تتمتع الأقليات بمجموعة من الحقوق يطلق عليها الحقوق الخاصة، والتي
تهدف الى الحفاظ على وجود وهوية الأقلية وصفاتها الجماعية، حيث تنص
المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه «لا يجوز
في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم
الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم
الخاصة، أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم، أو استخدام لغتهم
بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم. فللأقليات الحق في منع
التمييز ضدهم والحق في تحديد الهوية التي تعطي أعضاء الأقلية القدرة
على الحفاظ على الخصائص المميزة لهم، والحق في تقرير المصير". (المصدر:
حقوق الإنسان، حقوق الأقليات، صحف وقائع حقوق الإنسان، مركز حقوق
الإنسان، الأمم المتحدة، جنيف).
وتتمتع الأقليات بحقوق عامة هي جميع حقوق الإنسان التي نصت عليها
المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان من حيث الحق في الحياة،
والجنسية، وحرية التعبير، والحق في تكوين الجمعيات والأحزاب، والحق في
العمل والتعليم، والضمان الاجتماعي، وحظر التعذيب، وحق المشاركة في
أدارة الحكم...الخ من الحقوق الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
باعتبار أن هذه الحقوق وغيرها حقوق فردية يتمتع بها جميع البشر، وتتسق
أيضاً مع الضمانات الواردة في الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى
أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية الصادر عن الجمعية
العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1992م.
ومع وجود هذه المواثيق الدولية والوطنية التي تؤكد على حقوق
الأقليات وضرورة منع التمييز ضدهم إلا أن حقوق الأقليات الأساسية في
العراق لاسيما الأقلية التركمانية تعرضت وتتعرض لانتهاكات جسيمة
ومتواصلة، بسبب سيطرة الجماعات المتطرفة بالخصوص تنظيم "داعش" على
مناطق واسعة من شمال وغرب العراق.
يشكل تركمان العراق ثالث أكبر جماعة عرقية في العراق، ووفقا للإحصاء
العراقي عام 1957 كان هناك 567،000 من أصل يبلغ مجموع سكانها 6.3 مليون
مشكلة بذلك 9% من مجموع سكان العراق. ويمتد مناطق تركزهم من تلعفر في
الشمال الغربي إلى بدره وآل العزيزية في محافظة الكوت في منتصف شرق
العراق، وأكثر أماكن تواجدهم في شمال العراق، بالقرب من كركوك والموصل
واربيل. وتعد محافظة كركوك قلب المجتمع التركماني العراقي. الغالبية
العظمى من المجتمع التركماني العراقي يعتنق الدين الإسلامي وتنقسم إلى
قسمين: السنة (حوالي 50٪) والشيعة (حوالي 50٪).
بدأت تنظيمات داعش التكفيرية بحملة منظمة ضد التركمان وبخاصة من
الطائفة الشيعية في الموصل منذ العاشر من حزيران 2014 وقتلت المئات
وهجرت الآلاف من تلعفر التي تقطنها أغلبية تركمانية، وكانت بشاعة داعش
غير مسبوقة حيث أبادت الآلاف من السجناء في بادوش، وقامت بقتل المئات
في قرى تركمانية في كركوك وصلاح الدين ونينوى، ودمرت مئات المنازل،
وعمدت إلى تهجيرهم قسرا.
فقد أكد مسؤولون في محافظة نينوى في (20 حزيران 2014)، أن أعداد
النازحين من الموصل وتلعفر تقدر بـ200 ألف شخص، وفيما بيّن مسؤولون في
محافظة صلاح الدين عن فرار 70% من أهالي تكريت ونزوح نحو 50% من سكان
ناحية الصينية إلى بلدات أكثر أمناً إلى الشمال من المحافظة..
وقد روى مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قصصا مروعة عما تعرض
له مواطنوهم ممن وقعوا في قبضة داعش، وقال احد النازحين، م ج س لـ"مركز
آدم" بعد وصوله إلى مدينة كربلاء في وسط العراق" تركنا بعض كبار السن
من أقربائنا في منازلهم لعدم تمكننا من نقلهم معنا بسبب وعورة الطرق
التي سلكناها فقام مجرمو داعش بقتلهم بعد تعذيبهم وتقطيع أوصالهم".
