبغي، فإن النتائج ستكون لصالح هذا النوع من التفكير المدني، ويحقق قفزة في تطوير المجتمع كله. وثمة تساؤل مهم مفاده، هل تقوم منظمات المجتمع المدني المعنية بتطوير مفهوم التفكير المدني بدورها؟ وسوف يردف التساؤل الاول بتساؤل ثان، هل تقوم الجهات الرسمية بدورها المطلوب في هذا المجال؟. ولعل الاجابة المأخوذة عن الواقع ستؤكد بصورة قاطعة على أن منظمات المجتمع المدني المعنية وغيرها من الجهات الاهلية لا تزال تدور في فلك المصالح والفوائد الفردية والشللية، وهي لا تزال تجلس في ابراجها العاجية بمعزل عن القيم المتقدمة التي تعمل على تطوير الدولة والمجتمع، وكأنها تمارس دور القيادة الفخرية لا غير، فلم نر الجهد الفعلي المطلوب الذي ينزل الى الشارع ويساعد الناس على هضم وقبول واعتياد هذه القيمة المهمة للتفكير المدني، التي نقلت المجتمعات من حالات التخلف والتردي والضمور الى درجات عليا من الرقي والتمدّن.

وهكذا لابد أن تقوم الجهات المعنية بدورها الرئيس في تعميق قيمة التفكير المدني، ولابد أن تسهم في نشر هذه القيمة وتقوم بتكريسها على اوسع نطاق ممكن، ولابد أن يكون هناك دعم من المنظمات الثقافية والمدنية الاخرى، فضلا عن الدور الحكومي من حيث التمويل والمتابعة والتحفيز وما شابه، فالحكومة في هذه الحالة كمن يساعد نفسه على تحقيق الاهداف المطلوبة منه، وهذا عمل يصب بالنتيجة في صالح الدولة والمجتمع ايضا، اذ ينعكس على طبيعة الحياة والانتاج عموما، ومدى اقتراب المجتمع من روح العصر او العكس، هنا لابد من التأكيد على أن دور الجميع ينبغي أن يكون حاضرا لاسيما النخب، في مجال نشر وتطوير هذه القيمة المتقدمة بين افراد وشرائح المجتمع إذ ينبغي لدور النخب وقادتها أن يسبق غيره من الادوار في مجال تعضيد وتطوير قيمة التفكير المدني، وان يكون هناك دعم حكومي ملحوظ للمنظمات القادرة على الاسهام بجدية في نشر قيمة التفكير المدني، لاسيما في جانب التمويل، ولابد من وضع آليات وخطوات عمل اجرائية من لدن لجان متخصصة تقوم بدورها في مجال نشر وتكريس هذه القيمة المتقدمة، كي نضمن انتشارها بين النسيج المجتمعي المتعدد.

ولا بأس من الاطلاع على التجارب الانسانية التي سبقتنا في هذا المجال بالنسبة للدول والشعوب الاخرى، ضمن مجال التلاقح الفكري، وليس التبعية او التقليد، فكما نقرأ في احدى الدراسات التي تخص هذه القيمة المتقدمة، فإن قيمة التفكير المدني تعتبر أن حرية العقل حق ولا يحسب نتائج هذا الحق، الذي يوصل لحرية الجسد والمعتقد والإبداع، أما التفكير القروي فإنه يضع المسائل في تبسيطها الاعتيادي، وبهذا فإننا نحتاج الى هذا النوع من التفكير ذي الطابع المدني حتى يمكننا اللحاق بالركب العالمي، من خلال الارتفاع بالمجتمع ومؤسسات الدولة كافة، عن طريق نشر هذا القيمة، وجعلها من اولويات الناس بغض النظر عن تباين المستوى العلمي والثقافي والفكري لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آب/2014 - 16/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م