شبكة النبأ: بعد ان بدأت إسرائيل
هجومها على قطاع غزة في الثامن من تموز/يوليو، كان الهدف المعلن من
وراء الهجوم هو وقف اطلاق صواريخ حركة المقاومة الاسلامية (حماس)،
إضافة الى تدمير شبكة الانفاق الواسعة التي بنتها حماس وغيرها من
الفصائل المقاومة، والتي تسمح لهم بالدخول الى إسرائيل وتنفيذ عملياتهم
المسلحة.
لكن بعد أربعة أسابيع من القصف العنيف الذي استهدف كل شيء داخل
القطاع، بما في ذلك المدارس التابعة للأمم المتحدة والتي يحتمي فيها
النازحين العزل من المدنيين الفلسطينيين الهاربين من القصف الجوي، عادت
إسرائيل لتعلن عن انسحابها من قطاع غزة مع بدء سريان هدنة مدتها 72
ساعة دعت إليها القاهرة ووافق عليها الطرفان، والتي من المرجح ان تدوم
لفترة أطول، كما يرى محللون، سيما وان الأهداف التي اشارت اليها
إسرائيل كسبب رئيسي لتبرير حربها ضد القطاع المحاصر، لم تنجح في
تحقيقها، وانما أدت الى المزيد من الخسائر في صفوف جنودها والياتها
العسكرية، بعد ان سببت بمزيد من الخوف والذعر بين المستوطنين اليهود
اللذين غادر الالاف منهم مستوطناتهم القريبة من القطاع.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إن أكثر من 1800
فلسطيني قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة من بينهم 400 طفل، إضافة
الى الالاف الجرحى اللذين لا تتوفر له العانية الطبية اللازمة وحجم
اصابتهم الخطيرة، وسط استمرار الحصار الاقتصادي وغلق المعابر من الجانب
المصري، بينما قتل 64 جنديا إسرائيليا إضافة إلى ثلاثة مدنيين.
في سياق متصل، عندما أنهت إسرائيل احتلالها لقطاع غزة الذي دام 38
عاما بسحب المستوطنين في عام 2005 أشاد ارييل شارون الذي كان رئيسا
للوزراء حينذاك بالانسحاب باعتباره "فك ارتباط" من الصراع مع
الفلسطينيين في القطاع الساحلي كثيف السكان، لكن الصراع لم ينته وإنما
تغير، وواصلت إسرائيل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية حيث يريد
الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها أيضا، وسيطرت حركة المقاومة الإسلامية
(حماس) على غزة في عام 2007 وثبت عقم جهود الوساطة الأمريكية من أجل
التوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي يقودها
الرئيس محمود عباس، وترعرعت المواجهة في ظل الفراغ الدبلوماسي.
وفرضت إسرائيل حصارا اقتصاديا خانقا على القطاع وأطلقت حماس
والفصائل المسلحة الأخرى الصواريخ على اسرائيل بوتيرة ومدي يتزايدان
رغم أنها لا تصيب أهدافها بدقة، وقصفت إسرائيل بدورها غزة مرات لا تحصى
من الجو والبحر وأرسلت طوابير من المصفحات في عدة مناسبات للبحث عن
بطاريات الصواريخ وعن الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأسلحة من مصر أو
لتسلل الفصائل المسلحة لإسرائيل وتدميرها، وأدت اتفاقات وقف إطلاق
النار التي تم التوصل إليها عبر وسطاء والتي سحبت إسرائيل بموجبها
قواتها وتراجع إطلاق الصواريخ إلى فترات من الهدوء النسبي ليعود
الجانبان بعدها إلى جولات من إراقة الدماء، وتغلبت إدارة الصراع على
صنع السلام.
