أفغانستان... ماذا بعد رحيل الحلفاء؟

 

شبكة النبأ: فيما تستعد أفغانستان لتجربة مرحلة جديدة من مسارها السياسي والأمني، بعد انسحاب القوات الأجنبية العاملة داخلها منذ اسقاط نظام طالبان عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، فان التحديات التي تواجه الحكومة القادمة (في حال تشكيلها)، والعملية السياسية برمتها، كبيرة للغاية، فطالبان، إضافة الى الحركات الإسلامية المتطرفة الأخرى، والتي تحاول قلب المعادلة الأمنية لصالحها، ما زالت تشن العديد من الهجمات الكبيرة، والتي يذهب ضحيتها المدنيين، إضافة الى القوات الأمنية التي تواجه المسلحين بإمكانات يصفها الخبراء العسكريين، بانها بسيطة ومحدودة التأثير، فيما فشلت مساعي السلام المعلنة والسرية، لإنهاء معاناة المدنيين، بإقامة سلام دائم مع طالبان وانهاء الصراع المسلح القائم منذ عقود من الزمن، من دون ترجيح لكفة على حساب الأخرى.

ويخشى المراقبون من تعرض العملية السياسية الجارية حاليا في أفغانستان الى نكسات تعرضها لخطر الانهيار، في حال حدوث خلافات حادة حول السلطة، كما يجري حاليا بين مرشحي الرئاسة الأفغانية بعد تبادل الاتهامات بعمليات التزوير، سيما وان البيئة العشائرية قد تساعد على اندلاع حروب ونزاعات داخلية لا يمكن نزع فتيلها بسهولة، الامر الذي يصب، في المحصلة النهائية، لصالح التنظيمات المتطرفة العاملة بقوة في أفغانستان.

في سياق متصل قال الممثل الخاص الذي عينته الحكومة الصينية حديثا في كابول إن بكين لا تسعى إلى ملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان لكنها ستلعب دورا تجاريا "هائلا" في إعادة إعمار البلاد، وتستعد الصين (التي يربطها بأفغانستان ممر جبلي ضيق سالك بالكاد) بهدوء لتسلم المزيد من المسؤوليات في أفغانستان بعد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة من البلاد بنهاية العالم الحالي، وقال عدد من المسؤولين الغربيين إنه من المرجح أن تصبح الصين لاعبا استراتيجيا في أفغانستان لكن الدبلوماسي صان يوتشي (الذين عين حديثا كممثل خاص لبكين في كابول) أكّد أن انخراط الصين في الشؤون الأفغانية سيقتصر في معظمه على التجارة. بحسب رويترز.

وقال صان للصحفيين في بكين "لا أعتقد أن فكرة ملء الفراغ بعد انسحاب القوات العسكرية موجودة"، وأضاف صان أن بلاده تتطلع إلى شراكة اقتصادية أكبر بكثير مع أفغانستان ستكون أساسية لتحقيق الاستقرار في البلاد، وقال "إن الحفاظ على الاستقرار في أفغانستان ليس مسألة زيادة عدد الجنود هناك بل مساعدتها على اعادة الاعمار بسرعة، نأمل أن نشهد تراجعا سريعا للسلاح وارتفاعا كبيرا في مستوى الرخاء"، وصان هو دبلوماسي مخضرم لديه خبرة في الشؤون الأفغان منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وأضاف صان "على الحكومة الأفغانية الجديدة أن تكون مسؤولة بشكل أساسي عن إحلال الأمن، الولايات المتحدة تستعد للانسحاب ونحن نرحب بهذا الأمر"، ومضى بالقول "كما نرحب باحتفاظ الولايات المتحدة بعدد من القواعد العسكرية لأغراض المراقبة لبعض الوقت وبجهود التعاون لمساعدة الشعب الأفغاني والحكومة على مكافحة الإرهاب".

