ما تحتاجه فعلاً قوات البشمركة الكردية في العراق

مايكل نايتس

 

لم يكن أكراد العراق قبل الأول من آب/أغسطس قد شعروا بكامل وطأة اعتداءات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»، التي تطلق على نفسها الآن اسم «الدولة الإسلامية»). ولكن بعد توجيه التنظيم سلسلة من الضربات القوية ضد وحدات البشمركة الكردية بين الموصل والحدود السورية، باتت قوات «حكومة إقليم كردستان« منخرطة بشكل كامل. وفي 5 آب/أغسطس، صرح رئيس «حكومة إقليم كردستان« مسعود بارزاني قائلاً "[قررنا الخروج من مرحلة الدفاع]، ومحاربة الإرهابيين إلى آخر نفس، [أصدرنا الأوامر لقوات البيشمركة والجهات المعنية الأخرى] بمهاجمة المتطرفين [وأعداء الكرد وكردستان بكل ما أوتوا من قوة]."

وبالتأكيد يجدر بالولايات المتحدة أن تدعم حلفاءها التاريخيين - أي أكراد العراق - في هذه المعركة. ولكن وسط صخب الأصوات المطالبة بتدخل واشنطن لتسليح البشمركة، من الضروري استقاء بعض الدروس من القتال الأخير لإلقاء الضوء على الحاجات الأكثر إلحاحاً للجيش الكردي.

الأداء العسكري الكردي

بين الأول والثالث من آب/أغسطس أطلقت «داعش» هجوماً مرحلياً غرب محافظة نينوى في المثلث الذي يضم منطقة سد الموصل ومعبر الرابية على الحدود السورية وقضاء سنجار، وهو نتوء خاضع للسيطرة الكردية وسكانه بالدرجة الكبرى من الأقلية اليزيدية في العراق. ودفعت هذه الاعتداءات عدداً من قوات البشمركة إلى الانسحاب إلى منطقة «حكومة إقليم كردستان» أو حتى إلى كردستان السورية من أجل الفرار من وجه «داعش». وفي الوقت نفسه، تتخبط القوات الكردية في معركة استنزاف متأرجحة ضد «داعش» في بلدتَي جلولاء والسعدية، عند الناحية الشرقية من «إقليم كردستان» داخل محافظة ديالى.

وفي محاولة لتفسير انتكاسات البشمركة في هذه المعارك، ركّزت وسائل الإعلام الكردية على الحاجة إلى مزيد من الأسلحة وأكثرها حداثة. وكان أحد المواضيع الرئيسية الأخرى التي تناولتها هو النقص في الذخيرة - وهذه ذريعة تقليدية تستعملها جيوش الشرق الأوسط لحفظ ماء الوجه، انطلاقاً من المبدأ القائل إنه حتى أبسل الجيوش تضطر للتراجع إذا ما افتقرت إلى الوسائل اللازمة للقتال.

وفي حين قد تكون هذه التبريرات صحيحة جزئياً، تسلط المعارك في نينوى وديالى الضوء على عدد من نقاط الضعف الأخرى التي تعاني منها البشمركة والتي يمكن وينبغي الحد منها عبر التعاون الأمني الأمريكي. وتشمل نقاط الضعف هذه ما يلي:

· سوء تنظيم واستعداد القوات: لعل السبب الأول لسقوط غرب نينوى بيد «داعش» هو أن جهوزية القوات الكردية صعّبت الدفاع عن تلك المنطقة. فمناطق سنجار والرابية تضم بقعة أرض واسعة عند الحدود السورية تتوغل عميقاً داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة «داعش». ويتطلب تحصين هذه المناطق بالشكل المناسب عدداً كبيراً من القوات، مع ذلك كانت فصيلتان صغيرتان فقط من البشمركة متمركزتين هناك في الأول من آب/أغسطس. وعلى النحو ذاته، تمكن تنظيم «داعش» من إقامة مراكز أمامية متقدمة له عند ضفّتي نهر دجلة باقترابه من سد الموصل وفي المناطق المسيحية الواقعة شرقي الموصل، وذلك بسبب قلة قوات البشمركة في تلك المناطق. ولا يعود ذلك إلى عدم امتلاك «حكومة إقليم كردستان« للقوات الكافية - بل إلى الإفراط في حشد وحدات البشمركة حول كركوك حيث يتنافس الحزبان الكرديان الرئيسيان، «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، على السلطة.

