أمريكا وسياستها الخارجية...

بين إرهاصات التخبط والبراغماتية الازدواجية

 

شبكة النبأ: كثيرا ما يتم انتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية (من الداخل والخارج) في عهد أوباما ووزير خارجيته جون كيري، الذي انتقد صراحة ما وصفها (بالانعزالية)، وتحول الامة الامريكية الى (امة فقيرة)، في أشاره تتضمن انتقاد مساعي تحفيض الانفاق بتوصيات من الجمهوريين داخل الكونغرس الأمريكي (الذي يحاول أيضا محاكمة أوباما بتهم تتعلق بمخالفة الكونغرس)، وقال "بدأنا نتصرف كأمة فقيرة" واضاف "ان بعض الامريكيين لا يدركون الصلة بين دور الولايات المتحدة في الخارج والاقتصاد الامريكي بل بوظائفهم والمصالح الامريكية الأوسع".

من جهته قال الرئيس الأمريكي أوباما (وغالبا ما يبدو في موقف المدافع عن مواقف البيت الأبيض على مستوى القرارات الخارجية)، "نعيش في عالم معقد وفي مرحلة مليئة بالتحديات التي لا تقبل الحلول السهلة أو السريعة ولكن جميعها تتطلب قيادة أمريكية"، وكقائد أعلى انا واثق من أننا اذا بقينا صابرين ومصممين سنتمكن في الواقع من التصدي لهذه التحديات"، الا ان الكلام يختلف كثيرا عن الأفعال، كما يرى حلفاء الولايات المتحدة، والذين وجهوا الكثير من النقد لسياسة أوباما وصلت حد التجاوز والجفاء، كما حدث مع إسرائيل في اكثر من موقف (الملف النووي والسلام مع فلسطين، إضافة الى وقف اطلاق النار).

وكتب (ديفيد إجناتيوس) في صحيفة واشنطن بوست "أن أوباما كان ذا مواقف ثابتة بشأن أوكرانيا وفي السعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق قبل بدء الغارات الجوية، ولكنه أشار إلى أن التأخر في وضع خطة لوقف الانتفاضة الإسلامية في العراق والعلاقات الثنائية المتضررة مع ألمانيا هما مثالان على القصور الموجود في البيت الأبيض"، فيما أشار خبراء ومحللين الى ان هذا التباين يعكس طبيعة الولايات المتحدة الامريكية ذاتها في استخدام (معايير مزدوجة) او (مكيالين مختلفين) في وزن أي قضية ذات ابعاد مختلفة، وربما الضربات الجوية الأخيرة التي قامت بها لمنع تقدم مسلحي تنظيم داعش نحو أربيل، في الوقت الذي ماطلت كثيرا في تقديم مساعدات مماثلة للحكومة المركزية، رغم تقديم الأخيرة طلبا رسميا الى الولايات المتحدة، قد تكون المثال الاوضح على هذه الازدواجية.

وقد أظهر استطلاع للرأي قامت به مراكز متخصصة، أن 37 في المئة فقط من الأمريكيين يوافقون على طريقة إدارة أوباما للسياسة الخارجية في مقابل عدم رضا 57 في المئة، فيما أشار الاستطلاع إلى أن نسبة الرضا عن السياسة الخارجية هي الأدنى التي تسجل لأوباما منذ توليه الرئاسة.

التعثر في الشرق الأوسط

في سياق متصل يعكس فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة رغم مساع دبلوماسية مكثفة، حدوث تغيرات إقليمية وظهور آليات جديدة في المنطقة مع تضاؤل نفوذ أكبر قوة في العالم وتقلص عدد حلفائها، وعندما غادر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري واشنطن في 21 يوليو تموز في مسعى لوقف الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين كان عدد القتلى الفلسطينيين قد بلغ 400 قتيل معظمهم مدنيون إلى جانب 20 إسرائيليا بينهم 18 جنديا، وبعد ذلك بنحو اسبوعين وفي أعقاب جهود دبلوماسية محمومة شملت مقابلات في القاهرة والقدس ورام الله وتل أبيب وباريس وعشرات من المكالمات الهاتفية ارتفع عدد القتلى بواقع ثلاثة أمثال وانهارت هدنتان واستعر القتال.

