أخلاقيات التغيير.. الإحسان الى النفس

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل سفر يحتاج الى تهيئة مستلزماته، ومثلما يصدق ذلك على الاسفار المادية والانتقال من مكان جغرافي الى اخر، يصدق ايضا في الاسفار المعنوية، في الدنيا، كما يصدق على الاخرة والتي تستدعي من كل واحد منا ان يقطع لها تذكرة السفر ويهيء مستلزمات هذا السفر..

تذكرة السفر الى الاخرة هي الاحسان، وهو ليس بما تعارف عليه الناس بصيغته المباشرة وهي خدمة الاخرين، وهي صحيحة ايضا، لكن ذلك يسبقه ايضا ويتقدم عليه الاحسان الى النفس، والتي عن هذا الطريق يمكن لنا ان نحسن الى الاخرين، ويتحول هذا الاحسان بشقيه الى ملكة نفسية.

الاحسان الى النفس، هو عنوان فصل في كتاب (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) والذي هو مدار الجهد العلمي شرحا وتفسيرا للمرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، ويرى من خلال ماورد في العديد من الروايات (ان الذي يجد من يحمل له زاده الى الاخرة بتقديم المساعدة الدنيوية له، فعليه المبادرة الى ذلك.. وما زاد الاخرة الا الاخلاق الحميدة، واعطاء الصدقة، وممارسة الخير، والخطابة والتدريس، وتقديم الهدية، وخدمة الناس، وقضاء حاجات الاخرين).

المقطع الذي ينطلق منه السيد صادق الشيرازي في الرسالة هو قول الامام الصادق عليه السلام: (واحسنوا الا انفسكم ما استطعتم، فان احسنتم، احسنتم لانفسكم، وان اساتم فلها)..

والاحسان الوارد في هذه الفقرة، هو تكليف لازم التنفيذ على (كل شيعي بالاحسان الى نفسه بشكل مستقل، فاحسن (انا) الى نفسي، وتحسن (انت) الى نفسك، ويحسن (هو) الى نفسه، منفردين. الى ان يشمل الامر جميع الناس ويكون ذلك بمثابة الاساس لتثبيت حالة اخلاقية تعم المجتمع فيما بعد). وهذا التكليف كما يرى السيد صادق الشيرازي، ليس من تخيير فيه، بل (هو امر لازم لايسع الانسان الامتناع او الغفلة عنه).

الامتناع او الغفلة عن الاحسان تحتاج الى تنبيه مستمر، كي نلغي حالة الامتناع الى الاقدام، والغفلة الى الوعي، ويتم ذلك من خلال التلقين، اي ان يلقن الانسان نفسه (بانه حينما يحسن للاخرين فهو في الواقع يحسن لها، رغم انهم استفادوا من احسانه، الا ان الفائدة الكبرى تعود اليه قبل غيره).

وهذه المعرفة وهذا الوعي، بان ارتدادات الاحسان تعود الى المحسن نفسه، وعدم اقتصارها على من يتم الاحسان اليه، هو التذكرة للعبور الى الاخرة، لان (الثواب الذي يناله المحسنون اكثر بكثير، لان الاخرة اكثر فائدة على المحسن مما يقدمه في دار الدنيا، فمن واجه سوء اخلاق اخيه المؤمن بالصبر والمداراة والصفح، لم يحسن اليه بقدر احسانه لنفسه).

من مصاديق الاحسان التي يشرحها السيد صادق الشيرازي هي (ان يتعامل الانسان مع الاخرين  بالاخلاق الفاضلة التي تعود بالدرجة الاولى على صاحبها قبلهم).

مثل كل الفضائل التي يسعى اليها الانسان، ومثل كل الرذائل التي يحاول ان يتجنبها، مما يؤدي الى هذا الصراع المستمر داخل نفس الانسان، ويكسب جولات ويخسر اخرى، في موضوع الاحسان يحتاج الانسان ايضا الى ان يجعل من احسانه الى نفسه والى الاخرين، ملكة ثابتة في كل الاحوال، وتحت كل الظروف التي يصادفها في حياته، لان الهدف هو الوصول، تلك الملكة يجب ان ترافق هذا الانسان في جميع اسفاره المعنوية في دروب الحياة، (في الغنى والفاقة، في اليسر والعسر، في الفرح والحزن).

يؤكد السيد صادق الشيرازي، في مسألة (الملكة) وحيازتها وتمكينها على التكرار في الممارسة، والضغط على النفس لتنقاد الى فعل الاحسان، خاصة وان النفس الانسانية ليست سهلة الانقياد ولديها القابلية على التمرد بعد التاهيل، وهذا (يستدعي الكثير من الضغط والمراقبة والمحاسبة وعدم الغفلة عن هذه المهمة الشائكة).

يختم السيد صادق الشيرازي شرحه وتفسيره لهذا المقطع من رسالة الامام الصادق عليه السلام بقوله: (ان من يخدم الاخرين انما يملأ قائمة اعماله بالصالحات، ولذا يلزمه العزم على تكرار العمل ليتحول الى ملكة ذاتية.. وليعلم انه ما لم ينل شرف هذه المرتبة فمن الصعب عليه ادراك افاقها وابعادها واللذة المعنوية الموجودة فيها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/آب/2014 - 13/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م