فيما روى أكثر من نازح اختطاف داعش لنحو 600 رجل وشاب من قرية بشير
وقرى أخرى تابعة لمحافظة الموصل، ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى اللحظة،
إلا أن نازحين يجزمون أن المخطوفين قد لقوا حتفهم بعد ساعات من خطفهم.
وقال، ج، هـ، لـ"مركز آدم" الإرهابيون لا يعرفون غير القتل إنهم
متعطشون إلى الدماء ولا يبدو أنهم يحتاجون إلى خطف أشخاص لإبقائهم على
قيد الحياة". (المصدر: عباس سرحان، إبادة الشيعة في الموصل جريمة حرب
تحدث في ظل صمت دولي مطبق، مركز آدم للدفاع عن حقوق).
ومن جانبه أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن هذه "الأقليات
التي عاشت جنبا إلى جنب منذ آلاف السنين في مدينة الموصل ومحافظة نينوى
أصبحت اليوم تحت الهجوم المباشر والاضطهاد من داعش والجماعات المسلحة
الأخرى لا يمكن القبول بما تتعرض له من تشريد وتنكيل واضطهاد".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن "الدولة الإسلامية في العراق والشام
(داعش) تقوم بقتل أعضاء الأقليات العرقية والدينية، واختطافهم
وتهديدهم، في مدينة الموصل بشمال العراق وما حولها. فقد قامت الجماعة
المسلحة السنية المتطرفة منذ استيلائها على الموصل في 10 يونيو/حزيران
2014، بخطف ما لا يقل عن 200 من التركمان والشبك والأيزيدية، وقتلت 11
منهم على الأقل، كما اختطفت راهبتين و3 أيتام مسيحيين وأمرت كافة
المسيحيين بدخول الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل عن الموصل".
وكان من النتائج المباشرة لإجراءات التمييز القومي والطائفي
للجماعات المسلحة، أن اضطرت المئات من الأسر التركمانية والشيعية
والمسيحية إلى هجرة مناطق سكناهم باتجاه مناطق أكثر أمنا. فقد نزحت بعد
تفجر أحداث الموصل عشرات آلاف العوائل الشيعية والمسيحية من مناطق
التوتر إلى مدن النجف وكربلاء والناصرية والبصرة، إضافة الى العاصمة
بغداد وإلى إقليم كوردستان.
وقد عدّت الجبهة التركمانية، حملات التهجير المنظمة للتركمان بأنها
"تشبه حملات تهجير أتراك البلقان نهاية القرن التاسع عشر"، وأوضحت أنها
"قدمت مذكرة لمجلس الأمن الدولي بإيجاد منطقة آمنة" للتركمان" وقد أكد
النائب حنين قدو أن "الشيعة التركمان في طريقهم للدخول إلى أربيل يلقون
معاناة كبيرة، وهم يبحثون عما يظلهم عن لهيب الشمس، حيث ارتفاع درجة
الحرارة التي تصل إلى 48 درجة مئوية، هذا بالنسبة للنساء والأطفال أما
الرجال فيقضون الوقت أما تحت حرارة الشمس أو في السيارة. ويفترشون
التراب ليلاً". وقال النائب السابق حسن وهب في حديث لـ"المسلة" إنه
"للأسف الشديد التشنجات السياسية بين الحكومة الاتحادية والإقليم،
انعكست سلباً على المواطنين خاصة الذين تركوا منازلهم من مدينة تلعفر
هرباً من أفعال تنظيم داعش الارهابي"، مضيفاً أن "كل الجهات بالدولة
مقصرة تجاه أهالي تلعفر والوضع المأساوي الذي يعيشونه، ومنهم حكومة
إقليم كردستان، وأيضا منظمات المجتمع المدني والإنسانية والدولية".
نخلص مما سبق إلى أن الأقليات يتمتعون بجميع حقوق الإنسان التي نصت
عليها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كما
ويتمتعون بحماية القوانين والتشريعات المحلية في بلدانهم باعتبارهم
مواطنين فيها، ويتمتعون أيضا بحقوق خاصة تهدف الى الحفاظ على وجودهم
وهويتهم، بما يضمن لهم ممارسة فعلية لحقوقهم.
