تهديم دور العبادة في العراق

تواصل تاريخي مع جريمة تهديم البقيع

عباس سرحان/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

تتعرض المزارات الدينية العائدة للشيعة ودور العبادة للأقليات الأخرى في مناطق الموصل وصلاح الدين وديالى الى الهدم تفجيرا وتجريفا على يد جماعات داعش، وسط صمت دولي مريب، حيث هدمت على مدى الشهرين الماضيين أكثر من 1500 بين دور العبادة ومنازل عائدة للأقليات الشيعية والتركمان والشبك والمسيحية والأيزيدية في تلك المناطق.

منها أضرحة مهمة تحظى بقدسية لدى الطائفة الشيعية كمزار السيدة زينب، فيما تم تهديم أضرحة ومزارات أخرى لعامة المسلمين كضريحي النبيين يونس وشيت، ومن المفارقة الغريبة أن تتزامن عمليات التهديم هذه مع الذكرى السنوية لهدم قبور البقيع التي أقدمت عليها السلطات السعودية قبل عشرات السنين.

وكانت الأضرحة والقبور في البقيع قد تعرضت للهدم مرتين، الأولى قبل نحو 215 عاما، وتحديدا في عام 1801 على ايدي متشددين يدّعون ان بناء قبور الصالحين والأولياء شركا بالله، فيما تم هدم قبور البقيع في المرة الثانية سنة 1344هـ الموافق 1923م.

والمفارقة ان المذهب الوهابي الذي يدعي اتباعه انهم يسيرون على نهج السلف الصالح، يشذ عن كل مذاهب المسلمين التي لا تجد ضيرا في بناء الأضرحة وزيارة القبور واتخاذها مساجد.

 وتأتي الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون الشيعة والأقليات الأخرى في العراق والمتمثلة باستهداف مزاراتهم ودور العبادة التابعة وقتلهم وتهجيرهم استكمالا لعمليات تهديم دور العبادة التي استهدفت قبور الأئمة والصالحين من كبار قيادات جيش المسلمين في صدر الإسلام في مقبرة البقيع في السعودية، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين المنظمات الإرهابية التي تتبنى الفكر السلفي والتي تقوم بهدم مزارات وقبور الأقليات في العراق، وبين الحكومة السعودية التي تتبنى ذات الفكر.

ومن المناسب هنا أن نلقي بعض الضوء على جريمة تهديم قبور البقيع من خلال إعادة نشر بعض ما كتبه الرحالة السويسري، لويس بورخارت، حول تهديم قبور البقيع حيث قال " تبدو مقبرة البقيع حقيرة جداً لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر وأتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلو من أي قبر مشيد تشييداً مناسباً، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها".

ويصف هذا الرحالة قبور أئمة أهل البيت "ع"، وعمات النبي "ص" بالقول" الموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل".

وعن جبل أحد، وهو من الرموز التاريخية لصدر الإسلام، قال الرحالة السويسري" وجدت المسجد الذي شيد حول قبر حمزة، وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون، وعلى مقربة من تلك القبور هناك قبور لاثني عشر صحابيا من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها".

هذا الوصف الذي ساقه الرحالة السويسري، يغاير تماما ما كانت عليه قبور البقيع قبل تهديمها، فهي قد شيدت على نحو يشابه قبور الأئمة المعصومين المدفونين في العراق. لكن الوهابيين أحالوها إلى ركام، وتصف بعض كتب الرحلات مقبرة البقيع قبل هدمها بأنها" شامخة بقبابها، وأكبر القباب كانت قبة أئمة البقيع، وهي قبة واحدة مرتفعة أكبر من سائر القباب، وتحتوي قبور أئمة البقيع وقبر العباس عم النبي.

لا إكراه في الدين!

تُمثل عمليات هدم القبور والمزارات والأضرحة قمة التدخل في عقائد الناس وفرض توجه ديني محدد عليهم، وهو ما يتنافى ومبادئ الدين الإسلامي الذي شدد على قيم التسامح والمحبة والألفة والإبتعاد عن التعصب، والغريب أن كتب التفاسير عند أهل السنة ممن تعلن الجماعات المسلحة انها تمثلهم وتدافع عنهم أكدت دائما على أن الله تعالى كان يقصد في "لا إكراه في الدين" أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه دون الحاجة الى إكراه ويدل على ذلك قوله تعالى" قد تبين الرشد من الغي" أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه وقيل معناها الموادعة وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام" التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي ص89 – 90.

وفي تفاسير الشيعة معاني مشابهة تماما لما ذهب اليه السنة ففي تفسير الميزان وهو من اشهر كتب التفسير لدى الشيعة أن في قوله تعالى" لا اكراه في الدين" نفى الدين الاجباري، لما أن الدين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية يجمعها أنها اعتقادات، والاعتقاد والايمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الاكراه والاجبار" الصفحة 342 من الميزان في تفسير القرآن.

الإكراه العقائدي في المواثيق الدولية

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18 على" لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير الدين او المعتقد وحريته في الجهر بدينه أو معتقدة وحيدا او بصفة مشتركة أمام الملأ أو الخاص عن طريق التعليم والممارسة والعيادة وأداء الشعائر والطقوس ".

وانطلاقا من هذه الأمثلة الشرعية والقانونية التي لا تجيز التعدي على مقدسات الآخرين وتمنع إكراههم على الدخول في دين ومعتقد معين، فإن الجماعات الإرهابية التي ترفع شعارات دينية تتخذ منها غطاء شرعيا للتعدي على عقائد الأقليات في العراق، إنما تمارس خروجا واضحا على الدين الإسلامي.

ومن هنا يبدو خطأ فادحا تحميل أوزار هذه الجماعات على الدين الإسلامي، أو المسلمين، ولابد من تصنيفها كجماعات مارقة تستند الى عقائد فاسدة لا علاقة لها بالأديان ولا تحترم المواثيق الدولية، ما يحتم على المجتمع الدولي التعاطي بحزم معها، كونها لا تحمل مشاريع لبناء الدول، إنما هي مشاريع لتهديم الدول وتفتيتها.

التوصيات

ما يجري في العراق من قتل للأقليات وتدمير لمقدساتهم انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الإنسانية. لكن اللافت أن ما يحدث لم يحفز المجتمع الدولي بمنظماته ذات الطابع الإنساني للتحرك من أجل كشف جرائم الجماعات الإرهابية وإدانتها وإدراج قادتها على لائحة المطلوبين دوليا.

ما يتمناه مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو:

1- إصدار قرار أممي عاجل يعتبر التعرض للمقدسات والمزارات الدينية جريمة تستحق أقسى العقوبات، ويفرض الحماية الدولية على كل ما يمت بصلة لمقدسات الشعوب، وإعادة بناء ما هدم.

2- لابد أن يعمل المجتمع الدولي على تجفيف مصادر دعم الجماعات الإرهابية وخصوصا في مجال تجنيد المقاتلين، ويتعين على الدول المحيطة بالعراق أن تكون متعاونة في منع تسللهم الى داخل اراضيه.

3- لابد من إدراج أسماء المقاتلين في العراق وسورية ضمن المجاميع الارهابية على لائحة المطلوبين دوليا ويمنع تنقلهم عبر المطارات وطرق المواصلات الأخرى.

4- ولأن الأقليات تعاني من التهجير وفقدان كل مستلزمات الحياة والاستقرار، فالمنتظر من المجتمع الدولي تحركا سريعا لتوفير ما تحتاجه من دعم.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964

هـ: عباس سرحان/7800005641+964

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/آب/2014 - 10/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م