هدم البقيع بوابة الإرهاب والكراهية

احمد جويد

 

عمد أنصار الحركة الوهابية إلى هدم وتسوية أضرحة ومقابر (البقيع) وهي المقبرة التي دفن فيها بعض أهل بيت النبي (ص) وأزواجه وأولاده وبناته ومرضعته حليمة السعدية، وعماته وأصحابه، وتشير الوثائق والقرائن إلى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبة الرسول إلا أنهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل قوية من مختلف البلدان الإسلامية. فأصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.

ذلك الانتهاك الكبير للمقدسات أثار ردود أفعال غاضبة وكبيرة في نفوس الملايين من المسلمين وبخاصة من الشيعة ومحبي أهل البيت (ع) كما أنه زرع شيء من الحرقة والألم والحزن في تلك النفوس، وفي الوقت نفسه أعطى ذلك الانتهاك الضوء الأخضر للجماعات التكفيرية في صب جم تطرفها الأعمى على مقدسات المسلمين والاعتداء على حرماتهم، ورغم إن الفعل مدان بكل معنى الإدانة، إلا أن السلطات السعودية لا تزال مستمرة على الجريمة دون أن تبادر لتلافي آثارها والإسراع بإعادة بناء تلك المشاهد التي يؤدي بقاؤها على هذا الحال إلى وجود حالة من عدم الرضا والفرقة بين المسلمين.

فالعالم الإسلامي لا يتحمل اليوم المزيد من الشحن والكراهية والاعتداء على مقدسات الآخرين، كما أنه يشهد خطاباً متبادلاً بين الأطراف السياسية والمكونات الاجتماعية، يتسم بالتحريض الشديد والمبالغة في استثارة كوامن الكره والبغض الغرائزي، والمبالغة في الشيطنة، والتوصيف المستفز الذي يؤدي إلى القطيعة الصارمة، والجفوة المتزايدة، ويعمل على خلق فجوة هائلة، وجدران صلبة بين مكونات المجتمع تستعصي على الاختراق، وهو نتيجة لتلك المقدمة التي بدأت بها الوهابية بزرع التطرف والتجرؤ على حرمات المسلمين ومقدساتهم بهدم البقيع.

فالمبالغة الشديدة في التحريض الوهابي على أئمة أهل البيت (ع) وأتباعهم، أدت إلى إيجاد بيئة مريضة تنفي إمكانية التعايش السلمي بين أبناء الطوائف المختلفة، فضلاً عن فقدان إمكانية التعاون في حماية المصالح المشتركة للمسلمين، وتنفي إمكانية اللقاء والمشاركة في حل المشاكل المستعصية التي تواجه المجتمعات الإسلامية وتعرقل عملية البناء والنهوض، وتعطل كل مشاريع الإصلاح الضرورية على جميع الأصعدة وفي كل المجالات، وكل ذلك نتيجة لتبني الخطابات الأفكار المتطرفة التي تحض على قتل الآخر والاعتداء على مقدساته، وهذا ما شرعت به حكومة آل سعود وبوحي من التطرف الوهابي الأعمى في بداية سيطرتها على مكة والمدينة المنورة.

لم يتوقف خطاب التحريض والكراهية عند هذا الحد الذي يبيح الاعتداء على مقدسات المسلمين، بل تعدى ذلك إلى استعمال لغة القتل والدّم والتصفية الجسدية، وبدأت تظهر بوادر مشاريع سياسيّة على قدر كبير من الخطورة تحمل روح الإبادة الجماعية، والاستخدام المفرط للقوة، الذي يؤدي إلى التدمير الجماعي والفتك بالتجمعات المدنية، دون تفريق بين رجال ونساء وأطفال.

