الشيخ السعدي وأجراس التبرير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل أعمال العنف مدانة، بغض النظر عن الجهة التي تصدر منها تلك الافعال، ولا يمكن باي حال من الاحوال تبريرها، او اختراع اسباب موجبة لها، تستدعي القيام بها حتى مع الخصوم.. انه مبدأ انساني واخلاقي عام.

في اوربا تظهر حملة (كفى) ضد الارتكابات الاسرائيلية في غزة، بسبب تمادي الالة العسكرية الاسرائيلية في التنكيل بالمدنيين، وهي تقصف قواعد لحماس او منصات اطلاق صواريخها، او انفاقها..

المانيا تعيش ازدواجية في الموقف الاخلاقي، فهي من جهة ترفض ادانة اسرائيل بسب الهولوكوست ضد اليهود، ومن جهة اخرى تتعاطف مع الضحايا في غزة، دون ادانة حقيقية لما تقوم به اسرائيل وليس اليهود كي تشعر بهذا الحرج الاخلاقي.

الجانب الاوربي، ورغم الازدواجية في المعايير التي تتخذها الحكومات، الا ان مثل تلك الازدواجية لاتجدها لدى مجتمعات تلك الحكومات، او لدى نخبها الثقافية والفكرية، خاصة مع بروز اليسار الاوربي خلال السنوات الاخيرة، ولاباس من التذكير بالتظاهرات التي خرجت ضد الحرب الاخيرة في العراق حتى قبل اندلاعها، وهي تظاهرات مليونية ضخمة تنم عن موقف مجتمعي رافض للمبدأ العام وهو العنف والحروب.

في مجتمعاتنا المهزومة والمازومة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، نضيف الى هزائمنا افلاسا اخلاقيا وقيميا وحتى دينيا، ونحن نتعاطى مع شؤوننا العامة، على المستوى الشخصي او العام.

الافلاس الاخلاقي لا يقتصر فقط على نخبنا السياسية بل هو يمتد الى النخب الثقافية والدينية في المجتمعات العربية والمسلمة، ولا بأس من التذكير بما حدث في العراق بعد العام 2003 ومواقف التشفي مما حدث فيه من تصاعد للعنف والقتل والخراب والتدمير من قبل الكثير من النخب، وتبرير تلك الاعمال ومباركتها، طالما الشعار المرفوع في مثل تلك الصراعات هو عدو عدوي صديقي.

الصراعات التي دارت في العراق بعد العام المذكور، مع الاعتراف انها قد اججتها هذا البروز الساطع للهويات الفرعية، وانشطار الهويات الاصلية، الا انه لايمكن ان يعد صراعا سياسيا فقط، بل هو صراع هوياتي يرتدي اثواب السياسة وازياءها.

لايجب ان يمنعنا ذلك من نقد الظاهرة، وتسمية الاشياء بمسمياتها، حرصا على مشاعر الطوائف التي ننتمي اليها، ومحاولة ايجاد التبريرات التي تبارك ماتقوم به تلك الطوائف من اعمال.

وحتى في الحدود الدنيا، يجب ان تكون ادانتنا واضحة لالبس فيها ولاغموض او تلاعب بالكلمات، كما درج الكثير من السياسيين في تيرير اعمالهم ومواقفهم.

الحدث الحالي في العراق، ومع اعتراف الجميع ان هناك جماعة تسمى داعش هي التي تسيطر على الارض والمقدرات في المناطق التي تحتلها، ومع اعتراف الجميع بذلك، حتى من قبل الدول او الجماعات التي لها مواقف سياسية ضد الحكومة العراقية الحالية (امريكا وروسيا والغرب والامم المتحدة ومجلس الامن والسعودية والكويت والاردن وتركيا، واستطيع ان استمر في تعداد تلك الدول)، ومع اعلان خلافتها، وتاسيس شرطتها، الا ان هناك من يصر على ان لاوجود لداعش، وان وجدت فهي مجموعة صغيرة (لاتنش او تهش)، وسط مجموعات الثوار الذين ينتفضون ضد الحكومة العراقية.

سمعنا هذا الكلام من الكثيرين (علي السليمان – مؤتمر الاردن – رافع الرفاعي – عزت الدوري) وغيرهم، لكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون ان يقفوا ضد داعش في تهجيرها للمسيحيين او ابادتها للشيعة او تفجيرها للمساجد والحسينيات، ويقعون في تناقض لامخرج لهم في ادانتها على استحياء، او يعترفون ضمنا بوجودها من خلال تشكيلات مسلحة تقاتلهم.

الشيخ عبد الملك السعدي، ومنذ اعتصامات الانبار ابرزه الاعلام كشخصية معتدلة، لكن اعتداله انحصر فقط في رفضه للفدرالية السنية وعدم التقسيم، ولم يمنعه اعتداله المزعوم من التبرير لما يقوم به المسلحون، او ما يصدر عن المعتصمين من تصريحات ضد الاخرين.

في الحدث السجالي الحالي، وهو داعش وجودا او عدما، حسب الجهة التي تصرح ، اصدر الشيخ السعدي بيانا فيه الكثير من التبرير لما تقوم به داعش، فما حدث هو (سوء فهم) ويسمي الاصرار على سوء الفهم هذا ب (الخطأ)، ويعترف ضمنا بهوية الجماعة التي قامت بهذا العمل دون أن يسميها من خلال اشارته الى ان (الإمام ابن تيمية وغيره، صلوا في المسجد النبوي، رغم وجود القبور فيه) وهو امام الوهابية والجماعات التكفيرية.

ويستمر السعدي في تبريره ومغالطاته، (فإن حصل من البعض مخالفة فإنهم قلة قليلة من الجهلة، يُوجَّهون ويُرشَدون ولا يستوجب هدم المساجد).. انهم قلة قليلة كما ذكرت في السطور السابقة، لاتهش ولاتنش، لكنها بامكانها تفجير مسجد امام عدسات الكاميرات وامام الاهالي الذين حضروا حفلة التفجير، ولا احد بامكانه الاعتراض او منع التفجير.

وتبرير اخر وهو مدعاة للسخرية المرة، يقول السعدي في بيانه: (فإن كان ولا بد: فيُقتصر على طمس القبر فقط وليس تفجيراً للمسجد ومأذنته ومحتوياته ومنها المصاحف الشريفة).

ولا يتوقف السعدي عند هذا الحد ويصمت، فهو الابن البار لثقافتنا المهزومة والمازومة، وثقافة المؤامرة، يعتقد السعدي العالم الديني المعتدل، أن ما يجري بالموصل قد يكون (وسيلة لإجهاض ثورة الثوار أو إلى حصول خلاف فيما بينهم؛ لأن الهدف من ثورتهم هو إنقاذ أهل السنة والعراق.. وليس البداية بتفجير المساجد والمراقد).

ما يحدث في الموصل هو ثورة، والقائمون عليها هم ثوار، والحكومة الطائفية على حد وصفه تستغل ذلك، وتجعل منه (وصمةً تُشَوِّه بها سمعة الثوَّار).

داعش في التوصيف (السعدي) المعتدل هي ثورة وثوار، لانه مثله مثل الملايين من الناس في هذه المعمورة، يكتفي بالاستماع الى صوت الجرس الذي يداعب اذنيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آب/2014 - 5/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م