البنوك الإسلامية.. تتألق في سماء الاقتصاد العالمي

 

شبكة النبأ: العمليات المصرفية التي تقوم بها البنوك الإسلامية تشهد وبحسب بعض الخبراء الاقتصاد نمواً متسارعاً في العديد من دول العالم الإسلامي، ويرى هؤلاء الخبراء ان من اسباب نجاح البنوك الاسلامية هو الحرية التي تمتلكها الأنظمة المصرفية لهذه البنوك في حرية الحركة ضمن السوق من دون التعرض للقيود الحكومية والرقابة الصارمة التي تحد من تحركها.  

وقد لعبت البنوك الإسلامية دورا محوريا في معالجة الأزمة المالية من خلال اتخاذ إجراءات وتشريعات متوازنة ساعدت في تجاوز الأزمة العالمية.

حيث باتت البنوك الاسلامية بمثابة المنقذ  لما يتعرض له الاقتصاد العالمي من هزات جديدة نتيجة لتراكم ديون الدول الغنية ووصولها مستويات قياسية تقارب المستويات التي بلغتها في زمن الحرب، الى جانب نمو اقتصادي مفرط في الدول الناشئة، مما ينذر بعودة ظهور الغموض الاقتصادي من خلال السياسات الاستراتيجية المالية الاحتكارية، التي تفاقم من مشاكل الانظمة المالية حول العالم، لكن خبراء آخرون يرون ان بعض تلك المصارف التي تعمل في مجال التمويل الإسلامي، لا يمكن لها ان تستمر دون التعامل ببعض المعاملات الربوية التي تستطيع من خلالها تحقيق بعض الارباح خصوصا وانها لا تستطيع العمل خارج المنظومة المالية العالمية التي تتطلب العمل مع بنوك ومؤسسات مصرفية اخرى تتعامل وفق انظمة وقوانين خاصة قد لا يسمح بها الاسلام.

وكما تشير بعض المصادر فقد جاء إنشاء أول مصرف إسلامي متكامل يتعامل طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية عام 1975 وهو بنك دبي الإسلامي, ثم توالى بعد ذلك إنشاء المصارف الإسلامية لتصل إلى 267 مصرفًا منتشرة في 49 دولة على مستوى العالم, بحجم أعمال يزيد عن 250 مليار دولار. ويتوقع أن يكون للمصرفية الإسلامية الحصة الأكبر عالمياً من حيث حجم التعامل وتنوع الأنماط والمنتجات الاستثمارية.

قصص النجاح

وفي هذا الشأن ومع توالي قصص النجاح التي حققتها البنوك الإسلامية في الكويت خلال العقد الأخير جاء قرار الجمعية العمومية للبنك التجاري الكويتي بالتحول للعمل وفق الشريعة الإسلامية ليكون بذلك سادس بنك في هذا البلد الغني بالنفط يعمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية. وحققت البنوك التي تحولت إلى النظام الإسلامي نجاحا كبيرا أغرى كثيرا من البنوك التقليدية بمحاولة دخول هذا السوق الواعد في المنطقة والعالم حتى أن بنك الكويت الوطني وهو أكبر بنك تقليدي في البلاد تملك في عام 2012 حصة أغلبية في بنك بوبيان الإسلامي.

وتعود تجربة البنوك الإسلامية في الكويت إلى عام 1977 عندما تأسس بيت التمويل الكويتي كأول بنك إسلامي في البلاد. وفي عام 2003 تم إقرار أول قانون في الكويت يسمح بتأسيس بنوك إسلامية جديدة ويسمح للبنوك التقليدية القائمة بالتحول للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. وبناء على هذا القانون تأسس بنك بوبيان الإسلامي في 2004 تلاه بنك وربة الإسلامي في 2010 كما تحول البنك العقاري في 2007 إلى بنك الكويت الدولي الإسلامي وتحول بنك الكويت والشرق الأوسط التقليدي إلى بنك إسلامي تحت إسم البنك الأهلي المتحد الكويتي في 2010.