والحقيقة إن المجتمعات العربية والإسلامية لو أنها استنكرت فعلة الجماعة الوهابية ووقفت بوجهها بقوة من أول يوم لما استطاعت تلك الفئة المتطرفة التجرؤ بالاعتداء على المسلمين وتكفيرهم واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم في وقتنا الحاضر، واليوم تتذوق الشعوب العربية والإسلامية طعم الثمار المر التي أنتجتها الوهابية وسكتت عنها هذه الشعوب، فإن الأيدي الآثمة التي استباحت هدم أضرحة آل الرسول عليهم السلام استباحت ايضا هدم ضريح الصحابي الجليل حُجر بن عدي وهدم عدة أضرحة للأولياء في العراق واليمن وتونس ومصر وليبيا والبحرين وهي ذاتها التي تستبيح قتل المسلمين في أقطار الأرض، وما يجري في العراق وبشكل متكرر هو من وحي وتدبير تلك الجماعات المتطرفة التي هدمت قبور البقيع وبتمويل من سلطات آل سعود، وما يجري من قتل مستباح ودامي ومتواصل في سوريا وتفجيرات مستمرة في باكستان وقتل وقمع وإرهاب في البحرين وفي الجزيرة العربية وما يحدث اليوم من قتل للأبرياء في مصر، إنما يقف ورائه النظام السعودي وحلفائه في المنطقة.

ولابد من الإشارة إلى ان الوهابيين هدموا قبورا مسلمة الصحة والقدسية عند المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم وأدى ذلك الآن إلى نسيان مواضعها والإعراض عنها تماما بحيث بنيت فوقها العمارات والبيوت ورصفت الشوارع وتم إخفاؤها تماماً، فهل يرضى المسلمون بهذه النتيجة لذرية النبي (صلى الله عليه واله) أولاده وبناته أو البنات المنسوبين إليه ولزوجاته والمعنونين من الصحابة؟

كما إن المصادر التاريخية تؤكد إن للوهابيين عدة حملات في تهديم قبور بقيع الغرقد وليست هذه الحملة المعروفة التي شارك فيها عبد العزيز بن سعود مؤسس الدولة السعودية الحالية والتي أمر مفتيهم في ذلك الحين (بن بليهل) ليست هي الحملة الوحيدة، وان كان هي أشهرها وأشدها تأثيرا في هدم القبور وإنما هي الحملة الأخيرة. والظاهر أنها إنما اكتسبت هذه الأهمية نعني "التطرف في الجريمة" لأنها هي التي هدمت قبة أهل البيت التي كانت مقامة على قبور المعصومين (سلام الله عليهم) والتي سمعنا ذكرها في كتاب "مرآة الحرمين" وتوجد لها صورة في هذا الكتاب وغيره.

ومعنى ذلك أنها بقيت محفوظة من التهديمات السابقة فلم يجرؤوا على تهديمها إلا في الحملة الأخيرة المذكورة بحيث زامنت وجود التصوير الفوتغرافي وحصلت لها عدة تصاوير ولو كانت مهدومة قبل ذلك لما حصل ذلك كما هو واضح، وحسب المنقول إن الحملة الأخيرة للتهديم حصلت في 8 شوال عام 1344 هجرية الموافق 1923ميلادية أي قبل حوالي تسعين سنة.

فما تشهده الدول العربية من أحداث عنف وردات فعل ضد التيارات الإسلامية المتطرفة وبخاصة في شمال أفريقيا واليمن وسوريا، هو نتيجة طبيعية لاعتداءات تلك الجماعات على أضرحة وقبور الصالحين في هذه الدول وما ترتكبه من انتهاكات فاضحة بحق الإنسانية، كما إن ما شهده العراق من أعمال عنف وردات فعل شعبية قوية في عامي 2006-2007 م كان نتيجة إعتداء الجماعات الوهابية على أضرحة أئمة المسلمين في سامراء.

 وببقاء القبور الطاهرة في البقيع على هذا الحال من الانتهاك أو محاولة إخفاء معالمها بصورة كاملة سوف يؤدي إلى المزيد من الغضب وردات الفعل لدى جميع المسلمين الذين ضاقوا ذرعاً بأفعال الوهابية ومن يقف خلفهم، ومهما حاول حكام السعودية التقرب من هذه الشعوب وتقديم الأموال، فسوف تصل شرارة الغضب إلى كل مكان في ارض المسلمين، وكل من يدعم أو يحتضن تلك الجماعة مادياً ومعنوياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/آب/2014 - 9/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م