والتوغل الإسرائيلي الحالي في غزة تكرار للعمليات السابقة منذ عام
2007 إذ تسعى إسرائيل من خلاله إلى شل قدرات حماس الصاروخية وخطر
الأنفاق قبل أن تدفع الانتقادات الغربية المتزايدة بسبب عدد القتلى
الآخذ في الارتفاع في صفوف المدنيين الفلسطينيين إسرائيل إلى سحب
قواتها، وقتل مالا يقل عن 1427 فلسطينيا معظمهم مدنيون في ثلاثة أسابيع
في المناطق الحضرية المكتظة التي تضررت من الهجمات الجوية والقصف
الإسرائيليين، وحجم الدمار الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية
الفلسطينية أكبر من العمليات السابقة، وقتل 56 جنديا إسرائيليا في
العمليات وثلاثة مدنيين أصابتهم الصواريخ التي أطلقت عبر الحدود مع غزة
على إسرائيل.
وكما هو الحال في الحروب السابقة في غزة لم يكن هناك توازن في عدد
القتلى ولا في حجم الدمار نظرا لتفوق إسرائيل الهائل في قوة النيران
الأحدث ونظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الذي أسقط معظم الصواريخ
التي تستهدف مدنها، لكن البيئة الاستراتيجية الأوسع تغيرت على نحو يزيد
من صعوبة حث إسرائيل وحماس على وقف القتال، وتشعر حماس بالقلق نظرا
لخلافها مع سوريا وعلاقاتها الأكثر فتورا مع إيران والإطاحة بالإخوان
المسلمين الذين يوفرون لها الرعاية في مصر، ورفضت إسرائيل الجهود
الأمريكية لإحلال السلام وأصبحت علاقاتها مع واشنطن أكثر برودة عما
كانت عليه لسنوات طويلة وتعهدت بمعركة طويلة إذا اقتضت الضرورة لتحييد
عدوها في غزة. بحسب رويترز.
وخلافا لحرب غزة في عامي 2008-2009 لم تكن هناك ضغوط دولية جدية
لإنهاء العمليات الحربية تتجاوز الانتقادات الخفيفة واستنكار الأمم
المتحدة، وأكدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية "حق
إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، والقوى الكبرى منصرفة ومنقسمة بأزمات
أخرى بسبب دور روسيا في أوكرانيا والتقدم المذهل للمسلحين الجهاديين في
العراق وسوريا، وتسود حالة من الاستقطاب بين وسطاء من الشرق الأوسط حول
كيفية منع المنطقة من الانزلاق إلى الفوضى في أعقاب انتفاضات "الربيع
العربي" التي أطاحت بأنظمة استبدادية ظلت مستقرة لفترة طويلة، وتعقدت
المحادثات للتوصل إلى هدنة في غزة لأن إسرائيل والولايات المتحدة
تدرجان حماس على قوائمهما للمنظمات الإرهابية بينما يختلف الوسطاء -مصر
وقطر وتركيا- بشأن مساحة المناورة التي سيمنحونها للإسلاميين.
القبة الحديدية وأنفاق غزة
من جهته قال جوزيف دريسل الرئيس التنفيذي لهيئة هندسة الفضاء
الإلكترونية (سايبر انجنيرينج سرفيسيز) في محادثة هاتفية إن المجموعة
المعروفة باسم (كومنت كرو) سرقت تصميمات للأنظمة الإسرائيلية لاعتراض
الصواريخ "القبة الحديدية" خلال عدة هجمات في عامي 2011 و2012،
واستهدفت الهجمات عبر الإنترنت كبرى الشركات المتعاقدة مع الجيش وهي (اليسرا
جروب) و(شركة الصناعات الفضائية الإسرائيلية) و(أنظمة رفائيل للدفاعات
المتطورة)، وأقامت هذه الشركات النظام الذي يحمي إسرائيل الآن جزئيا من
الصواريخ القادمة من قطاع غزة، ورفضت شركتان من الشركات التي ذكرها
دريسل التعليق على ما قاله الخبير الأمني بمجال الكمبيوتر.