وفي مقابل هذه البنوك الإسلامية الخمسة توجد خمسة بنوك تقليدية هي بنك الكويت الوطني وبنك الخليج وبنك برقان المملوك لمجموعة مشاريع الكويت القابضة والبنك الأهلي الكويتي إضافة للبنك التجاري الكويتي. وقال ميثم الشخص مدير شركة العربي للوساطة المالية إن الاقبال المتزايد على المصرفية الإسلامية في المنطقة يأتي "بسبب نجاح النماذج الموجودة." وأضاف الشخص أن امتلاك بنك الكويت الوطني لبنك إسلامي هو "اعتراف ضمني" بأن هذا النموذج من العمل المصرفي "مجد للغاية."

وقال الشخص إن فكرة تحول البنك التجاري للعمل الإسلامي ليست جديدة وتعود لسنوات مضت مؤكدا أن السعي لتقليل المخاطر من خلال الاستثمار في أدوات استثمارية إسلامية تتسم بدرجة عالية من الأمان هو أحد أهم أسباب هذه الرغبة. ومنذ أن تم طرح أسهم بنك وربة الإسلامي الذي أسسته الدولة وتملكت 76 في المئة من أسهمه لجميع المواطنين في البورصة العام الماضي وهناك تكهنات صحفية واسعة بوجود منافسة شرسة بين عدد من البنوك التقليدية للاستحواذ على حصة مؤثرة فيه وكان البنك التجاري أحد أقوى المرشحين لذلك.

والبنك التجاري الكويتي تأسس سنة 1960 ويبلغ رأسماله الحالي 127 مليون دينار وهو مدرج في سوق الكويت للأوراق المالية منذ 1984. وطبقا لموقع بورصة الكويت على الانترنت فإن شركة الشرق القابضة تسيطر على 23.11 في المئة من أسهم البنك لكن مراقبين يقولون إن جهة واحدة بقيادة شركة الشرق هي التي تمتلك غالبية أسهم البنك.

وأكد المدير العام لشركة شورى للاستشارات الشرعية الشيخ عبدالستار القطان أنه كان هناك "قرار متردد" لدى كبار مساهمي البنك التجاري خلال السنوات الماضية للعمل في السوق المصرفي الإسلامي وهو ما انعكس في حصولهم سابقا على استشارات لفتح نافذة إسلامية للبنك لكن هذا المسعى لم يكتب له النجاح نظرا لأن القوانين لم تكن تسمح بذلك.

وتضع القوانين الكويتية عقبات أمام إنشاء نوافذ إسلامية للبنوك التقليدية حيث تشترط أن يقوم مساهمو البنك التقليدي بإنشاء شركة جديدة مستقلة وتقوم هذه الشركة بإنشاء بنك إسلامي جديد. وأضاف القطان أن دوافع التحول للعمل الإسلامي قد تكون مجرد رغبة المساهمين الرئيسيين في التحول للعمل الإسلامي وقد تكون في الوقت نفسه سعيا وراء الربح المرتفع الذي يحققه العمل المصرفي الإسلامي لاسيما أن البنوك الإسلامية تتعامل مع جميع العملاء بينما البنوك التقليدية لا تتوافر لها هذه الميزة.

وذكر القطان أن البنك التجاري توسع في العقد الأخير في التعامل مع الشركات الاسلامية ومنها أعيان للإجارة والاستثمار وشركة دار الاستثمار كما قام بالتوسع في عمليات التمويل وكذلك الأصول "المتوافقة" مع الشريعة الإسلامية. وأكد ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للدراسات أن منطق السوق حاليا يقول "إن المصلحة البحتة مع (العمل المصرفي) الإسلامي" بما في ذلك كثير من العملاء التقليديين الذين يطلبون معاملات إسلامية.

وتواجه عادة عملية تحويل أي مصرف تقليدي إلى العمل الإسلامي مرحلة انتقالية تستغرق سنوات وتتضمن العديد من الإجراءات المعقدة التي تشرف عليها وبشكل تفصيلي هيئة رقابة شرعية. وتتضمن هذه المرحلة الانتقالية تحويل كافة عمليات البنك ونماذج عمله إلى العمل الإسلامي كما تتضمن تدريب وتأهيل الكوادر البشرية. وقال الشخص إن عملية التحول يواجهها حاليا تحديان اضافيان الأول تحدي الكوادر البشرية ومدى ملاءمتها للعمل بالنموذج الإسلامي بما فيها تغيير زي بعض الموظفات والتحدي الآخر مدى قبول عملاء البنك الحاليين بالنموذج الإسلامي وتغيير معاملاتهم لدى البنك تبعا لذلك.

واتفق الخبراء على أن عملية التحول إلى العمل المصرفي الإسلامي تحتاج لفترة قد تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات وأن تحويل حقوق البنك والتزاماته التقليدية إلى النظام الإسلامي سيكون أهم العقبات التي يتعين البنك تجاوزها في سبيل إنجاز عملية التحول. وتوقع النفيسي أن يلتزم البنك خلال هذه الفترة بتوقيع عقود مع جميع عملائه لتحويل الأصول غير المتوافقة مع الشريعة إلى أصول متوافقة معها.

وقال القطان إن البنك سيواجه خلال هذه الفترة الانتقالية "إشكالات تنظيمية وقانونية وشرعية" لكنه لن يواجه صعوبة في البحث عن المنتجات الإسلامية التي أصبحت متوافرة "ونمطية وجاهزة." وأكد القطان أن التسرع في التخلص من الالتزامات والحقوق غير المتفقة مع الشريعة الإسلامية قد يؤثر على المركز المالي للبنك ويلحق به الضرر "ولابد من وضع خطة" محددة المراحل يتم تنفيذها وقد ينجح البنك في انجاز خطة التحول أو يمددها فترة اضافية.

ويخشى متابعون من تزايد حدة المنافسة بين البنوك الإسلامية في سوق الكويت الذي يتسم بصغر الحجم وقلة عدد السكان رغم ارتفاع مستوى المعيشة. ويقول هؤلاء إن هذه المنافسة قد تضر بتجربة البنوك الإسلامية ذاتها. لكن النفيسي قال إنه وحتى بعد تحول البنك التجاري إلى العمل الإسلامي ستظل "الكفة راجحة" للبنوك التقليدية بسبب وزن بنك الكويت الوطني الكبير لأن "المسألة بالحجم وليس العدد." بحسب رويترز.

وكان محافظ بنك الكويت المركزي السابق الشيخ سالم عبد العزيز الصباح قال إن السوق الكويتي وصل الى مرحلة التشبع بالنسبة لعدد البنوك الاسلامية "في هذه المرحلة." وتوقع النفيسي ألا يكون البنك التجاري هو آخر بنك يعلن مثل هذه الرغبة. وقال إن الاقبال على العمل المصرفي الإسلامي لم يعد مقتصرا على البلاد الإسلامية وإنما تعزز بشكل كبير في الولايات المتحدة وأوروبا "فهذا هو المستقبل."

تنافس كبير

في السياق ذاته قال مصدران مطلعان إن بنك إسلام الماليزي يخطط لجمع مليار رنجيت (311.24 مليون دولار) من خلال بيع صكوك لتمويل النمو الذاتي وعملية استحواذ محتملة في اندونيسيا. وبنك إسلام هو أقدم وأكبر البنوك الإسلامية في اندونيسيا ومملوك بالكامل لشركة بي.آي.إم.بي هولدنجز التي قالت إن المنافسة في قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية قلصت هوامش الربح وتسببت في الاحتياج لجمع تمويلات لدعم النمو.

وقال أحد المصدرين إن بنك إسلام يهدف إلى الحفاظ على معدل النمو السنوي للقروض عند ما يتراوح بين 20 و25 بالمئة من خلال بيع صكوك مرابحة لأجل 30 عاما بقيمة 300 مليون رنجيت. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لعدم الإعلان عن هذا الأمر حتى الآن إن بيع الصكوك التي تنتمي للفئة الثانية والمتوافقة مع معايير بازل-3 ينتظر موافقة البنك المركزي ثم الموافقة النهائية من لجنة الأوراق المالية. وذكر أن بنك إسلام يعتزم بعد ذلك جمع 300 مليون رنجيت أخرى في 2016 لدعم النمو الذاتي. وقال المصدر الثاني إن البنك يهدف إلى جمع 400 مليون رنجيت في 2015 لشراء شركة في اندونيسيا لم يذكر اسمها. وأضاف أن البنك ينتظر نتيجة انتخابات الرئاسة الاندونيسية المقررة في يوليو تموز لاستكمال خطط الاستحواذ.

على صعيد متصل أظهر تقرير لمجلس الخدمات المالية الإسلامية أن بنجلادش طورت صناعة تمويل إسلامي كبيرة الحجم لكن غياب أدوات متوافقة مع الشريعة مثل الصكوك يحد من فرص النمو في القطاع. ونما حجم قطاع التمويل الإسلامي في بنجلادش - وأغلب سكانها البالغ عددهم 160 مليون نسمة من المسلمين - لمثليه في الأعوام الأربعة الأخيرة رغم أن التعديلات التنظيمية التي طبقت كانت هامشية.

ويطرح البنك المركزي صكوكا بمبالغ صغيرة ولآجال قصيرة لا تزيد على ستة أشهر لمساعدة البنوك الإسلامية على إدارة السيولة لكن الشركات هناك لا تصدر صكوكا. وقال التقرير إن الصكوك ستسهم في تنويع موارد التمويل وتعويض صغر حجم سوق التمويل الإسلامي لكن إصدارها يتطلب قواعد أكثر وضوحا.

وقال "المشكلة الأكبر بخصوص السياسات في بنجلادش تتعلق بملاءمة الإطار القانوني والتنطيمي ونطاقه لإتاحة بيئة مناسبة." وأضاف التقرير أن البنوك الإسلامية تشكل 18.9 بالمئة من إجمالي الودائع المصرفية في بنجلادش. وقال البنك المركزي إن الودائع المصرفية باستثناء ودائع بين البنوك بلغت 6.33 تريليون تاكا (82 مليار دولار) في مارس آذار.

وأحد هذه البنوك بنك بنجلادش الإسلامي الذي تأسس عام 1983 كأول بنك إسلامي في البلاد وأكبر بنك تجاري خاص. وعانت البنوك الإسلامية من نقص السيولة في 2010 حين تجاوزت نسبة السلف إلى الودائع السقف الذي حدده البنك المركزي مما حدا بالجهة التنظيمية لفحص مستويات السيولة المتاحة لرصد أي تباين مع آجال السداد.

وقال التقرير إن المشكلة عولجت في 2011 حين أطلق البنك المركزي سوق النقد بين البنوك الإسلامية لكن استحواذ بنك بنجلادش الإسلامي على نصيب الأسد في السوق يحد من فعاليتها. وتابع "قد يؤثر حجمه النسبي على فعالية سوق بين البنوك وينبغي أن يعيد البنك المركزي النظر في الأمر." بحسب رويترز.

ويضع البنك المركزي نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك الإسلامية عند نصف النسبة التي يلزم بها البنوك التقليدية مما يعزز الربحية لكنه لا يعالج القضية الأساسية المتعلقة بعمق سوق النقد. وقال التقرير "الوجه الآخر لهذه الميزة خطير إذ يقلص كثيرا الأدوات المتاحة للبنوك الإسلامية للتحكم في مخاطر السيولة وفي حالات السحب المفاجئ لمبالغ كبيرة من الودائع ستواجه البنوك الإسلامية نقصا في السيولة."

خارج العالم الاسلامي

الى جانب ذلك يخطط بنك بريطانيا الإسلامي وهو مصرف أنشطة التجزئة الوحيد المتخصص في المعاملات الإسلامية في البلاد لتوسيع نطاق منتجاته للفوز بأنشطة على المستوى المحلي وعبر أوروبا مدعوما بمساهم قطري جديد. وقال سلطان شودري الرئيس التنفيذي لبنك بريطانيا الإسلامي والذي عين مؤخرا إن البنك يطور أنشطته في مجال العقارات التجارية لزيادة الدخل من الرسوم مع سعيه لتحقيق أرباح للمرة الأولى.

وتابع شودري الذي عمل سابقا عضوا منتدبا مؤقتا "كان الاستحواذ نقطة تحول بالنسبة لنا وهو ما يعني أننا سنعدل اتجاه البنك. سنحول تركيزنا بشكل أكبر إلى الأنشطة المصرفية التجارية." واستحوذ مصرف الريان أكبر بنك إسلامي في قطر من حيث القيمة السوقية في يناير كانون الثاني على بنك بريطانيا الإسلامي وضخ فيه في فبراير شباط 75.8 مليون جنيه استرليني (129 مليون دولار) لدعم خطط التوسع.

ولدى بنك بريطانيا الإسلامي - ومقره برمنجهام - نحو 50 ألف عميل وودائع أفراد قيمتها 380 مليون جنيه استرليني لكنه يواجه صعوبات في التحول إلى الربحية منذ بدء نشاطه في 2004. وقال شودري إن ذلك قد يتغير قريبا حيث زادت أنشطة التمويل العقاري إلى مثليها العام الماضي وهو ما قد يتيح للبنك التوسع في وقت لاحق في أوروبا مضيفا أن عمليات التجزئة المصرفية ستواصل التركيز على بريطانيا.

وتابع "يتمثل الهدف بوضوح في الوصول إلى (نقطة التعادل) ليس فقط على الأمد المتوسط وإنما أيضا على الأجل القصير ونحن على المسار لتحقيق ذلك."

على صعيد متصل اصدرت وزارة المالية البريطانية صكوكا سيادية متطابقة مع المبادئ الاسلامية في سابقة خارج العالم الاسلامي تعزز مكانة لندن كقاعدة للمالية الاسلامية. وقالت الوزارة في بيان "عززت الحكومة مكانة بريطانيا كقاعدة غربية للمالية الاسلامية بعد ان اصبحت اول بلد خارج العالم الاسلامي يصدر صكوكا سيادية".

وعملية اصدار هذه الصكوك التي يحين أجلها في 22 تموز/يوليو 2019 ، أتاح للوزارة جمع 200 مليون جنيه استرليني. ولقيت هذه الصكوك "طلبا كبيرا جدا" بقيمة اجمالية بلغت 2,3 مليار جنيه من المستثمرين "العاملين في بريطانيا وفي المراكز المالية الكبرى للمالية الاسلامية عبر العالم". ولقيت اقبالا من صناديق سيادية وبنوك مركزية ومؤسسات مالية.

وحدد عائد هذه الصكوك ب 2,036 بالمئة لكنها مسنودة باملاك عقارية للحكومة التي يقوم الربح فيها على مكافأة المشاركة في رأس المال وذلك من اجل تفادي مفهوم الفائدة الربوية المحرمة في الاسلام. وقال جورج اوزبورن وزير المالية البريطاني "ان اصدار اول صكوك سيادية اليوم ببريطانيا يأتي في سياق التزام الحكومة" بجعل البلاد "المركز الغربي للمالية الاسلامية". واضاف "آمل ان يشجع نجاح هذا الاصدار الحكومي اصدار صكوك من القطاع الخاص في المملكة المتحدة". بحسب فرانس برس.

وتشكل لندن وسوقها المالي ذو الاشعاع العالمي مركزا للمالية الاسلامية حيث يوفر اكثر من 20 بنكا منتجات المالية الاسلامية في حين تم ادراج 49 من الصكوك الاسلامية منذ خمس سنوات في بورصة لندن بقيمة تبلغ 34 مليار دولار. غير ان هذا المبلغ ليس الا قسما ضئيلا مما تمثله المالية الاسلامية المقدرة ب 1300 مليار دولار هذا العام، بحسب ارقام العام الماضي للحكومة البريطانية.

إعادة بناء

من جهة اخرى يقول خبير اقتصادي أمضى عقودا بالقطاع المصرفي إن اعتبارات شرعية وعملية تدعو إلى إعادة النظر في الهياكل والأدوات التي تعمل بها البنوك الإسلامية وفي مقدمتها أداة المرابحة واسعة الانتشار. وفي كتابه "حتمية إعادة هيكلة النظام المصرفي الإسلامي" يقول حسين كامل فهمي الخبير السابق بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية في جدة إنه لا يوجد فارق كبير بين الشكل النهائي للهيكل والأدوات في البنوك الإسلامية والتقليدية ويرى "حتمية" إعادة هيكلة القطاع بشكل شامل.

ويبرر ذلك بأن الأدوات الحالية للبنوك الإسلامية تعد نواة لخلق سوق آجلة يتلاقي فيها العرض والطلب على الائتمان من خلال "توسيط وهمي" للسلع مما يؤدي في النهاية إلى تفشي الربا في المعاملات المالية والاضطرار إلى الاعتراف به بطرق مستترة الأمر الذي يتناقض مع الهدف الذي قامت البنوك الإسلامية لأجله وهو تقديم بديل متوافق مع الشريعة.

وينتقد فهمي أدوات مثل بيع المرابحة الذي يشكل الجانب الأكبر من معاملات البنوك الإسلامية وعقد الشراكة المتناقصة وعقد الإجارة المنتهية بالتمليك (التأجير التمويلي) والاستصناع والتورق الفردي والمنظم ويخلص إلى أنها "تؤول جميعها إلى الغرر وبيع العينة" المنهي عنه في الإسلام ويوصي بضرورة إلغائها. ولا يقف عند رفض الأدوات بل ويوجه سهام انتقاده إلى ما يصفها بالمشكلات الهيكلية للبنوك الإسلامية مثل ظاهرة خلط الأموال في الحسابات الاستثمارية وغلبة أرصدة الديون على المراكز المالية وعدم فعالية الأدوات النقدية المعمول بها.

ويرجع الخبير الحاصل على ماجستير في إدارة السياسات الاقتصادية العامة من جامعة هارفارد الأمريكية ودكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من جامعة القاهرة بجذور الخلل الذي يطالب بتصحيحه إلى الانطلاق من محاولة محاكاة البنوك التقليدية وتأخر صدور الفتاوى إلى ما بعد بدء العمل بكل أداة مصرفية إسلامية والاستثمارات الضخمة في الهياكل والأدوات الحالية. وقال "البنوك الإسلامية بدأت بآراء فقهية سطحية جدا."

وبدأت البنوك الإسلامية عملها بأداة المرابحة التي تظل حتى الآن الأكثر استخداما في القطاع وهي اتفاق بين البنك وأحد عملائه يطلب فيه العميل من البنك شراء سلعة على أن يتعهد بإعادة شرائها فور تملك البنك لها على أساس آجل بعد إضافة هامش ربح إلى التكلفة الأصلية ويجري عادة تقسيط ثمن البيع النهائي على فترة زمنية معينة. ووجدت البنوك الإسلامية في الأداة ضالتها باعتبارها تهيئ شكلا يتمشى مع مبادئ الشريعة لاندراج التعامل بينها وبين العميل في إطار عقد البيع وليس عقد القرض المتبع في البنوك التقليدية ولأنها تجنب البنك مخاطر الوقو

وفي كثير من المشكلات العملية المتعلقة بوجود السلعة نفسها والاحتفاظ بها في حوزته واحتمالات إعراض العملاء عن السلع بعد شراء البنك لها.

وكان أول من اقترح أداة المرابحة سامي حسن حمود في رسالته للدكتوراه المطبوعة في كتاب صدر عام 1982 بعنوان "تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة الإسلامية" واستند فيها إلى فتوى للإمام الشافعي. ولكن فهمي يرى أن الفتوى تضمنت شروطا يترتب عليها الفصل بين عملية شراء السلعة في البداية وعملية بيعها بعد ذلك ويقول إن ذلك غير متحقق في أداة المرابحة بصيغتها الحالية في البنوك الإسلامية حيث يتعلق العقد ببيع سلعة غير مملوكة للبائع من الأصل.

وتتمثل أهمية آراء فهمي في أنها تنال من معاملات شائعة داخل القطاع الذي يجتذب بمسماه الإسلامي ملايين العملاء في شتى أنحاء العالم بل إن نموذج عمل البنوك الإسلامية يرتكز عليها بشكل شبه كامل ناهيك عن أنها توجه انتقادات شرعية وعملية لأدوات حاصلة على موافقة هيئات شرعية وأجهزة رقابية. وفي قطاع يرى البعض أنه يعاني من جراء تباين الفتوى وتفاوت الآراء الفقهية تتقاطع انتقادات فهمي مع مواقف خبراء آخرين يشاطرونه بعض تحفظاته لكن دون أن يتفقوا معه على الحلول المقترحة.

فإعادة الهيكلة التي يقترحها تتضمن إلى جانب إلغاء العمل بالأدوات سالفة الذكر أفكارا جذرية مثل اقتصار البنوك الإسلامية على نشاط الخدمات المصرفية كبيع وشراء العملات وتحويل الأموال للخارج وفتح الحسابات الجارية على سبيل الأمانة المحضة وإصدار بطاقات ائتمان مغطاة بالكامل. ويوصي باعتماد الشركة القابضة كهيكل جديد للبنوك الإسلامية والعمل بنظام البنوك الضيقة وهو مفهوم يشير إلى فصل أنشطة الإيداع والمدفوعات عن أنشطة الوساطة المالية. لكن فهمي يذهب لأبعد من ذلك في نموذجه المقترح حيث يرى حتمية إلغاء نشاط التمويل الائتماني كلية واستبداله بعمليات المشاركة القائمة على مبدأ "الغنم بالغرم" أو المشاركة في الربح الخسارة.

ويجد الخبراء صعوبة في قبول مثل تلك المقترحات. ويقول أشرف دوابه الخبير والمستشار الدولي في التمويل والاقتصاد الإسلامي إنه يرى بالفعل انفصاما بين التطبيق والتنظير في قطاع التمويل الإسلامي وأن التجربة "ربما لم تؤت ثمارها حتى الآن" لكنه يؤمن بإمكانية إصلاح الأدوات القائمة بدلا من إلغائها تماما. وقال "الصيغ شرعية لكن التطبيقات فيها انحراف باتجاه محاكاة المعاملات التقليدية .. المرابحة وتحمل المخاطرة غلبت على الدور التنموي المفترض للبنوك الإسلامية. لا بد من تفعيل سائر صيغ التمويل الإسلامي والتي تصل إلى 16 صيغة." ويعلق على فكرة البنوك الضيقة قائلا "هذا ليس بنكا .. أرى أن نعالج المشاكل القائمة لا أن نلغي الفكرة كلها ونقضي على أدوات التمويل."

من جانبه يرفض محمد البلتاجي رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي مجمل آراء فهمي عدا الجزء المتعلق بأداة التورق المنظم المثيرة للجدل داخل القطاع والتي صدرت فتاوى كثيرة بتحريمها. ويقول "التورق المنظم بدأ العمل به كأداة انتقالية للبنوك التقليدية الراغبة في التحول إلى النظام الإسلامي لكن البعض رأى فيه إمكانية توفير السيولة النقدية بسهولة مما أدى إلى التوسع فيه .. أضر ذلك بالبنوك الإسلامية وبمصداقيتها." والتورق المنظم هو طلب الأفراد للنقود السائلة من خلال إعطاء أمر للبنك لشراء سلعة ثم بيعها للعميل بسعر آجل ثم يوكل العميل البنك لبيعها نيابة عنه بسعر حاضر لشخص ثالث.

عمليا تبدو آراء فهمي عصية على التطبيق فالتمويل الإسلامي من أسرع القطاعات الاقتصادية نموا في العالم. ومن المتوقع بحسب إرنست اند يونج أن تبلغ الأصول المصرفية الإسلامية في حوزة البنوك التجارية3.4 تريليون دولار بنهاية 2018 في حين تخطت الأرباح المجمعة للبنوك الإسلامية في أسواقها الستة الرئيسية - قطر وإندونيسيا والسعودية وماليزيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا - العشرة مليارات دولار للمرة الأولى نهاية 2013.

ويقول البلتاجي "المقترح مستحيل التطبيق بل ولا يوجد مبرر شرعي له ... العقود ممتازة ومتفق عليها من الهيئات الشرعية وتم تطبيقها ونجحت." وفي حين يشكو البلتاجي من منتقدي التمويل الإسلامي الذين "ليست لديهم قناعة بالبنوك الإسلامية أو لا يعرفون المعايير المطبقة" وهي شكوى تتردد كثيرا داخل القطاع فإن ذلك لا يسري بالتأكيد على فهمي الذي شغل من قبل منصب نائب المدير العام لإدارة البحوث والتخطيط ببنك فيصل الإسلامي المصري وله العديد من البحوث والدراسات المتخصصة.

ورغم الاعتبارات الاقتصادية التي يسوقها لتبرير مقترح إلغاء الأدوات الحالية وإعادة هيكلة القطاع تخلو دراسات فهمي من أي تقدير للتكلفة المالية لعملية جذرية من هذا القبيل حيث يراها واجبة "مهما كانت التكلفة للخروج من هذا المأزق". ويتساءل "هل يعقل أن نجد أذون خزانة في ميزانية بنك إسلامي كبير؟" لكنه رفض الإفصاح عن اسم البنك. وأذون الخزانة من أدوات الدين غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بسبب الفائدة.

وبدأ فهمي العمل بالقطاع المصرفي عام 1966 وانضم إلى بنك فيصل عندما بدأ نشاطه في 1979 وهو من خبراء الاقتصاد الإسلامي المعتمدين لدى مجمع الفقه الإسلامي العالمي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ولم يكتف بدراساته الاقتصادية المتخصصة في هارفارد وفي الجامعة الأمريكية - حيث حصل على ماجستير ثان في الاقتصاد - بل ضم إلى ذلك دراسة العلوم الشرعية من خلال التخصص في الفقه الشافعي تحت إشراف علماء مثل علي جمعة مفتى مصر السابق.

ويقول إن النتائج التي توصل إليها هي نتاج الخبرة العملية ودراساته العلمية في الاقتصاد والفقه الإسلامي على حد سواء. ويقول "الأمر يتطلب خلفية اقتصادية قوية وخلفية فقهية قوية .. المشكلة إن البنوك بدأت العمل قبل إجراء مناقشة فقهية عميقة وكلما توسعوا زادت صعوبة الرجوع عن الأوضاع الحالية."

لكن فهمي يرفض التشكيك في آراء المؤسسات الشرعية كمرجعية إفتاء للعميل العادي غير المطلع على المفاهيم الاقتصادية وغير المتبحر في علوم الفقه الإسلامي. وقال "العميل العادي للبنك مقلد ولا إثم عليه مادامت هناك فتوى من مجمع الفقه ومن مجالس شرعية أخرى وكان من الصعب عليه تبين الحق بنفسه. لكن من يسألني أقول له: حرام." بحسب رويترز.

ويقر بأن رأيه لا يلقى تأييدا إلا من أقلية في أوساط المتخصصين والفقهاء وحتى هؤلاء قد يحاولون إصلاح المنظومة عن طريق تعديل صيغ العقود أو فرض شروط معينة على الأدوات. ورغم قناعته التامة بعدم إمكانية إصلاح الأدوات الحالية "حيث ما بني على باطل فهو باطل" يشدد فهمي دوما على أن رأيه محض اجتهاد شخصي مرددا مقولة الشافعي الشهيرة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آب/2014 - 5/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م