· المشاحنات والمنافسات الداخلية بين الأكراد: كان من شأن زلات البشمركة في نينوى وديالى أن جرحت الكبرياء العسكري للأكراد، ما أدى إلى تبادل الاتهامات بين مناصري «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني». والأسوأ من ذلك هو أن هذه الانتكاسات نتجت جزئياً على ما يبدو عن سوء التنسيق بين وحدات «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» حتى حين كانت هذه الوحدات مجموعةً سوياً تحت راية «كتائب الحرس الإقليمي»، الموحدة ظاهرياً. وحيثما فشلت هذه الوحدات، اقتضى الحل في غالب الأحيان باستدعاء وحدات البشمركة الأقل احترافاً ولكن الأكثر موثوقية والتي لا تزال تحت سيطرة الأحزاب.

· نفور العشائر السنية: يضم كل من غرب نينوى وديالى شبكات متينة من العشائر السنية العربية، لا سيما في الرابية حيث مقر اتحاد عشيرة شمر. وللأسف، تربط بين الجيش الكردي وعشائر تلك المناطق علاقات سيئة، وهذا يعني أنه لا يمكن لوحدات البشمركة أن تتوقع إلا القليل من الدعم الاستخباراتي أو المساعدات من هذه المجتمعات السنية العربية أو قد لا تتوقع أي شيء. ومع أن إرساء علاقة أفضل بين الطرفين ليس بالمهمة السهلة نظراً إلى التاريخ المرير من التنازع على الأراضي بين العرب والأكراد، قد تصبح هذه المساعي حيوية إذا كانت «حكومة إقليم كردستان« تعتزم تحصين هذه المناطق على المدى البعيد.

· المفاجأة التكتيكية: ليست القوات الكردية أقل عرضة من الجيش العراقي إلى الذعر الذي تسببه الهجمات المفاجئة، على غرار زحف «داعش» في الموصل خلال حزيران/يونيو وهجومها الأخير على سنجار.

· قلة الخبرة: على الرغم من أن قوات البشمركة خضعت لتدريب مكثف، لا سيما عناصر «كتائب الحرس الإقليمي»، لا تزال عدة وحدات كردية تفتقر إلى الخبرة. وفي حين حارب قادتها الأكبر سنّاً جيش صدام في حرب العصابات، إلا أن هذه الخبرات لا تهيّئهم بالضرورة لحرب الميليشيات القائمة على الآليات العسكرية أو لمحاربة التمرد - فالصياد لا يعرف تلقائياً كيف يلعب دور الحارس. ولا يملك أي ضابط بين كبار الضباط والمخططين في البشمركة الخبرة في نهج الحرب الهجومية الحديثة التي تجمع بين مختلف أنواع الأسلحة، في حين أن الأفراد العاديين هم عادة أصغر سنّاً ويفتقرون إلى الخبرة القتالية وكذلك إلى عنصر جوهري هو المهارات اللغوية العربية اللازمة للتفاعل بطريقة مثمرة مع المجتمعات العربية السنية.

· المعدات واللوجستيات: تملك البشمركة مخازن كبيرة من الأسلحة الثقيلة، بما فيها الدبابات والمدفعيات الصاروخية ومدافع هاوتزر، مما يبطل صحة أي مزاعم بأن تنظيم «داعش» يستطيع التفوق عليهم بعدد أسلحته. ولكنها قد تفتقر إلى كمية الذخيرة اللازمة للحفاظ على وابل القصف المدفعي طيلة فترة العمليات الهجومية، وإلى قطع الغيار ومؤهلات الصيانة اللازمة لإبقاء أساطيل الآليات المدرعة صالحة للاستعمال. بمعنًى آخر، تواجه البشمركة عجزاً لوجستياً لكنه ليس على مستوى المعدات.