وقال مسؤول بشركة "أنظمة رفائيل للدفاعات المتطورة"، رافضا نشر اسمه،
عن التقرير "لا تتذكر رفائيل حدوث مثل هذه الواقعة، قاعدة بيانات
رفائيل بما فيها قاعدة بيانات الدفاع الجوي محمية إلى أقصى درجة"، وقال
مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون إن أنظمة القبة الحديدية نجحت في إسقاط
أكثر من 90 بالمئة من الصواريخ التي تعاملت معها وتجاهلت الصواريخ التي
جنحت بعيدا، ويمثل هذا العدد نحو خمس الصواريخ التي تقول إسرائيل إن
المسلحين الفلسطينيين أطلقوها باتجاه البلاد أثناء أزمة قطاع غزة
فيما علم الكولونيل الاسرائيلي تومر بوجود نفق يمتد أسفل قرية
فلسطينية عندما هبطت الارض تحت ثقل واحدة من جرافاته العملاقة، وبعد 24
ساعة أزالت قواته صوبة زراعية كانت توفر غطاء وكشفت عن فتحة عمقها
ثلاثة أمتار ليظهر ممر مقوى بالخرسانة يتسع لمرور رجل يحمل كامل عتاده
الحربي، وقال الضابط في الموقع إن الأمر يحتاج إلى عدة أيام لاعداد
خريطة لفتحات الدخول إلى النفق التي يعتقد أن عددها ست فتحات قال ان
إحداها يخفيه منزل فلسطيني، وتم حجب موقع كشف النفق بمقتضى القواعد
العسكرية.
وبعد ذلك يتم اسقاط متفجرات في النفق وتدمير الشبكة في اطار عملية
بحث عن الانفاق في أنحاء الحدود الشرقية لقطاع غزة التي يقول رئيس
الوزراء بنيامين نتنياهو أنها ستستكمل سواء توصلت اسرائيل أم لا لوقف
اطلاق نار مع القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس)،
ويراقب جنود تومر وهم خليط من أطقم الدبابات والمهندسين العسكريين فتحة
النفق المظلمة التي تقود الى فراغ وهم يحملون أسلحتهم الالية ويقفون
مستعدين لاي مسلحين قد يشقون طريقهم إلى خارج النفق، ويشير أزيز أعلى
الرؤوس إلى وجود قناص فلسطيني طاشت طلقته وترد دبابة اسرائيلية باطلاق
نيران مدفع رشاش.
وقال الجيش إن ثلاثة جنود اسرائيليين قتلوا في موقع آخر في جنوب غزة
عندما انفجر شرك خداعي في ممر النزول إلى نفق كشف عنه الجنود، وقال
تومر في إشارة إلى مثل هذه الخسائر البشرية إن قواته لا تغامر بالنزول
إلى الانفاق، وأضاف تومر (الذي لا يمكن الكشف سوى عن اسمه الاول وفقا
للقواعد العسكرية) "نحن لا نزج بالرجال في الانفاق، خطر الشراك
الخداعية كبير"، وقال إنه بدلا من ذلك يرسل الجيش كلابا بوليسية تتشمم
المكان بحثا عن أي متفجرات وروبوتات يمكن أن تبث لقطات فيديو يتم من
خلالها التعرف على مخطط الموقع، وتستخدم جرافة موجهة لحفر الجزء التالي
حيث تتكرر العملية حتى يتم تغطية الجزء الممتد 1.5 كيلومتر بالكامل إلى
حدود غزة مع اسرائيل. بحسب فرانس برس.
وقال تومر انه إذا كانت القوات سترصد النفق في الاتجاه الاخر
فسينتهي بها الامر للخوض مسافة كيلومترين في عمق غزة وسط أحد الاحياء
المزدحمة، لكن هذا المسار في الجانب الاخر من الفتحة تم سده بالرمال،
وقال "نحن لا نريد الذهاب إلى هناك، ما يهمنا هو هذا الامتداد الذي
يتجه نحو اسرائيل"، وعملية البحث عن الانفاق مسألة شخصية بالنسبة لتومر
الذي فقد أحد ضباطه وأحد المجندين يوم 19 يوليو تموز في اشتباك مع
مقاتلين من حماس تسللوا عبر نفق إلى إسرائيل، وقال الجيش إن أحد
المتسللين قتل وهرب الباقون عائدين إلى غزة، وقال الجيش إنه كشف عن نحو
32 نفقا بعضها بعمق 25 مترا وعشرات الفتحات المؤدية إليها منذ أن تحركت
القوات البرية إلى غزة بعد قصف من الجو والبحر بدأ في الثامن من يوليو
تموز.
وقتل عشرات المسلحين الفلسطينيين أو وقعوا في الأسر في اشتباكات
وقعت عند مداخل الانفاق، وأصيب العديد من الجنود في انفجار شراك خداعية
عند فتحات انفاق ولم يعد على الاطلاق كلب بوليسي أرسل لفحص ممر في جنوب
قطاع غزة، وتقول اسرائيل إن البحث عن الانفاق مسألة مهمة لصد المتسللين
حيث قد تتعرض قراها الجنوبية وقواعد جيشها لهجمات من هؤلاء المسلحين،
وقال اللفتنانت كولونيل روي وهو أحد قادة كتيبة تومر إن عدة عربات
مدرعة ودبابات وناقلات جند وجرافات بعضها تحمل اسما كوديا مثل "بيلا"
و"كرويلا" ترافق كل عملية للبحث عن نفق للاستخدام في رفع الاغراض
الثقيلة وتوفير جدار من الصلب للجنود المترجلين الذين يشاركون في
العملية.
وتعتبر حماس والفصائل المتحالفة معها الأنفاق أصولا استراتيجية ضد
عدوها المتفوق عسكريا، ووفقا للتقديرات الاسرائيلية فان انشاء كل ممر (نفق)
سري يتكلف بين 500 الف دولار ومليوني دولار حيث يستغرق كل كيلومتر نحو
عام لاستكماله، وعثرت وحدة تومر وهي (اللواء مدرع 188) على نفقين
والعديد من فتحات الدخول حتى الان، وقال ان عمليات البحث استندت في
البداية الى احداثيات تقريبية عقب عمليات استطلاع لمناطق يشتبه أن
عمليات حفر تمت فيها واستخبارات أخرى، ومع اتضاح مدى تشعب الانفاق
والخطر القاتل الذي تمثله انطلقت اتهامات للحكومة والجيش الذي حذر من
هذه الظاهرة منذ عدة سنوات لكن من الواضح أنه لم يتخذ تدابير مضادة
كافية.
وقال يوسي لانجوتسكي الخبير الجيولوجي وهو كولونيل متقاعد بالجيش
كان يقدم المشورة في السابق لوزارة الدفاع إن مطالبته بتطوير تكنولوجيا
زلزالية "لسماع" حفر الانفاق تم تجاهلها، وقال مسؤول حالي بوزارة
الدفاع تحدث شريطة عدم ذكر اسمه ان اسرائيل قريبة من نشر تكنولوجيا
لرصد الانفاق، لكن استخدامها في الجانب الاسرائيلي من الحدود سيترك
للفلسطينيين حرية القيام بمعظم عملية الحفر تحت الحدود، واقترح بعض
المسؤولين الاسرائيليين ان يقيم الجيش منطقة عازلة طويلة المدى داخل
غزة.
جرائم انسانية
فيما أعلن الجيش الإسرائيلي تعبئة 16 ألف جندي إضافي من قوات
الاحتياط ما يرفع مجموعها إلى 86 ألف عنصر على خلفية مواصلة الهجوم
العسكري على قطاع غزة المتواصل منذ 8 تموز/يوليو، بحسب ما أعلنته
المتحدثة باسم الجيش، قتل 17 فلسطينيا على الأقل، بينهم صحافي، في
غارات إسرائيلية استهدفت سوق الشجاعية شرق مدينة غزة خلال فترة تهدئة
إنسانية أعلنها الجيش الإسرائيلي بعد ساعات من قصف مدرسة تابعة
للأونروا، وفي رسالة وجهها إلى بان كي مون، تحدث الرئيس الفلسطيني
محمود عباس عن "جرائم حرب ينبغي محاسبة إسرائيل عليها" مطالبا إياه
ب"اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية الشعب الفلسطيني".