وأعلنت إسرائيل انهيار هدنة مدتها 72 ساعة في غزة بعد ساعات من بدئها قائلة ان نشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) انتهكوا الهدنة وانهم أسروا ضابطا إسرائيليا فيما يبدو وقتلوا اثنين آخرين، وقال مسؤولون في مستشفى إن تجدد القصف الإسرائيلي تسبب في مقتل أكثر من 70 فلسطينيا وإصابة نحو 220 وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة حماس وغيرها من الجماعات بانها "ستتحمل عواقب أفعالها"، وبعيدا عن العداء بين الجانبين (وحيث لا يظهر أن أيا منهما قريب من تحقيق أهدافه) يبدو ان التحدي الدبلوماسي أمام واشنطن يزداد تعقيدا في ظل تراجع نفوذها في الشرق الأوسط، ومن بين العوامل التي ساهمت في ذلك وجود توتر بين بعض الدول العربية الكبرى التي ترى في الصراع حربا بالوكالة ضد حماس وحلفائها الإسلاميين وبعض المساعي الدبلوماسية الأمريكية الخرقاء بالإضافة إلى التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال دانييل كيرتزر وهو سفير أمريكي سابق في إسرائيل ومصر ويعمل حاليا بجامعة برينستون "ما من شك في أن النفوذ الأمريكي تراجع" في العالم العربي، كما تقوضت مصداقية الولايات المتحدة بسبب عدم استعدادها للتدخل في الحرب الأهلية السورية وفشل مساعي كيري في أبريل نيسان في إبرام اتفاق سلام أشمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى جانب الاضطرابات في العراق رغم التدخل الأمريكي الهائل على مدى عشر سنوات، كما أججت المفاوضات الأمريكية مع إيران بشأن برنامجها النووي مخاوف العرب من تقارب بين طهران وواشنطن، وقال كيرتزر "يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة لا تدرك بشكل كامل مدى تعقيد الأوضاع في المنطقة" مشيرا إلى أن هناك فكرة بدأت تترسخ لدى بعض الدول في المنطقة وهي أن بإمكانها تحدي الولايات المتحدة دون أن تدفع الثمن. بحسب رويترز.

وفي حادث له دلاله وانتهاك غير عادي للبروتوكول جرى تفتيش كيري ومساعديه الكبار بأجهزة الكشف عن المعادن أثناء وصولهم لاجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة يوم 22 يوليو تموز، وفي إسرائيل هاجمت تقارير إعلامية (أذكاها مسؤولون إسرائيليون فيما يبدو) كيري بشدة لدى مغادرته للمنطقة، وقال بين كاسبيت وهو كاتب عمود ينتمي لتيار الوسط في صحيفة معاريف الإسرائيلية "جون كيري مصدر دائم للإحراج يشبه كرة الثلج، كلما تدحرج زاد الإحراج"، ويقول عدد من المحللين إن جانبي الصراع لم يكونا على استعداد لوقف القتال عندما بدأ كيري مساعيه الدبلوماسية المكوكية في تلميح إلى أنه لم يختر التوقيت المناسب، وليس من الواضح الآن متى سيعود كيري إلى المنطقة إن كان سيعود أصلا.

ودافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن كيري رغم سخريته من فكرة أن الولايات المتحدة خسرت نفوذها أو أن باستطاعتها حل كل المشاكل، وقال أوباما للصحفيين "من الواضح أن الناس نسوا أن أمريكا كأقوى دولة على وجه الأرض مازالت لا تتحكم في كل ما يجري في أنحاء العالم"، وأضاف "مساعينا الدبلوماسية كثيرا ما تستغرق وقتا، وكثيرا ما نشهد تقدما ثم تراجعا، هذه طبيعة الشؤون الدولية، ليست منظمة ولا سلسة"، وزاد تعقيد المهمة الأمريكية بسبب الانقسام في العالم العربي بين القوى الإسلامية مثل حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر والقوى التقليدية التي تعتبرهما تهديدا مباشرا.