المساندة العملية من الولايات المتحدة

سبق للولايات المتحدة أن حاربت إلى جانب البشمركة في الماضي، وهي قادرة على مدّها بمساعدة قوية مرة أخرى. وقد تكون شحنات الأسلحة جزءاً من هذا المسعى؛ وفي الواقع، أن الطريقة الأبسط لضمان الدعم اللوجستي والإعانة من الولايات المتحدة هي أن تتلقى البشمركة الأسلحة والآليات الأمريكية وتستخدمها. وعلى وجه الخصوص، هناك حاجة ماسة لمعدات مثل الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات وأجهزة اللاسكي ومعدات الرؤية الليلية والدروع الواقية. ولكن بوسع واشنطن أن تساعد بطرقٍ أخرى أيضاً، وبشكل فوري في بعض الحالات:

· الدعم العملياتي والاستخباراتي: على الرغم من أن «داعش» تنتهج مستوى جيد من الأمن العملياتي، ستساعد الأصول الاستخباراتية الأمريكية بلا شك في الحد من قدرة التنظيم على تنفيذ المباغتات التكتيكية ضد البشمركة. وبوسع واشنطن أيضاً أن تقدم المشورة الموضوعية التي قد تسهم في التغلب على بعض التوتر الداخلي بين الأكراد حول نشر القوات ودمجها.

· القوة الجوية: تستطيع الولايات المتحدة أن تجمع بين قوات البشمركة البرية والقوة الجوية العراقية والأمريكية. فخلال اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كانت القوة المشتركة بين جنود البشمركة والضربات الجوية الأمريكية كاسحة. ومن أبرز مجالات التنسيق الأمريكي إقامة وصيانة "خط تنسيق الدعم الناري" الذي يحدد شبكات الخرائط التي يمكن فيها للقوات الجوية العراقية أن تقصف في أي وقت كان. إلا أن الجيش الأمريكي هو وحده الذي يملك الخبرة وقدرات المراقبة والصلات ببغداد وأربيل اللازمة للحفاظ على نظامٍ قادر على تقليص حوادث النيران الصديقة إلى حده الأقصى. وإذا توفرت مروحيات الأباتشي وطائرات أف 16 العراقية، وعند توفرها، تستطيع بغداد أن ترسل إشارة ترحيب إلى أربيل عبر جعل مهمتها الأولى دعم القوات الكردية - وليس تشكيل خطر عليها.

· اللوجستيات: تتمتع الولايات المتحدة في وضع جيد يخولها تسليم كميات من الذخائر التي تعود إلى "الكتلة الشرقية" وقطع الغيار التي يحتاجها الأكراد لإبقاء أسلحتهم الثقيلة من الحقبة السوفياتية صالحة للاستعمال. فتوفير هذه الإمدادات عبر الولايات المتحدة عوضاً عن أطراف ثالثة أقل دقّة قد يطمئن بغداد، الأمر الذي يمكن أن يسهل بدوره صعوبة الحصول على شهادات المستخدم النهائي للأسلحة المسلّمة إلى «حكومة إقليم كردستان«.

· الدمج الطويل الأجل لـ «كتائب الحرس الإقليمي« ضمن وزارة البشمركة: لطالما دعمت الولايات المتحدة الجهود التي تُبذل لإضفاء صفة محترفة للقوات الكردية تحت راية وزارة موحدة لـ«حكومة إقليم كردستان«. ومن شأن المشاركة والتدريب الأمريكيين أن يساعدا في الحد من خطر تجزئة البشمركة في المستقبل بين الأحزاب - وهي حصيلة ستزعزع الاستقرار بشكل كبير في «حكومة إقليم كردستان«. ويجب كذلك على الجيش الأمريكي أن يوفر بصورة مشتركة التدريب على الأسلحة والمشورة حرصاً على استخدام المدرعات والمشاة والمدفعيات والأصول الجوية بفعالية.

على الرغم من أن قوات البشمركة تلقت بعض الضربات العنيفة في الأسابيع القليلة الماضية، إلا أنها تقوم بالفعل بهجومها المضاد - والحق يقال، بشكل أسرع من الجيش العراقي المدرب على يد الولايات المتحدة. ولا يزال الجيش الكردي هو الحليف الأمثل ضد «داعش»: فهو يملك التحفيز العالي، والتجهيز الجيد، والموقع المثالي للهجوم على «داعش» على جبهة واسعة. لقد آن الأوان لبدء الضربات الجوية الأمريكية دعماً للبشمركة ولتكثيف التعاون الأمني الأمريكي الشامل. ولا بد لهذا الجهد الأخير أن يكون مصمماً بشكل يخوله الاستمرار حتى بعد انتهاء المعركة الحالية ضد «داعش»، وأن يشمل على أكثر من مجرد تقديم الأسلحة الأمريكية.

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آب/2014 - 14/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م