وترفض حماس أي تهدئة طالما لم يرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على
القطاع الفلسطيني منذ 2006، فيما تردد إسرائيل أنها هدفها من هذه الحرب
تدمير الأنفاق التي تستخدمها الحركة لشن هجمات على أراضيها، ودان
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قصف المدرسة وطالب بمحاسبة
المسؤولين عنه، ودان البيت الأبيض قصف المدرسة وتهديد سلامة ألاف
الفلسطينيين الذين دعاهم الجيش الإسرائيلي إلى إجلاء منازلهم، في
الملاجئ التي أمنتها الأمم المتحدة، وقالت برناديت ميهان، المتحدثة
باسم مجلس الأمن القومي، إن "الولايات المتحدة تدين قصف مدرسة للأونروا
في غزة ما أوقع قتلى وجرحى في صفوف الفلسطينيين الأبرياء وبينهم أطفال
وموظفون أمميون".
وندد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بقصف المدرسة مجددا دعوة فرنسا
إلى وقف فوري لإطلاق النار، ودان المفوض العام للأونروا بيير كرينبول
بشدة قصف المدرسة في بيان قائلا "أدين وبأشد العبارات الممكنة هذا
الانتهاك الخطير للقانون الدولي من قبل القوات الإسرائيلية"، مشيرا إلى
إخطار الجيش الإسرائيلي بموقع هذه المدرسة 17 مرة، وكتبت صحيفة يديعوت
أحرونوت الأكثر انتشارا "هذه أيام حاسمة حيث يتوجب على القيادة
السياسية أن تقرر مواصلة العملية في غزة أو وقفها هنا"، ونقلت الإذاعة
العامة عن الجنرال الإسرائيلي المكلف بمنطقة غزة أنه في ما يتصل بتدمير
الأنفاق، التي يستخدمها مقاتلو حماس، فإن "المسألة (ستحسم) خلال أيام".
وأعلنت الولايات المتحدة انها زودت اسرائيل بكميات جديدة من الذخائر،
وذلك بعيد ساعات من ادانتها بشدة قصف مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين (الانروا) في قطاع غزة، وقالت وزارة الدفاع
الأمريكية إن الجيش الإسرائيلي طلب في 20 تموز/يوليو إمداده بالذخائر
بسبب انخفاض مخزونه، مشيرة إلى أنها وافقت على بيعه هذه الذخائر بعد
ثلاثة أيام من ذلك، وصرح المتحدث باسم الوزارة جون كيربي في بيان أن "الولايات
المتحدة التزمت ضمان أمن إسرائيل، وأنه الأمر حاسم للمصالح القومية
الأمريكية مساعدة إسرائيل على أن تطور وتحافظ على قدرة قوية وفعالة في
مجال الدفاع عن النفس". بحسب فرانس برس.
الراي العام الاسرائيلي
الى ذلك يدعم الراي العام الاسرائيلي، بغالبيته على الاقل، الهجوم
العسكري على قطاع غزة بالرغم من سقوط اكثر من 50 جنديا اسرائيليا حتى
الآن، وفق ما يرى محللون، وتم تشييع تسعة جنود اسرائيليين قتلوا، خمسة
منهم لقوا حتفهم خلال تبادل اطلاق النار مع مقاتلين فلسطينيين تسللوا
من قطاع غزة عبر احد الانفاق، وقتل اربعة منهم جراء انفجار قذيفة هاون
داخل اسرائيل وآخر في معارك في قطاع غزة، وبالرغم من ازدياد عدد القتلى
في صفوف الجيش، الا ان غالبية واسعة من الاسرائيليين تعتقد بضرورة
استمرار الهجوم العسكري ضد قطاع غزة، وفق استطلاع راي نشرته صحيفة
معاريف.
وجاء في الصحيفة ان "86,5% يعتقدون انه لا يجب ان تقبل اسرائيل بوقف
اطلاق نار طالما تواصل حماس اطلاق الصواريخ على اسرائيل، وطالما لم يتم
الكشف عن كافة الانفاق، وطالما ترفض حركة حماس الاستسلام"، وقال
المتخصص في العلوم السياسية ابراهام ديسكين ان مقتل الجنود زاد من دعم
العملية العسكرية، وقال "اذا تردد بعض الناس سابقا او كانوا غير واثقين
وظنوا انه يمكن ترك الانفاق كما هي، فان مقتل الجنود الخمسة امس يظهر
الخطر الناجم عن الانفاق"، وبحسب ديسكين، الذي يتراس فرع القانون
والحوكمة والادارة في كلية شعاري مشبات شمال تل ابيب، فان اي "تردد"
لدى المجتمع الاسرائيلي حول حرب غزة تراجع الى حوالي الصفر الآن، واضاف
ان "كل جندي يقتل ينمي الشعور بالانتقام الناس يقولون انهم يدركون خطر
الانفاق".
وقال رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ان "المواطنين
الاسرائيليين لا يمكنهم ان يعيشوا تحت تهديد الصواريخ وانفاق الموت"،
واضاف "لن ننهي العملية دون تدمير الانفاق التي هدفها الوحيد قتل
مواطنينا"، في اشارة الى شبكة الانفاق التي يمكن ان يتسلل عبرها
المقاتلون الفلسطينيون من قطاع غزة الى إسرائيل، وتخطى عدد القتلى
الفلسطينيين 1300 منذ بدء الهجوم الاسرائيلي على القطاع في الثامن من
تموز/يوليو، فيما قتل 53 جنديا اسرائيليا منذ بدء الهجوم البري في 17
تموز/يوليو، وآخر حرب لجأت فيها اسرائيل الى هجوم بري في قطاع غزة كانت
حرب 2008-2009، والتي اطلق عليها "الرصاص المصبوب"، واستمرت 22 يوما
وقتل وقتها عشرة جنود وثلاثة مدنيين. بحسب فرانس برس.
وفي صحيفة يديعوت احرونوت كتب ناعوم بارني ان "اصحاب القرار لم
يتخيلوا يوما ان يقترب عدد القتلى من الجنود من 50 خلال عشرة ايام من
المعارك البرية"، وتابع "لم يتخيل الراي العام الاسرائيلي ما آلت اليه
الامور"، وبحسب الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لوحدة التخطيط في
الجيش الاسرائيلي اسرائيل زيف فانه من المرجح ان تتواصل العملية التي
اعلن نتانياهو ان الهدف منها هو "تدمير الانفاق"، وقال زيف للصحافيين "اعتقد
انه في الايام المقبلة وفي حال لم يظهر اي حل سياسي او استعداد حقيقي
للتوصل اليه، سيكون على (الجيش الاسرائيلي) ان يغير استراتيجيته
والتحرك في اطار خطوات ملموسة اكثر في قطاع غزة لتصعيد وتكثيف الضغط
على حماس"، وكتبت سيما كادمون الصحافية ايضا في يديعوت ان "حماس، التي
جرتنا نحو الحرب، تحاول الآن ان تجرنا اكثر داخل غزة"، وحذر بن كاسبيت
في معاريف من ان اسرائيل يجب ان تخرج بـ"فوز واضح" عكس ما حصل خلال حرب
تموز/يوليو 2006 ضد حزب الله في لبنان.
الاقتصاد الإسرائيلي
من جانب اخر من المتوقع أن تتكبد إسرائيل خسائر بمليارات الدولارات
جراء حربها على النشطاء الفلسطينيين في قطاع غزة التي ستقوض بشكل مؤقت
نمو اقتصادها وتضع ضغوطا على مالية الحكومة، ويقارن محللون ومسؤولون
بين العملية الحالية والحرب التي استمرت شهرا بين إسرائيل وحزب الله في
لبنان في صيف 2006 وبين حربي غزة في 2009 و2012 حين تلقى الاقتصاد ضربة
لكنه سرعان ما تعافى عدا قطاع السياحة، ويعتقد بنك اسرائيل المركزي أن
القتال (إذا ظل مقتصرا على غزة) قد يقلص النمو الاقتصادي هذا العام
بمقدار نصف نقطة مئوية.
وقال الاستشاري المالي والاقتصادي باري توبف مستشار محافظ بنك
إسرائيل السابق ستانلي فيشر "ستكون هناك تكلفة لكنها لكن تكون كارثية
بأي حال، من الممكن احتواؤها إلا أنك تحتاج لسياسة اقتصادية جيدة"،
وأضاف أن هذا يعني أنه ليس بوسع إسرائيل أن تطمئن كثيرا إلى أن التعافي
سيأتي تلقائيا إذ ربما يبدأ بعض المستثمرين الأجانب في العزوف عن
الاستثمار في بلد يتعرض لنيران الصواريخ، وبدأت إسرائيل الهجوم في قطاع
غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل أسابيع في
مسعى لوقف إطلاق الصواريخ، وتحول الهجوم الذي بدأ بغارات جوية إلى حرب
برية قال عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنها قد تستمر
لبعض الوقت.
وخفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.5 بالمئة من 0.75
بالمئة لاسباب من بينها تعويض الخسارة الاقتصادية الناجمة عن الصراع،
وقال البنك المركزي إن من المبكر جدا تقييم الآثار الاقتصادية المترتبة
على الصراع الحالي لكن أحداثا مماثلة وقعت في العقد الأخير مثل حرب
لبنان في 2006 لم يكن لها سوى "تأثير محدود على الاقتصاد الكلي يصل إلى
نحو 0.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي"، وقالت نائبة محافظ البنك
المركزي نادين بودو تراختينبرج "إذا كان لنا أن نتعلم شيئا من الأحداث
المماثلة التي وقعت في الماضي (ونأمل ألا تطول الأحداث الراهنة عن ذلك
كثيرا) فلا نتوقع أن يكون لها تأثير كبير على النشاط الاقتصادي"،
وأضافت قائلة "ليس ذلك أمرا يفضي إلى إضعاف النمو".
وتسببت عمليات التأهب الأمني بسبب الهجمات الصاروخية وصفارات
الإنذار التي تنطلق بشكل متكرر للتحذير من غارات جوية في تعطيل النشاط
التجاري وانخفاض الناتج الصناعي وإنفاق المستهلكين، وقال عوفر شيلح عضو
اللجنة المالية بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) "لا شك أن التكلفة
ستزيد عن عشرة مليارات شيقل (29 مليار دولار)" في إشارة إلى التكاليف
العسكرية والمدنية، وقدرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن تكلفة
العملية العسكرية بلغت حتى الآن 12 مليار شيقل أو 1.2 بالمئة من الناتج
الاقتصادي الإجمالي، وعلى عكس عام 2006 عندما كان الاقتصاد الإسرائيلي
ينمو بمعدل سنوي بلغ ستة بالمئة قبل الحرب في لبنان فإن النمو يتباطأ
بالفعل هذا العام، وقبل بدء الصراع توقع البنك المركزي ان يتراجع النمو
إلى 2.9 بالمئة في 2014 من 3.3 بالمئة العام الماضي.
وقال مايكل ساريل الاقتصادي السابق بوزارة المالية "إذا هدأت
الأوضاع تماما بعد انتهاء العملية العسكرية مثلما حدث في 2006 و2009
و2012 عندئذ فان الاقتصاد اثبت انه يتمتع بقدرة كبيرة على امتصاص تلك
الأنواع من الصدمات وسيقتصر التأثير على ربع سنة فقط"، ورغم ذلك قال
ساريل إن هناك احتمالا لأن تتحول العملية إلى انتفاضة فلسطينية جديدة
تلحق ضررا شديدا بالاقتصاد، ويقول أوري جرينفيلد الخبير الاقتصادي لدى
بساجوت للسمسرة إنه إذا انتهت الحرب أو نحو ذلك سيتمثل الضرر في انخفاض
معدل النمو بمقدار 0.25 نقطة مئوية هذا العام، وأضاف أن حجم الخسارة
التي ستلحق بإنفاق المستهلكين ستقارب 1.7 مليار شيقل.