خسائر فادحة

بدورهم أوقف مسلحون، يشتبه بأنهم من حركة طالبان، سيارتين في وسط أفغانستان وأعدموا 15 راكبا كانوا على متنهما على حافة الطريق، بحسب السلطات الأفغانية، وقال عبد الحي خطيبي، المتحدث باسم حاكم ولاية غور، التي غالبا ما تبقى بمنأى عن أعمال العنف، إن "المهاجمين أوقفوا سيارتين وطلبوا من الركاب الوقوف في الصف وأعدموهم الواحد تلو الآخر"، وأضاف "تمكن رجل من الفرار وقتل الآخرون جميعا رميا بالرصاص في الرأس والصدر" مشيرا إلى أنه تم إعدام 11 رجلا وثلاث نساء وطفل بهذه الطريقة، وأكد قائد الشرطة المحلية فهيم قائم الحادث متهما متمردي طالبان بتنفيذ الهجوم، وقتلت فنلنديتان تعملان في جمعية للمساعدات الإنسانية برصاص مسلحين فيما كانتا في سيارة أجرة في ولاية هرات (غرب أفغانستان) التي تعتبر أكثر هدوءً من جنوب البلاد، كذلك قتل ستة أفغان في عملية انتحارية في ولاية تخار النائية شمال البلاد، وتقع أعمال العنف هذه في وقت يسود توتر أفغانستان قبل أشهر من انسحاب قوات الحلف الأطلسي من البلاد بحلول نهاية العام، ومع قيام أزمة سياسية على خلفية اتهامات بحصول عمليات تزوير خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران/يونيو. بحسب فرانس برس.

وقالت الأمم المتحدة في تقرير إن الحرب في أفغانستان تلحق خسائر فادحة وعلى نحو متزايد بالمدنيين مع زيادة عدد الضحايا بين صفوفهم بنسبة الربع في خلال النصف الأول من هذا العام، وتنسحب القوات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة بالتدريج من قواعدها العسكرية في أرجاء أفغانستان بعد 12 عاما من القتال ضد متشددي حركة طالبان ما يساهم في تردي الوضع الأمني وتحمل المدنيين عبء العنف، وقالت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان إن المعارك البرية أوقعت الجزء الأكبر من الوفيات والإصابات ذات الصلة بالصراع مشيرة إلى أن عدد الضحايا بين الأطفال تضاعف في الأشهر الستة الأولى من عام 2014، وأشارت إلى أن عدد الوفيات والإصابات بين النساء زاد بنحو الثلثين مقارنة بنفس الفترة في عام 2013.

وقال يان كوبيس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة في أفغانستان إن "طبيعة النزاع في أفغانستان تتغير عام 2014 مع تزايد التصعيد على الأرض في الأماكن المأهولة بالسكان"، وأضاف "أن التأثير كارثي على المدنيين وخصوصا أولئك الأكثر عرضة للخطر"، وأفاد التقرير ان البعثة الدولية سجلت وقوع 4853 ضحية بين المدنيين بين الأول من يناير كانون الثاني و30 يونيو حزيران بارتفاع بلغ 24 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي بينها 1564 حالة وفاة بين المدنيين بارتفاع نسبته 17 في المئة فضلا عن 3289 إصابة بارتفاع نسبته 28 في المئة، وأشار التقرير إلى أن عدد الضحايا بين الاطفال ارتفع 34 في المئة ليبلغ 1071 بينهم 295 وفاة و776 اصابة في حين ارتفع عدد الضحايا بين النساء بنسبة 24 في المئة ليبلغ 440.

وشهدت هذه الفترة ازدياد حدة القتال في المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة في الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأجنبية من معظم المناطق، تزايدت بشكل كبير الاصابات الناجمة عن قذائف مورتر وقذائف صاروخية ونيران الأسلحة الخفيفة في النصف الاول من هذا العام، ويأتي هذا الارتفاع على الرغم من التعهدات المتكررة من قيادة طالبان بعدم استهداف المدنيين، وقال التقرير إن طالبان شنت 69 هجوما استهدفت فيها المدنيين بشكل متعمد بينهم شيوخ عشائر ومسؤولين حكوميين.

فيما قالت الشرطة الأفغانية إن سيارة ملغومة انفجرت أثناء مرورها في سوق مزدحمة بإقليم بكتيكا بشرق أفغانستان مما أسفر عن سقوط 89 قتيلا على الأقل في أحد أعنف الهجمات في البلاد هذا العام، ووقع الهجوم بالقرب من الحدود التي يسهل اختراقها مع وزيرستان الشمالية في باكستان حيث يهاجم جيش اسلام اباد مخابئ حركة طالبان الباكستانية خلال الأسابيع القليلة المنصرمة وهو ما دفع المتشددين إلى التراجع صوب أفغانستان، وقال الجنرال ظاهر عظيمي المتحدث باسم وزارة الدفاع "عدد الضحايا مرشح للارتفاع"، ويأتي هذا الهجوم في مرحلة مضطربة في أفغانستان بينما تعيد السلطات المعنية في أفغانستان فرز الأصوات في انتخابات رئاسية متنازع عليها والتي تعهدت طالبان بتخريبها، لكن طالبان نأت بنفسها عن الهجوم وقالت إن قائدها أمر المقاتلين بعدم استهداف المدنيين.

وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان الباكستانية في بيان "ستظهر الحقيقة وراء هذا الهجوم بعد التحقيق لكننا نعلن بوضوح أنه مجاهدي إمارة أفغانستان الإسلامية لم ينفذوا هذا الهجوم"، وأضاف "أن مجاهدينا لا يقومون بمثل هذه الهجمات التي لا تعود عليهم بالنفع"، وقال نائب قائد الشرطة المحلي أحمد عبد الرحيم ضي أن الشرطة تلقت بلاغا عن السيارة وكانت تطاردها عندما انفجرت، وقال محمد رضا حاكم المنطقة "الانفجار كان كبيرا ودمر العديد من المتاجر، عشرات الأشخاص محاصرون تحت الأنقاض"، وأضاف أن "عدد المصابين سيرتفع إلى أكثر من مئة كما سيزيد أيضا عدد من استشهدوا"، وفي كابول قالت الشرطة إن قنبلة مزروعة على الطريق فجرت عن بعد قتلت موظفين بالمكتب الاعلامي للرئيس حامد كرزاي وأصابت خمسة، وأعلنت حركة طالبان المسؤولية، ووقعت الهجمات في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأجنبية للانسحاب تدريجيا من البلاد.

ازمة سياسية

فيما تعمقت أزمة الانتخابات الرئاسية في افغانستان عندما اتهم عبد الله عبد الله أحد المرشحين الرئيسيين نائبا للرئيس الأفغاني حامد كرزاي بأنه أشرف على تزوير النتائج لمصلحة منافسه أشرف عبد الغني، ونشر أنصار عبد الله وهو وزير سابق للخارجية تسجيلا صوتيا قالوا إنه لمحمد كريم خليلي نائب الرئيس وهو يحث على تزوير نتائج الانتخابات لترجيح كفة عبد الغني، وقال العاملون مع خليلي وعبد الغني إن التسجيل ملفق، وألقت مزاعم بشأن عمليات تزوير واسعة النطاق بشكوك على نتيجة الانتخابات التي تهدف الى نقل السلطة ديمقراطيا للمرة الاولى في تاريخ افغانستان قبل انسحاب معظم القوات الاجنبية من البلاد بحلول نهاية العام.

وتجري حاليا تحت إشراف الأمم المتحدة مراجعة ثمانية ملايين صوت أدلى بها الناخبون في الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت في يونيو حزيران وذلك بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة، ومنيت المراجعة بعدة تأجيلات لعدم اتفاق عبد الله وعبد الغني على بعض النقاط الفنية بما في ذلك كيفية إبطال الأصوات، والتسجيل الصوتي هو أحدث الأدلة التي يقول أنصار حملة عبد الله إنها تبرهن على تواطؤ على مستوى عال في محاولة لإعلان ان عبد الغني (وهو وزير سابق للمالية وخبير في البنك الدولي) هو الفائز، ويشير صوت المتحدث الوارد في التسجيل الى مطالبة الادارة بأعلى قدر من التزوير لضمان اعلان فوز عبد الغني، ولم يوضح معسكر عبد الله متي ألقيت الكلمة التي وردت في التسجيل أو كيف تم الحصول على التسجيل. بحسب رويترز.

ولم يتسن التحقق بصورة مستقلة من مدى صحة التسجيل، وقال مكتب كرزاي إنه ليس لديه أي تعليق فوري، وقال عباس بصير كبير موظفي خليلي "الشريط الصوتي ملفق تماما، خليلي لا يتحدث بهذه الطريقة، يلجأ المعسكر المنافس الى مثل هذا الفعل لأنه يتعرض لضغوط هائلة"، وأشارت نتائج الفرز المبكر للأصوات (الذي توقف إثر مزاعم سابقة من عبد الله بتزوير الأصوات) الى تقدم عبد الغني بأغلبية كبيرة، واستؤنفت المراجعة بعد توقف استمر اسبوعا إلا ان معسكر عبد الله قاطع هذه العملية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آب/2014 - 14/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م