وعلى الرغم من الحماية الدولية والإقليمية والمحلية لحقوق الأقليات
إلا أن الأقليات العراقية بالخصوص الأقلية التركمانية والتركمان الشيعة
قد تعرضوا إلى أنواع مختلفة من الاضطهاد الممنهج القائم على أسس العنصر
والدين والمذهب وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والإقليمي العمل على
حماية حقوق هذه الأقليات وتوفير الأجواء الملائمة التي تؤمن حياتهم
وتحترم وجودهم وكرامتهم. وذلك من خلال الآتي:
- ضرورة إحترام حقوق الإنسان والحريات العامة وعلى رأسها المساواة
التامة في الكرامة والمواطنة وفي التمتع بكافة الحقوق بين كل مكونات
وأطياف الشعب العراقي، مما يشكل المدخل السليم للتعامل مع مشاكل
الجماعات القومية والدينية والثقافية واللغوية في العراق.
- ضرورة أن يأخذ المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن
الدولي، دورا يتناسب وحجم المأساة والاضطهاد الممنهج الذي يمارس ضد
الأقلية التركمانية والتركمان الشيعة، والقيام بإجراءات فورية لحمايتهم
وإيجاد ملاذات آمنة لهم. فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن "أي
هجوم منهجي على السكان المدنيين، أو شرائح من السكان المدنيين، وذلك
بسبب الخلفية العرقية، معتقداتهم الدينية قد تشكل جريمة ضد الإنسانية،
ومن يتسبب بها لابد أن يحاسب وعلى جميع الجماعات المسلحة، بما فيها
التشكيلات المرتبطة بداعش، الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية
المدنيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطرون عليها".
- الإسراع باستكمال إجراءات قرار مجلس الوزراء العراقي القاضي
بتحويل قضائي طوزخرماتو وتلعفر إلى محافظتين مستقلتين إنصافاً للمكون
التركماني، ومطالبة مجلس النواب بعدم عرقلة إقرار القانون.
- ضرورة التزام الحكومة العراقية، وجميع الكتل والأحزاب السياسية
بعدم ممارسة سياسة الإقصاء بحق التركمان، والابتعاد عن سياسة فرض الأمر
الواقع للجغرافيات الطارئة، وضرورة الاحتكام للغة الحوار بدلاً من
التهديد والوعيد.
- بالنظر إلى الأوضاع الإنسانية التي يمر بها النازحون والتي تتهدد
حياتهم في أغلب الأحيان بمخاطر جمة، طالب مركز آدم للدفاع عن الحقوق
والحريات المجتمع الدولي النهوض بواجباته الإنسانية من خلال:
أولاً- تقديم المساعدات العاجلة لآلاف النازحين تقطعت بهم السبل في
مناطق النزاع والوصول إليهم لتمكينهم من الانتقال إلى مناطق أكثر أمنا.
ثانياً- الضغط على إقليم كوردستان العراق لتسهيل عملية عبور
النازحين عبر الإقليم إلى مناطق أخرى في وسط وجنوب البلاد.
ثالثا- زيارة النازحين ممن تمكنوا من الوصول الى مناطق آمنة وتقديم
المساعدات الإنسانية لهم، وتهيئة المساكن السريعة لإيوائهم، فكما يبدو
أن الحكومة العراقية ما زالت عاجزة لوحدها عن الوفاء بهذا المطلب.
رابعا- اعتبار الجرائم التي تعرض لها التركمان الشيعة مثل الأقليات
الأخرى جرائم إبادة جماعية ومحاسبة المتورطين فيها، بشكل مباشر أو غير
مباشر، وخصوصا الدول التي تقف وراء هذا التنظيم، فمن غير المعقول أن
يتمكن تنظيم داعش من السيطرة على مساحات واسعة من العراق دون مساعدة
كبيرة تقدمها جهات دولية.
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد
منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق
والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض
النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه
الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم
القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية،
كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات،
ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف
الاتجاهات...
هـ/7712421188+964
http://adamrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights |