التأجيج الطائفي.. دوافعه وأهدافه

 

شبكة النبأ: كان التحدي الأول الذي يواجه شعوب الشرق الأوسط، لاسيما العربية منها، حكوماتها الدكتاتورية، وفاتورة الظلم والقهر التي تدفع حسابها هذه الشعوب على مدار الساعة، وعندما وصل السيل الزبى، ولم يعد هناك مجالا للصبر والاحتمال، إذ أن الناس حوربتْ حتى في أرزاقها، قام احد الشبان في تونس بحرق نفسه، في رد فعل يائس وخطير ضد الإجراء الحكومي، فكانت هذه بمثابة الشرارة التي اوقد حرائق الانتفاضات الشرق أوسطية العربية ضد الحكام العسكريين الدكتاتوريين، وأوله سقوط زين العابدين التونسي ثم بدأ سلسلة سقوط هؤلاء الثلة من الحكام الظالمين ليسقط حسني مبارك، والقذافي وعبد لله صالح في اليمن، في نتيجة زلزلت الارض تحت عروش الطغاة ولكن ماذا كانت النتائج التالية؟.

وعندما نسترجع المشهد الاحتجاجي سنلاحظ أن الجماهير العربية أسقطت بعض جبابرة التسلط، كما حدث في تونس ومصر وليبيا، واليمن، ولا تزال الاحداث في دول أخرى حبلى بالمفاجآت السارة على صعيد إسقاط الانظمة المستبدة، فكما يقول المراقبون، إن زمن الفرد او الحزب الواحد ولّى الى الابد، وأن الديمقراطية بدأت مرحلة انتعاشها التي لن تتوقف حتى يدخل العرب في عصر الديمقراطية الذهبي، ولكن من الافرازات المرافقة لهذه التحولات، التأجيج الطائفي.

ومع ذلك رحنا نلاحظ علامات لا تبشر بخير، يمكنها إعادة الحال السياسي العربي، الى ما كان عليه قبل ما سمّيَ بالربيع الثوري، الذي بدأه الشاب بو عزيزي في تونس، الامر الذي زرع كثيرا من المخاوف لدى بعض الأقليات والطوائف التي تشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمع العربي، ولهذا بدأ بعض السياسيين والمراقبين، يحذرون من ظاهرة استمرار التهميش التي تتعرض لها الأقليات، فضلا عن حرب الطوائف التي يخوضها البعض تحت ستار الثورة الجديدة، فبدأت بقوة حالات استهداف الأقليات ومنها الشيعة الذين أخذوا يواجهون مخاطر القتل والتشريد كما حدث في مصر والسعودية وباكستان، في حالة تؤكد أن هناك أذرع خفية لاستهداف الشيعة وبعض الأقليات الاخرى.

فقد حذرت حكومات غربية وشرقية كثيرة من المحاولات الكثيرة التي تستهدف الأقليات بصورة مباشرة او من خلال التأجيج الطائفي واثارة النزاعات والحروب التي يكون وقودها الأقليات التي لا حول لها ولا قوة، اذن هناك الحرب على الاقليات، وهذا ما أكده الواقع، إذ أننا نلحظ أيضا في مصر وسواها حربا سنية على طائفة الشيعة، ليمتد ذلك الى دول عربية اخرى، بل ودول اسلامية غير عربية مثل باكستان والهند، حيث التفجيرات تطال الشيعة في أماكن العبادة وأثنائها، وحيث الدعوات المعلنة الى منع الشيعة من ممارسة طقوسهم وعقائدهم بحجة مخالفتها للشرع، وما الى ذلك من حجج واعذار وضعها أناس همهم الاول هو احتكار السلطة السياسية، ورفض المعارضة والتضييق على الحريات التي كانت سببا اولا لاندلاع شرارة ما أطلق عليه بالربيع العربي، وهكذا نلاحظ مخططات خفية تقف وراء التأجيج الطائفي، لكي تمحو النتائج المأمولة من اسقاط الانظمة والحكومات المستبدة.

وهذه النتائج التي افرزها الواقع للمشهد السياسي الشرق أوسطي والعربي، تثير كثيرا من المخاوف، وتجعلنا نتساءل، هل هناك استعداد للعودة الى الوراء بعد الانجازات الثورية الكبرى التي تحققت لصالح الجماهير؟ وهل تريد هذه الجهات التي تحاول تسيير دفة الامور الى مسارات خاطئة، أن تئد الربيع العربي في أولى مراحله التي ينبغي أن تستمر وتتواصل للقضاء على آخر مظهر سلطوي لحاكم او حكومة مستبدة؟، إن سياسة التأجيج الطائفي واضحة، واسبابها ودوافعها معروفة ايضا.

ولعل الامثلة التي تدل على محاربة الاقليات واضحة وكثيرة، وهي في غاية الخطورة حقا، لاسيما ما يتعرض له الشيعة من تفجيرات، حتى في العراق حيث طالت مثل هذه التفجيرات مناطق آمنة، وأرواحا بريئة، لا علاقة لها بما يدور من صراعات طاحنة بين الاضداد من اجل السلطة او الجاه او المنصب، لذلك فإن سياسة التأجيج الطائفي، ليست عشوائية، لأنها تُدار وفق تخطيط مسبق، هدفه محاربة الأقليات والقضاء عليها.

لذلك أدى التأجيج الطائفي المدروس مسبقا، الى إحالة ما يسمى بالربيع العربي الى خريف طائفي، قد يقوّض جميع المكاسب التي تحققت بفضل انتفاضات الجماهير وتضحياتها الكبيرة، لهذا لابد أن يتنبّه الجميع ونعني بهم المسلمون، الى ضرورة فهم المرحلة الجديدة ومقتضياتها، وعدم السماح لعودة اساليب الانظمة الدكتاتورية المطاح بها، مجددا الى ساحة الفعل السياسي وسواه، أي ينبغي الحذر من اعتماد اساليب القمع والاقصاء والدعوات المشبوهة، لتقييد العقائد والحريات كما كانت تفعل الانظمة السابقة، لذلك لابد أن تكون هناك وسائل وقرارات دولية تحمي الاقليات، وترفض سياسة التأجيج الطائفي، وتفضح من يقف وراء هذه الاساليب التي تستهدف الاقليات وتشن عليها شتى الحروب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/آب/2014 - 12/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م