ومصر مثال واضح، فالسيسي الذي كان قائدا للجيش وصل للسلطة بعد أن عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تربطها صلات وثيقة بحماس، وقال روب دانين وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ويعمل الآن في مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية "دور مصر تغير من كونها وسيطا إلى طرف بعد أن أصبحت مصالحها على المحك وفي ظل وجود عداء أو على الأقل خلاف مع حماس"، ونتيجة لذلك اتجه كيري إلى قطر وتركيا (البلدين اللذين يتعاطف حكامهما بقدر أكبر مع حماس) للتأثير على الحركة الفلسطينية من أجل دعم وقف إطلاق النار، وفي باريس انضم كيري إلى وزراء خارجية قطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ليوجه نداء مشتركا لمد هدنة كانت مدتها آنذاك 12 ساعة، وفي نهاية المطاف انهارت هذه الهدنة أيضا.

ولم يحضر هذا الاجتماع أي مندوب عن السلطة الفلسطينية أو القوى العربية التقليدية مثل مصر والسعودية أو حلفاء واشنطن من الخليج، وقال غيث العمري المدير التنفيذي لمؤسسة (أمريكان تاسك فورس أون بالاستاين) ومقرها واشنطن "الرأي العام المتشكك بالفعل في الخليج والعالم العربي ينظر لما يحدث باعتباره ترسيخا لأسوأ مخاوفه"، وزادت المخاطر بالنسبة للجانبين منذ بدأت إسرائيل هجومها الجوي والبحري على غزة يوم الثامن من يوليو تموز في مسعى لوقف إطلاق الصواريخ من القطاع الساحلي ثم أعقبته بعدها بعشرة أيام بغزو بري محدود، وبسبب حجم الخسائر يبدو من الصعب الآن على أي من الجانبين الانسحاب دون تقديم أي شيء مقابل إراقة الدماء، ولا يبدو أن أيا من الجانبين حقق أهدافه، فحماس تسعى لرفع الحصار عن غزة بينما تحاول إسرائيل تقليص القدرة العسكرية للحركة (والتي تشمل الصواريخ والأنفاق) وردعها عن تنفيذ هجمات في المستقبل.

شراكة عبر المحيط الهادئ

فيما صرح الرئيس الاميركي باراك اوباما مؤخرا انه يأمل في التوصل الى اتفاق حول مشروع للتبادل الحر بين دول المحيط الهادئ بحلول موعد زيارته المقبلة الى اسيا في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وتشمل هذه الشراكة عبر المحيط الهادئ 12 دولة تمثل اربعين بالمئة من حجم التجارة العالمية، وقد تأخر التوصل الى اتفاق بسبب مفاوضات حول فتح الاسواق بين اليابان والولايات المتحدة، وصرح اوباما انه بحث الجمعة هذا المشروع مع رئيس وزراء نيوزيلاندا جون كاي الذي يزور واشنطن وانه يأمل في التوصل الى "وثيقة" قبل نهاية العام، وقال "املي هو ان يكون لدينا شيء نقدمه للكونغرس بحلول لقائنا المقبل في تشرين الثاني/نوفمبر عندما سأزور اسيا"، محذرا من انه ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به قبل التوصل الى اتفاق.

وسيشارك اوباما نهاية العام في قمة منتدى التعاون الاقتصادي بين اسيا والمحيط الهادئ في بكين، كما سيشارك في قمة حول شرق اسيا في رانغون ثم في قمة مجموعة العشرين في بريزبين في استراليا، وسيلتقي المفاوضون حول هذه الشراكة، وفي جولة المفاوضات الاخيرة التي جرت في ايار/مايو، اتفق وزراء التجارة على تكثيف برنامج المفاوضات لكنهم لم يتمكنوا من القول متى يمكن التوصل الى اتفاق، وقال الممثل الاميركي للتجارة مايكل فرومان للصحافيين حينذاك "لم نحدد مهلة او برنامجا زمنيا" للتوصل الى اتفاق، وتباطأت المفاوضات بسبب المناقشات التي تجريها طوكيو وواشنطن حول تفاصيل اساسية بينها التعرفة التي تفرضها اليابان على الواردات الزراعية ودخول الولايات المتحدة الى اسواق السيارات اليابانية.

ويشكل هذان البلدان ثمانين بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي لمنطقة التبادل الحر للمحيط الهادئ، والدول التي تشارك في المفاوضات لتشملها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ هي استراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان وماليزيا ومكسيكو ونيوزيلاندا والبيرو وسنغافورة والولايات المتحدة وفيتنام، وعبرت دول نامية من بينها ماليزيا عن اعتراضات على عدد من النقاط من بينها الحد من دور الشركات التي تملكها الدولة بينما واجهت بنود تعلق بحق الملكية وتمنع انتشار الادوية النوعية الرخيصة الثمن، انتقادات، ويخشى شركاء الولايات المتحدة ان يخفق اوباما في الحصول على موافقة الكونغرس ولا سيما في سنة انتخابات منتصف الولاية تشكل فيها التجارة عادة مصدر انقسام كبير. بحسب فرانس برس.

وهذا واحد من الاسباب التي تدفع اوباما الى التشديد على الفرصة التي يشكلها ابرام هذه الاتفاقية في خلق الوظائف للاقتصاد الاميركي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة نسبة عالية من البطالة، وقال متحدث باسم مكتب الممثل الاميركي للتجارة ان المفاوضات ستنجز "عندما يكون لدينا اتفاق قوي يعرض على الشعب الاميركي"، واضاف ان باراك اوباما "سيلتقي كبار القادة في اسيا في تشرين الثاني/نوفمبر وستكون هذه اللقاءات مناسبة للبحث في المفاوضات ومواصلة الزخم الذي تحقق خلال الاشهر الماضية"، ولا تستبعد بكين بالكامل الانضمام الى اتفاق الشراكة عير المحيط الهادئ يوما ما لكنها تفضل مشروعا منافسا محض آسيوي يجمع 16 دولة بدون الولايات المتحدة، وهي مبادرة تدافع عنها رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان).

اعادة رسم السياسة الخارجية

من جانب اخر كان من المفترض أن تكون فترة باراك أوباما الثانية في الرئاسة الأمريكية فرصة تتويج له يضع فيها بصمته على الساحة العالمية، لكنه يقود بدلا من ذلك جهدا مكثفا لإعادة رسم سجله في السياسة الخارجية ويبدو أن الرياح تأتي إليه بما لا تشتهي السفن، فحملة العلاقات العامة على مستوى إدارته والتي دشنها أوباما هذا الأسبوع بكلمة طويلة عن السياسة الخارجية لم تحقق نجاحا يذكر في إسكات منتقديه الذين يرون دائما إنه يسير على الساحة العالمية بغير هدى بينما ينتقل البيت الأبيض من أزمة لأخرى، وبينما لم يعد أمام أوباما في المنصب سوى عامين ونصف العام فإن فرص تركه ميراثا ناجحا على الساحة الخارجية بحلول نهاية فترته الرئاسية الثانية تواجه فيما يبدو تحديات صعابا من أوكرانيا إلى سوريا إلى بحر الصين الجنوبي.

ورغم أنه رسم خطوطا لاستراتيجية تتضمن أدوات عسكرية ودبلوماسية قوية من تحالفات وعقوبات للاضطلاع بدور الزعامة العالمية فمن غير الواضح ما إن كان هو ومساعدوه لديهم الرؤية (ناهيك عن الوقت) لتغيير الانطباع بضعف نفوذ الرئاسة على الساحة العالمية، وقال آرون ديفيد ميلر مستشار شؤون الشرق الأوسط لإدارات جمهورية وديمقراطية سابقة "هذا رئيس يكره المجازفة ومن غير المرجح أن يقطع شوطا كبيرا، كما أنه يواجه سلسلة مشاكل لا تناسبها طرق الإصلاح الأمريكي السريعة السهلة"، وفي صدارة القائمة تأتي أوكرانيا حيث وقف أوباما وغيره من زعماء الغرب بلا حول ولا قوة أمام سيطرة روسيا على القرم، ووجه ذلك التحرك ضربة قوية لسياسة "إعادة ضبط" العلاقات مع موسكو التي أعلنها أوباما في فترته الرئاسية الأولى ودفع منتقديه الجمهوريين لوصفه بالسذاجة لأنه وثق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأفضل نتيجة يمكن أن يتوق لها أوباما في هذا السياق قد تتمثل في إحجام موسكو عن السيطرة على مزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا وهو ما قد يعد شهادة تسجل للعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، لكن يصعب وصف هذا بأنه إنجاز ذو أبعاد تاريخية في فترة رئاسته الثانية، واكتسبت صورة أوباما كزعيم عالمي سلبي بعدا جديدا عندما ترك الحرب الأهلية تتفاقم في سوريا، وأثار امتناعه عن ضرب القوات السورية العام الماضي بعد أن تخطت "خطا أحمر" باستخدام أسلحة كيماوية شكوكا حول استعداده لاستخدام القوة في أزمات أخرى بالعالم، ورغم أن أوباما أعلن خلال كلمته في حفل تخريج دفعة عسكرية في وست بوينت عن زيادة الدعم لمقاتلي المعارضة السورية أوضح أن الدور الأمريكي سيظل محدودا، أما كيف سيكون رد فعل أوباما إزاء مضي الصين في إبراز سطوتها في النزاعات البحرية مع جيرانها فسؤال صعب آخر على أوباما أن يجيب عليه خلال مدته المتبقية في الرئاسة.

ورغم أنه أسهب في التأكيد على مساعيه لتعزيز التواصل الأمريكي مع آسيا يظل التقدم بطيئا ويتساءل بعض الحلفاء عما إذا كان "محور" آسيا الذي تحدث عنه له وجود فعلي، وأكثر مبادرة واعدة في مبادرات أوباما الخارجية (وربما كانت أوضحها في كتابة التاريخ) هي مبادرته مع إيران التي أدت إلى استئناف المحادثات النووية العام الماضي، لكن أوباما أقر بأن الطريق لبلوغ النجاح في هذا الصدد طويل، وحتى وإن تم التوصل لاتفاق فإنه سيواجه صراعا مريرا لكسب تأييد الكونجرس الأمريكي ناهيك عن إسرائيل، كلمة أوباما نبعت من سخط الرئيس ومساعديه من الاتهامات بأنه تسبب في إضعاف زعامة أمريكا في العالم ومن قلقهم أن يتحول النقد إلى حقيقة واقعة في عيون البعض، وجاءت كلمة الأربعاء لتطلق مسعى يقوم به البيت الأبيض لمواجهة الانتقادات. بحسب رويترز.

ما من شك أن هناك نقاطا لامعة خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى ستعزز سجله ككل، من هذه النقاط إخراج أمريكا من العراق وتحركها في سبيل الانسحاب من أفغانستان ناهيك عن توجيه الأمر بتنفيذ المهمة التي قتل فيها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ويركز الرؤساء خلال الفترة الثانية عادة على الساحة الدولية وخاصة حينما يكون هناك كونجرس معرقل لطموحاتهم التشريعية، ويثير هذا احتمال أن يبذل أوباما مسعى جديدا في عملية صنع السلام الفلسطينية الإسرائيلية بعد انهيار المسعى الأمريكي الأخير وربما يقدم أيضا على مفاتحات جديدة تجاه كوبا، لكن نافذة أوباما قد تنغلق قبل أن يتمكن من تسجيل نقاط جديدة تحسب له، وتلوح حالة ضبابية مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الأمريكي هذا العام كما أن زعماء العالم ربما يكونون أقل ميلا لمد يد العون إن هم لمحوا أفول نجمه في الداخل، وفوق هذا كله تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن نصف الأمريكيين على الأقل لا يوافقون على أسلوبه العام في التعامل مع الشؤون العالمية.

وهناك من الرؤساء الأمريكيين من تغلب في فترته الثانية على مشاكل واجهته في البداية وسجل له المؤرخون نقاطا في سجل السياسة الخارجية، منهم الرئيس السابق رونالد ريجان الذي تأثرت فترة رئاسته الثانية بفضيحة إيران - كونترا لكنه يلقى الآن إشادة للسيطرة على الأسلحة النووية واتباع دبلوماسية صارمة أنهت الحرب الباردة، وتأثر سجل بيل كلينتون بعدم إبداء رد فعل قوي إزاء الإبادة الجماعية في رواندا خلال فترته الرئاسية الأولى لكن انخراطه في عملية صنع السلام في البلقان وفي مسعى طموح (وإن لم يكن ناجحا) لصنع السلام في الشرق الأوسط أكسبه نقاطا جيدة في نهاية فترة رئاسته، من ناحية أخرى لم تتحسن أبدا نسب التأييد الشعبي لجورج دبليو. بوش في فترته الثانية بسبب استياء الأمريكيين من حرب العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آب/2014 - 14/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م