وذكر شموئيل تسوريل مدير عام اتحاد الفنادق الإسرائيلية أن حجم
الخسارة في حركة السياحة الوافدة في الربع الثالث سيزيد على 2.2 مليار
شيقل من بينها 500 مليون شيقل ستتكبدها الفنادق، وقال "قبل أسابيع
قليلة فقط كنا متفائلين ونمضي على مسار النمو متجهين إلى كسر السقف
الزجاجي البالغ 10 ملايين ليلة سياحية سنويا في الفنادق، نحن نتحول من
بيانات قياسية إلى انهيار مؤلم"، وأضاف أن الفنادق الإسرائيلية عادة ما
تكون مملوءة في الصيف لكن بعض المناطق في إسرائيل تشهد حاليا معدلات
إشغال تبلغ 30-30 بالمئة أو أقل، وألغى كثير من السياح رحلاتهم بسبب
القتال بينما أوقفت عدة شركات طيران أجنبية رحلاتها إلى تل أبيب لأيام
قليلة بعد سقوط صاروح قرب المطار.
ويقدر اتحاد أرباب الصناعة في إسرائيل حجم الضرر الاقتصادي الواقع
على المصانع بما قيمته 820 مليون شيقل حتى الآن وهو ما يرجع لأسباب
منها بقاء بعض العمال في منازلهم ووجود بعضهم ضمن أكثر من 40 ألف جندي
احتياطي جرى استدعاؤهم بسبب الحرب في غزة، وقال تسفيكا أورين رئيس
الاتحاد "نتيجة لهذه العملية تعاني المصانع من انخفاض في الإنتاج ونقص
في العمالة وغير ذلك، هذا الضرر يزداد مع استمرار العملية"، ويرجع معظم
التفاؤل بتعافي الاقتصاد سريعا إلى التجارب السابقة والي اقتصاد قوي
نسبيا ما زالت تزدهر فيه شركات أجنبية، فبعض الشركات الصينية اشترت
تنوفا أكبر شركة اسرائيلية للاغذية وشركة ام ايه اندستريز لصناعة
مستلزمات حماية المحاصيل الزراعية بينما تخطط إنتل لإنشاء مصنع جديد
للرقائق الإلكترونية في إسرائيل.
وقال تسفي اكشتاين عميد كلية الاقتصاد في المركز المتعدد المجالات
قرب تل أبيب "ترى الشركات الأجنبية أن المعدل العام للعائد مرتفع،
فإسرائيل تتمتع بقوة عاملة عالية الجودة وقدرة كبيرة على الابتكار،
وإذا تحقق السلام سيكون الحال أفضل"، ويأتي الصراع في خضم خلاف بين
وزيري المالية والدفاع بخصوص ميزانية الجيش، وتريد وزارة الدفاع زيادة
حجم الميزانية لكن وزارة المالية ترى ضرورة تخصيص المزيد من الأموال
للإنفاق الاجتماعي، وقال توبف إن الحرب "قد تؤدي إلى تبني سياسات سيئة
لأنها ستزيد الإنفاق العسكري لكن بدون الحفاظ على التوازن بين رفع
الضرائب وتقليص مخصصات أخرى"، وأضاف قائلا "زيادة الإنفاق العسكري تلقى
ترحيبا كبيرا لكن من الصعب زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق المدني". بحسب
رويترز.
وفي نهاية المطاف ستحصل وزارة الدفاع على أموال إضافية يمكن أن تؤدي
إلى تجاوز العجز في الميزانية للمستوى المستهدف البالغ 3 بالمئة من
الناتج الاقتصادي هذا العام و2.5 بالمئة في 2015، وذكرت تقارير أن
وزارة الدفاع تسعى للحصول على خمسة مليارات شيقل إضافية في 2015 وهو ما
يلقى معارضة من وزير المالية، وبلغت الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع
51 مليار شيقل في 2014، وقبل الحرب قال بنك إسرائيل المركزي إن الحاجة
تدعو لخفض كبير في الإنفاق وزيادة الدخل من الضرائب بواقع 20 مليار
شيقل لتلبية أهداف الميزانية لعامي 2015 و2016. |